" كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا ، أَصَابَتْنَا سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَاقْشَعَرَّتْ لَهَا الْأَرْضُ وَاغْبَرَّتْ لَهَا السَّمَاءُ وَخَنَتِ الْمَرَاضِعُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَرَاحَتِ الْإِبِلُ جَدْبَاءَ حَدَابِيرَ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ ، وَجَلَفَ الْمَالُ ، فَإِنَّا فِي لَيْلَةِ صَنْبَرَةٍ ، بَعِيدَةٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إِذْ تَضَاغَىَ الْأَصْبِيَةُ بِي مِنَ الْجُوعِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَعَدِيُّ وَسُفَانَةُ ، فَوَاللَّهِ إِنْ وَجَدْنَا شَيْئًا نُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَقَامَ إِلَى أَحَدِ الصَّبِيَّيْنِ فَحَمَلَهُ ، وَقُمْتُ إِلَى الصِّبْيَةِ فَعَلَّلْتُهَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ سَكَتَا إِلَّا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ عُدْنَا إِلَى الصَّبِيِّ الْآخَرِ فَعَلَّلْنَاهُ حَتَّى سَكَتَ وَمَا كَادَ ، ثُمَّ افْتَرَشْنَا قَطِيفَةً لَنَا شَامِيَّةً ذَاتَ خَمْلٍ ، فَأَضْجَعْنَا الصِّبْيَانَ عَلَيْهَا ، وَنِمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ ، وَالصِّبْيَانُ بَيْنَنَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ يُعَلِّلُنِي لِأَنَامَ ، وَعَرَفْتُ مَا يُرِيدُ ، فَتَنَاوَمْتُ لَهُ ، فَقَالَ : مَا لَكِ ؟ أَنِمْتِ ؟ ، فَسَكَتُّ ، فَقَالَ : مَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ نَامَتْ ، وَمَا بِي مِنْ نَوْمٍ ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ ، وَتَهَوَّرَتِ النُّجُومُ وَهَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتِ الرِّجْلُ ، إِذْ جَانِبُ الْبَيْتِ قَدْ رُفِعَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَوَلَّى حَتَّى إِذَا قُلْتُ : قَدْ أَسْحَرْنَا أَوْ كِدْنَا عَادَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : جَارَتُكَ فُلَانَةُ يَا أَبَا عَدِيٍّ ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى أَحَدٍ مِعْوَلًا غَيْرَكَ ، أَتَيْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَصْبِيَةٍ يَتَعَاوَوْنَ عُوَاءَ الذَّئْبِ مِنَ الْجُوعِ ، قَالَ : أَعْجِلِيهِمْ عَلَيَّ ، قَالَتِ النَّوَارُ : فَوَثَبْتُ فَقُلْتُ : مَاذَا صَنَعْتَ ؟ ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَضَاغَا أَصْبِيَتُكَ فَمَا وَجَدْتَ مَا تُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَكَيْفَ بِهَذِهِ وَبِوَلَدِهَا ؟ ، فَقَالَ : اسْكُتِي ، فَوَاللَّهِ لَأُشْبِعَنَّكِ وَإِيَّاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَأَقْبَلَتْ تَحْمِلُ اثْنَيْنِ وَيَمْشِي جَنْبَتَيْهَا أَرْبَعَةٌ كَأَنَّمَا نَعَامَةٌ حَوْلَهَا رِئَالُهَا ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ فَوَجَأَ بِحَرْبَتِهِ فِي لَبَّتِهِ ، ثُمَّ قَدَحَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ ، ثُمَّ جَاءَ بِمُدْيَةٍ فَكَشَطَ عَنْ جِلْدِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُدْيَةَ إِلَى الْمَرْأَةِ ، فَقَالَ : دُونَكِ ، ثُمَّ قَالَ : دُونَكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ابْعَثِي صِبْيَانَكِ ، فَبَعَثَتْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : سُوءَةٌ ، تَأْكُلُونَ شَيْئًا دُونَ أَهْلِ الصِّرْمِ ، فَجَعَلَ يَطُوفُ فِيهِمْ حَتَّى هَبُّوا ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَالْتَفَعَ بَيْتُهُ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ نَاحِيَةً يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، لَا وَاللَّهِ مَا ذَاقَ مُزْعَةً وَإِنَّهُ لَأَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ ، وَأَصْبَحْنَا وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ، إِلَّا عَظْمٌ أَوْ حَافِرٌ
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ ، عَنْ مِلْحَانِ بْنِ عَرَكِيِّ بْنِ حَلْبَسٍ الطَّائِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، وَكَانَ أَخَا عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لِأُمِّهِ قَالَ : قِيلَ لِلنَّوَارِ امْرَأَةِ حَاتِمٍ : حَدِّثِينَا عَنْ حَاتِمٍ ، قَالَتْ : كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا ، أَصَابَتْنَا سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَاقْشَعَرَّتْ لَهَا الْأَرْضُ وَاغْبَرَّتْ لَهَا السَّمَاءُ وَخَنَتِ الْمَرَاضِعُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَرَاحَتِ الْإِبِلُ جَدْبَاءَ حَدَابِيرَ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ ، وَجَلَفَ الْمَالُ ، فَإِنَّا فِي لَيْلَةِ صَنْبَرَةٍ ، بَعِيدَةٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إِذْ تَضَاغَىَ الْأَصْبِيَةُ بِي مِنَ الْجُوعِ ، عَبْدُ اللَّهِ وَعَدِيُّ وَسُفَانَةُ ، فَوَاللَّهِ إِنْ وَجَدْنَا شَيْئًا نُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَقَامَ إِلَى أَحَدِ الصَّبِيَّيْنِ فَحَمَلَهُ ، وَقُمْتُ إِلَى الصِّبْيَةِ فَعَلَّلْتُهَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ سَكَتَا إِلَّا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ عُدْنَا إِلَى الصَّبِيِّ الْآخَرِ فَعَلَّلْنَاهُ حَتَّى سَكَتَ وَمَا كَادَ ، ثُمَّ افْتَرَشْنَا قَطِيفَةً لَنَا شَامِيَّةً ذَاتَ خَمْلٍ ، فَأَضْجَعْنَا الصِّبْيَانَ عَلَيْهَا ، وَنِمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ ، وَالصِّبْيَانُ بَيْنَنَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ يُعَلِّلُنِي لِأَنَامَ ، وَعَرَفْتُ مَا يُرِيدُ ، فَتَنَاوَمْتُ لَهُ ، فَقَالَ : مَا لَكِ ؟ أَنِمْتِ ؟ ، فَسَكَتُّ ، فَقَالَ : مَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ نَامَتْ ، وَمَا بِي مِنْ نَوْمٍ ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ ، وَتَهَوَّرَتِ النُّجُومُ وَهَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتِ الرِّجْلُ ، إِذْ جَانِبُ الْبَيْتِ قَدْ رُفِعَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَوَلَّى حَتَّى إِذَا قُلْتُ : قَدْ أَسْحَرْنَا أَوْ كِدْنَا عَادَ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : جَارَتُكَ فُلَانَةُ يَا أَبَا عَدِيٍّ ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى أَحَدٍ مِعْوَلًا غَيْرَكَ ، أَتَيْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَصْبِيَةٍ يَتَعَاوَوْنَ عُوَاءَ الذَّئْبِ مِنَ الْجُوعِ ، قَالَ : أَعْجِلِيهِمْ عَلَيَّ ، قَالَتِ النَّوَارُ : فَوَثَبْتُ فَقُلْتُ : مَاذَا صَنَعْتَ ؟ ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَضَاغَا أَصْبِيَتُكَ فَمَا وَجَدْتَ مَا تُعَلِّلُهُمْ بِهِ ، فَكَيْفَ بِهَذِهِ وَبِوَلَدِهَا ؟ ، فَقَالَ : اسْكُتِي ، فَوَاللَّهِ لَأُشْبِعَنَّكِ وَإِيَّاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَأَقْبَلَتْ تَحْمِلُ اثْنَيْنِ وَيَمْشِي جَنْبَتَيْهَا أَرْبَعَةٌ كَأَنَّمَا نَعَامَةٌ حَوْلَهَا رِئَالُهَا ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ فَوَجَأَ بِحَرْبَتِهِ فِي لَبَّتِهِ ، ثُمَّ قَدَحَ زَنْدَهُ وَأَوْرَى نَارَهُ ، ثُمَّ جَاءَ بِمُدْيَةٍ فَكَشَطَ عَنْ جِلْدِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُدْيَةَ إِلَى الْمَرْأَةِ ، فَقَالَ : دُونَكِ ، ثُمَّ قَالَ : دُونَكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ابْعَثِي صِبْيَانَكِ ، فَبَعَثَتْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : سُوءَةٌ ، تَأْكُلُونَ شَيْئًا دُونَ أَهْلِ الصِّرْمِ ، فَجَعَلَ يَطُوفُ فِيهِمْ حَتَّى هَبُّوا ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَالْتَفَعَ بَيْتُهُ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ نَاحِيَةً يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، لَا وَاللَّهِ مَا ذَاقَ مُزْعَةً وَإِنَّهُ لَأَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ ، وَأَصْبَحْنَا وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ، إِلَّا عَظْمٌ أَوْ حَافِرٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الصِّرْمُ الْأَبْيَاتُ الْعَشْرُ أَوْ نَحْوُهَا يُنْزِلُونَ فِي جَانِبٍ