عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ : " أَنَّهُ أَتَى الْحَجَّاجَ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ الْبَوَّابُونَ ، فَرَدُّوهُ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى جَاءَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، ثُمَّ مَشَى فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ رَجُلَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّرِيرَ أَنْ يُوسِعَا لَهُ ، فَجَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : لِلَّهِ أَبُوكَ ، هَلْ تَعْلَمُ حَدِيثًا حَدَّثَهُ أَبُوكَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ جَدِّكَ ؟ فَقَالَ : أَيُّ حَدِيثٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : حَدِيثُ عُثْمَانَ إِذْ حَصَرُوهُ أَهْلُ مِصْرَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، قَدْ عَلِمْتُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ . فَقَالَ : أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يُفَرِّجُ النَّاسَ لَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَوَجَدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحْدَهُ فِي الدَّارِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، قَدْ عَزَمَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُ فَخَرَجُوا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : مَا جَاءَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ؟ قَالَ : جِئْتُ لِأَبِيتَ مَعَكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ أَوْ أُسْتَشْهَدَ مَعَكَ ، فَإِنِّي أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَاتِلُوكَ ، فَإِنْ يَقْتُلُوكَ فَخَيْرًا لَكَ وَشَرًّا لَهُمْ . قَالَ عُثْمَانُ : فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَمَا خَرَجْتَ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ يَسُوقُ اللَّهُ بِكَ ، أَوْ شَرٌّ يَدْفَعُهُ اللَّهُ بِكَ . فَسَمِعَ وَأَطَاعَ ، فَخَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَظَّمُوهُ ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ بِبَعْضِ الَّذِي يَسُرُّهُمْ ، فَقَامَ خَطِيبًا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ وَيُنْذِرُ بِالنَّارِ ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ اخْتَارَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ الْمَسَاكِنَ فَجَعَلَ مَسْكَنَهُ الْمَدِينَةَ ، فَجَعَلَهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَالْإِيمَانِ ، وَجَعَلَهَا قَبْرَهُ وَقَبْرَ أَزْوَاجِهِ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا هُدَىً وَرَحْمَةً ، فَمَنْ يَهْتَدِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَضِلَّ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا يَضِلُّ بَعْدَ السُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ ، فَبَلَّغَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا قُتِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ كَانَتْ دِيَتُهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، وَإِذَا قُتِلَ الْخَلِيفَةُ كَانَتْ دِيَتُهُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ ، كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، فَلَا تَعْجَلُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، بِقَتْلٍ الْيَوْمَ ، فَإِنَّى أُقْسِمُ بِاللَّهِ ، لَقَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ أُقْسِمَ لَكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُشَلًّا يَدُهُ مَقْطُوعَةٌ ، ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ حَقٌّ إِلَّا لِهَذَا الشَّيْخِ عَلَيْكُمْ مِثْلُهُ ، وَقَدْ أَقْسَمَ لَكُمْ بِاللَّهِ ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ ، مَا زَالَ سَيْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَغْمُودًا عَنْكُمْ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا تَسُلُّوا سَيْفَ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ غُمِدَ عَنْكُمْ ، وَلَا تَطْرُدُوا جِيرَانَكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ قَامُوا يَسُبُّونَهُ وَيَقُولُونَ : كَذَبَ الْيَهُودِيُّ . فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ : كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ ، مَا أَنَا بِيَهُودِيٍّ ، إِنِّي لَأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَلَقَدْ أَنْزَلَ فِيَّ قُرْآنًا ، فَقَالَ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ : {{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ }} وَأَنْزَلَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : {{ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }} فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الْحُمْلَانُ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغُوا مِنْهُ ، وَقَتَلَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ مِصْرَ ، يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، أَقَتَلْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَزَالُ بَعْدَهُ عَهْدٌ مَنْكُوثٌ ، وَدَمٌ مَسْفُوحٌ وَمَالٌ مَقْسُومٌ أَبَدًا مَا تُقُسِّمُ . وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ الْكِنْدِيُّ لَعَلَّهَ قُتِلَ فِيهَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : يَا كَثِيرُ ، إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا ، قَالَ لَهُ كَثِيرٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ يُعْلِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَعْبَكَ بِهِ ، وَيَكْبِتُ عَدُوَّكَ ، فَقَالَ لَهُ الثَّانِيَةَ : إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ يُعْلِي اللّهُ كَعْبَكَ وَيَكْبِتَ عَدُوَّكَ ، فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ أَيْضًا ، فَقَالَ لَهُ كَثِيرٌ : عَمَّنْ تَقُولُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَتَانِي أَوَّلَ اللَّيْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رِضَى اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : " يَا عُثْمَانُ ، إِنَّكَ مَقْتُولٌ غَدًا " فَأَنَا وَاللَّهِ يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ مَقْتُولٌ غَدًا . فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ "
أبنا أَحْمَدُ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، حَدَّثَهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ : أَنَّهُ أَتَى الْحَجَّاجَ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ الْبَوَّابُونَ ، فَرَدُّوهُ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى جَاءَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، ثُمَّ مَشَى فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ رَجُلَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّرِيرَ أَنْ يُوسِعَا لَهُ ، فَجَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : لِلَّهِ أَبُوكَ ، هَلْ تَعْلَمُ حَدِيثًا حَدَّثَهُ أَبُوكَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ جَدِّكَ ؟ فَقَالَ : أَيُّ حَدِيثٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : حَدِيثُ عُثْمَانَ إِذْ حَصَرُوهُ أَهْلُ مِصْرَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، قَدْ عَلِمْتُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ . فَقَالَ : أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يُفَرِّجُ النَّاسَ لَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَوَجَدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحْدَهُ فِي الدَّارِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، قَدْ عَزَمَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهُ فَخَرَجُوا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ . فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : مَا جَاءَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ؟ قَالَ : جِئْتُ لِأَبِيتَ مَعَكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ أَوْ أُسْتَشْهَدَ مَعَكَ ، فَإِنِّي أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَاتِلُوكَ ، فَإِنْ يَقْتُلُوكَ فَخَيْرًا لَكَ وَشَرًّا لَهُمْ . قَالَ عُثْمَانُ : فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَمَا خَرَجْتَ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ يَسُوقُ اللَّهُ بِكَ ، أَوْ شَرٌّ يَدْفَعُهُ اللَّهُ بِكَ . فَسَمِعَ وَأَطَاعَ ، فَخَرَجَ إِلَى الْقَوْمِ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَظَّمُوهُ ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ بِبَعْضِ الَّذِي يَسُرُّهُمْ ، فَقَامَ خَطِيبًا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ وَيُنْذِرُ بِالنَّارِ ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ اخْتَارَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ الْمَسَاكِنَ فَجَعَلَ مَسْكَنَهُ الْمَدِينَةَ ، فَجَعَلَهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَالْإِيمَانِ ، وَجَعَلَهَا قَبْرَهُ وَقَبْرَ أَزْوَاجِهِ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا هُدَىً وَرَحْمَةً ، فَمَنْ يَهْتَدِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَضِلَّ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا يَضِلُّ بَعْدَ السُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ ، فَبَلَّغَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا قُتِلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ كَانَتْ دِيَتُهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، وَإِذَا قُتِلَ الْخَلِيفَةُ كَانَتْ دِيَتُهُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ ، كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، فَلَا تَعْجَلُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، بِقَتْلٍ الْيَوْمَ ، فَإِنَّى أُقْسِمُ بِاللَّهِ ، لَقَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ أُقْسِمَ لَكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُشَلًّا يَدُهُ مَقْطُوعَةٌ ، ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ حَقٌّ إِلَّا لِهَذَا الشَّيْخِ عَلَيْكُمْ مِثْلُهُ ، وَقَدْ أَقْسَمَ لَكُمْ بِاللَّهِ ، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ ، مَا زَالَ سَيْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَغْمُودًا عَنْكُمْ مُنْذُ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَا تَسُلُّوا سَيْفَ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ غُمِدَ عَنْكُمْ ، وَلَا تَطْرُدُوا جِيرَانَكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ قَامُوا يَسُبُّونَهُ وَيَقُولُونَ : كَذَبَ الْيَهُودِيُّ . فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ : كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ ، مَا أَنَا بِيَهُودِيٍّ ، إِنِّي لَأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَلَقَدْ أَنْزَلَ فِيَّ قُرْآنًا ، فَقَالَ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ : {{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ }} وَأَنْزَلَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : {{ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }} فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الْحُمْلَانُ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغُوا مِنْهُ ، وَقَتَلَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ مِصْرَ ، يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، أَقَتَلْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَزَالُ بَعْدَهُ عَهْدٌ مَنْكُوثٌ ، وَدَمٌ مَسْفُوحٌ وَمَالٌ مَقْسُومٌ أَبَدًا مَا تُقُسِّمُ . وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ الْكِنْدِيُّ لَعَلَّهَ قُتِلَ فِيهَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : يَا كَثِيرُ ، إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا ، قَالَ لَهُ كَثِيرٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ يُعْلِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَعْبَكَ بِهِ ، وَيَكْبِتُ عَدُوَّكَ ، فَقَالَ لَهُ الثَّانِيَةَ : إِنِّي مَقْتُولٌ غَدًا ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ يُعْلِي اللّهُ كَعْبَكَ وَيَكْبِتَ عَدُوَّكَ ، فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ أَيْضًا ، فَقَالَ لَهُ كَثِيرٌ : عَمَّنْ تَقُولُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَتَانِي أَوَّلَ اللَّيْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رِضَى اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ ، إِنَّكَ مَقْتُولٌ غَدًا فَأَنَا وَاللَّهِ يَا كَثِيرُ بْنَ الصَّلْتِ مَقْتُولٌ غَدًا . فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ