كَتَبَ إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدَّارَ الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ ، وَبِالْفَنَاءِ مَوْصُوفَةٌ ، كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَنَفَادٍ ، بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ ، إِذْ صَيَّرَتْهُمْ فِي وَعْثَاءٍ وَوُعُورٍ ، أَحْوَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَطَبَقَاتُهَا مُتَصَرِّفَةٌ ، يُضْرَبُونَ بِبَلَائِهَا ، وَيُمْتَحَنُونَ بِرَخَائِهَا ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ ، وَالسُّرُورُ فِيهَا لَا يَدُومُ ، وَكَيْفَ يَدُومُ عَيْشٌ تَغَيُّرُهُ الْآفَاتُ ، وَتَنُوبُهُ الْفَجِيعَاتُ ، وَتَفَجَّعُ فِيهِ الرَّزَايَا ، وَتَسُوقُ أَهْلُهُ الْمَنَايَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ ، وَالْحُتُوفُ لَهُمْ مُسْتَشْرِفَةٌ ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا ، وَتَغْشَاهُمْ بِحِمَامِهَا ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ لُمُشَارِعِهِ ، وَالْمُعَايَنَةِ لِفَظَائِعِهِ أَمْرٌ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَضَائِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَذْهَبٌ ، وَلَا عَنْهُ مَهْرَبٌ ، أَلَا فَأَخْبِثْ بِدَارٍ يَقْلِصُ ظِلُّهَا ، وَيَفْنَى أَهْلُهَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا سَفْرٌ نَازِلُونَ ، وَأَهْلُ ظَعْنٍ شَاخِصُونَ ، كَأَنْ قَدِ انْقَلَبَتْ بِهِمُ الْحَالُ ، وَتَنَادَوْا بِالِارْتِحَالِ ، فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ قِفَارًا قَدِ انْهَارَتْ دَعَائِمُهَا ، وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهَا ، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْقُبُورَ الْمُوحِشَةَ الَّتِي اسْتُوطِنَتْ بِالْخَرَابِ ، وَأُسِّسَتْ بِالتُّرَابِ ، فَمُحِلُّهَا مُقْتَرِبٌ ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلٍ مُوحِشِينَ ، وَذَوِي مَحَلَّةٍ مُتَشَاسِعِينَ ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْإِخْوَانِ ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ تَزَاوُرَ الْجِيرَانِ ، قَدِ اقْتَرَبُوا فِي الْمَنَازِلِ ، وَتَشَاغَلُوا عَنِ التَّوَاصُلِ ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ جِيرَانَ مَحَلَّةٍ لَا يَتَزَاوَرُونَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَتَقَارُبِ الدِّيَارِ ، وَأَنَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ ؟ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى ، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى ، وَصَارُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ رُفَاتًا ، قَدْ فُجِعَ بِهِمُ الْأَحْبَابُ ، وَارْتُهِنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ ، وَكَأَنْ قَدْ صِرْنَا إِلَى مَا إِلَيْهِ صَارُوا ، فَنُرْتَهَنُ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ ، وَيَضُمُّنَا ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ ، نُؤْخَذُ بِالْقَهْرِ وَالِاعْتِسَارِ ، وَلَيْسَ يَنْفَعُ مِنْهُ شَفَقُ الْحِذَارِ ، وَالسَّلَامُ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ كَتَبْتَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : لَمْ أَقْدِرْ لَهُ عَلَى جَوَابٍ
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيُّ ، قَالَ : ثنا مَحْبُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ ، قَالَ : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدَّارَ الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ ، وَبِالْفَنَاءِ مَوْصُوفَةٌ ، كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَنَفَادٍ ، بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ ، إِذْ صَيَّرَتْهُمْ فِي وَعْثَاءٍ وَوُعُورٍ ، أَحْوَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَطَبَقَاتُهَا مُتَصَرِّفَةٌ ، يُضْرَبُونَ بِبَلَائِهَا ، وَيُمْتَحَنُونَ بِرَخَائِهَا ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ ، وَالسُّرُورُ فِيهَا لَا يَدُومُ ، وَكَيْفَ يَدُومُ عَيْشٌ تَغَيُّرُهُ الْآفَاتُ ، وَتَنُوبُهُ الْفَجِيعَاتُ ، وَتَفَجَّعُ فِيهِ الرَّزَايَا ، وَتَسُوقُ أَهْلُهُ الْمَنَايَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ ، وَالْحُتُوفُ لَهُمْ مُسْتَشْرِفَةٌ ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا ، وَتَغْشَاهُمْ بِحِمَامِهَا ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ لُمُشَارِعِهِ ، وَالْمُعَايَنَةِ لِفَظَائِعِهِ أَمْرٌ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَضَائِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَذْهَبٌ ، وَلَا عَنْهُ مَهْرَبٌ ، أَلَا فَأَخْبِثْ بِدَارٍ يَقْلِصُ ظِلُّهَا ، وَيَفْنَى أَهْلُهَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا سَفْرٌ نَازِلُونَ ، وَأَهْلُ ظَعْنٍ شَاخِصُونَ ، كَأَنْ قَدِ انْقَلَبَتْ بِهِمُ الْحَالُ ، وَتَنَادَوْا بِالِارْتِحَالِ ، فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ قِفَارًا قَدِ انْهَارَتْ دَعَائِمُهَا ، وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهَا ، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْقُبُورَ الْمُوحِشَةَ الَّتِي اسْتُوطِنَتْ بِالْخَرَابِ ، وَأُسِّسَتْ بِالتُّرَابِ ، فَمُحِلُّهَا مُقْتَرِبٌ ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلٍ مُوحِشِينَ ، وَذَوِي مَحَلَّةٍ مُتَشَاسِعِينَ ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْإِخْوَانِ ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ تَزَاوُرَ الْجِيرَانِ ، قَدِ اقْتَرَبُوا فِي الْمَنَازِلِ ، وَتَشَاغَلُوا عَنِ التَّوَاصُلِ ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ جِيرَانَ مَحَلَّةٍ لَا يَتَزَاوَرُونَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَتَقَارُبِ الدِّيَارِ ، وَأَنَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ ؟ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى ، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى ، وَصَارُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ رُفَاتًا ، قَدْ فُجِعَ بِهِمُ الْأَحْبَابُ ، وَارْتُهِنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ ، وَكَأَنْ قَدْ صِرْنَا إِلَى مَا إِلَيْهِ صَارُوا ، فَنُرْتَهَنُ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ ، وَيَضُمُّنَا ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ ، نُؤْخَذُ بِالْقَهْرِ وَالِاعْتِسَارِ ، وَلَيْسَ يَنْفَعُ مِنْهُ شَفَقُ الْحِذَارِ ، وَالسَّلَامُ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : بِأَيِّ شَيْءٍ كَتَبْتَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : لَمْ أَقْدِرْ لَهُ عَلَى جَوَابٍ