أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ شَهِيدًا ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِذَا مِتُّ فَتَرَبَّصُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ ، وَلَا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ إِلَّا وَعَلَيْكُمْ أَمِيرٌ مِنْكُمْ ، وَيَحْضُرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشِيرًا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَمْرِ ، وَطَلْحَةُ شَرِيكُكُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِنْ قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْضِرُوهُ أَمْرَكُمْ ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ ، وَمَنْ لِي بِطَلْحَةَ ؟ " فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : أَنَا لَكَ بِهِ ، وَلَا يُخَالِفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : " أَرْجُو أَلَّا يُخَالِفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ يَلِيَ إِلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ ، فَإِنْ وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَجُلٌ فِيهِ لِينٌ ، وَإِنْ وَلِيَ عَلِيٌّ فَفِيهِ دُعَابَةٌ وَأَحْرِ بِهِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَإِنْ تُوَلُّوا سَعْدًا فَأَهْلُهَا هُوَ ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الْوَالِي ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ خِيَانَةٍ وَلَا ضَعْفٍ ، وَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، مُسَدَّدٌ رَشِيدٌ ، لَهُ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ " ، وَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ : " يَا أَبَا طَلْحَةَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ طَالَمَا أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِكُمْ ، فَاخْتَرْ مِنْهُمْ " ، وَقَالَ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ : " إِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَاجْمَعْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ " ، وَقَالَ لِصُهَيْبٍ : " صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَدْخِلْ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ إِنْ قَدِمَ ، وَأَحْضِرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ ، وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَرَضُوا رَجُلًا وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ أَوِ اضْرِبْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ ، وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ فَرَضُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَأَبَى اثْنَانِ فَاضْرِبْ رُءُوسُهُمَا ، فَإِنْ رَضِيَ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ وَثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ حَكَمَ لَهُ فَلْيَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " ، فَخَرَجُوا ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِقَوْمٍ كَانُوا مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ : " إِنْ أُطِعْ فِيكُمْ قَوْمَكُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَدًا " ، وَتَلَقَّاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ : عُدِلَتْ عَنَّا ، فَقَالَ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ قَالَ : قُرِنَ بِي عُثْمَانُ ، وَقَالَ : كُونُوا مَعَ الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ رَضِيَ رَجُلَانِ رَجُلًا ، وَرَجُلَانِ رَجُلًا ، فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَسَعْدٌ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ لَا يَخْتَلِفُونَ فَيُوَلِّيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ أَوْ يُوَلِّيهَا عُثْمَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، فَلَوْ كَانَ الْآخَرَانِ مَعِي لَمْ يَنْفَعَانِي ، بَلْهَ أَنِّي لَا أَرْجُو إِلَّا أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : " لَمْ أَرْفَعْكَ فِي شَيْءٍ إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيَّ مُسْتَأْخِرًا بِمَا أَكْرَهُ ، أَشَرْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْأَلَهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَأَبَيْتَ ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الْأَمْرَ فَأَبَيْتَ ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ حِينَ سَمَّاكَ عُمَرُ فِي الشُّورَى أَنْ لَا تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَيْتَ ، احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً : كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْكَ الْقَوْمُ فَقُلْ : لَا ، إِلَّا أَنْ يُوَلُّوكَ ، وَاحْذَرْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فَإِنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ يَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقُومَ لَنَا بِهِ غَيْرُنَا ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا بِشَرٍّ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ خَيْرٌ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : " أَمَا لَئِنْ بَقِيَ عُثْمَانُ لَأُذَكِّرَنَّهُ مَا أَتَى ، وَلَئِنْ مَاتَ لَيَتَدَاوَلُنَّهَا بَيْنَهُمْ ، وَلَئِنْ فَعَلُوا لَيَجِدُنِّي حَيْثُ يَكْرَهُونَ ثُمَّ تَمَثَّلَ : {
} حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً {
}غَدَوْنَ خِفَافًا فَابْتَدَرْنَ الْمُحَصَّبَا {
}{
} لَيَخْتَلِيَنْ رَهْطُ ابْنِ يَعْمُرَ مَارِئًا {
}نَجِيعًا بَنُو الشَّدَّاخِ وِرْدًا مُصَلَّبَا {
}" وَالْتَفَتَ فَرَأَى أَبَا طَلْحَةَ فَكَرِهَ مَكَانَهُ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : لَمْ تُرَعْ أَبَا الْحَسَنِ ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ تَصَدَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : كِلَاكُمَا يُحِبُّ الْإِمْرَةَ ، لَسْتُمَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ ، هَذَا إِلَى صُهَيْبٍ ، اسْتَخْلَفَهُ عُمَرُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلَاثًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ ، فَصَلَّى صُهَيْبٌ ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَ الْمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى فِي بَيْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَيُقَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُقَالُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنِهَا ، وَهُمْ خَمْسَةٌ مَعَهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ غَائِبٌ ، وَأَمَرُوا أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَحْجُبَهُمْ ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا ، وَقَالَ : تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولَا حَضَرْنَا ، وَكُنَّا فِي أَهْلِ الشُّورَى ؟ فَتَنَافَسَ الْقَوْمُ فِي الْأَمْرِ وَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْكَلَامُ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَنَا كُنْتُ لَأَنْ تَدْفَعُوهَا أَخْوَفَ مِنِّي لَأَنْ تَنَافَسُوهَا ، لَا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ عُمَرَ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أُمِرْتُمْ ، ثُمَّ أَجْلِسُ فِي بَيْتِي فَأَنْظُرُ مَا تَصْنَعُونَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : أَيُّكُمْ يُخْرِجُ مِنْهَا نَفْسَهُ وَيَتَقَلَّدُهَا عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهَا أَفْضَلَكُمْ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ : أَنَا أَنْخَلِعُ مِنْهَا ، فَقَالَ عُثْمَانُ : أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ " فَقَالَ الْقَوْمُ : قَدْ رَضِينَا ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟ قَالَ : أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ، وَلَا تَخُصَّ ذَا رَحِمٍ ، وَلَا تَأْلُو الْأُمَّةَ ، فَقَالَ : أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مَعِي عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ ، وَأَنْ تَرْضَوْا مَنِ اخْتَرْتُ لَكُمْ ، عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ أَنْ لَا أَخُصَّ ذَا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ وَلَا آلُو الْمُسْلِمِينَ ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَهُ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : إِنَّكَ تَقُولُ إِنِّي أَحَقُّ مَنْ حَضَرَ بِالْأَمْرِ ، لِقَرَابَتِكَ ، وَسَابِقَتِكَ ، وَحُسْنِ أَثَرِكَ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ تُبْعِدْ ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ لَوَ صُرِفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْكَ فَلَمْ تَحْضُرْ ، مَنْ كُنْتَ تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ ؟ قَالَ : عُثْمَانُ ، وَخَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ : تَقُولُ : شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَصِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمِّهِ ، لِي سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ ، لَمْ تُبْعِدْ ، فَلَنْ يُصْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنِّي ، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْضُرْ فَأَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ تَرَاهُ أَحَقَّ بِهِ ؟ قَالَ : عَلِيٌّ ، ثُمَّ خَلَا بِالزُّبَيْرِ فَكَلَّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ ، ثُمَّ خَلَا بِسَعْدٍ فَكَلَّمَهُ ، فَقَالَ : عُثْمَانُ فَلَقِيَ عَلِيٌّ سَعْدًا فَقَالَ : {{ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }} أَسْأَلُكَ بِرَحِمِ ابْنِي هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِرَحِمِ عَمِّي حَمْزَةَ مِنْكَ ، أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ ظَهِيرًا عَلَيَّ ، فَإِنِّي أُدْلِي بِمَا لَا يُدْلِي بِهِ عُثْمَانُ ، وَدَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيَالِيهِ يَلْقَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، وَأَشْرَافِ النَّاسِ يُشَاوِرُهُمْ وَلَا يَخْلُو بِرَجُلٍ إِلَّا أَمَرَهُ بِعُثْمَانَ ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُسْتَكْمَلُ فِي صَبِيحَتِهَا الْأَجَلُ أَتَى مَنْزِلَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بَعْدَ ابْهِيرَارٍ مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقَظَهُ ، فَقَالَ : أَلَا أَرَاكَ نَائِمًا وَلَمْ أَذُقْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَثِيرَ غَمْضٍ ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا ، فَدَعَاهُمَا ، فَبَدَأَ بِالزُّبَيْرِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي الصُّفَّةِ الَّتِي تَلِي دَارَ مَرْوَانَ ، فَقَالَ لَهُ : خَلِّ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَهَذَا الْأَمْرَ ، قَالَ : نَصِيبِي لِعَلِيٍّ ، وَقَالَ لِسَعْدٍ : أَنَا وَأَنْتَ كَلَالَةٌ ، فَاجْعَلْ نَصِيبَكَ لِي فَأَخْتَارُ ، قَالَ : إِنِ اخْتَرْتَ نَفْسَكَ فَنِعْمَ ، وَإِنِ اخْتَرْتَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ ، أَيُّهَا الرَّجُلُ بَايِعْ لِنَفْسِكَ وَأَرِحْنَا ، وَارْفَعْ رُءُوسَنَا ، قَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنِّي قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْهَا عَلَى أَنْ أَخْتَارَ ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ وَجُعِلَ الْخِيَارُ إِلَيَّ لَمْ أُرِدْهَا ، إِنِّي أُرِيتُ كَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ كَثِيرَةِ الْعُشْبِ فَدَخَلَ فَحْلٌ لَمْ أَرَ فَحْلًا قَطُّ أَكْرَمَ مِنْهُ ، فَمَرَّ كَأَنَّهُ سَهْمٌ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى قَطَعَهَا ، لَمْ يُعَرِّجْ ، وَدَخَلَ بَعِيرٌ يَتْلُوهُ فَاتَّبَعَ أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الرَّوْضَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَحْلٌ عَبْقَرِيُّ يَجُرُّ خِطَامَهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَيَمْضِي قَصْدَ الْأَوَّلَيْنِ حَتَّى خَرَجَ ، ثُمَّ دَخَلَ بَعِيرٌ رَابِعٌ فَرَتَعَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَكُونُ الرَّابِعُ ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُمَا أَحَدٌ فَيَرْضَى النَّاسُ عَنْهُ ، قَالَ سَعْدٌ : فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ قَدْ أَدْرَكَكَ فَامْضِ لِرَأْيِكَ ، فَقَدْ عَرَفْتَ عَهْدَ عُمَرَ ، وَانْصَرَفَ الزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ إِلَى عَلِيٍّ ، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ، وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ ، ثُمَّ نَهَضَ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَكَانَ فِي نَجِيِّهِمَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَذَانُ الصُّبْحِ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : يَا عَمْرُو ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَوَقَعَ قَضَاءُ رَبِّكَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ جَمَعَ الرَّهْطَ وَبَعَثَ إِلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْفَضْلِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَإِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَاجْتَمَعُوا حَتَّى الْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحَبُّوا أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ بِأَمْصَارِهِمْ ، وَقَدْ عَلِمُوا مَنْ أَمِيرُهُمْ ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ : إِنَّا نَرَاكَ لَهَا أَهْلًا ، فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ هَذَا ، فَقَالَ عَمَّارٌ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُسْلِمُونَ فَبَايِعْ عَلِيًّا ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ : صَدَقَ عَمَّارٌ ، إِنْ بَايَعْتَ عَلِيًّا قُلْنَا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، قَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ قُرَيْشٌ فَبَايِعْ عُثْمَانَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : صَدَقَ ، إِنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ قُلْنَا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، فَشَتَمَ عَمَّارٌ ابْنَ أَبِي أَبِي سَرْحٍ وَقَالَ : مَتَى كُنْتَ تَنْصَحُ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَتَكَلَّمَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ ، فَقَالَ عَمَّارٌ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ ، وَمَا أَنْتَ وَتَأْمِيرُ قُرَيْشٍ لِأَنْفُسِهَا ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، افْرُغْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِنَ النَّاسُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ ، فَلَا تَجْعَلَنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا ، وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ : عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ ، قَالَ : أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَأَعْمَلَ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي ، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ ، قَالَ : نَعَمْ ، فَبَايَعَهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : حَبْوَتَهُ حَبْو دَهْرٍ ، لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلَّا لِيَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَيْكَ ، وَاللَّهِ {{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا عَلِيُّ ، لَا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا ، فَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ النَّاسَ فَإِذَا هُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ : سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، فَقَالَ : يَا مِقْدَادُ ، وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَهَدْتُ لِلْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِذَلِكَ اللَّهَ فَأَثَابَكَ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ : مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ ، إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلًا مَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ وَلَا أَقْضَى مِنْهُ بِالْعَدْلِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا مِقْدَادُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمِقْدَادِ : رَحِمَكَ اللَّهُ ، مَنْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ وَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ ؟ قَالَ : أَهْلُ الْبَيْتِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُرَيْشٍ ، وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتِهَا فَتَقُولُ : إِنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُمْ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ تَدَاوَلْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ ، وَقَدِمَ طَلْحَةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُويِعَ فِيهِ لِعُثْمَانَ ، فَقِيلَ لَهُ : بَايِعْ عُثْمَانَ ، فَقَالَ : أَكُلُّ قُرَيْشٍ رَاضٍ بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ إِنْ أَبَيْتَ رَدَدْتُهَا ، قَالَ : أَتَرُدُّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَكُلُّ النَّاسِ بَايَعُوكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، لَا أَرْغَبُ عَمَّا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، وَبَايَعَهُ ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أَصَبْتَ إِذْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ : لَوْ بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَيْرَكَ مَا رَضِينَا ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ ، لَوْ بَايَعْتُ غَيْرَهُ لَبَايَعَهُ وَلَقُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، عَنِ ابْنِ مِجْلَزِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ تَسْتَخْلِفُونَ ؟ فَسَمُّوا رِجَالًا حَتَّى سَمَّوْا طَلْحَةَ ، فَقَالَ : " كَيْفَ تَسْتَخْلِفُونَ رَجُلًا أَوَّلُ نَحْلٍ نَحَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ فِي مَهْرٍ لِيَهُودِيَّةٍ "
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا نَافِعٌ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ شَهِيدًا ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِذَا مِتُّ فَتَرَبَّصُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ ، وَلَا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ إِلَّا وَعَلَيْكُمْ أَمِيرٌ مِنْكُمْ ، وَيَحْضُرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشِيرًا ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَمْرِ ، وَطَلْحَةُ شَرِيكُكُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِنْ قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْضِرُوهُ أَمْرَكُمْ ، وَإِنْ مَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ ، وَمَنْ لِي بِطَلْحَةَ ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : أَنَا لَكَ بِهِ ، وَلَا يُخَالِفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَرْجُو أَلَّا يُخَالِفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ يَلِيَ إِلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ ، فَإِنْ وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَجُلٌ فِيهِ لِينٌ ، وَإِنْ وَلِيَ عَلِيٌّ فَفِيهِ دُعَابَةٌ وَأَحْرِ بِهِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَإِنْ تُوَلُّوا سَعْدًا فَأَهْلُهَا هُوَ ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الْوَالِي ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ خِيَانَةٍ وَلَا ضَعْفٍ ، وَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، مُسَدَّدٌ رَشِيدٌ ، لَهُ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ ، وَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ : يَا أَبَا طَلْحَةَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ طَالَمَا أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِكُمْ ، فَاخْتَرْ مِنْهُمْ ، وَقَالَ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ : إِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَاجْمَعْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ ، وَقَالَ لِصُهَيْبٍ : صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَدْخِلْ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ إِنْ قَدِمَ ، وَأَحْضِرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ ، وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَرَضُوا رَجُلًا وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ أَوِ اضْرِبْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ ، وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ فَرَضُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَأَبَى اثْنَانِ فَاضْرِبْ رُءُوسُهُمَا ، فَإِنْ رَضِيَ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ وَثَلَاثَةٌ رَجُلًا مِنْهُمْ فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ حَكَمَ لَهُ فَلْيَخْتَارُوا رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ، فَخَرَجُوا ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِقَوْمٍ كَانُوا مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ : إِنْ أُطِعْ فِيكُمْ قَوْمَكُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَدًا ، وَتَلَقَّاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ : عُدِلَتْ عَنَّا ، فَقَالَ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ قَالَ : قُرِنَ بِي عُثْمَانُ ، وَقَالَ : كُونُوا مَعَ الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ رَضِيَ رَجُلَانِ رَجُلًا ، وَرَجُلَانِ رَجُلًا ، فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَسَعْدٌ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ لَا يَخْتَلِفُونَ فَيُوَلِّيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ أَوْ يُوَلِّيهَا عُثْمَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، فَلَوْ كَانَ الْآخَرَانِ مَعِي لَمْ يَنْفَعَانِي ، بَلْهَ أَنِّي لَا أَرْجُو إِلَّا أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : لَمْ أَرْفَعْكَ فِي شَيْءٍ إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيَّ مُسْتَأْخِرًا بِمَا أَكْرَهُ ، أَشَرْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ تَسْأَلَهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ فَأَبَيْتَ ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الْأَمْرَ فَأَبَيْتَ ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ حِينَ سَمَّاكَ عُمَرُ فِي الشُّورَى أَنْ لَا تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَيْتَ ، احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً : كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْكَ الْقَوْمُ فَقُلْ : لَا ، إِلَّا أَنْ يُوَلُّوكَ ، وَاحْذَرْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ فَإِنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ يَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقُومَ لَنَا بِهِ غَيْرُنَا ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا بِشَرٍّ لَا يَنْفَعُ مَعَهُ خَيْرٌ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : أَمَا لَئِنْ بَقِيَ عُثْمَانُ لَأُذَكِّرَنَّهُ مَا أَتَى ، وَلَئِنْ مَاتَ لَيَتَدَاوَلُنَّهَا بَيْنَهُمْ ، وَلَئِنْ فَعَلُوا لَيَجِدُنِّي حَيْثُ يَكْرَهُونَ ثُمَّ تَمَثَّلَ : حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً غَدَوْنَ خِفَافًا فَابْتَدَرْنَ الْمُحَصَّبَا لَيَخْتَلِيَنْ رَهْطُ ابْنِ يَعْمُرَ مَارِئًا نَجِيعًا بَنُو الشَّدَّاخِ وِرْدًا مُصَلَّبَا وَالْتَفَتَ فَرَأَى أَبَا طَلْحَةَ فَكَرِهَ مَكَانَهُ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : لَمْ تُرَعْ أَبَا الْحَسَنِ ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ تَصَدَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : كِلَاكُمَا يُحِبُّ الْإِمْرَةَ ، لَسْتُمَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ ، هَذَا إِلَى صُهَيْبٍ ، اسْتَخْلَفَهُ عُمَرُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلَاثًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ ، فَصَلَّى صُهَيْبٌ ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَ الْمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى فِي بَيْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَيُقَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُقَالُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنِهَا ، وَهُمْ خَمْسَةٌ مَعَهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ غَائِبٌ ، وَأَمَرُوا أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَحْجُبَهُمْ ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا ، وَقَالَ : تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولَا حَضَرْنَا ، وَكُنَّا فِي أَهْلِ الشُّورَى ؟ فَتَنَافَسَ الْقَوْمُ فِي الْأَمْرِ وَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْكَلَامُ ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَنَا كُنْتُ لَأَنْ تَدْفَعُوهَا أَخْوَفَ مِنِّي لَأَنْ تَنَافَسُوهَا ، لَا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ عُمَرَ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أُمِرْتُمْ ، ثُمَّ أَجْلِسُ فِي بَيْتِي فَأَنْظُرُ مَا تَصْنَعُونَ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : أَيُّكُمْ يُخْرِجُ مِنْهَا نَفْسَهُ وَيَتَقَلَّدُهَا عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهَا أَفْضَلَكُمْ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ : أَنَا أَنْخَلِعُ مِنْهَا ، فَقَالَ عُثْمَانُ : أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَضِيَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ الْقَوْمُ : قَدْ رَضِينَا ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟ قَالَ : أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرَنَّ الْحَقَّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ، وَلَا تَخُصَّ ذَا رَحِمٍ ، وَلَا تَأْلُو الْأُمَّةَ ، فَقَالَ : أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مَعِي عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ ، وَأَنْ تَرْضَوْا مَنِ اخْتَرْتُ لَكُمْ ، عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ أَنْ لَا أَخُصَّ ذَا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ وَلَا آلُو الْمُسْلِمِينَ ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَهُ ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ : إِنَّكَ تَقُولُ إِنِّي أَحَقُّ مَنْ حَضَرَ بِالْأَمْرِ ، لِقَرَابَتِكَ ، وَسَابِقَتِكَ ، وَحُسْنِ أَثَرِكَ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ تُبْعِدْ ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ لَوَ صُرِفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْكَ فَلَمْ تَحْضُرْ ، مَنْ كُنْتَ تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ ؟ قَالَ : عُثْمَانُ ، وَخَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ : تَقُولُ : شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَصِهْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَابْنُ عَمِّهِ ، لِي سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ ، لَمْ تُبْعِدْ ، فَلَنْ يُصْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنِّي ، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْضُرْ فَأَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ تَرَاهُ أَحَقَّ بِهِ ؟ قَالَ : عَلِيٌّ ، ثُمَّ خَلَا بِالزُّبَيْرِ فَكَلَّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ ، ثُمَّ خَلَا بِسَعْدٍ فَكَلَّمَهُ ، فَقَالَ : عُثْمَانُ فَلَقِيَ عَلِيٌّ سَعْدًا فَقَالَ : {{ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }} أَسْأَلُكَ بِرَحِمِ ابْنِي هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبِرَحِمِ عَمِّي حَمْزَةَ مِنْكَ ، أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ ظَهِيرًا عَلَيَّ ، فَإِنِّي أُدْلِي بِمَا لَا يُدْلِي بِهِ عُثْمَانُ ، وَدَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيَالِيهِ يَلْقَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ، وَأَشْرَافِ النَّاسِ يُشَاوِرُهُمْ وَلَا يَخْلُو بِرَجُلٍ إِلَّا أَمَرَهُ بِعُثْمَانَ ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُسْتَكْمَلُ فِي صَبِيحَتِهَا الْأَجَلُ أَتَى مَنْزِلَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بَعْدَ ابْهِيرَارٍ مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقَظَهُ ، فَقَالَ : أَلَا أَرَاكَ نَائِمًا وَلَمْ أَذُقْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَثِيرَ غَمْضٍ ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا ، فَدَعَاهُمَا ، فَبَدَأَ بِالزُّبَيْرِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي الصُّفَّةِ الَّتِي تَلِي دَارَ مَرْوَانَ ، فَقَالَ لَهُ : خَلِّ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَهَذَا الْأَمْرَ ، قَالَ : نَصِيبِي لِعَلِيٍّ ، وَقَالَ لِسَعْدٍ : أَنَا وَأَنْتَ كَلَالَةٌ ، فَاجْعَلْ نَصِيبَكَ لِي فَأَخْتَارُ ، قَالَ : إِنِ اخْتَرْتَ نَفْسَكَ فَنِعْمَ ، وَإِنِ اخْتَرْتَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ ، أَيُّهَا الرَّجُلُ بَايِعْ لِنَفْسِكَ وَأَرِحْنَا ، وَارْفَعْ رُءُوسَنَا ، قَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنِّي قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْهَا عَلَى أَنْ أَخْتَارَ ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ وَجُعِلَ الْخِيَارُ إِلَيَّ لَمْ أُرِدْهَا ، إِنِّي أُرِيتُ كَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ كَثِيرَةِ الْعُشْبِ فَدَخَلَ فَحْلٌ لَمْ أَرَ فَحْلًا قَطُّ أَكْرَمَ مِنْهُ ، فَمَرَّ كَأَنَّهُ سَهْمٌ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى قَطَعَهَا ، لَمْ يُعَرِّجْ ، وَدَخَلَ بَعِيرٌ يَتْلُوهُ فَاتَّبَعَ أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الرَّوْضَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَحْلٌ عَبْقَرِيُّ يَجُرُّ خِطَامَهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، وَيَمْضِي قَصْدَ الْأَوَّلَيْنِ حَتَّى خَرَجَ ، ثُمَّ دَخَلَ بَعِيرٌ رَابِعٌ فَرَتَعَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَكُونُ الرَّابِعُ ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُمَا أَحَدٌ فَيَرْضَى النَّاسُ عَنْهُ ، قَالَ سَعْدٌ : فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ قَدْ أَدْرَكَكَ فَامْضِ لِرَأْيِكَ ، فَقَدْ عَرَفْتَ عَهْدَ عُمَرَ ، وَانْصَرَفَ الزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ إِلَى عَلِيٍّ ، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ، وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ ، ثُمَّ نَهَضَ وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَكَانَ فِي نَجِيِّهِمَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَذَانُ الصُّبْحِ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : يَا عَمْرُو ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَوَقَعَ قَضَاءُ رَبِّكَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ جَمَعَ الرَّهْطَ وَبَعَثَ إِلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْفَضْلِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَإِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَاجْتَمَعُوا حَتَّى الْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحَبُّوا أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ بِأَمْصَارِهِمْ ، وَقَدْ عَلِمُوا مَنْ أَمِيرُهُمْ ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ : إِنَّا نَرَاكَ لَهَا أَهْلًا ، فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ هَذَا ، فَقَالَ عَمَّارٌ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُسْلِمُونَ فَبَايِعْ عَلِيًّا ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ : صَدَقَ عَمَّارٌ ، إِنْ بَايَعْتَ عَلِيًّا قُلْنَا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، قَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ قُرَيْشٌ فَبَايِعْ عُثْمَانَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : صَدَقَ ، إِنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ قُلْنَا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، فَشَتَمَ عَمَّارٌ ابْنَ أَبِي أَبِي سَرْحٍ وَقَالَ : مَتَى كُنْتَ تَنْصَحُ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَتَكَلَّمَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ ، فَقَالَ عَمَّارٌ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ ، وَمَا أَنْتَ وَتَأْمِيرُ قُرَيْشٍ لِأَنْفُسِهَا ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، افْرُغْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِنَ النَّاسُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ ، فَلَا تَجْعَلَنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا ، وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ : عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ ، قَالَ : أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَأَعْمَلَ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي ، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ ، قَالَ : نَعَمْ ، فَبَايَعَهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : حَبْوَتَهُ حَبْو دَهْرٍ ، لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلَّا لِيَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَيْكَ ، وَاللَّهِ {{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }} فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا عَلِيُّ ، لَا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا ، فَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ النَّاسَ فَإِذَا هُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ : سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، فَقَالَ : يَا مِقْدَادُ ، وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَهَدْتُ لِلْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِذَلِكَ اللَّهَ فَأَثَابَكَ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ : مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ ، إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلًا مَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ وَلَا أَقْضَى مِنْهُ بِالْعَدْلِ ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا مِقْدَادُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمِقْدَادِ : رَحِمَكَ اللَّهُ ، مَنْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ وَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ ؟ قَالَ : أَهْلُ الْبَيْتِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُرَيْشٍ ، وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتِهَا فَتَقُولُ : إِنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُمْ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ تَدَاوَلْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ ، وَقَدِمَ طَلْحَةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُويِعَ فِيهِ لِعُثْمَانَ ، فَقِيلَ لَهُ : بَايِعْ عُثْمَانَ ، فَقَالَ : أَكُلُّ قُرَيْشٍ رَاضٍ بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ إِنْ أَبَيْتَ رَدَدْتُهَا ، قَالَ : أَتَرُدُّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَكُلُّ النَّاسِ بَايَعُوكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، لَا أَرْغَبُ عَمَّا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، وَبَايَعَهُ ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أَصَبْتَ إِذْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ : لَوْ بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَيْرَكَ مَا رَضِينَا ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ ، لَوْ بَايَعْتُ غَيْرَهُ لَبَايَعَهُ وَلَقُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، عَنِ ابْنِ مِجْلَزِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ تَسْتَخْلِفُونَ ؟ فَسَمُّوا رِجَالًا حَتَّى سَمَّوْا طَلْحَةَ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَسْتَخْلِفُونَ رَجُلًا أَوَّلُ نَحْلٍ نَحَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَهُ فِي مَهْرٍ لِيَهُودِيَّةٍ