حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دِينَارٍ ، قَالَ : دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيدَانَ الْكَاتِبُ يَوْمًا عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ فَرَآهُ مَهْمُومًا مُفَكِّرًا ، يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، قَدْ طَالَ فِكْرُكَ فَفِيمَ ذَاكَ ، هَذَا ابْنُكَ الْفَضْلُ عَلَى خُرَاسَانَ ، وَجَعْفَرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْيَمَنِ ، وَمُوسَى عَلَى الْجِبَالِ ، وَأَنْتَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ ، فَفِي هَذَا كَانَ فِكْرِي ، وَلِمَا نَحْنُ فِيهِ كَثُرَ هَمِّي ، أَنَا عَلِمْتُ أَنَّ جَدِّي بَرْمَكَ كَانَ يَنْزِلُ النُّوبَهَارَ ، وَكَانَ يَقْدُمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَكَانَ يَأْلَفُ دِهْقَانًا بِالْجَبَلِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ذَاهِبًا ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْهِ رَاجِعًا ، وَكَانَ فِي دُنْيَا عَرِيضَةٍ ، وَأَمْرٍ وَاسِعٍ جِدًّا ، فَقَالَ لَهُ جَدِّي مَرَّةً فِي بَعْضِ نُزُولِهِ عَلَيْهِ : إِنَّكَ مِنَ الدُّنْيَا لَفِي أَمْرٍ وَاسِعٍ ، وَخَيْرٍ كَثِيرٍ ، هَؤُلَاءِ وَلَدُكَ قَدْ سَاوَوْكَ ، وَأَمْوَالُكَ مُنْتَشِرَةٌ ، وِجَاهُكَ عَرِيضٌ ، قَالَ : وَمَا يَنْفَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكَدَّرَ عَلَيَّ كُلُّ مَا أَنَا فِيهِ بِصَاحِبَتِي أُمِّ أَوْلَادِي ، هِيَ الدَّهْرَ بَاكِيَةٌ لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا ، فَمَا أَتَهَنَّى بِشَيْءٍ مِمَّا أَنَا فِيهِ ، وَلَا أَعْلَمُ مَا سَبَبُ بُكَائِهَا ، وَلَا تُخْبِرُنِي بِهِ ، قُلْتُ : أَفَتَأْذَنُ لِي فِي كَلَامِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، شَأْنُكَ وَذَاكَ ، فَقُلْتُ : يَا هَذِهِ ، إِنَّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا فِي سَعَةٍ ، وَمِنَ الْعَيْشِ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ ، وَقَدْ أَفْسَدْتِ ذَاكَ عَلَى صَاحِبِكَ بِطُولِ بُكَائِكِ ، وَدَوَامِ حُزْنُكِ ، فَمِمَّ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : أَمَا إِنَّهُ يُسَائِلُنِي عَنْ ذَاكَ مُنْذُ مُدَّةٍ فَمَا أُخْبِرُهُ ، نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ نُصَبْ بِمُصِيبَةٍ ، وَلَمْ تَنْزِلْ بِنَا جَائِحَةٌ ، وَلَمْ نَثْكِلْ وَلَدًا ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا أَرَى ، وَنَفْسِي مُتَوَقِّعَةٌ أَمْرًا يَنْزِلُ بِنَا ، فَطُولُ بُكَائِي ، وَدَوَامُ حُزْنِي لِذَلِكَ ، فَقُلْتُ لَهَا : فَلِمَ تُعَجِّلِينَ الْبُكَاءَ ، دِعِي الْأَمْرَ حَتَّى يَقَعَ ، قَالَتْ : إِنَّ نَفْسِي تَأْبَى أَنْ تَسْكُنَ مَعَ تَغَيُّرِ مَا تَعْلَمُ ، قَالَ : فَارْتَحَلْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى هِشَامٍ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَمَرَرْتُ بِهِمْ ، فَإِذَا الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَتَلُوا الدِّهْقَانَ وَوَلَدَهُ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَأَخْرَبُوا ضِيَاعَهُمْ ، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ فَتَوَجَّعْتُ لَهَا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ ، فَقَالَتْ : أَبَا فُلَانٍ ، قَدْ حَلَّ بِنَا مَا كُنَّا نَتَوَقَّعُ ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ : وَيْحَكَ ، فَإِنَّمَا طَالَ فِكْرِي لِلْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، قَالَ : فَمَا لَبِثُوا أَنْ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دِينَارٍ ، قَالَ : دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيدَانَ الْكَاتِبُ يَوْمًا عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ فَرَآهُ مَهْمُومًا مُفَكِّرًا ، يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، قَدْ طَالَ فِكْرُكَ فَفِيمَ ذَاكَ ، هَذَا ابْنُكَ الْفَضْلُ عَلَى خُرَاسَانَ ، وَجَعْفَرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْيَمَنِ ، وَمُوسَى عَلَى الْجِبَالِ ، وَأَنْتَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ ، فَفِي هَذَا كَانَ فِكْرِي ، وَلِمَا نَحْنُ فِيهِ كَثُرَ هَمِّي ، أَنَا عَلِمْتُ أَنَّ جَدِّي بَرْمَكَ كَانَ يَنْزِلُ النُّوبَهَارَ ، وَكَانَ يَقْدُمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَكَانَ يَأْلَفُ دِهْقَانًا بِالْجَبَلِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ذَاهِبًا ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْهِ رَاجِعًا ، وَكَانَ فِي دُنْيَا عَرِيضَةٍ ، وَأَمْرٍ وَاسِعٍ جِدًّا ، فَقَالَ لَهُ جَدِّي مَرَّةً فِي بَعْضِ نُزُولِهِ عَلَيْهِ : إِنَّكَ مِنَ الدُّنْيَا لَفِي أَمْرٍ وَاسِعٍ ، وَخَيْرٍ كَثِيرٍ ، هَؤُلَاءِ وَلَدُكَ قَدْ سَاوَوْكَ ، وَأَمْوَالُكَ مُنْتَشِرَةٌ ، وِجَاهُكَ عَرِيضٌ ، قَالَ : وَمَا يَنْفَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكَدَّرَ عَلَيَّ كُلُّ مَا أَنَا فِيهِ بِصَاحِبَتِي أُمِّ أَوْلَادِي ، هِيَ الدَّهْرَ بَاكِيَةٌ لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا ، فَمَا أَتَهَنَّى بِشَيْءٍ مِمَّا أَنَا فِيهِ ، وَلَا أَعْلَمُ مَا سَبَبُ بُكَائِهَا ، وَلَا تُخْبِرُنِي بِهِ ، قُلْتُ : أَفَتَأْذَنُ لِي فِي كَلَامِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، شَأْنُكَ وَذَاكَ ، فَقُلْتُ : يَا هَذِهِ ، إِنَّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا فِي سَعَةٍ ، وَمِنَ الْعَيْشِ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ ، وَقَدْ أَفْسَدْتِ ذَاكَ عَلَى صَاحِبِكَ بِطُولِ بُكَائِكِ ، وَدَوَامِ حُزْنُكِ ، فَمِمَّ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : أَمَا إِنَّهُ يُسَائِلُنِي عَنْ ذَاكَ مُنْذُ مُدَّةٍ فَمَا أُخْبِرُهُ ، نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ نُصَبْ بِمُصِيبَةٍ ، وَلَمْ تَنْزِلْ بِنَا جَائِحَةٌ ، وَلَمْ نَثْكِلْ وَلَدًا ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا أَرَى ، وَنَفْسِي مُتَوَقِّعَةٌ أَمْرًا يَنْزِلُ بِنَا ، فَطُولُ بُكَائِي ، وَدَوَامُ حُزْنِي لِذَلِكَ ، فَقُلْتُ لَهَا : فَلِمَ تُعَجِّلِينَ الْبُكَاءَ ، دِعِي الْأَمْرَ حَتَّى يَقَعَ ، قَالَتْ : إِنَّ نَفْسِي تَأْبَى أَنْ تَسْكُنَ مَعَ تَغَيُّرِ مَا تَعْلَمُ ، قَالَ : فَارْتَحَلْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى هِشَامٍ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَمَرَرْتُ بِهِمْ ، فَإِذَا الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَتَلُوا الدِّهْقَانَ وَوَلَدَهُ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَأَخْرَبُوا ضِيَاعَهُمْ ، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ فَتَوَجَّعْتُ لَهَا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ ، فَقَالَتْ : أَبَا فُلَانٍ ، قَدْ حَلَّ بِنَا مَا كُنَّا نَتَوَقَّعُ ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ : وَيْحَكَ ، فَإِنَّمَا طَالَ فِكْرِي لِلْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، قَالَ : فَمَا لَبِثُوا أَنْ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ