• 1405
  • حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَيُّوبَ النُّمَيْرِيُّ ، وَدَفَعَ إِلَيَّ صَحِيفَةً زَعَمَ أَنَّهَا رِسَالَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، كَتَبَ بِهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ هُدًى وَبَصَائِرَ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، فَشَرَعَ الْهُدَى ، وَنَهَجَ السَّبِيلَ ، وَصَرَفَ الْقَوْلَ ، وَبَيَّنَ مَا يُؤْتَى مِمَّا يُنَالُ بِهِ رِضْوَانُهُ وَيُنْتَهَى بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، فَجَعَلَهُ ضَيِّقًا مَرْغُوبًا عَنْهُ مَسْخُوطًا عَلَى أَهْلِهِ ، وَجَعَلَ مَا أَحَلَّ مِنَ الْغَنَائِمِ وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْهَا وَلَمْ يَحْظُرْهُ عَلَيْهِمْ كَمَا ابْتَلَى بِهِ أَهْلَ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مَا نَفَّلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً مِمَّا غَنِمَهُ مِنْ أَمْوَالِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، إِذْ يَقُولُ حُمَيْدٌ هُوَ : {{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ }} حَتَّى بَلَغَ {{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }} ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِبْ لِأَحَدٍ فِيهَا خُمُسٌ وَلَا مَغْنَمٌ ، إِذْ تَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَهَا عَلَى مَا يُلْهِمُهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْذَنُ لَهُ بِهِ ، لَمْ يَضْرِبْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَحُزْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَقْرِبَائِهِ ، وَلَكِنَّهُ آثَرَ بِأَوْسَعِهَا وَأَعْمَرِهَا وَأَكْثَرِهَا نُزُلًا أَهْلَ الْعَدَمِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ {{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }} ، وَقَسَمَ طَوَائِفَ مِنْهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَاحْتَبَسَ مِنْهَا فَرِيقًا لِنَوَائِبِهِ وَحَقِّهِ وَمَا يَعْرُوهُ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُسْتَأْثِرٍ بِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَدَقَةً لَا تُرَاثَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، زَهَادَةً فِي الدُّنْيَا وَمَحْقَرَةً لَهَا ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَهَذَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ . وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي تَفْسِيرِهَا اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُ اللَّهِ : {{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }} ، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ ذَلِكَ ، فَوَصَفَهُمْ وَسَمَّاهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لَهُمْ وَفِيهِمْ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ فَلِلَّهِ }} فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَمَا فِيهَا وَلَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لِلَّهِ فِي سُبُلِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ وَلِلرَّسُولِ }} ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمَغْنَمِ فِيهِ إِلَّا كَحَظِّ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ الْحُكْمُ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ وَلِذِي الْقُرْبَى }} ، فَقَدْ ظَنَّ نَاسٌ أَنَّ لِذِي الْقُرْبَى سَهْمًا مَفْرُوضًا يُبَيِّنُهُ اللَّهُ كَمَا بَيَّنَ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ مِنَ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالسُّدُسِ ، وَلِمَا خَصَّ حَظَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ غِنًى وَلَا فَقْرٌ وَلَا صَلَاحٌ وَلَا جَهْلٌ وَلَا قِلَّةُ عَدَدٍ وَلَا كَثْرَةٌ ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ وَالسَّبْيِ وَالْعَرَضِ وَالصَّامِتِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَهْمٌ مَفْرُوضٌ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ قَسَمَ لَهُمْ وَلِنِسَائِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ قَسْمًا لَمْ يَعُمَّهُمْ عَامَّتَهُمْ ، وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ ، وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ أَعْطَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ قَرَابَةً لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ ، لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَمِنْ قَوْمِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقْطَعْهُ عَنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبَعْدَمَا وَسَّعَ رُكْنَهُ ، وَلَا أَبُو حَسَنٍ ، يَعْنِي عَلِيًّا ، حِينَ مَلَكَ مَا مَلَكَ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ قَائِلٌ ، فَهَلَّا أُعْلِمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا يُعْمَلُ بِهِ فِيهِمْ وَيُعْرَفُ لَهُمْ بَعْدُ ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقُلِ اللَّهُ : {{ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }} ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِذِي الْقُرْبَى بِحَقِّهِمْ ، وَقَرَابَتِهِمْ فِي الْحَاجَةِ ، وَالْحَقِّ النَّازِلِ اللَّازِمِ ، وَكَحَقِّ الْمِسْكِينِ فِي مَسْكَنِهِ ، فَإِذَا اسْتَغْنَى فَلَا حَقَّ لَهُ ، وَكَحَقِّ ابْنِ السَّبِيلِ فِي سَفَرِهِ وَضَرُورَتِهِ ، فَإِذَا أَصَابَ غِنًى فَلَا حَقَّ لَهُ وَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ ، لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ وَصَالِحُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَقْطَعُوا سَهْمًا فَرَضَهُ اللَّهُ وَجَنَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرْبَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُؤْتُونَهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَا يَقُومُونَ بِحَقِّ اللَّهِ لَهُمْ فِيهِ ، كَمَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوَا الزَّكَاةَ وَأَحْكَامَ الْقُرْآنِ ، فَقَدْ أَمْضَوْا عَطَايَا فِي أَفْنَاءِ النَّاسِ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ

    حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ عَائِشَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَيُّوبَ النُّمَيْرِيُّ ، وَدَفَعَ إِلَيَّ صَحِيفَةً زَعَمَ أَنَّهَا رِسَالَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، كَتَبَ بِهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ هُدًى وَبَصَائِرَ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، فَشَرَعَ الْهُدَى ، وَنَهَجَ السَّبِيلَ ، وَصَرَفَ الْقَوْلَ ، وَبَيَّنَ مَا يُؤْتَى مِمَّا يُنَالُ بِهِ رِضْوَانُهُ وَيُنْتَهَى بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، فَجَعَلَهُ ضَيِّقًا مَرْغُوبًا عَنْهُ مَسْخُوطًا عَلَى أَهْلِهِ ، وَجَعَلَ مَا أَحَلَّ مِنَ الْغَنَائِمِ وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْهَا وَلَمْ يَحْظُرْهُ عَلَيْهِمْ كَمَا ابْتَلَى بِهِ أَهْلَ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مَا نَفَّلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً مِمَّا غَنِمَهُ مِنْ أَمْوَالِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، إِذْ يَقُولُ حُمَيْدٌ هُوَ : {{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ }} حَتَّى بَلَغَ {{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }} ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِبْ لِأَحَدٍ فِيهَا خُمُسٌ وَلَا مَغْنَمٌ ، إِذْ تَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ أَمْرَهَا عَلَى مَا يُلْهِمُهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْذَنُ لَهُ بِهِ ، لَمْ يَضْرِبْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَحُزْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَقْرِبَائِهِ ، وَلَكِنَّهُ آثَرَ بِأَوْسَعِهَا وَأَعْمَرِهَا وَأَكْثَرِهَا نُزُلًا أَهْلَ الْعَدَمِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ {{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }} ، وَقَسَمَ طَوَائِفَ مِنْهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَاحْتَبَسَ مِنْهَا فَرِيقًا لِنَوَائِبِهِ وَحَقِّهِ وَمَا يَعْرُوهُ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مُسْتَأْثِرٍ بِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَدَقَةً لَا تُرَاثَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، زَهَادَةً فِي الدُّنْيَا وَمَحْقَرَةً لَهَا ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَهَذَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ . وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي تَفْسِيرِهَا اخْتِلَافٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُ اللَّهِ : {{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }} ، ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ ذَلِكَ ، فَوَصَفَهُمْ وَسَمَّاهُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَفِيمَنْ بَعْدَهُمْ ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لَهُمْ وَفِيهِمْ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ فَلِلَّهِ }} فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَمَا فِيهَا وَلَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لِلَّهِ فِي سُبُلِهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ وَلِلرَّسُولِ }} ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمَغْنَمِ فِيهِ إِلَّا كَحَظِّ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ الْحُكْمُ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : {{ وَلِذِي الْقُرْبَى }} ، فَقَدْ ظَنَّ نَاسٌ أَنَّ لِذِي الْقُرْبَى سَهْمًا مَفْرُوضًا يُبَيِّنُهُ اللَّهُ كَمَا بَيَّنَ سِهَامَ الْمَوَارِيثِ مِنَ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالسُّدُسِ ، وَلِمَا خَصَّ حَظَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ غِنًى وَلَا فَقْرٌ وَلَا صَلَاحٌ وَلَا جَهْلٌ وَلَا قِلَّةُ عَدَدٍ وَلَا كَثْرَةٌ ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ وَالسَّبْيِ وَالْعَرَضِ وَالصَّامِتِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَهْمٌ مَفْرُوضٌ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ قَسَمَ لَهُمْ وَلِنِسَائِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ قَسْمًا لَمْ يَعُمَّهُمْ عَامَّتَهُمْ ، وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْهُ ، وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ أَعْطَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ قَرَابَةً لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ ، لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَمِنْ قَوْمِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقْطَعْهُ عَنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبَعْدَمَا وَسَّعَ رُكْنَهُ ، وَلَا أَبُو حَسَنٍ ، يَعْنِي عَلِيًّا ، حِينَ مَلَكَ مَا مَلَكَ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ قَائِلٌ ، فَهَلَّا أُعْلِمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا يُعْمَلُ بِهِ فِيهِمْ وَيُعْرَفُ لَهُمْ بَعْدُ ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَفْرُوضًا لَمْ يَقُلِ اللَّهُ : {{ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }} ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : لِذِي الْقُرْبَى بِحَقِّهِمْ ، وَقَرَابَتِهِمْ فِي الْحَاجَةِ ، وَالْحَقِّ النَّازِلِ اللَّازِمِ ، وَكَحَقِّ الْمِسْكِينِ فِي مَسْكَنِهِ ، فَإِذَا اسْتَغْنَى فَلَا حَقَّ لَهُ ، وَكَحَقِّ ابْنِ السَّبِيلِ فِي سَفَرِهِ وَضَرُورَتِهِ ، فَإِذَا أَصَابَ غِنًى فَلَا حَقَّ لَهُ وَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ ، لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ وَصَالِحُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَقْطَعُوا سَهْمًا فَرَضَهُ اللَّهُ وَجَنَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرْبَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُؤْتُونَهُمْ إِيَّاهُ ، وَلَا يَقُومُونَ بِحَقِّ اللَّهِ لَهُمْ فِيهِ ، كَمَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوَا الزَّكَاةَ وَأَحْكَامَ الْقُرْآنِ ، فَقَدْ أَمْضَوْا عَطَايَا فِي أَفْنَاءِ النَّاسِ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْخُمُسُ ، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْنَمِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ وَسَّعَ لِنَبِيِّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي مَوَاضِعَ قَدْ سَمَّى لَهُ بِغَيْرِ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ ، فَقَدْ أَفَاءَ اللَّهُ سَبْيًا فَأَخْدَمَ فِيهِ نَاسًا وَتَرَكَ ابْنَتَهُ ، وَكَلَهَا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّسْبِيحِ ، فَلَا أَعْظَمَ مِنْهَا حَقًّا وَقَرَابَةً ، وَلَوْ قَسَمَ هَذَا الْخُمُسَ وَالْمَغْنَمَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ ، لَكَانَ ذَلِكَ حَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَاغْتِرَافًا لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَلَا يُقْبَلُ قَسَمُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْوَلَايَةَ وَالْقَرَابَةَ وَالنَّسَبَ ، وَلَا دَخَلَتْ فِيهِ سُهْمَانُ الْعَصَبِيَّةِ وَالنِّسَاءِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَلَدَى مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ : {{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ }} , وَقَالَ : {{ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }} , وَمَعَ قَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِأُمَمِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدَعَ سَهْمًا فَرَضَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِأَقْرِبَائِهِ لِآخِرِ النَّاسِ ، وَلَا لَخُلُوفٍ بَعْدَهُ ، فَقَدْ سُئِلَ نِسَاءَ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَتَحَلَّلَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ سَبَايَاهُمْ ، فَقَدْ كَانُوا فَيْئًا ، فَفَكَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْلَقَهُمْ ، لِمَا وَلُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، بِغَيْرِ سَهْمٍ مَفْرُوضٍ ، وَقَالَ يَوْمَئِذٍ ، وَهُوَ يَسْأَلُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ ، وَتَعَلَّقَ رِدَاؤُهُ بِشَجَرَةٍ : رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لَكُمْ مِثْلُ عَدَدِ سَمُرِهَا نِعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، وَمَا أَنَا بِأَحَقُّ بِهَذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ بِهَذِهِ الْوَبَرَةِ آخِذُهَا مِنْ كَاهِلِ الْبَعِيرِ ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ وَوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ . فَأَمَّا الصَّدَقَاتُ ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا زَكَاةً وَطَهُورًا لِعِبَادِهِ ، لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ صَبْرَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ ، فَنَادَى بِهِ إِلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ : {{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }} ، وَلَمْ يَقُلْ : خُذْهَا لِنَفْسِكَ وَلِقُرْبَاكَ ، مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِنَبِيٍّ وَلَا أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَا حَقَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ . قَالَ : فَقَالَ اللَّهُ : {{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }} ، فَهَذِهِ مَوَاضِعُ الصَّدَقَاتِ ، حَيَوَانِهَا وَثِمَارِهَا وَصَامِتِهَا . ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ وَسَنَّ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ فِيهَا إِلَى الْآفَاقِ ، وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ قَالَ مُرْتَدُّو الْعَرَبِ : نُقِيمُ الصَّلَاةَ وَلَا نُؤْتِي الزَّكَاةَ : لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ ، وَلَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا طَيِّبَةً بِذَلِكَ نَفْسِي . وَمَا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَيَّرَ وَأَنْ يَتَحَكَّمَ فِيمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَأَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ رُؤَسَاءَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : اللَّهُ يُفْرِغُ بَعْضَهُ فِي حَوْضِ بَعْضٍ ، وَيَسُدُّ بَعْضَهُ مَكَانَ بَعْضٍ . وَمَا سُهْمَانُ الصَّدَقَةِ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيمَنْ سَمَّى اللَّهُ وَوَصَفَ ، لَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُونَهُ إِلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ ، لَمْ يَكُنْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا لِشَرَفِهِ وَلَا لِغَنَاءٍ وَلَا لِدِلَّةٍ ، وَأَوْلَى النَّاسُ بِهَا مِمَّنْ قُبِضَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ يَعْلَمُهُ مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ . وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ

    سهم: السهم : النصيب
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات