قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْكُوفَةِ حَاجًّا فَمَرِضَ بِمَكَّةَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَعُودُهُ وَعِنْدَهُ مُعَاوِيَةُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ ، فَأَوْسَعُوا لَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَسَأَلَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَبَا حَسَنٍ ، إِنِّي قَائِلٌ لَكَ قَوْلًا فَإِنْ كَرِهْتَهُ فَاصْبِرْ عَلَى مَا تَكْرَهُ مِنْهُ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ مَا تُحِبُّ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا صَاحِبُنَا غَيْرُكَ ، وَلَوْ سَكَتَّ عَنَّا مَا نَطَقَ مَنْ قَالَ مَعَكَ ، وَمَا يُغْصَبُ أَمْرُنَا إِلَّا بِكَ ، وَإِنَّ الَّذِينَ مَعَكَ الْيَوْمَ لَعَلَيْكَ غَدًا ، وَلَئِنْ لَا يَشْنَأُكَ لَنَكُونَنَّ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْكَ ، وَبَاطِلُنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ حَقِّكَ ، إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِقَوِيٍّ عَلَى مَا تُرِيدُ ، وَلَا نَحْنُ بِضُعَفَاءَ عَمَّا نُطَالِبُ . فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا مُعَاوِيَةُ أَفَتَرَانِي أَقْعُدُ أَقُولُ وَتَقُولُ ، ثُمَّ خَرَجَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَلَقِيتُهُ فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلْتُهُ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : كَأَنَّكُمْ أَنْفَرْتُمْ شَيْخَكُمْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَرَدْنَا تَسْكِينَهُ فَنَفَرَ . فَقُلْتُ : وَلِمَ ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَوَقُورٌ غَيُورٌ يُسْيقُ بِغَيْرِ مُضْغٍ ، فَإِيَّاكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ ، لَا تُمَثِّلُوا بِهِ فَيُمَثِّلُ بِكُمْ ، قَالَ : وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُمَا : قُومَا فَأَعْذِرَانِي . فَخَرَجَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو : تَكَلَّمْ . قَالَ : بَلْ أَنْتَ فَتَكَلَّمْ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِعُذْرِ صَاحِبِكَ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّ قَوْلَكُمُ الْيَوْمَ سُنَّةٌ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ ، حُكْمٌ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ ، وَقَدْ خَلَّى النَّاسُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَمْرِكُمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ حَتَّى يَمْضِيَ قَامَ الْأَمْرُ فَأَقَمْتُمْ بِهِ ، وَكَانَ لَكُمْ وَإِلَيْكُمْ ، وَإِنْ أَمْضَيْتُمُوهُ وَأَقَمْتُمُ اتَّهَمَكُمُ النَّاسُ عَلَى حُكْمِكُمْ وَحَكَمُوا عَلَيْكُمْ ، وَإِنَّ الْفِتْنَةَ تَنْبُتُ عَلَى ثَلَاثٍ : عَلَى التَّخَوُّنِ ثُمَّ السُّكُونِ ثُمَّ الْخَلْعِ وَهِيَ الْعُظْمَى ، وَفِيهَا يَصِيرُ الصَّغِيرُ كَبِيرًا وَالشَّرِيفُ وَضِيعًا ، وَيَقُولُ فِيهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ مِنْهُ فَيُسْمَعُ لَهُ ، وَلَا يُقَالُ مَعَهُ . وَدَعَا عُثْمَانُ عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِيَعْذِرُوهُ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ : {
} دَعَوْنَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ لِيَنْطِقُوا {
}بِعُذْرِ أَبِي عَمْرٍو فَلَمْ يَحْفَظُوا الْحُرَمْ {
}{
} فَأَمَّا عَلِيٌّ فَاخْتِلَاجَةُ أَنْفِهِ {
} وَطَلْحَةُ قَدْ أَشْجَى وَعَمْرُو قَدِ اصْطَلَمْ {
}{
} وَلَوْلَا عَلِيٌّ كَانَ جُلُّ مَقَالِهِمْ {
}كَضَرْطَةِ عَيْرٍ بِالصَّحَاصِحِ مِنْ إِضَمْ {
}{
} وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يَقُلْ يَسْمَعُوا لَهُ {
}وَمَهْمَا مَضَى فِيمَا أُحَاذِرُهُ أُمَمْ {
}
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْكُوفَةِ حَاجًّا فَمَرِضَ بِمَكَّةَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَعُودُهُ وَعِنْدَهُ مُعَاوِيَةُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ ، فَأَوْسَعُوا لَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَسَأَلَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَبَا حَسَنٍ ، إِنِّي قَائِلٌ لَكَ قَوْلًا فَإِنْ كَرِهْتَهُ فَاصْبِرْ عَلَى مَا تَكْرَهُ مِنْهُ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ مَا تُحِبُّ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا صَاحِبُنَا غَيْرُكَ ، وَلَوْ سَكَتَّ عَنَّا مَا نَطَقَ مَنْ قَالَ مَعَكَ ، وَمَا يُغْصَبُ أَمْرُنَا إِلَّا بِكَ ، وَإِنَّ الَّذِينَ مَعَكَ الْيَوْمَ لَعَلَيْكَ غَدًا ، وَلَئِنْ لَا يَشْنَأُكَ لَنَكُونَنَّ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْكَ ، وَبَاطِلُنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ حَقِّكَ ، إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِقَوِيٍّ عَلَى مَا تُرِيدُ ، وَلَا نَحْنُ بِضُعَفَاءَ عَمَّا نُطَالِبُ . فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا مُعَاوِيَةُ أَفَتَرَانِي أَقْعُدُ أَقُولُ وَتَقُولُ ، ثُمَّ خَرَجَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَلَقِيتُهُ فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلْتُهُ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : كَأَنَّكُمْ أَنْفَرْتُمْ شَيْخَكُمْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَرَدْنَا تَسْكِينَهُ فَنَفَرَ . فَقُلْتُ : وَلِمَ ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَوَقُورٌ غَيُورٌ يُسْيقُ بِغَيْرِ مُضْغٍ ، فَإِيَّاكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ ، لَا تُمَثِّلُوا بِهِ فَيُمَثِّلُ بِكُمْ ، قَالَ : وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُمَا : قُومَا فَأَعْذِرَانِي . فَخَرَجَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو : تَكَلَّمْ . قَالَ : بَلْ أَنْتَ فَتَكَلَّمْ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِعُذْرِ صَاحِبِكَ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّ قَوْلَكُمُ الْيَوْمَ سُنَّةٌ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ ، حُكْمٌ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ ، وَقَدْ خَلَّى النَّاسُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَمْرِكُمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ حَتَّى يَمْضِيَ قَامَ الْأَمْرُ فَأَقَمْتُمْ بِهِ ، وَكَانَ لَكُمْ وَإِلَيْكُمْ ، وَإِنْ أَمْضَيْتُمُوهُ وَأَقَمْتُمُ اتَّهَمَكُمُ النَّاسُ عَلَى حُكْمِكُمْ وَحَكَمُوا عَلَيْكُمْ ، وَإِنَّ الْفِتْنَةَ تَنْبُتُ عَلَى ثَلَاثٍ : عَلَى التَّخَوُّنِ ثُمَّ السُّكُونِ ثُمَّ الْخَلْعِ وَهِيَ الْعُظْمَى ، وَفِيهَا يَصِيرُ الصَّغِيرُ كَبِيرًا وَالشَّرِيفُ وَضِيعًا ، وَيَقُولُ فِيهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ مِنْهُ فَيُسْمَعُ لَهُ ، وَلَا يُقَالُ مَعَهُ . وَدَعَا عُثْمَانُ عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِيَعْذِرُوهُ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ : دَعَوْنَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ لِيَنْطِقُوا بِعُذْرِ أَبِي عَمْرٍو فَلَمْ يَحْفَظُوا الْحُرَمْ فَأَمَّا عَلِيٌّ فَاخْتِلَاجَةُ أَنْفِهِ وَطَلْحَةُ قَدْ أَشْجَى وَعَمْرُو قَدِ اصْطَلَمْ وَلَوْلَا عَلِيٌّ كَانَ جُلُّ مَقَالِهِمْ كَضَرْطَةِ عَيْرٍ بِالصَّحَاصِحِ مِنْ إِضَمْ وَلَكِنَّهُ مَهْمَا يَقُلْ يَسْمَعُوا لَهُ وَمَهْمَا مَضَى فِيمَا أُحَاذِرُهُ أُمَمْ