قَدِمَ ظَبْيَانُ بْنُ كَدَادَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَالْجَهَّادِينَ إِلَى الْخَيْرِ ، آمَنَّا بِهِ وَشَهِدْنَا أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، وَنَحْنُ قَوْمٌ مِنْ سَرَارَةِ مَذْحِجِ بْنِ يُحَابِرَ بْنِ مَالِكٍ ، لَنَا مَآثِرُ وَمَآكِلُ وَمَشَارِبُ ، أَبْرَقَتْ لَنَا مَخَائِلُ السَّمَاءِ ، وَجَادَتْ عَلَيْنَا شَآبِيبُ الْأَنْوَاءِ ، فَتَوَقَّلَتْ بِنَا الْقِلَاصُ مِنْ أَعْلَى الْجَوْفِ وَرُءُوسِ الْهِضَابِ ، وَرَفَعَتْهَا عِرَارُ الثَّرَى ، وَأَلْحَقَتْهَا دَآدِئُ الرَّحَى ، وَخَفَضَتْهَا بُطْنَانُ الرِّقَاقِ ، وَقَطَرَتِ الْأَعْنَاقُ ، حَتَّى حَلَّتْ بِأَرْضِكَ وَسَمَائِكَ ، نُوَالِي مَنْ وَالِاكَ ، وَنُعَادِي مَنْ عَادَاكَ ، وَاللَّهُ مَوْلَانَا وَمَوْلَاكَ ، إِنَّ وَجًّا وَسَرَوَاتِ الطَّائِفِ كَانَتْ لِبَنِي مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ ، غَرَسُوا وِدَانَهُ ، وَذَنَبُوا خِشَانَهُ ، وَرَعَوْا قَرْبَانَهُ ، فَلَمَّا عَصَوَا الرَّحْمَنَ هَبَّ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانُ ، فَلَمْ يبْقِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ أَحَدًا ، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ، فَلَمَّا أَقْلَعَتِ السَّمَاءُ وَغَاضَ الْمَاءُ أَهْبَطَ اللَّهُ نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ فِي حَزَنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا ، وَوَعْرِهَا وَجَبَلِهَا ، فَكَانَ أَكْثَرُ بَنِيهِ ثَبَاتًا مِنْ بَعْدِهِ عَادًا وَثَمُودًا ، وَكَانَا مِنَ الْبَغْيِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ، فَأَمَّا عَادٌ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَأَمَّا ثَمُودُ فَرَمَاهَا اللَّهُ بِالدُّمَالِقِ ، وَأَهْلَكَهَا بِالصَّوَاعِقِ ، وَكَانَتْ بَنُو هَانِئِ بْنِ هُدْلُولِ بْنِ هَرْوَلَةَ بْنِ ثَمُودَ تَسْكُنُهَا ، وَهُمُ الَّذِينَ خَطُّوا مَشَايِرَهَا ، وَأَتَّوْا جَدَاوِلَهَا ، وَأَحْيَوْا غِرَاسَهَا ، وَرَفَعُوا عَرِيشَهَا ، ثُمَّ إِنَّ مُلُوكَ حِمْيَرَ مَلَّكُوا مَعَاقِلَ الْأَرْضِ وَقَرَارَهَا ، وَرُءُوسَ الْمُلُوكِ وَغِرَارَهَا ، وَكُهُولَ النَّاسِ وَأَغْمَارَهَا ، حَتَّى بَلَغَ أَدْنَاهَا أَقْصَاهَا ، وَمَلَكَ أُولَاهَا أُخْرَاهَا ، فَكَانَ لَهُمُ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَفَارِسُ الْحَمْرَاءُ وَالْجِزْيَةُ الصَّفْرَاءُ ، فَبَطَرُوا النِّعَمَ ، وَاسْتَحَقُّوا النِّقَمَ ، فَضَرَبَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، وَأَهْلَكَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْغَدْرِ ، فَكَانُوا كَمَا قَالَ شَاعِرُنَا : {
} الْغَدْرُ أَهْلَكَ عَادًا فِي مَنَازِلَهَا {
}وَالْبَغْيُ أَفْنَى قُرُونًا سَاكِنِي الْبَلَدِ {
}{
} مِنْ حِمْيَرٍ حِينَ كَانَ الْبَغْيُ مَجْهَرَةً {
}مِنْهُمْ عَلَى حَادِثِ الْأَيَّامِ وَالنَّضَدِ {
}ثُمَّ إِنَّ قَبَائِلَ مِنَ الْأَزْدِ نَزَلُوهَا عَلَى عَهْدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، نَتَّجُوا فِيهَا النَّزَائِعَ ، وَبَنَوْا فِيهَا الْمَصَانِعَ ، وَاتَّخَذُوا فِيهَا الدَّسَائِعَ ، فَكَانَ لَهُمْ سَاكِنُهَا وَعَامِرُهَا ، وَقَارِبُهَا وَسَائِرُهَا ، حَتَّى نَقَلَتْهَا مَذْحِجٌ بِسِلَاحِهَا ، وَنَحَّتْهُمْ عَنْ بَوَادِيهَا ، فَأَجْلَوْا عَنْهَا مُهَانًا ، وَتَرَكُوهَا عَيَانًا ، وَحَاوَلُوهَا أَزْمَانًا ، ثُمَّ تَرَامَتْ مَذْحِجٌ بِأَسِنَّتِهَا ، وَتَشَزَّنَتْ بِأَعِنَّتِهَا ، فَغَلَبَ الْعَزِيزَ أَذَلُّهَا ، وَأَكَلَ الْكَثِيرَ أَقَلُّهَا ، وَكُنَّا مَعْشَرَ يُحَابِرَ أَوْتَادَ مُرْسَاهَا ، وَنُظَاهِرُ أُولَاهَا ، وَصَفاءَ مَجْرَاهَا ، فَأَصَابَنَا بِهَا الْقُحُوطُ ، وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا الْقُنُوطُ ، بَعْدَمَا غَرَسْنَا بِهَا الْأَشْجَارَ ، وَأَكَلْنَا بِهَا الثِّمَارَ ، وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ جَذِيمَةَ يَخْبِطُونَ غَضِيدَهَا ، وَيَأْكُلُونَ حَصِيدَهَا ، وَيُرَشِّحُونَ خَضِيدَهَا ، حَتَّى ظَعَنَّا مِنْهَا ، ثُمَّ إِنَّ قَيْسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ نَزَلُوهَا ، فَلَمْ يَصِلُوا بِهَا حَبْلًا ، وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهَا أَكْلًا ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِهَا آخِرًا وَلَا أَوَّلًا ، فَلَمَّا أَثْرَى وَلَدُهُمْ ، وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ ، وَتَنَاسَوْا بَيْنَهُمْ حُسْنَ الْبَلَاءِ ، وَقَطَعُوا مِنْهُمْ عَقْدَ الْوَلَاءِ ، فَصَارَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَفْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ : رُدَّ عَلَيْنَا بَلَدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَوَافَقَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ وَالْأَسْوَدَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّيْنِ فَقَالَ الْأَسْوَدُ مُجِيبًا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ بَنِي هِلَالِ بْنِ هَدْلُولِ بْنِ هَوْذَاءَ بْنِ ثَمُودَ كَانُوا سَاكِنِينَ بَطْنَ وَجٍّ ، بَعْدَهَا آلُ مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ ، فَعَطَّلَتْ مَنَازِلَهَا ، وَتَرَكَتْ مَسَاكِنَهَا خَرَابًا ، وَبِنَاءَهَا يَبَابًا ، فَتَحَامَتْهَا الْعَرَبُ تَحَامِيًا ، وَتَجَافَتْ عَنْهَا تَجَافِيًا ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَ عَادًا وَثَمُودًا مِنْ مَعَارِيضِ الْبَلَاءِ ، وَدَوَاعِي الشَّقَاءِ ، فَلَمَّا كَثُرَتْ قَحْطَانُ وَضَاقَ فِجَاجُهَا سَاقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَانْتَجَعُوا أَرْضًا أَرْضًا ، وَأَقَامَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ جَذِيمَةَ ، ثُمَّ إِنَّ قَيْسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ سَارُوا إِلَيْهِمْ فَسَاقُوهُمُ السِّمَامَ ، وَأَوْرَدُوهُمُ الْحِمَامَ ، فَأَجْلَوْهُمْ عَنَاءً ، فَتَوَجَّهُوا مِنْهَا إِلَى ضَوَاحِي الْيَمَنِ . وَالْتَمَسَتْ إِيَادٌ النَّاصِفَ لَمَّا أَصَابُوا مِنَ الْمَغْنَمِ ، فَأَبَتْ قَيْسٌ عَلَيْهِمْ ، وَكَانَتْ قَيْسٌ أَكْثَرَ مِنْ إِيَادٍ عَدَدًا ، وَأَوْسَعَ مِنْهُمْ بَلَدًا ، فَرَحَلَتْ إِيَادٌ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَأَقَامَتْ قَيْسٌ بِبَطْنِ وَجٍّ ، لَيْسَتْ لَهُمْ شَائِبَةٌ ، يَأْكُلُونَ مُلَّاحَهَا ، وَيَرْعَوْنَ سِرَاحَهَا ، وَيَحْتَطِبُونَ طِلَاحَهَا ، وَيَأْبِرُونَ نَخْلَهَا ، وَيَأْرُونَ نَجْلَهَا ، سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا ، حَتَّى أَوْقَدَتِ الْحَرْبَ فِي هَبَوَاتِهَا ، وَخَاضُوا الْأَصَابِيَّ فِي غَمَرَاتِهَا ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ سَرَوَاتِهَا ، وَأَنَاخُوا عَلَى إِيَادٍ بِالْكَلْكَلِ ، وَسَقَوْهُمْ بِصَبِيرِ النَّيْطَلِ ، حَتَّى خَلَا لَهُمْ خِيَارُهُمْ وَحُزُونُهَا ، وَظُهُورُهَا وَبُطُونُهَا ، وَقُطُورُهَا وَعُيُونُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا أَقَلُّ وَأَصْغَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خُرْءِ بُعَيْضَةَ ، وَلَوْ عَدَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ ذُبَابٍ لَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ بِهَا لِحَاقٌ ، وَلَا لِكَافِرٍ خَلَاقٌ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَخْلُوقُ مِقْدَارَ يَوْمِهِ لَضَاقَتْ عَلَيْهِ بِرَحَبِهَا ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ فِيهَا قَوْمٌ وَلَا خَفْضٌ ، وَلَكِنَّهُ عُمِّيَ عَلَيْهِ الْأَجَلُ ، وَمُدَّ لَهُ فِي الْأَمَلِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْجَاهِلِيَّةُ لِضَعْفِ أَعْمَالِهَا ، وَجَهَالَةِ أَهْلِهَا لِمَنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَفِي يَدِهِ خَرَابٌ أَوْ عِمْرَانٌ ، فَهُوَ لَهُ عَلَى وَطْفِ رَكَاهَا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ خُلْصٍ أَوْ مُعَاهَدٍ ذَمِّيٍّ ، إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ ، وَلَهُمْ أَجَلٌ يَنْتَهُونَ إِلَى مُدَّتِهِ ، وَيَصِيرُونَ إِلَى نِهَايَتِهِ ، مُؤَخَّرٌ عَنْهُمُ الْعِقَابُ إِلَى يَوْمِ الْحِسَابِ ، أَمْهَلَهُمُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ ، فَغَلَبَ الْأَعَزُّ الْأَذَلَّ ، وَأَكَلَ الْكَبِيرُ فِيهَا الْأَقَلَّ ، وَاللَّهُ الْأَعْلَى الْأَجَلُّ ، فَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ مِنْ سَفْكِ دَمٍ أَوِ انْتِهَاكِ مُحَرَّمٍ ، {{ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }} ، فَلَمْ يَرْدُدْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُرَادٍ ، وَقَضَى بِهَا لِثَقِيفٍ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ مَعْدِ بْنِ النَّحَّاسِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَدِمَ ظَبْيَانُ بْنُ كَدَادَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَالْجَهَّادِينَ إِلَى الْخَيْرِ ، آمَنَّا بِهِ وَشَهِدْنَا أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، وَنَحْنُ قَوْمٌ مِنْ سَرَارَةِ مَذْحِجِ بْنِ يُحَابِرَ بْنِ مَالِكٍ ، لَنَا مَآثِرُ وَمَآكِلُ وَمَشَارِبُ ، أَبْرَقَتْ لَنَا مَخَائِلُ السَّمَاءِ ، وَجَادَتْ عَلَيْنَا شَآبِيبُ الْأَنْوَاءِ ، فَتَوَقَّلَتْ بِنَا الْقِلَاصُ مِنْ أَعْلَى الْجَوْفِ وَرُءُوسِ الْهِضَابِ ، وَرَفَعَتْهَا عِرَارُ الثَّرَى ، وَأَلْحَقَتْهَا دَآدِئُ الرَّحَى ، وَخَفَضَتْهَا بُطْنَانُ الرِّقَاقِ ، وَقَطَرَتِ الْأَعْنَاقُ ، حَتَّى حَلَّتْ بِأَرْضِكَ وَسَمَائِكَ ، نُوَالِي مَنْ وَالِاكَ ، وَنُعَادِي مَنْ عَادَاكَ ، وَاللَّهُ مَوْلَانَا وَمَوْلَاكَ ، إِنَّ وَجًّا وَسَرَوَاتِ الطَّائِفِ كَانَتْ لِبَنِي مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ ، غَرَسُوا وِدَانَهُ ، وَذَنَبُوا خِشَانَهُ ، وَرَعَوْا قَرْبَانَهُ ، فَلَمَّا عَصَوَا الرَّحْمَنَ هَبَّ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانُ ، فَلَمْ يبْقِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ أَحَدًا ، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ، فَلَمَّا أَقْلَعَتِ السَّمَاءُ وَغَاضَ الْمَاءُ أَهْبَطَ اللَّهُ نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ فِي حَزَنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا ، وَوَعْرِهَا وَجَبَلِهَا ، فَكَانَ أَكْثَرُ بَنِيهِ ثَبَاتًا مِنْ بَعْدِهِ عَادًا وَثَمُودًا ، وَكَانَا مِنَ الْبَغْيِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ، فَأَمَّا عَادٌ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَأَمَّا ثَمُودُ فَرَمَاهَا اللَّهُ بِالدُّمَالِقِ ، وَأَهْلَكَهَا بِالصَّوَاعِقِ ، وَكَانَتْ بَنُو هَانِئِ بْنِ هُدْلُولِ بْنِ هَرْوَلَةَ بْنِ ثَمُودَ تَسْكُنُهَا ، وَهُمُ الَّذِينَ خَطُّوا مَشَايِرَهَا ، وَأَتَّوْا جَدَاوِلَهَا ، وَأَحْيَوْا غِرَاسَهَا ، وَرَفَعُوا عَرِيشَهَا ، ثُمَّ إِنَّ مُلُوكَ حِمْيَرَ مَلَّكُوا مَعَاقِلَ الْأَرْضِ وَقَرَارَهَا ، وَرُءُوسَ الْمُلُوكِ وَغِرَارَهَا ، وَكُهُولَ النَّاسِ وَأَغْمَارَهَا ، حَتَّى بَلَغَ أَدْنَاهَا أَقْصَاهَا ، وَمَلَكَ أُولَاهَا أُخْرَاهَا ، فَكَانَ لَهُمُ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَفَارِسُ الْحَمْرَاءُ وَالْجِزْيَةُ الصَّفْرَاءُ ، فَبَطَرُوا النِّعَمَ ، وَاسْتَحَقُّوا النِّقَمَ ، فَضَرَبَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، وَأَهْلَكَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْغَدْرِ ، فَكَانُوا كَمَا قَالَ شَاعِرُنَا : الْغَدْرُ أَهْلَكَ عَادًا فِي مَنَازِلَهَا وَالْبَغْيُ أَفْنَى قُرُونًا سَاكِنِي الْبَلَدِ مِنْ حِمْيَرٍ حِينَ كَانَ الْبَغْيُ مَجْهَرَةً مِنْهُمْ عَلَى حَادِثِ الْأَيَّامِ وَالنَّضَدِ ثُمَّ إِنَّ قَبَائِلَ مِنَ الْأَزْدِ نَزَلُوهَا عَلَى عَهْدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، نَتَّجُوا فِيهَا النَّزَائِعَ ، وَبَنَوْا فِيهَا الْمَصَانِعَ ، وَاتَّخَذُوا فِيهَا الدَّسَائِعَ ، فَكَانَ لَهُمْ سَاكِنُهَا وَعَامِرُهَا ، وَقَارِبُهَا وَسَائِرُهَا ، حَتَّى نَقَلَتْهَا مَذْحِجٌ بِسِلَاحِهَا ، وَنَحَّتْهُمْ عَنْ بَوَادِيهَا ، فَأَجْلَوْا عَنْهَا مُهَانًا ، وَتَرَكُوهَا عَيَانًا ، وَحَاوَلُوهَا أَزْمَانًا ، ثُمَّ تَرَامَتْ مَذْحِجٌ بِأَسِنَّتِهَا ، وَتَشَزَّنَتْ بِأَعِنَّتِهَا ، فَغَلَبَ الْعَزِيزَ أَذَلُّهَا ، وَأَكَلَ الْكَثِيرَ أَقَلُّهَا ، وَكُنَّا مَعْشَرَ يُحَابِرَ أَوْتَادَ مُرْسَاهَا ، وَنُظَاهِرُ أُولَاهَا ، وَصَفاءَ مَجْرَاهَا ، فَأَصَابَنَا بِهَا الْقُحُوطُ ، وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا الْقُنُوطُ ، بَعْدَمَا غَرَسْنَا بِهَا الْأَشْجَارَ ، وَأَكَلْنَا بِهَا الثِّمَارَ ، وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ جَذِيمَةَ يَخْبِطُونَ غَضِيدَهَا ، وَيَأْكُلُونَ حَصِيدَهَا ، وَيُرَشِّحُونَ خَضِيدَهَا ، حَتَّى ظَعَنَّا مِنْهَا ، ثُمَّ إِنَّ قَيْسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ نَزَلُوهَا ، فَلَمْ يَصِلُوا بِهَا حَبْلًا ، وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهَا أَكْلًا ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِهَا آخِرًا وَلَا أَوَّلًا ، فَلَمَّا أَثْرَى وَلَدُهُمْ ، وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ ، وَتَنَاسَوْا بَيْنَهُمْ حُسْنَ الْبَلَاءِ ، وَقَطَعُوا مِنْهُمْ عَقْدَ الْوَلَاءِ ، فَصَارَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَفْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ : رُدَّ عَلَيْنَا بَلَدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَوَافَقَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ وَالْأَسْوَدَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّيْنِ فَقَالَ الْأَسْوَدُ مُجِيبًا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ بَنِي هِلَالِ بْنِ هَدْلُولِ بْنِ هَوْذَاءَ بْنِ ثَمُودَ كَانُوا سَاكِنِينَ بَطْنَ وَجٍّ ، بَعْدَهَا آلُ مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ ، فَعَطَّلَتْ مَنَازِلَهَا ، وَتَرَكَتْ مَسَاكِنَهَا خَرَابًا ، وَبِنَاءَهَا يَبَابًا ، فَتَحَامَتْهَا الْعَرَبُ تَحَامِيًا ، وَتَجَافَتْ عَنْهَا تَجَافِيًا ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَ عَادًا وَثَمُودًا مِنْ مَعَارِيضِ الْبَلَاءِ ، وَدَوَاعِي الشَّقَاءِ ، فَلَمَّا كَثُرَتْ قَحْطَانُ وَضَاقَ فِجَاجُهَا سَاقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَانْتَجَعُوا أَرْضًا أَرْضًا ، وَأَقَامَتْ بَنُو عَمْرِو بْنِ خَالِدِ بْنِ جَذِيمَةَ ، ثُمَّ إِنَّ قَيْسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ سَارُوا إِلَيْهِمْ فَسَاقُوهُمُ السِّمَامَ ، وَأَوْرَدُوهُمُ الْحِمَامَ ، فَأَجْلَوْهُمْ عَنَاءً ، فَتَوَجَّهُوا مِنْهَا إِلَى ضَوَاحِي الْيَمَنِ . وَالْتَمَسَتْ إِيَادٌ النَّاصِفَ لَمَّا أَصَابُوا مِنَ الْمَغْنَمِ ، فَأَبَتْ قَيْسٌ عَلَيْهِمْ ، وَكَانَتْ قَيْسٌ أَكْثَرَ مِنْ إِيَادٍ عَدَدًا ، وَأَوْسَعَ مِنْهُمْ بَلَدًا ، فَرَحَلَتْ إِيَادٌ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَأَقَامَتْ قَيْسٌ بِبَطْنِ وَجٍّ ، لَيْسَتْ لَهُمْ شَائِبَةٌ ، يَأْكُلُونَ مُلَّاحَهَا ، وَيَرْعَوْنَ سِرَاحَهَا ، وَيَحْتَطِبُونَ طِلَاحَهَا ، وَيَأْبِرُونَ نَخْلَهَا ، وَيَأْرُونَ نَجْلَهَا ، سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا ، حَتَّى أَوْقَدَتِ الْحَرْبَ فِي هَبَوَاتِهَا ، وَخَاضُوا الْأَصَابِيَّ فِي غَمَرَاتِهَا ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ سَرَوَاتِهَا ، وَأَنَاخُوا عَلَى إِيَادٍ بِالْكَلْكَلِ ، وَسَقَوْهُمْ بِصَبِيرِ النَّيْطَلِ ، حَتَّى خَلَا لَهُمْ خِيَارُهُمْ وَحُزُونُهَا ، وَظُهُورُهَا وَبُطُونُهَا ، وَقُطُورُهَا وَعُيُونُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا أَقَلُّ وَأَصْغَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خُرْءِ بُعَيْضَةَ ، وَلَوْ عَدَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ ذُبَابٍ لَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ بِهَا لِحَاقٌ ، وَلَا لِكَافِرٍ خَلَاقٌ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَخْلُوقُ مِقْدَارَ يَوْمِهِ لَضَاقَتْ عَلَيْهِ بِرَحَبِهَا ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ فِيهَا قَوْمٌ وَلَا خَفْضٌ ، وَلَكِنَّهُ عُمِّيَ عَلَيْهِ الْأَجَلُ ، وَمُدَّ لَهُ فِي الْأَمَلِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْجَاهِلِيَّةُ لِضَعْفِ أَعْمَالِهَا ، وَجَهَالَةِ أَهْلِهَا لِمَنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَفِي يَدِهِ خَرَابٌ أَوْ عِمْرَانٌ ، فَهُوَ لَهُ عَلَى وَطْفِ رَكَاهَا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ خُلْصٍ أَوْ مُعَاهَدٍ ذَمِّيٍّ ، إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ ، وَلَهُمْ أَجَلٌ يَنْتَهُونَ إِلَى مُدَّتِهِ ، وَيَصِيرُونَ إِلَى نِهَايَتِهِ ، مُؤَخَّرٌ عَنْهُمُ الْعِقَابُ إِلَى يَوْمِ الْحِسَابِ ، أَمْهَلَهُمُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ ، فَغَلَبَ الْأَعَزُّ الْأَذَلَّ ، وَأَكَلَ الْكَبِيرُ فِيهَا الْأَقَلَّ ، وَاللَّهُ الْأَعْلَى الْأَجَلُّ ، فَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ مِنْ سَفْكِ دَمٍ أَوِ انْتِهَاكِ مُحَرَّمٍ ، {{ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }} ، فَلَمْ يَرْدُدْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى مُرَادٍ ، وَقَضَى بِهَا لِثَقِيفٍ . وَقَالَ ظَبْيَانُ بْنُ كِدَادٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا هَذَا مِنْهُ : فَأَشْهَدُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَبِالصَّفَا شَهَادَةَ مَنْ إِحْسَانُهُ مُتَقَبَّلُ بِأَنَّكَ مَحْمُودٌ لَدَيْنَا مُبَارَكٌ وَفِيٌّ أَمِينٌ صَادِقُ الْقَوْلِ مُرْسَلُ أَتَيْتَ بِنُورٍ يُسْتَضَاءُ بِمِثْلِهِ وَلَقِيتَ فِي الْقَوْلِ الَّذِي يُتَبَجَّلُ مَتَى تَأْتِهِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ حَادِثٍ تَجِدْ وَجْهَهُ تَحْتَ الدُّجَى يَتَهَلَّلُ عَلَيْهِ قَبُولٌ مِنْ إِلَهِي وَخَالِقِي وَسِيمَاءُ حَقٍّ سَعْيُهَا مُتَقَبَّلُ حَلَفْتُ يَمِينًا بِالْحَجِيجِ وَبَيْتِهِ يَمِينَ امْرِئٍ فِي الْقَوْلِ لَا يَتَنَحَّلُ فَإِنَّكَ قِسْطَاسُ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا وَمِيزَانُ عَدْلٍ مَا أَقَامَ الْمُسَلَّلُ وَقَالَ فِي ذَلِكَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ : أَمْسَيْتُ أَعْبُدُ رَبِّي لَا شَرِيكَ لَهُ رَبَّ الْعِبَادِ إِذَا مَا حُصِّلَ الْبَشَرُ أَهْلُ الْمَحَامِدِ فِي الدُّنْيَا وَخَالَتُهَا وَالْمُبْتَدَا حِينَ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ لَا أَبْتَغِي بَدَلًا بِاللَّهِ أَعْبُدُهُ مَا دَامَ بِالْجَزَعِ مِنْ أَرْكَانِهِ حَجَرُ إِنَّ الرَّسُولَ الَّذِي تُرْجَى نَوَافِلُهُ عِنْدَ الْقُحُوطِ إِذَا مَا أَخْطَأَ الْمَطَرُ هُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي الْأَحْيَاءِ قَدْ عَلِمَتْ عَلْيَا مَعَدٍّ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَتْ مُضَرُ مُبَارَكُ الْأَمْرِ مَحْمُودٌ شَمَائِلُهُ لَا يَشْتَكِي مِنْهُ عِنْدَ الْهَيْعَةِ الْخَوَرُ أَعَزُّ مُتَّصِلٌ لِلْمَجْدِ مُتَّزِرٌ كَأَنَّمَا وَجْهُهُ فِي الظُّلْمَةِ الْقَمَرُ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى أَدِينُهُمَا أَوْ دِينَهُمَا مَا كَانَ لِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ لَكِنَّنِي أَعْبُدُ الرَّحْمَنَ خَالِقَنَا مَا أَشْرَقَ النُّورُ وَالْعِيدَانُ تَعْتَصِرُ *