عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ "
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ ، عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ ذَكَرْنَا مَا حَضَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ مَيْتَةً وَمَذْبُوحَةً وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يَتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ كُلِّهَا إِذَا دُبِغَتْ جُلُودُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ السِّبَاعِ قِيَاسًا عَلَيْهَا إِلَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ قَائِمَةٌ ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا حَيًّا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَوَافَقَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الشَّافِعِيَّ فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ ، فَقَالُوا لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ كُلَّهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ مَا خَلَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَاحْتَجُّوا أَوْ مَنِ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِخَبَرِ ابْنِ وَعْلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ، وَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ أَنْ يُدْبَغَ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ مَذْبُوحَةٌ وَمِيِّتَةٌ ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ وَأَبِي ثَوْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ السِّبَاعِ الْمَيِّتَةِ ، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِيهَا وَإِنْ دُبِغَتْ وَحَكَى مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ قَالَ : لَا يُبَاعُ وَلَا يَأْخُذُهَا أَحَدٌ لِنَفْسِهِ . وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ وَيَكْرَهُ بَيْعَهَا وَشِرَائِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدِ احْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِحُجَجٍ خَمْسٍ أَحَدُهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فِي كِتَابِهِ ، فَقَالَ : {{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ }} الْآيَةَ . وَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْمَيْتَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا بِخَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ ، فَأَبَحْنَا ذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ خَبَرًا يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَيْتَةِ فَبَقِيَتْ جُلُودُ السِّبَاعِ مُحَرَّمَةً بِالتَّحْرِيمِ الْعَامِّ ، وَحُجَّةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ قَبْلَ الدِّبَاغِ ، وَأَنَّهَا نَجَسَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَا يَحِلُّ مَا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ إِلَّا بِخَبَرٍ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، أَوْ إِجماعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ مَوْجُودٌ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ ، وَلَا يُزِيلُ إِجْمَاعَهُمْ إِلَّا إِجْمَاعُ مِثْلِهِ وَحُجَّةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كَرَاهِيَةِ الِانْتِفَاعِ بِجَلْدِ الْخِنْزِيرِ ، وَالْخِنْزِيرُ سَبُعٌ ، قَالَ : فَجَعَلْنَا سَائِرَ السِّبَاعِ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْنَعُ مِنَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ بَلْ مَوْجُودٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ ، وَحُجَّةٌ رَابِعَةٌ : وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْهُ بِذَلِكَ ، فَذَلِكَ عَامٌّ وَاقِعٌ عَلَى اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا بِخَبَرٍ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحُجَّةٌ خَامِسَةٌ : وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكَلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَخَصَّ الْأَكْلَ قِيلَ لَهُ فَنَحْنُ نَنْهَى عَنْ أَكْلِهَا وَنَنْهَى عَنْهَا جُمْلَةً كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَنْهَى عَنِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لِتُسْتَعْمَلَ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا كَالْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي بَعْضِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، فَالْقَوْلُ بِهَا كُلِّهَا يَجِبُ ، كَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَعَنِ النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ يَجِبُ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُخَالِفُ شَيْئًا