Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/production/pages/hadith.php on line 215

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/production/pages/hadith.php on line 215
أرشيف الإسلام - موسوعة الحديث - حديث () - تاريخ المدينة لابن شبة حديث رقم: 806
  • 2316
  • عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَقْبَلَ وَفْدُ ثَقِيفٍ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ بَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا هُمْ أَشْرَافُ ثَقِيفٍ ، فِيهِمْ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ ، وَهُوَ رَأْسُهُمْ يَوْمَئِذٍ وَفِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ الصُّلْحَ وَالْقَضِيَّةَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَأَوْا أَنْ قَدْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَ عَامَّةُ الْعَرَبِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْزِلْ عَلَيَّ قَوْمِي فَأُكْرِمَهُمْ ؛ فَإِنِّي حَدِيثُ الْجُرْمِ فِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَمْنَعُكَ أَنْ تُكْرِمَ قَوْمَكَ ، وَلَكِنْ تُنْزِلُهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ " قَالَ : وَكَانَ مِنْ جُرْمِ الْمُغِيرَةِ فِي قَوْمِهِ أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ ، فَإِنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ مُضَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبُسَاقَ عَدَا عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ نِيَامٌ ، فَقَتَلَهُمْ ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَمْوَالِهِمْ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْمِسْ مَالِي هَذَا ؟ قَالَ : " وَمَا نَبَأُهُ ؟ " قَالَ : كُنْتُ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ ، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِكَ قَتَلْتُهُمْ ، وَهَذِهِ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّا لَسْنَا بِغُدْرٍ " ، وَأَبَى أَنْ يُخَمِّسَ مَا مَعَهُ ، وَأَنْزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَبَنَى لَهُمْ خِيَامًا لِكَيْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ وَيَرَوَا النَّاسَ إِذَا صَلَّوْا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ لَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ ، فَلَمَّا سَمِعَهُ وَفْدُ ثَقِيفٍ قَالُوا : يَأْمُرُنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَشْهَدُ هُوَ بِهِ فِي خُطْبَتِهِمْ . فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُهُمْ قَالَ : " فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ شَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " ، وَكَانُوا يَغْدُونَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَخْلُفُونَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي رِحَالِهِمْ لِأَنَّهُ أَصْغَرُهُمْ ، فَكَانَ عُثْمَانُ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَفْدُ وَقَالُوا بِالْهَاجِرَةِ عَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الدِّينِ وَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآَنَ فَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ مِرَارًا حَتَّى فَقِهَ وَعَلِمَ ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا عَمَدَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ يَكْتُمُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُثْمَانَ وَأَحَبَّهُ ، فَمَكَثَ الْوَفْدُ يَخْتَلِفُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمُوا فَقَالَ لَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : هَلْ أَنْتَ مُقَاضِينَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِنْ أَنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِالْإِسْلَامِ قَاضَيْتُكُمْ ، وَإِلَّا فَلَا قَضِيَّةَ وَلَا صُلْحَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " ، قَالُوا : أَرَأَيْتَ الزِّنَا ؛ فَإِنَّا قَوْمٌ نَغْتَرِبُ ؟ " قَالَ : " هُوَ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ : {{ لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }} ، قَالُوا : أَرَأَيْتَ الرِّبَا ؟ قَالَ : " وَالرِّبَا حَرَامٌ " ، قَالُوا : فَإِنَّهَا أَمْوَالُنَا كُلُّهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }} ، قَالُوا : أَفَرَأَيْتَ الْخَمْرَ ؛ فَإِنَّهَا عَصِيرُ أَعْنَابِنَا وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْهُ ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} ، فَارْتَفَعَ الْقَوْمُ وَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَيْحَكُمْ إِنَّا نَخَافُ إِنْ خَالَفْنَاهُ يَوْمًا كَيَوْمِ مَكَّةَ ، انْطَلِقُوا فِيهِ فَلْنُكَافِئْهُ عَلَى مَا سَأَلَنَا ، فَأَتَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : نَعَمْ لَكَ مَا سَأَلْتَ ، وَقَالُوا : أَرَأَيْتَ الرَّبَّةَ ، مَاذَا نَصْنَعُ فِيهَا ؟ قَالَ : " اهْدُمُوهَا " ، قَالُوا : هَيْهَاتَ ، لَوْ تَعْلَمُ الرَّبَّةُ أَنَّكَ تُرِيدُ هَدْمَهَا قَتَلَتْ أَهْلِينَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مَا أَحْمَقَكَ ، إِنَّمَا الرَّبَّةُ حَجَرٌ لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ مِمَّنْ لَا يَعْبُدُهُ قَالَ : إِنَّا لَمْ نَأْتِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرْسِلْ أَنْتَ فَاهْدِمْهَا فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا قَالَ : " فَسَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا " ، فَكَاتَبُوهُ فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : ائْذَنْ لَنَا قَبْلَ رَسُولِكَ ، ثُمَّ ابْعَثْ فِي آثَارِنَا ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِقَوْمِي . فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَحَمَلَهُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْ عَلَيْنَا رَجُلًا مِنَّا ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ، لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِمَ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَقِيفٍ ، فَاكْتُمُوهُمُ الْقَضِيَّةَ وَخَوِّفُوهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْفَنَاءِ وَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا سَأَلَنَا أُمُورًا أَبَيْنَاهَا عَلَيْهِ ، وَسَأَلَنَا أَنْ نَهْدِمَ اللَّاتَ ، وَنُبْطِلَ أَمْوَالَنَا فِي الرِّبَا ، وَنُحَرِّمَ الْخَمْرَ وَالزِّنَا . فَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ حِينَ دَنَا الْوَفْدُ مِنْهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ قَدْ سَارُوا الْعَنَقَ ، وَقَطَرُوا الْإِبِلَ ، وَتَغَشَّوْا ثِيَابَهُمْ كَهَيْئَةِ الْقَوْمِ قَدْ حَزِنُوا وَكَرَبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا بِخَيْرٍ ، فَلَمَّا رَأَتْ ثَقِيفٌ مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا جَاءَ وَفْدُكُمْ بِخَيْرٍ ، وَلَا رَجَعُوا بِهِ . فَدَخَلَ الْوَفْدُ فَعَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ فَنَزَلُوا عِنْدَهَا ، وَاللَّاتُ بَيْتٌ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الطَّائِفِ بِسِتْرٍ ، وَيُهْدَى لَهَا الْهَدْيُ ، ضَاهَوْا بِهِ بَيْتَ اللَّهِ ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا ، فَيَقُولُ نَاسٌ مِنْ ثَقِيفٍ حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُمْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِرُؤْيَتِهَا ، وَرَجَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى أَهْلِهِ ، وَأَتَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جَانِبَهُ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُ : مَاذَا جِئْتُمْ بِهِ ، وَمَا رَجَعْتُمْ بِهِ ؟ قَالُوا : أَتَيْنَا رَجُلًا غَلِيظًا يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ ، قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ وَأَدَاخَ الْعَرَبَ ، وَأَدَانَ لَهُ النَّاسَ ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شِدَادًا : هَدْمَ اللَّاتِ ، وَتَرْكَ الْأَمْوَالِ فِي الرِّبَاتِ إِلَّا رُءُوسَ أَمْوَالِنَا ، وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ . قَالَتْ ثَقِيفٌ : فَوَاللَّهِ لَا نَقْبَلُ هَذَا أَبَدًا فَقَالَ الْوَفْدُ : فَأَصْلِحُوا السِّلَاحَ ، وَتَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ ، وَرُمُّوا حِصْنَكُمْ . فَمَكَثَ بِذَلِكَ ثَقِيفٌ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يُرِيدُونَ - زَعَمُوا - الْقِتَالَ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِهِ ، أَدَاخَ الْعَرَبَ كُلَّهَا ، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ وَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى الْوَفْدُ أَنَّهُمْ قَدْ رُعِبُوا وَخَافُوا وَاخْتَارُوا الْأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ وَالْحَرْبِ قَالَ الْوَفْدُ : فَإِنَّا قَدْ قَاضَيْنَاهُ ، وَأَعْطَانَا مَا أَحْبَبْنَا وَشَرَطَ لَنَا مَا أَرَدْنَا ، وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ ، وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ ، وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ ، فَانْهُوا الْقَضِيَّةَ وَاقْبَلُوا عَاقِبَةَ اللَّهِ قَالَتْ ثَقِيفٌ : فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَمَّمْتُمُونَا بِهِ أَشَدَّ الْغَمِّ ؟ قَالُوا : أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ . فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ وَاسْتَسْلَمُوا وَمَكَثُوا أَيَّامًا ، ثُمَّ قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيرُهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَفِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ فَهَدَمُوهَا ، وَقَدِ اسْتَكَفَّتْ ثَقِيفٌ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْحِجَالِ ، لَا تَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٍ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ وَقَالَ : لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ ، فَضَرَبَ بِالْكَرْزَنِ ثُمَّ سَقَطَ يَرْتَكِضُ ، فَارْتَجَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ قَالُوا : أَبْعَدَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ ، قَدْ قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ ، حِينَ رَأَوْهُ سَاقِطًا ، وَقَالُوا : مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَتَقَرَّبْ وَلْيَجْتَهِدْ عَلَى هَدْمِهَا ، فَوَاللَّهِ لَا يُسْتَطَاعُ أَبَدًا ، فَوَثَبَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ : قَبَّحَكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ ، إِنَّمَا هِيَ لَكَاعٌ حِجَارَةٌ وَمَدَرٌ ، اقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ وَاعَبْدُوهُ ، ثُمَّ ضَرَبَ الْبَابَ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلَا عَلَى سُورِهَا وَعَلَا الرِّجَالُ مَعَهُ ، فَمَا زَالُوا يَهْدِمُونَهَا حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى سَوَّوْهَا بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمَفَاتِيحِ يَقُولُ : لَيَغْضَبَنَّ الْأَسَاسُ وَلَيُخْسَفَنَّ بِهِمْ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ قَالَ : يَا خَالِدُ ، دَعْنِي أَحْفِرُ أَسَاسَهَا ، فَحَفَرُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوا تُرَابَهَا ، وَانْتَزَعُوا حُلِيَّهَا ، وَأَخَذُوا ثِيَابَهَا ، فَبُهِتَتْ ثَقِيفٌ ، وَقَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُمْ : أَسْلَمَهَا الرَّضَّاعُ ، وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ . وَأَقْبَلَ الْوَفْدُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلِيِّهَا وَكِسْوَتِهَا ، وَقَسَمَهَا مِنْ يَوْمِهِ ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِ وَإِعْزَازِ دِينِهِ ، فَهَذَا حَدِيثُ ثَقِيفٍ "

    حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَقْبَلَ وَفْدُ ثَقِيفٍ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ بَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا هُمْ أَشْرَافُ ثَقِيفٍ ، فِيهِمْ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ ، وَهُوَ رَأْسُهُمْ يَوْمَئِذٍ وَفِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُرِيدُونَ الصُّلْحَ وَالْقَضِيَّةَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَأَوْا أَنْ قَدْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَ عَامَّةُ الْعَرَبِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْزِلْ عَلَيَّ قَوْمِي فَأُكْرِمَهُمْ ؛ فَإِنِّي حَدِيثُ الْجُرْمِ فِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا أَمْنَعُكَ أَنْ تُكْرِمَ قَوْمَكَ ، وَلَكِنْ تُنْزِلُهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ قَالَ : وَكَانَ مِنْ جُرْمِ الْمُغِيرَةِ فِي قَوْمِهِ أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ ، فَإِنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ مُضَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبُسَاقَ عَدَا عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ نِيَامٌ ، فَقَتَلَهُمْ ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَمْوَالِهِمْ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : أَخْمِسْ مَالِي هَذَا ؟ قَالَ : وَمَا نَبَأُهُ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَجِيرًا لِثَقِيفٍ ، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِكَ قَتَلْتُهُمْ ، وَهَذِهِ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّا لَسْنَا بِغُدْرٍ ، وَأَبَى أَنْ يُخَمِّسَ مَا مَعَهُ ، وَأَنْزَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَبَنَى لَهُمْ خِيَامًا لِكَيْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ وَيَرَوَا النَّاسَ إِذَا صَلَّوْا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ لَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ ، فَلَمَّا سَمِعَهُ وَفْدُ ثَقِيفٍ قَالُوا : يَأْمُرُنَا أَنْ نَشْهَدَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَشْهَدُ هُوَ بِهِ فِي خُطْبَتِهِمْ . فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُهُمْ قَالَ : فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ شَهِدَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَكَانُوا يَغْدُونَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَخْلُفُونَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي رِحَالِهِمْ لِأَنَّهُ أَصْغَرُهُمْ ، فَكَانَ عُثْمَانُ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ الْوَفْدُ وَقَالُوا بِالْهَاجِرَةِ عَمَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الدِّينِ وَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآَنَ فَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ مِرَارًا حَتَّى فَقِهَ وَعَلِمَ ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَائِمًا عَمَدَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ يَكْتُمُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِعُثْمَانَ وَأَحَبَّهُ ، فَمَكَثَ الْوَفْدُ يَخْتَلِفُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمُوا فَقَالَ لَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : هَلْ أَنْتَ مُقَاضِينَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنْ أَنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِالْإِسْلَامِ قَاضَيْتُكُمْ ، وَإِلَّا فَلَا قَضِيَّةَ وَلَا صُلْحَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، قَالُوا : أَرَأَيْتَ الزِّنَا ؛ فَإِنَّا قَوْمٌ نَغْتَرِبُ ؟ قَالَ : هُوَ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ : {{ لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }} ، قَالُوا : أَرَأَيْتَ الرِّبَا ؟ قَالَ : وَالرِّبَا حَرَامٌ ، قَالُوا : فَإِنَّهَا أَمْوَالُنَا كُلُّهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }} ، قَالُوا : أَفَرَأَيْتَ الْخَمْرَ ؛ فَإِنَّهَا عَصِيرُ أَعْنَابِنَا وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْهُ ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }} ، فَارْتَفَعَ الْقَوْمُ وَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَيْحَكُمْ إِنَّا نَخَافُ إِنْ خَالَفْنَاهُ يَوْمًا كَيَوْمِ مَكَّةَ ، انْطَلِقُوا فِيهِ فَلْنُكَافِئْهُ عَلَى مَا سَأَلَنَا ، فَأَتَوْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالُوا : نَعَمْ لَكَ مَا سَأَلْتَ ، وَقَالُوا : أَرَأَيْتَ الرَّبَّةَ ، مَاذَا نَصْنَعُ فِيهَا ؟ قَالَ : اهْدُمُوهَا ، قَالُوا : هَيْهَاتَ ، لَوْ تَعْلَمُ الرَّبَّةُ أَنَّكَ تُرِيدُ هَدْمَهَا قَتَلَتْ أَهْلِينَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مَا أَحْمَقَكَ ، إِنَّمَا الرَّبَّةُ حَجَرٌ لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ مِمَّنْ لَا يَعْبُدُهُ قَالَ : إِنَّا لَمْ نَأْتِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرْسِلْ أَنْتَ فَاهْدِمْهَا فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا قَالَ : فَسَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا ، فَكَاتَبُوهُ فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : ائْذَنْ لَنَا قَبْلَ رَسُولِكَ ، ثُمَّ ابْعَثْ فِي آثَارِنَا ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِقَوْمِي . فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَحَمَلَهُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِّرْ عَلَيْنَا رَجُلًا مِنَّا ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ، لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِمَ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ : أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِثَقِيفٍ ، فَاكْتُمُوهُمُ الْقَضِيَّةَ وَخَوِّفُوهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْفَنَاءِ وَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا سَأَلَنَا أُمُورًا أَبَيْنَاهَا عَلَيْهِ ، وَسَأَلَنَا أَنْ نَهْدِمَ اللَّاتَ ، وَنُبْطِلَ أَمْوَالَنَا فِي الرِّبَا ، وَنُحَرِّمَ الْخَمْرَ وَالزِّنَا . فَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ حِينَ دَنَا الْوَفْدُ مِنْهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ قَدْ سَارُوا الْعَنَقَ ، وَقَطَرُوا الْإِبِلَ ، وَتَغَشَّوْا ثِيَابَهُمْ كَهَيْئَةِ الْقَوْمِ قَدْ حَزِنُوا وَكَرَبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا بِخَيْرٍ ، فَلَمَّا رَأَتْ ثَقِيفٌ مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا جَاءَ وَفْدُكُمْ بِخَيْرٍ ، وَلَا رَجَعُوا بِهِ . فَدَخَلَ الْوَفْدُ فَعَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ فَنَزَلُوا عِنْدَهَا ، وَاللَّاتُ بَيْتٌ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الطَّائِفِ بِسِتْرٍ ، وَيُهْدَى لَهَا الْهَدْيُ ، ضَاهَوْا بِهِ بَيْتَ اللَّهِ ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا ، فَيَقُولُ نَاسٌ مِنْ ثَقِيفٍ حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ عَلَيْهَا كَأَنَّهُمْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِرُؤْيَتِهَا ، وَرَجَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى أَهْلِهِ ، وَأَتَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جَانِبَهُ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُ : مَاذَا جِئْتُمْ بِهِ ، وَمَا رَجَعْتُمْ بِهِ ؟ قَالُوا : أَتَيْنَا رَجُلًا غَلِيظًا يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ ، قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ وَأَدَاخَ الْعَرَبَ ، وَأَدَانَ لَهُ النَّاسَ ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شِدَادًا : هَدْمَ اللَّاتِ ، وَتَرْكَ الْأَمْوَالِ فِي الرِّبَاتِ إِلَّا رُءُوسَ أَمْوَالِنَا ، وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ . قَالَتْ ثَقِيفٌ : فَوَاللَّهِ لَا نَقْبَلُ هَذَا أَبَدًا فَقَالَ الْوَفْدُ : فَأَصْلِحُوا السِّلَاحَ ، وَتَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ ، وَرُمُّوا حِصْنَكُمْ . فَمَكَثَ بِذَلِكَ ثَقِيفٌ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يُرِيدُونَ - زَعَمُوا - الْقِتَالَ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبُ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِهِ ، أَدَاخَ الْعَرَبَ كُلَّهَا ، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ وَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى الْوَفْدُ أَنَّهُمْ قَدْ رُعِبُوا وَخَافُوا وَاخْتَارُوا الْأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ وَالْحَرْبِ قَالَ الْوَفْدُ : فَإِنَّا قَدْ قَاضَيْنَاهُ ، وَأَعْطَانَا مَا أَحْبَبْنَا وَشَرَطَ لَنَا مَا أَرَدْنَا ، وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ ، وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ ، وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ ، فَانْهُوا الْقَضِيَّةَ وَاقْبَلُوا عَاقِبَةَ اللَّهِ قَالَتْ ثَقِيفٌ : فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَمَّمْتُمُونَا بِهِ أَشَدَّ الْغَمِّ ؟ قَالُوا : أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ . فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ وَاسْتَسْلَمُوا وَمَكَثُوا أَيَّامًا ، ثُمَّ قَدِمَتْ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمِيرُهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَفِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ فَهَدَمُوهَا ، وَقَدِ اسْتَكَفَّتْ ثَقِيفٌ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْحِجَالِ ، لَا تَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٍ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ وَقَالَ : لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ ، فَضَرَبَ بِالْكَرْزَنِ ثُمَّ سَقَطَ يَرْتَكِضُ ، فَارْتَجَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ قَالُوا : أَبْعَدَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ ، قَدْ قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ ، حِينَ رَأَوْهُ سَاقِطًا ، وَقَالُوا : مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَتَقَرَّبْ وَلْيَجْتَهِدْ عَلَى هَدْمِهَا ، فَوَاللَّهِ لَا يُسْتَطَاعُ أَبَدًا ، فَوَثَبَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ : قَبَّحَكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ ، إِنَّمَا هِيَ لَكَاعٌ حِجَارَةٌ وَمَدَرٌ ، اقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ وَاعَبْدُوهُ ، ثُمَّ ضَرَبَ الْبَابَ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلَا عَلَى سُورِهَا وَعَلَا الرِّجَالُ مَعَهُ ، فَمَا زَالُوا يَهْدِمُونَهَا حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى سَوَّوْهَا بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمَفَاتِيحِ يَقُولُ : لَيَغْضَبَنَّ الْأَسَاسُ وَلَيُخْسَفَنَّ بِهِمْ ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ قَالَ : يَا خَالِدُ ، دَعْنِي أَحْفِرُ أَسَاسَهَا ، فَحَفَرُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوا تُرَابَهَا ، وَانْتَزَعُوا حُلِيَّهَا ، وَأَخَذُوا ثِيَابَهَا ، فَبُهِتَتْ ثَقِيفٌ ، وَقَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُمْ : أَسْلَمَهَا الرَّضَّاعُ ، وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ . وَأَقْبَلَ الْوَفْدُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِحُلِيِّهَا وَكِسْوَتِهَا ، وَقَسَمَهَا مِنْ يَوْمِهِ ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِ وَإِعْزَازِ دِينِهِ ، فَهَذَا حَدِيثُ ثَقِيفٍ

    العنق: العنق : التوسط في السير مع الميل إلى الإسراع
    الهدي: الهدي : ما يُهْدَى إلى البَيْت الحَرام من النَّعَم لِتُنْحر تقربًا إلى الله أو تكفيرا عن خطأ وأُطْلق على جَميع الإبِل وإن لم تَكُنْ هَدْياً وقيل : الهدي كل ما يهدى إلى البيت من مال أو متاع أيضا
    العواتق: العواتق : جمع عاتق ، وهي الأنثى أول ما تبلغ ، والتي لم تتزوج بعد
    لكاع: اللكاع : الصَّغيرُ العِلْم والعَقْل أو اللئيم
    ومدر: المدر : الطين اللزج المتماسك وكل ما يصنع منه مثل اللَّبِنِ والبيوت ونحو ذلك وهو بخلاف وبر الخيام في البادية
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات