حَدَّثَنِي أَبِي مُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ بَنِي حَنِيفَةَ ، فَمَرَّ بِنَا أَعْرَابِيٌّ كَهَيْئَةِ الْمَهْمُومِ ، فَسَلَّمَ وَانْطَلَقَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : مَعْشَرَ الْعَرَبِ قَدْ سَئِمْتُ لِتِكْرَارِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَدُورُهَا عَلَيَّ ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ يَدْفَعُ عَنِّي سَآمَةَ ذَلِكَ ، أَوْ يَسُلُّ عَنِّي بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ ؟ ثُمَّ وَلَّى غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : وَاهًا لِقُلُوبِ نَقِيَّةٍ مِنَ الْآثَامِ ، وَاهًا لِجَوَارِحَ مُسَارِعَةٍ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَمَلُّوا الدُّنْيَا لِتَوَسُّلِهِمْ فِيهَا بِالطَّاعَةِ إِلَى رَبِّهِمْ ، وَمَا يَكْرَهُوا الْمَوْتَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ، يَجُرُّونَ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي لِقَاءِ سَيِّدِهِمْ ، فَكِلَا الْحَالَتَيْنِ لَهُمْ حَالٌ حَسَنَةٌ ، إِنْ قَدِمُوا عَلَى الْآخِرَةِ قَدِمُوا عَلَى مَا قَدِمُوا مِنَ الْقُرْبَةِ ، وَإِنْ تَطَاوَلَتْ بِهِمُ الْمُدَّةُ قَدَّمُوا الزَّادَ لِيَوْمِ الرِّحْلَةِ " قَالَ : فَمَا سَمِعْتُ مَوْعِظَةً أَشَدَّ اسْتِكْنَانًا فِي الْقُلُوبِ مِنْهَا ، مَا ذَكَرْتُهَا إِلَّا هَانَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَنَفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي مُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ بَنِي حَنِيفَةَ ، فَمَرَّ بِنَا أَعْرَابِيٌّ كَهَيْئَةِ الْمَهْمُومِ ، فَسَلَّمَ وَانْطَلَقَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : مَعْشَرَ الْعَرَبِ قَدْ سَئِمْتُ لِتِكْرَارِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَدُورُهَا عَلَيَّ ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ يَدْفَعُ عَنِّي سَآمَةَ ذَلِكَ ، أَوْ يَسُلُّ عَنِّي بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ ؟ ثُمَّ وَلَّى غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : وَاهًا لِقُلُوبِ نَقِيَّةٍ مِنَ الْآثَامِ ، وَاهًا لِجَوَارِحَ مُسَارِعَةٍ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَمَلُّوا الدُّنْيَا لِتَوَسُّلِهِمْ فِيهَا بِالطَّاعَةِ إِلَى رَبِّهِمْ ، وَمَا يَكْرَهُوا الْمَوْتَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ، يَجُرُّونَ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي لِقَاءِ سَيِّدِهِمْ ، فَكِلَا الْحَالَتَيْنِ لَهُمْ حَالٌ حَسَنَةٌ ، إِنْ قَدِمُوا عَلَى الْآخِرَةِ قَدِمُوا عَلَى مَا قَدِمُوا مِنَ الْقُرْبَةِ ، وَإِنْ تَطَاوَلَتْ بِهِمُ الْمُدَّةُ قَدَّمُوا الزَّادَ لِيَوْمِ الرِّحْلَةِ قَالَ : فَمَا سَمِعْتُ مَوْعِظَةً أَشَدَّ اسْتِكْنَانًا فِي الْقُلُوبِ مِنْهَا ، مَا ذَكَرْتُهَا إِلَّا هَانَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَدَوِيُّ : وَيَحْدُو الْجَدِيدَانِ الْجَدِيدَ إِلَى الْبِلَى وَكَمْ مِنْ جَدِيدٍ قَدْ أَبَادَا وَبَدَّدَا وَكَمْ أَبْلَيَا مِنْ جِدَّةٍ وَبَشَاشَةٍ وَعُمْرٍ طَوِيلٍ أَفْنَيَاهُ وَأَبْعَدَا وَكَمْ كَدَّرَا مِنْ لَذَّةٍ وَغَضَارَةٍ وَكَمْ فَجَّعَا إِلْفًا بِإِلْفٍ وَأَفْرَدَا وَكَمْ أَحْدَثَا مِنْ عِبْرَةٍ بَعْدَ حَبْرَةٍ بَكِيٍّ مَكَاوٍ حَرُّهَا لَنْ يُبَدَّدَا وَكَمْ مِنْ جَدِيدٍ صَيَّرَاهُ إِلَى الْبِلَى وَمِنْ ذِي شَبَابٍ صَيَّرَاهُ مُفَنَّدَا وَكَمْ مِنْ عَظِيمِ الْمُلْكِ أَشْوَسَ بَاذِخٍ تَعَاوَرَهُ الْعَصْرَانِ حَتَّى تَبَلَّدَا وَكَمْ عَامِرٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِنَّ سَاكِنًا وَلَاقَى خَرَابَ الدَّهْرِ مَا كَانَ شَيَّدَا وَكَمْ صَدَعَ الْعَصْرَانِ مِنْ شَعْبِ مَعْشَرٍ وَأَمْرٌ عَجِيبٌ غَيَّبَاهُ وَأَشْهَدَا وَكَمْ قَمَصَا مِنْ مُتْرَفٍ ذَا مَهَابَةٍ وَسَاقَا إِلَى حَوْضِ الْمَنَايَا فَأَوْرَدَا فَأَمْسَى ذَلِيلًا خَدُّهُ مُتَعَفِّرَا وَزَايَلَ مُلْكًا لَا يُرَامُ وَسُودَدَا وَكَمْ آمِنٍ قَدْ رَوَّعَاهُ بِفَجْعَةٍ وَأَمْرٍ عَجِيبٍ قَرَّبَاهُ وَأَبْعَدَا يَكُرَّانِ تَتْرَى بِالْمَوَاعِظِ فِيهِمَا وَمَا نَفَعَا إِلَّا الرَّشِيدَ الْمُسَدَّدَا وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيُجْزَى بِفِعْلِهِ وَكُلٌّ مُوَقًّى زَادُهُ مَا تَزَوَّدَا