أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَانْطَلَقَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَوَسَّعُوا لَهُ حَتَّى دَخَلَ . فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ . مَا جَاءَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ؟ قَالَ : وَقَدْ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَخَرَجُوا عَنْهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، جِئْتُ حَتَّى تُسْتَشْهَدَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَكَ ، وَلَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَاتِلِيكَ ، فَإِنْ يَقْتُلُوكَ فَذَاكَ خَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُمْ ، قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَمَا خَرَجْتَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ خَيْرًا يَسُوقُهُ اللَّهُ بِكَ أَوْ شَرًّا يَدْفَعُهُ اللَّهُ بِكَ . فَسَمِعَ وَأَطَاعَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ . فَلَمَّا رَأَوْهُ اجْتَمَعُوا لَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ بِبَعْضِ مَا يَسُرُّهُمْ ، فَقَامَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُنْذِرُ بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ ، وَأَظْهَرَ مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ اخْتَارَ لَهُ الْمَسَاكِنَ فَاخْتَارَ لَهُ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ الْإِيمَانِ ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ حَافِّينَ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مُذْ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ ، وَمَا زَالَ سَيْفُ اللَّهِ مُغْمَدًا عَنْكُمْ مُذْ قَدِمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ " ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ ، وَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ فِيمَا مَضَى إِلَّا قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، وَلَا قُتِلَ خَلِيفَةٌ قَطُّ إِلَّا قُتِلَ بِهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ فَلَا تَعْجَلُوا عَلَى هَذَا الشَّيْخِ بِقَتْلِ الْيَوْمِ ، فَوَاللَّهِ لَا قَتَلَهُ مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقْطُوعَةً يَدُهُ مُشَلَّةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِوَالِدٍ عَلَى وَلَدٍ حَقٌّ إِلَّا وَلِهَذَا الشَّيْخُ عَلَيْكُمْ مِثْلُهُ " . قَالَ : فَقَامُوا وَقَالُوا : كَذَبَ الْيَهُودِيُّ كَذِبَ الْيَهُودِ . فَقَالَ : " كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ ، مَا أَنَا بِيَهُودِيٍّ ، إِنِّي لَأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ ، يَعْلَمُ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : {{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }} وَتَلَا الْآيَةَ الْأُخْرَى : {{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ }} " قَالَ : فَقَامُوا فَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الْحُلَّانُ . قَالَ شُعَيْبٌ : فَقُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : مَا الْحُلَّانُ ؟ فَقَالَ : الْحَمَلُ ، قَالَ : وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَقَالَ : " يَا أَهْلَ مِصْرَ ، يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، قَتَلْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَزَالُ بَعْدَهُ عَهْدٌ مَنْكُوثٌ ، وَدَمٌ مَسْفُوحٌ ، وَمَالٌ مَقْسُومٌ مَا بَقِيتُمْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فَأَنْكَرَهُ الْبَوَّابُونَ فَلَمْ يَأْذَنُوا لَهُ ، وَجَاءَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ الْحَجَّاجَ فَأَذِنَ لَهُ ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ ، وَأَمَرَ الْحَجَّاجُ رَجُلَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّرِيرَ أَنْ يُوسِعَا لَهُ ، فَجَلَسَ . فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : لِلَّهِ أَبُوكَ ، أَتَعْلَمُ حَدِيثًا حَدَّثَهُ أَبُوكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ عَنْ جَدِّكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ؟ قَالَ : أَيُّ حَدِيثٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرُبَّ حَدِيثٍ ؟ قَالَ : حَدِيثُ الْمِصْرِيِّينَ حِينَ حَصَرُوا عُثْمَانَ . قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ : أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَانْطَلَقَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَوَسَّعُوا لَهُ حَتَّى دَخَلَ . فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ . مَا جَاءَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ؟ قَالَ : وَقَدْ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَخَرَجُوا عَنْهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، جِئْتُ حَتَّى تُسْتَشْهَدَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَكَ ، وَلَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَاتِلِيكَ ، فَإِنْ يَقْتُلُوكَ فَذَاكَ خَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُمْ ، قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ لَمَا خَرَجْتَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ خَيْرًا يَسُوقُهُ اللَّهُ بِكَ أَوْ شَرًّا يَدْفَعُهُ اللَّهُ بِكَ . فَسَمِعَ وَأَطَاعَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ . فَلَمَّا رَأَوْهُ اجْتَمَعُوا لَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ بِبَعْضِ مَا يَسُرُّهُمْ ، فَقَامَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا يُبَشِّرُ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُنْذِرُ بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ ، وَأَظْهَرَ مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ اخْتَارَ لَهُ الْمَسَاكِنَ فَاخْتَارَ لَهُ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَهَا دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ الْإِيمَانِ ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ حَافِّينَ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مُذْ قَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ ، وَمَا زَالَ سَيْفُ اللَّهِ مُغْمَدًا عَنْكُمْ مُذْ قَدِمَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْيَوْمِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ ، وَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ فِيمَا مَضَى إِلَّا قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ ، وَلَا قُتِلَ خَلِيفَةٌ قَطُّ إِلَّا قُتِلَ بِهِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا كُلُّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ فَلَا تَعْجَلُوا عَلَى هَذَا الشَّيْخِ بِقَتْلِ الْيَوْمِ ، فَوَاللَّهِ لَا قَتَلَهُ مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقْطُوعَةً يَدُهُ مُشَلَّةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِوَالِدٍ عَلَى وَلَدٍ حَقٌّ إِلَّا وَلِهَذَا الشَّيْخُ عَلَيْكُمْ مِثْلُهُ . قَالَ : فَقَامُوا وَقَالُوا : كَذَبَ الْيَهُودِيُّ كَذِبَ الْيَهُودِ . فَقَالَ : كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ وَأَثِمْتُمْ ، مَا أَنَا بِيَهُودِيٍّ ، إِنِّي لَأَحَدُ الْمُؤْمِنِينَ ، يَعْلَمُ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : {{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }} وَتَلَا الْآيَةَ الْأُخْرَى : {{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ }} قَالَ : فَقَامُوا فَدَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَذَبَحُوهُ كَمَا تُذْبَحُ الْحُلَّانُ . قَالَ شُعَيْبٌ : فَقُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : مَا الْحُلَّانُ ؟ فَقَالَ : الْحَمَلُ ، قَالَ : وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَهْلَ مِصْرَ ، يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، قَتَلْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَزَالُ بَعْدَهُ عَهْدٌ مَنْكُوثٌ ، وَدَمٌ مَسْفُوحٌ ، وَمَالٌ مَقْسُومٌ مَا بَقِيتُمْ