" كُنَّا عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ خُطَبَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا . قَالَ : فَحَضَرْتُ كَلَامَهُمْ رَجُلَا رَجُلَا ، حَتَّى قَامَ ابْنُ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ أَعْظَمَ الْقَوْمِ قَدْرًا ، وَأَكْبَرَهُمْ سِنًّا ، فَقَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ خُطَبَاءَ قُرَيْشٍ قَدْ قَالَتْ فِيكَ فَاحْتَفَلَتْ ، وَأَثْنَتْ فَأَطْنَبَتْ ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ قَائِلُهُمْ قَدْرَكَ ، وَلَا أَحْصَى مُطْنِبُهُمْ فَضْلَكَ ، أَفَأُطِيلُ أَمْ أُوجِزُ ؟ قَالَ : " بَلْ أَوْجِزْ " قَالَ : تَوَلَاكَ اللَّهُ بِالْحُسْنَى ، وَزَيَّنَكَ بِالتَّقْوَى ، وَجَمَعَ لَكَ خَيْرَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ، إِنَّ لِي حَوَائِجَ أَفَأَذْكُرُهَا ؟ قَالَ : " اذْكُرْهَا " . قَالَ : كَبِرَتْ سِنِّي ، وَرَقَّ عَظْمِي ، وَنَالَ الدَّهْرُ مِنِّي ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْبُرَ كَسْرِي ، وَأَنْ يَنْفِيَ فَقْرِي فَعَلَ . قَالَ : " وَمَا الَّذِي يَجْبُرُ كَسْرَكَ ، وَيَنْفِي فَقْرَكَ " ، قَالَ : أَلْفُ دِينَارٍ ، وَأَلْفُ دِينَارٍ ، وَأَلْفُ دِينَارٍ . قَالَ : " هَيْهَاتَ يَا ابنَ أَبِي جَهْمٍ رُمْتَ مَرَامًا صَعْبًا . بَيْتُ الْمَالِ لَا يَحْتَمِلُ مَا سَأَلْتَ " . ثُمَّ أَطْرَقَ هِشَامٌ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : " هِيهَ " . قَالَ : مَا هِيهَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ آلَيْتَ لَا تَقْضِي لِي حَاجَةً فِي مَوْقِفِي هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لِوَاحِدٌ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ آثَرَكَ بِمَجْلِسِكَ هَذَا ، فَإِنْ تُعْطِ فَحَقًّا أَدَّيْتَ ، وَإِنْ تَمْنَعْ فَإِنِّي أَسْأَلُ الَّذِي بِيَدِهِ مَا حَوَيْتَ . إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعَطَاءَ مَحَبَّةً ، وَالْمَنْعَ مَبْغَضَةً ، وَاللَّهِ لَأَنْ أُحِبَّكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْغِضَكَ . قَالَ : " وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ " قَالَ : أَقْضِي بِهَا دَيْنًا قَدْ أَحَمَّ قَضَاؤُهُ ، وَقَدْ فَدَحَنِي حِمْلُهُ ، وَأَضَرَّ بِي أَهْلُهُ . قَالَ هِشَامٌ : " فَلَا بَأْسَ تُنَفِّسُ كُرْبَةً مَعَ أَدَاءِ أَمَانَةٍ " . " وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ " قَالَ : أَزَوِّجُ بِهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِي . قَالَ : " نِعْمَ الْمَسْلَكُ سَلَكْتَ ، أَغْضَضْتَ بَصَرًا ، وَأَعْفَفْتَ فَرْجًا ، وَرَجَوْتَ نَسْلَا . وَأَلْفَ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ " قَالَ : أَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا يَعِيشُ فِيهَا وَلَدِي ، وَتَكُونُ أَصْلًا لِمَنْ بَعْدِي . قَالَ : " فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِمَا سَأَلْتَ " . قَالَ : فَالْمَحْمُودُ عَلَى ذَلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ثُمَّ أَدْبَرَ فَأَتْبَعَهُ هِشَامٌ بَصَرَهُ قَالَ : " إِذَا كَانَ الْقُرَشِيُّ فَلْيَكُنْ مِثْلَ هَذَا . مَا رأيتُ رَجُلًا أَبْلَغَ وَأَوْجَزَ فِي مَقَالِهِ ، وَلَا أَبْلَغَ فِي ثَنَاءٍ مِنْهُ . أَمَا وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْرِفُ الْحَقَّ إِذَا نَزَلَ ، وَنَكْرَهُ الْإِسْرَافَ وَالْبُخْلَ ، فَمَا نُعْطِي تَبْذِيرًا ، وَلَا نَمْنَعُ تَقَتُّرًا ، وَمَا نَحْنُ إِلَّا خُزَّانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي بِلَادِهِ ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَعْطَيْنَا ، وَإِذَا مَنَعَ أَبَيْنَا ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ يَصْدُقُ ، وَكُلَّ سَائِلٍ يَسْتَحِقُّ ، مَا جَبَهْنَا قَائِلًا ، وَلَا رَدَدْنَا سَائِلًا ، فَسَلُوا الَّذِي بِيَدِهِ مَا اسْتُحْفِظْنَا أَنْ نُجْرِيَهُ لَكُمْ عَلَى أَيدِينَا ، فَإِنَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " . قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ ، وَمَا بَلَغَ فِي قَدْرِ عُجْبِكَ بِهِ مَا كَانَ مِنْكَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ، وَذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ . قَالَ : " إِنَّهُ الْمُبْتَدِي وَلَيْسَ الْمُبْتَدِي كَالْمُقْتَدِي "
أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ ، مَوْلًى لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ خُطَبَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا . قَالَ : فَحَضَرْتُ كَلَامَهُمْ رَجُلَا رَجُلَا ، حَتَّى قَامَ ابْنُ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ أَعْظَمَ الْقَوْمِ قَدْرًا ، وَأَكْبَرَهُمْ سِنًّا ، فَقَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ خُطَبَاءَ قُرَيْشٍ قَدْ قَالَتْ فِيكَ فَاحْتَفَلَتْ ، وَأَثْنَتْ فَأَطْنَبَتْ ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ قَائِلُهُمْ قَدْرَكَ ، وَلَا أَحْصَى مُطْنِبُهُمْ فَضْلَكَ ، أَفَأُطِيلُ أَمْ أُوجِزُ ؟ قَالَ : بَلْ أَوْجِزْ قَالَ : تَوَلَاكَ اللَّهُ بِالْحُسْنَى ، وَزَيَّنَكَ بِالتَّقْوَى ، وَجَمَعَ لَكَ خَيْرَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ، إِنَّ لِي حَوَائِجَ أَفَأَذْكُرُهَا ؟ قَالَ : اذْكُرْهَا . قَالَ : كَبِرَتْ سِنِّي ، وَرَقَّ عَظْمِي ، وَنَالَ الدَّهْرُ مِنِّي ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْبُرَ كَسْرِي ، وَأَنْ يَنْفِيَ فَقْرِي فَعَلَ . قَالَ : وَمَا الَّذِي يَجْبُرُ كَسْرَكَ ، وَيَنْفِي فَقْرَكَ ، قَالَ : أَلْفُ دِينَارٍ ، وَأَلْفُ دِينَارٍ ، وَأَلْفُ دِينَارٍ . قَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابنَ أَبِي جَهْمٍ رُمْتَ مَرَامًا صَعْبًا . بَيْتُ الْمَالِ لَا يَحْتَمِلُ مَا سَأَلْتَ . ثُمَّ أَطْرَقَ هِشَامٌ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : هِيهَ . قَالَ : مَا هِيهَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ آلَيْتَ لَا تَقْضِي لِي حَاجَةً فِي مَوْقِفِي هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لِوَاحِدٌ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ آثَرَكَ بِمَجْلِسِكَ هَذَا ، فَإِنْ تُعْطِ فَحَقًّا أَدَّيْتَ ، وَإِنْ تَمْنَعْ فَإِنِّي أَسْأَلُ الَّذِي بِيَدِهِ مَا حَوَيْتَ . إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعَطَاءَ مَحَبَّةً ، وَالْمَنْعَ مَبْغَضَةً ، وَاللَّهِ لَأَنْ أُحِبَّكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْغِضَكَ . قَالَ : وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ قَالَ : أَقْضِي بِهَا دَيْنًا قَدْ أَحَمَّ قَضَاؤُهُ ، وَقَدْ فَدَحَنِي حِمْلُهُ ، وَأَضَرَّ بِي أَهْلُهُ . قَالَ هِشَامٌ : فَلَا بَأْسَ تُنَفِّسُ كُرْبَةً مَعَ أَدَاءِ أَمَانَةٍ . وَأَلْفُ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ قَالَ : أَزَوِّجُ بِهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِي . قَالَ : نِعْمَ الْمَسْلَكُ سَلَكْتَ ، أَغْضَضْتَ بَصَرًا ، وَأَعْفَفْتَ فَرْجًا ، وَرَجَوْتَ نَسْلَا . وَأَلْفَ دِينَارٍ لِمَاذَا ؟ قَالَ : أَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا يَعِيشُ فِيهَا وَلَدِي ، وَتَكُونُ أَصْلًا لِمَنْ بَعْدِي . قَالَ : فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِمَا سَأَلْتَ . قَالَ : فَالْمَحْمُودُ عَلَى ذَلِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ثُمَّ أَدْبَرَ فَأَتْبَعَهُ هِشَامٌ بَصَرَهُ قَالَ : إِذَا كَانَ الْقُرَشِيُّ فَلْيَكُنْ مِثْلَ هَذَا . مَا رأيتُ رَجُلًا أَبْلَغَ وَأَوْجَزَ فِي مَقَالِهِ ، وَلَا أَبْلَغَ فِي ثَنَاءٍ مِنْهُ . أَمَا وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْرِفُ الْحَقَّ إِذَا نَزَلَ ، وَنَكْرَهُ الْإِسْرَافَ وَالْبُخْلَ ، فَمَا نُعْطِي تَبْذِيرًا ، وَلَا نَمْنَعُ تَقَتُّرًا ، وَمَا نَحْنُ إِلَّا خُزَّانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي بِلَادِهِ ، وَأُمَنَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَعْطَيْنَا ، وَإِذَا مَنَعَ أَبَيْنَا ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ يَصْدُقُ ، وَكُلَّ سَائِلٍ يَسْتَحِقُّ ، مَا جَبَهْنَا قَائِلًا ، وَلَا رَدَدْنَا سَائِلًا ، فَسَلُوا الَّذِي بِيَدِهِ مَا اسْتُحْفِظْنَا أَنْ نُجْرِيَهُ لَكُمْ عَلَى أَيدِينَا ، فَإِنَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ . قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ ، وَمَا بَلَغَ فِي قَدْرِ عُجْبِكَ بِهِ مَا كَانَ مِنْكَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ، وَذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ . قَالَ : إِنَّهُ الْمُبْتَدِي وَلَيْسَ الْمُبْتَدِي كَالْمُقْتَدِي