حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْمَدَنِيُّ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ ، أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا رَجَعَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بَلَغَ أَرْضَ بَابِلَ ، مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا أَشْفَقَ مِنْ مَرَضِهِ أَنْ يَمُوتَ بَعْدَمَا دَوَّخَ الْبِلَادَ وَحَوَاهَا ، وَاستعَبْدَ الرِّجَالَ ، وَجَمَعَ الْأَمْوَالَ ، وَنَزَلَ أَرْضَ بَابِلَ ، دَعَا كَاتِبَهُ فَقَالَ : خَفِّفْ عَلَيَّ الْمُؤْنَةَ بِكِتَابٍ تَكْتُبُهُ إِلَى أُمِّي تُعَزِّيهَا بِي ، وَاسْتَعِنْ بِبَعْضِ عُلَمَاءِ فَارِسَ ، ثُمَّ اقْرَأْهُ عَلَيَّ ، فَكَتَبَ الْكِتَابَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنَ الْإِسْكَنْدَرِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، وَهُوَ بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ، وَبِاسْمِهِ سُمِّيَتِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ، وَالْإِسْكَنْدَرَانِيُّ ، فَكَتَبَ : مِنَ الْإِسْكَنْدَرِ بْنِ قَيْصَرَ رَفِيقِ أَهْلِ الْأَرْضِ بَجَسَدِهِ قَلِيلًا ، وَرَفِيقِ أَهْلِ السَّمَاءِ بِرُوحِهِ طَوِيلًا ، إِلَى أُمِّهِ رُومِيَّةَ ذَاتِ الصَّفَا ، الَّتِي لَمْ تُمَتَّعْ بِثَمَرَتِهَا فِي دَارِ الْقُرْبِ ، وَهِيَ مُجَاوِرَتُهُ عَمَّا قَلِيلٍ فِي دَارِ الْبُعْدِ ، يَا أُمَّتَاهُ ، يَا ذَاتَ الْحِلْمِ أَسْأَلُكِ بِرَحِمِي وَوُدِّي وَوِلَادَتِكِ إِيَّاي : هَلْ وَجَدْتِ لِشَيْءٍ قَرَارًا ثَابِتًا ، أَوْ خَيَالًا دَائِمًا ، أَلَمْ تَرَي إِلَى الشَّجَرَةِ كَيْفَ تَنْضُرُ أَغْصَانُهَا ، وَيَخْرُجُ ثَمَرُهَا ، وَتَلْتَفُّ أَوْرَاقُهَا ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ الْغُصْنُ أَنْ يَتَهَشَّمَ ، وَالثَّمَرَةُ أَنْ تَتَسَاقَطَ ، وَالْوَرَقُ أَنْ يَتَنَاثَرَ ؟ أَلَمْ تَرَي النَّبْتَ الْأَزْهَرَ يُصْبِحُ نَضِيرًا ، وَيُمْسِي هَشِيمًا ؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّهَارِ الْمُضِيءِ كَيْفَ يَخْلُفُهُ اللَّيْلُ الْمُظْلِمُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى الْقَمَرِ كَيْفَ يَغْشَاهُ الْكُسُوفُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى شُهَبِ النَّارِ الْمُوقَدَةِ مَا أَسْرَعَ مَا تَخْمَدُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى عَذْبِ الْمِيَاهِ الصَّافِيَةِ مَا أَسْرَعَهَا إِلَى الْبُحُورِ الْمُتَغَيِّرَةِ ، أَلَمْ تَرَي إِلَى هَذَا الْخَلْقِ كَيْفَ يَتَعَيَّشُ فِي الدُّنْيَا وَقَدِ امْتَلَأَتْ مِنْهُ الْآفَاقُ ، وَاسْتَعْلَتْ بِهِ الْآمَاقُ ، وَلَهَتْ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ ، إِنَّمَا هُمَا شَيْئَانِ : إِمَّا مَوْلُودٌ ، وَإِمَّا نَبْتٌ ، وَكِلَاهُمَا مُقِرُّونٌ بِهِ الْفِنَاءُ ؟ أَلَمْ تَرَي أَنَّهُ قِيلَ لِأَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ : رُوحِي بِأَهْلِكِ فَإِنَّكِ لَسْتِ لَهُمْ بِدَارٍ يَا وَالِدَةَ الْمَوْتِ ، وَيَا مُوَرِّثَةَ الْأَحْزَانِ ، وَيَا مُفَرِّقَةً بَيْنَ الْأَحْبَابِ ، وَمُخَرِّبَةَ الْعُمْرَانِ ، أَلَمْ تَرَي أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ يَجْرِي عَلَى مَا لَا يَدْرِي ؟ وَأَنَّ كُلَّ مُسْتَيْقِنٍ مِنْهُمْ غَيْرُ رَاضٍ بِمَا هُوَ فِيهِ ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتْرُوكٌ لِغَيْرِ قَرَارٍ ؟ وَهَلْ رَأَيْتِ يَا أُمَّتَاهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِالْبُكَاءِ حَقِيقًا فَلْتَبْكِ السَّمَاوَاتُ عَلَى نُجُومِهَا ، وَلْتَبْكِ الْبِحَارُ عَلَى مَائِهَا ، وَلْيَبْكِ الْجَوُّ عَلَى طَائِرِهِ ، وَلْتَبْكِ الْأَرْضُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَالنَّبْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَلْيَبْكِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَعِنْدَ كُلِّ طَرْفَةٍ ، وَفِي كُلِّ هَمٍّ وَقَوْلٍ وَفَعْلٍ ، بَلْ عَلَى مَا يَبْكِي الْبَاكِي لِفَقْدِ مَا فَقَدَ ، أَكَانَ قَبْلَ فِرَاقِهِ آمِنًا لِذَلِكَ مِنْ فَقْدِهِ ، أَمْ هُوَ لِمَا بَقِيَ بَاقٍ لَهُ لِبُكَائِهِ ، وَالْحُزْنِ عَلَيْهِ ، أَوْ هُوَ بَاقٍ بَعْدَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَلَيْسَ لِلْبَاكِي عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ يُتَّبَعُ ، وَلَا قَائِدٌ يَهْدِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَبْغَتْنِي مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي كُنْتُ عَارِفًا إِنَّهُ نَازِلٌ بِي ، فَلَا يَبْغَتْكِ الْحُزْنُ ، فَإِنَّكِ لَمْ تَكُونِي جَاهِلَةً بِأَنِّي مِنَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنِّي كَتَبْتُ كِتَابِي هَذَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تُعَزَّيْ بِهِ ، وَيُحْبَسُ مَوْقِعُهُ مِنْكِ ، وَلَا تَخْلِفِي ظَنِّي ، وَلَا تُحْزِنِي رُوحِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ مَكَانِي الَّذِي أَنَا فِيهِ ، أَطْهَرُ مِنَ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ، وَالسَّقَمِ وَالنَّصَبِ وَالْأَمْرَاضِ ، فَاغْتَبِطِي لِي مَذْهَبِي ، فَاسْتَعِدِّي فِي إِجْمَالِ الثَّنَاءِ عَلَيَّ ، إِنَّ ذِكْرِي مِنَ الدُّنْيَا قَدِ انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا كُنْتُ أُذْكَرُ بِهِ مِنَ الْمُلْكِ وَالرَّأْيِ ، فَاجْعَلِي لِي مِنْ بَعْدِي ذِكْرًا أُذْكَرُ بِهِ فِي حِلْمِكِ وَصَبْرِكِ ، وَطَاعَةِ الْفُقَهَاءِ ، وَالرِّضَا بِمَا يَقُولُ الْحُكَمَاءُ ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنَّ النَّاسَ سَيَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا مِنْكِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْكِ مِنْ بَيْنِ رَاضٍ وَكَارِهٍ وَمُدْلٍ وَمُسْمِعٍ ، وَقَائِلٍ قَوْلًا ، وَمُخْبِرٍ ، فَأَحْسِنِي إِلَيَّ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، السَّلَامُ فِي هَذِهِ الدَّارِ قَلِيلٌ زَائِلٌ ، فَلْيَكُنْ عَلَيْكِ وَعَلَيَّ فِي دَارِ الْأَبَدِ السَّلَامُ الدَّائِمُ ، فَتَفَكَّرِي بِتَفَهُّمٍ وَرَغْبَةٍ بِنَفْسِكِ أَنْ تَكُونِي شِبْهَ النِّسَاءِ فِي الْجَزَعِ ، كَمَا كُنْتُ لَا أَرْضَى أَنْ أَكُونَ شِبْهَ الرِّجَالِ فِي الْجَزَعِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالضَّعْفِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُرْضِيكِ مِنِّي ، وَمَاتَ "
حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْمَدَنِيُّ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ ، أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا رَجَعَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بَلَغَ أَرْضَ بَابِلَ ، مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا أَشْفَقَ مِنْ مَرَضِهِ أَنْ يَمُوتَ بَعْدَمَا دَوَّخَ الْبِلَادَ وَحَوَاهَا ، وَاستعَبْدَ الرِّجَالَ ، وَجَمَعَ الْأَمْوَالَ ، وَنَزَلَ أَرْضَ بَابِلَ ، دَعَا كَاتِبَهُ فَقَالَ : خَفِّفْ عَلَيَّ الْمُؤْنَةَ بِكِتَابٍ تَكْتُبُهُ إِلَى أُمِّي تُعَزِّيهَا بِي ، وَاسْتَعِنْ بِبَعْضِ عُلَمَاءِ فَارِسَ ، ثُمَّ اقْرَأْهُ عَلَيَّ ، فَكَتَبَ الْكِتَابَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنَ الْإِسْكَنْدَرِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، وَهُوَ بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ، وَبِاسْمِهِ سُمِّيَتِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ، وَالْإِسْكَنْدَرَانِيُّ ، فَكَتَبَ : مِنَ الْإِسْكَنْدَرِ بْنِ قَيْصَرَ رَفِيقِ أَهْلِ الْأَرْضِ بَجَسَدِهِ قَلِيلًا ، وَرَفِيقِ أَهْلِ السَّمَاءِ بِرُوحِهِ طَوِيلًا ، إِلَى أُمِّهِ رُومِيَّةَ ذَاتِ الصَّفَا ، الَّتِي لَمْ تُمَتَّعْ بِثَمَرَتِهَا فِي دَارِ الْقُرْبِ ، وَهِيَ مُجَاوِرَتُهُ عَمَّا قَلِيلٍ فِي دَارِ الْبُعْدِ ، يَا أُمَّتَاهُ ، يَا ذَاتَ الْحِلْمِ أَسْأَلُكِ بِرَحِمِي وَوُدِّي وَوِلَادَتِكِ إِيَّاي : هَلْ وَجَدْتِ لِشَيْءٍ قَرَارًا ثَابِتًا ، أَوْ خَيَالًا دَائِمًا ، أَلَمْ تَرَي إِلَى الشَّجَرَةِ كَيْفَ تَنْضُرُ أَغْصَانُهَا ، وَيَخْرُجُ ثَمَرُهَا ، وَتَلْتَفُّ أَوْرَاقُهَا ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ الْغُصْنُ أَنْ يَتَهَشَّمَ ، وَالثَّمَرَةُ أَنْ تَتَسَاقَطَ ، وَالْوَرَقُ أَنْ يَتَنَاثَرَ ؟ أَلَمْ تَرَي النَّبْتَ الْأَزْهَرَ يُصْبِحُ نَضِيرًا ، وَيُمْسِي هَشِيمًا ؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّهَارِ الْمُضِيءِ كَيْفَ يَخْلُفُهُ اللَّيْلُ الْمُظْلِمُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى الْقَمَرِ كَيْفَ يَغْشَاهُ الْكُسُوفُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى شُهَبِ النَّارِ الْمُوقَدَةِ مَا أَسْرَعَ مَا تَخْمَدُ ؟ أَلَمْ تَرَي إِلَى عَذْبِ الْمِيَاهِ الصَّافِيَةِ مَا أَسْرَعَهَا إِلَى الْبُحُورِ الْمُتَغَيِّرَةِ ، أَلَمْ تَرَي إِلَى هَذَا الْخَلْقِ كَيْفَ يَتَعَيَّشُ فِي الدُّنْيَا وَقَدِ امْتَلَأَتْ مِنْهُ الْآفَاقُ ، وَاسْتَعْلَتْ بِهِ الْآمَاقُ ، وَلَهَتْ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ ، إِنَّمَا هُمَا شَيْئَانِ : إِمَّا مَوْلُودٌ ، وَإِمَّا نَبْتٌ ، وَكِلَاهُمَا مُقِرُّونٌ بِهِ الْفِنَاءُ ؟ أَلَمْ تَرَي أَنَّهُ قِيلَ لِأَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ : رُوحِي بِأَهْلِكِ فَإِنَّكِ لَسْتِ لَهُمْ بِدَارٍ يَا وَالِدَةَ الْمَوْتِ ، وَيَا مُوَرِّثَةَ الْأَحْزَانِ ، وَيَا مُفَرِّقَةً بَيْنَ الْأَحْبَابِ ، وَمُخَرِّبَةَ الْعُمْرَانِ ، أَلَمْ تَرَي أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ يَجْرِي عَلَى مَا لَا يَدْرِي ؟ وَأَنَّ كُلَّ مُسْتَيْقِنٍ مِنْهُمْ غَيْرُ رَاضٍ بِمَا هُوَ فِيهِ ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتْرُوكٌ لِغَيْرِ قَرَارٍ ؟ وَهَلْ رَأَيْتِ يَا أُمَّتَاهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِالْبُكَاءِ حَقِيقًا فَلْتَبْكِ السَّمَاوَاتُ عَلَى نُجُومِهَا ، وَلْتَبْكِ الْبِحَارُ عَلَى مَائِهَا ، وَلْيَبْكِ الْجَوُّ عَلَى طَائِرِهِ ، وَلْتَبْكِ الْأَرْضُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَالنَّبْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا ، وَلْيَبْكِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَعِنْدَ كُلِّ طَرْفَةٍ ، وَفِي كُلِّ هَمٍّ وَقَوْلٍ وَفَعْلٍ ، بَلْ عَلَى مَا يَبْكِي الْبَاكِي لِفَقْدِ مَا فَقَدَ ، أَكَانَ قَبْلَ فِرَاقِهِ آمِنًا لِذَلِكَ مِنْ فَقْدِهِ ، أَمْ هُوَ لِمَا بَقِيَ بَاقٍ لَهُ لِبُكَائِهِ ، وَالْحُزْنِ عَلَيْهِ ، أَوْ هُوَ بَاقٍ بَعْدَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَلَيْسَ لِلْبَاكِي عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ يُتَّبَعُ ، وَلَا قَائِدٌ يَهْدِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَبْغَتْنِي مِنْ أَجْلِ أَنَّنِي كُنْتُ عَارِفًا إِنَّهُ نَازِلٌ بِي ، فَلَا يَبْغَتْكِ الْحُزْنُ ، فَإِنَّكِ لَمْ تَكُونِي جَاهِلَةً بِأَنِّي مِنَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنِّي كَتَبْتُ كِتَابِي هَذَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تُعَزَّيْ بِهِ ، وَيُحْبَسُ مَوْقِعُهُ مِنْكِ ، وَلَا تَخْلِفِي ظَنِّي ، وَلَا تُحْزِنِي رُوحِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّ الَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ مَكَانِي الَّذِي أَنَا فِيهِ ، أَطْهَرُ مِنَ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ، وَالسَّقَمِ وَالنَّصَبِ وَالْأَمْرَاضِ ، فَاغْتَبِطِي لِي مَذْهَبِي ، فَاسْتَعِدِّي فِي إِجْمَالِ الثَّنَاءِ عَلَيَّ ، إِنَّ ذِكْرِي مِنَ الدُّنْيَا قَدِ انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا كُنْتُ أُذْكَرُ بِهِ مِنَ الْمُلْكِ وَالرَّأْيِ ، فَاجْعَلِي لِي مِنْ بَعْدِي ذِكْرًا أُذْكَرُ بِهِ فِي حِلْمِكِ وَصَبْرِكِ ، وَطَاعَةِ الْفُقَهَاءِ ، وَالرِّضَا بِمَا يَقُولُ الْحُكَمَاءُ ، يَا أُمَّتَاهُ ، إِنَّ النَّاسَ سَيَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا مِنْكِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْكِ مِنْ بَيْنِ رَاضٍ وَكَارِهٍ وَمُدْلٍ وَمُسْمِعٍ ، وَقَائِلٍ قَوْلًا ، وَمُخْبِرٍ ، فَأَحْسِنِي إِلَيَّ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِي ، يَا أُمَّتَاهُ ، السَّلَامُ فِي هَذِهِ الدَّارِ قَلِيلٌ زَائِلٌ ، فَلْيَكُنْ عَلَيْكِ وَعَلَيَّ فِي دَارِ الْأَبَدِ السَّلَامُ الدَّائِمُ ، فَتَفَكَّرِي بِتَفَهُّمٍ وَرَغْبَةٍ بِنَفْسِكِ أَنْ تَكُونِي شِبْهَ النِّسَاءِ فِي الْجَزَعِ ، كَمَا كُنْتُ لَا أَرْضَى أَنْ أَكُونَ شِبْهَ الرِّجَالِ فِي الْجَزَعِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالضَّعْفِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُرْضِيكِ مِنِّي ، وَمَاتَ