• 303
  • عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ : ( لَتَّخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) "

    وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَرَأَ : ( لَتَّخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )

    لا توجد بيانات
    ( لَتَّخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) " *

    عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (لتخذت عليه أجرا).
    المعنى العام:
    يقول الله تعالى {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} [الحج: 75] فالرسل عليهم السلام صفوة بني آدم، لأنهم الوسطاء بين الله وبين خلقه، يبلغون عن الله ما يشاؤه جل شأنه، ومن شأن الوسيط أن يكون على صورة محبوبه، حتى يتقبله الطرف المأمور، صورة عالية كريمة شريفة خلقيا وخلقيا، وهكذا كانت الرسل في مناقبهم، ولكل رسول ميزة خاصة، لا يلزمها أن يكون أعلى من زملائه من الرسل، فالخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما يقولون، لكن بعضهم امتاز بخصوصيات تفوق خصوصيات سواه، ومع ذلك فلا يلزم أن يكون أعلى رتبة عند ربه، ومن هنا حرص صلى الله عليه وسلم أن يوصي بعدم المفاضلة بين الرسل، فقال: لا تفاضلوا بين الأنبياء، بل نهى أن تفضله أمته على أحد من الرسل، فقال: لا تفضلوني على الأنبياء، وذلك على الرغم مما أوحي إليه من أنه سيد ولد آدم، وعلى الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم أعلن هذه السيادة لأصحابه، إذ فرق بين أن يكون الإنسان سيدا في نفسه، وبين أن يسيد نفسه، أو حبيبه في كل مجلس، فرق بين ثبوت صفات الفضل في ذاتها، وبين أن يتباهى بها أهلوها، فحين قال اليهودي: والذي فضل موسى على العالمين لطمه المسلم، وقال: وعلى محمد؟ وحين شكا اليهودي اللطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لام المسلم، وذكر أفضلية لموسى عليه السلام، وأنه أول من يفيق من الصعقة يوم القيامة، وقال: لا تفضلوني على موسى، حتى الرسول الذي لا نعرف له كثير ميزات كان صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نفضله عليه، فهو يقول: لا ينبغي لمسلم أن يقول: إن محمدا خير من يونس بن متى، وكان كثيرا ما يدفعه هذا التواضع إلى الثناء على غيره من الرسل، فحين سئل: من أكرم الناس؟ قال يوسف بن نبي الله يعقوب، ابن نبي الله إسحق، ابن نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام. ومن هنا عنى علماء الإسلام بإبراز فضائل الرسل، عناية لا تقل عن عنايتهم بإبراز فضائل رسولهم، فأفاضوا في عرض خصائص موسى عليه السلام، وهم في ذلك سائرون على نهج القرآن الكريم، الذي أفاض في أحداث قصص موسى عليه السلام إفاضة لا تماثلها إفاضة لأحد من الرسل. وفي هذا الباب ذكر الإمام مسلم لموسى عليه السلام قصة الحجر الذي جرى بثيابه، لبراءة موسى مما اتهمه به قومه، وقصة ملك الموت، وما جرى له مع موسى، وقصة اليهودي الذي حلف برب موسى، وقصة رؤية محمد صلى الله عليه وسلم في إسرائه موسى عليه السلام يصلي، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وفي شرحهما ما يغني عن تكراره هنا. وزاد الإمام البخاري على ذلك قصة ندائه من جانب الطور، وقصة أمه، وقد أصبح فؤادها فارغا، وقصة شد عضده بأخيه هارون، وقصة وعد موسى ثلاثين ليلة، وقصة أمره قومه أن يذبحوا بقرة، وقصة احتجاج آدم وموسى بخصوص القدر والخطيئة. فصلى الله وسلم وبارك على جميع رسله، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن لله مسلمون. المباحث العربية (كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة) أي جماعتهم وأكثرهم، أو بعضهم، كقوله تعالى {قالت الأعراب آمنا} [الحجرات: 14] والمراد يغتسلون جماعات في مكان واحد، فسر ذلك بقوله: (ينظر بعضهم إلى سوءة بعض) الظاهر أن ذلك كان غير محرم عندهم. (وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده) لئلا يرى سوءته أحد استحياء وأدبا. ففي الرواية الثانية كان موسى عليه السلام رجلا حييا، قال: فكان لا يرى متجردا. (فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) أي قال بعض بني إسرائيل المحيطون به، القريبون من حياته، في الرواية الثانية قال: فقال بنو إسرائيل: إنه آدر أي بعض بني إسرائيل، والآدر بهمزة ممدودة ثم دال مفتوحة، وهو عظيم الخصيتين، والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور، وبفتحتين أيضا فيما حكي، ورجح الأول وهو نفخة في الخصية، وعند البخاري إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء، استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة، وإما آفة. (فذهب مرة يغتسل) حال مقدرة، أي يريد الاغتسال، في الرواية الثانية فاغتسل عند مويه فيه مجاز المشارفة، أي فأراد الاغتسال وأشرف عليه، ومويه بضم الميم، وفتح الواو، وإسكان الياء وهو تصغير ماء، وأصله موه والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال القاضي: وقع في معظم الروايات مشربة بفتح الميم وإسكان الشين، وهي حفرة في أصل النخلة، يجمع الماء فيها لسقيها، قال القاضي: وأظن الأول تصحيفا. (فوضع ثوبه على حجر) وفي رواية للبخاري فخلا يوم وحده، فوضع ثيابه على الحجر وظاهره أنه خلع كل ثيابه قبل دخوله في الماء، وأنه دخل في الماء عريانا، وعليه بوب البخاري في الغسل من اغتسل عريانا لكن عند أحمد أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه، حتى يواري عورته في الماء فالمراد من وضع ثوبه على الحجر وضع بعض ثيابه، ويساعد هذا المعنى رواية تنكير الثياب عند الكشميهني فوضع ثيابا له ونقل ابن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر، والمئزر مبتل بالماء، فعلموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تظهر تحت الثوب المبلول بالماء. قال الحافظ ابن حجر: هذا القول محتمل، لكن المنقول خلافه. (ففر الحجر بثوبه) في الرواية الثانية فانطلق الحجر يسعى وبينت رواية البخاري أن انطلاق الحجر كان بعد أن اغتسل موسى، ولفظها فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه وفيها وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى. (فجمح موسى بأثره، يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر) جمح بالحاء، أي ذهب مسرعا إسراعا بليغا وروي فخرج ومعنى ثوبي حجر دع ثوبي يا حجر، أو أعطني ثوبي يا حجر وعند البخاري ثوبي يا حجر ومخاطبة الحجر أمر عادي يحصل عند الدهشة، كأنه كلام نفسي، أو أنه أجراه مجرى من يعقل، لكونه فر بثوبه، فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم من يعقل، فناداه، فلما لم يعطه ضربه، وقريب من هذا قول بعضهم: يحتمل أنه كان يعتقد أن في الحجر تمييزا، يدرك به النداء، بقدرة الله، وعند البخاري فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر. ثوبي حجر (حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوءة موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد، حتى نظر إليه، قال: فأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضربا) ضربا منصوب على المصدر، أي يضربه ضربا وفي رواية للبخاري حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا، أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه وظاهره أنهم رأوا جسده، وترتيب الأحداث على هذا واضح، فضرب موسى للحجر كان بعد أن وقف الحجر، وأخذ موسى ثيابه ولبسها، فروايتنا الثانية، في قولها واتبعه موسى بعصاه، يضربه، ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى وقف على ملأ من بني إسرائيل فيها تقديم وتأخير، إذ لو تمكن موسى من ضرب الحجر لتمكن من أخذ ثيابه، قبل الوقوف على بني إسرائيل. قال ابن الجوزي: والذي يظهر أنه استمر يتتبع الحجر على ما في الخبر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل، كان فيهم من قال فيه من قال، وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع ذلك الموقع اهـ. وعند ابن مردويه وابن خزيمة فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله الأفاكين، وكانت براءته (قال أبو هريرة: والله إنه بالحجر ندب، ستة أو سبعة، ضرب موسى عليه السلام بالحجر) الندب بفتح النون والدال أصله الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، والمراد أن عصا موسى أثرت في الحجر، تأثيرا ظاهرا، ست علامات أو سبعا، وليس هذا بغريب على عصا موسى عليه السلام. (ونزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها} [الأحزاب: 69]) وفي رواية للبخاري فذلك قوله تعالى... وظاهر هذه الرواية أن ذكر الآية مع القصة من كلام أبي هريرة واجتهاده، لكن في رواية له عند ابن مردويه، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} الآية قال: إن بني إسرائيل كانوا يقولون: إن موسى آدر.. فذكر نحو الحديث السابق. مما يفيد أن سبب النزول مرفوع، لكن روى أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن والطحاوي وابن مردويه أن الآية المذكورة نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون، لأنه توجه معه إلى زيارة، فمات هارون، فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل، وقالوا: أنت قتلته، فبرأه الله تعالى بأن رفع لهم جسد هارون، وهو ميت فخاطبهم بأنه مات قال الحافظ ابن حجر: وفي الإسناد ضعف، ولو ثبت لم يكن فيه ما يمنع أن يكون في الفريقين معا، ففي كل منهما أوذي موسى، فبرأه الله مما قالوا، والله أعلم. (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام) أرسل مبني للمجهول، أي أرسله ربه، في الرواية الرابعة جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك أي للموت وعند أحمد والطبري كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى... والرواية الثالثة موقوفة، لكن الرابعة مرفوعة. (فلما جاءه صكه، ففقأ عينه) أي فلما جاءه، وأخبره بموته، كره الموت، فلطمه، وفقء عين الملك قيل على الحقيقة، وأن الله أذن لموسى في هذه اللطمة، امتحانا للمكلوم، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، ويمتحنهم بما أراد، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية، ليرجع إلى موسى، على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره، قال ابن عقيل: يجوز أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك. وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينا حقيقية، ومعنى رد الله عينه أعاده إلى خلقته الحقيقية. وقال بعض العلماء: إن هذا على المجاز، والمراد أن موسى ناظره وحاجه، فغلبه بالحجة، ويقال: فقأ فلان عين فلان، إذا غالبه بالحجة، ويقال: عورت الشيء إذا أدخلت فيه نقصا، قال المازري: وفي هذا القول ضعف، قوله صلى الله عليه وسلم فرد الله عينه قال النووي: فإن قيل: أراد رد حجته كان بعيدا. وقال بعض العلماء: إن موسى عليه السلام لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده، يريد نفسه، فدافعه، فأدت المدافعة إلى فقء العين، لا أنه قصدها بالفقء، قال النووي: وتؤيده رواية صكه وهذا جواب ابن خزيمة وغيره من المتقدمين، واختاره المازري والقاضي عياض، قالوا: وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه، قال النووي: فإن قيل: فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت؟ فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة، علم بها أنه ملك الموت، فاستسلم، بخلاف المرة الأولى. أقول: وهذا بعيد أيضا، فالملائكة لا تحكمهم الصورة، والمختار عندي أنه خيل لموسى أنه فقأ عين ملك الموت، كما خيل إليه حين رآه في المرة الثانية أن الله رد له عينه، أو الكلام على التشبيه، أي فكأنه فقأ عينه، وكأن الله رد إليه عينه، وسيأتي مزيد لهذه المسألة في فقه الحديث. (أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت) في الرواية الرابعة إنك أرسلتني إلى عبد لك، لا يريد الموت، وقد فقأ عيني وفي رواية قال: يا رب، عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه (ارجع إليه، فقيل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة) في الرواية الرابعة ارجع إلى عبدي، فقل: الحياة تريد؟ والكلام على الاستفهام، والحياة مفعول مقدم فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما توارت أي فما غطت يدك من شعره، فإنك تعيش بها سنة والمتن بفتح الميم وسكون التاء الظهر. (قال: أي رب، ثم مه؟ قال: ثم الموت) في الرواية الرابعة قال: ثم مه؟ قال: ثم الموت وفي الكلام طي، تقديره، فرجع ملك الموت إلى موسى، فقال له ما قال ربه، فقال موسى مناجيا ربه. يا رب، ثم ماذا بعد هذه السنين؟ قال له ربه. ثم الموت يقع. ومه هي ما الاستفهامية، دخل عليها هاء السكت. (قال: فالآن) الفاء في جواب شرط مقدر، أي إذا كانت النهاية الموت لا محالة فالمختار عندي الموت الآن، وفي الرواية الرابعة فالآن من قريب. (فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) وفي الرواية الرابعة رب أمتني بفتح الهمزة وكسر الميم وسكون التاء، أي قريبا من الأرض المقدسة رمية بحجر أي مسافة رمية بحجر، وفي بعض النسخ رب أدنني بالدال ونونين. (فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر) في الرواية الرابعة عند الكثيب الأحمر وهو التل من الرمال الحمراء. وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين، بين المدينة وبيت المقدس، وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة، ولا من بيت المقدس، قال: وهذا اشتهر عن قبر بأريحا، عنده كثيب أحمر، أنه قبر موسى وأريحا من الأرض المقدسة. وفي بعض الروايات فشمه شمة، تقبض روحه، وكان يأتي الناس خفية أي وصار يأتي خفية لقبض الأرواح قيل: عاش مائة وعشرين سنة. (بينما يهودي يعرض سلعة له، أعطي بها شيئا كرهه - أو لم يرضه) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة، وزعم بعضهم أنه فنحاص - بكسر الفاء وسكون النون - وعزاه لابن إسحاق، والذي ذكره ابن إسحق لفنحاص مع أبي بكر الصديق في لطمه إياه، قصة أخرى، في نزول قوله تعالى {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181]. (قال: لا. والذي اصطفى موسى- عليه السلام - على البشر) لا متضمنة معنى جملة، أي لا أبيع. وفي الرواية السادسة والذي اصطفى موسى على العالمين زاد البخاري في قسم يقسم به. (فسمعه رجل من الأنصار، فلطم وجهه) في الرواية السادسة فرفع المسلم يده عند ذلك. فلطم وجه اليهودي عند ذلك أي عند سماعه قول اليهودي، وإنما صنع ذلك لفهمه من عموم لفظ العالمين دخول محمد صلى الله عليه وسلم فيه، وقد تقرر عنده أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل، وعند سفيان بن عيينة في جامعه، وابن أبي الدنيا في كتاب البعث، عن سعيد بن المسيب قال: كان بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبين رجل من اليهود كلام في شيء قال عمرو بن دينار: هو أبو بكر الصديق، وهذا القول يتنافى مع روايتنا من الأنصار اللهم إلا أن يراد من الأنصار المعنى الأعم، أي الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أهم وأول من ناصر. (تقول: والذي اصطفى موسى على البشر؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟) وفي الرواية السادسة فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى عليه السلام على العالمين فيحتمل أنها استبا بعد حلف اليهودي، فحلف كل منهما، فكان حلف اليهودي بعد حلف المسلم، وفي رواية قال المسلم: أي خبيث. على محمد؟ أي فضل موسى على محمد؟ (فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي) وفي الرواية السادسة فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم لطمت وجهه؟) معطوف على محذوف، أي فدعا المسلم، فقال له... إلخ، ففي رواية فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره وفي رواية فقال ادعوه لي، فجاء، فقال: أضربته؟ (لا تفضلوا بين أنبياء الله) وفي الرواية السادسة لا تخيروني على موسى وفي ملحق الرواية السادسة لا تخيروا بين الأنبياء. (ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث - أو في أول من بعث - فإذا موسى عليه السلام أخذ بالعرش، فلا أدري. أحوسب بصعقته يوم الطور؟ أو بعث قبلي؟) وفي الرواية السادسة فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فما أدري، أكان فيمن صعق، فأفاق قبلي؟ أم كان ممن استثنى الله؟ وفي رواية فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم قال العلماء: المراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتا، أو رأى شيئا يفزع منه، قال الحافظ ابن حجر: وهذه الرواية ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ظاهر في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية، وأصرح منها رواية إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة قال: وأما ما وقع في حديث أبي سعيد فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض فهو وهم من الرواة - كما قال المحققون - والصواب ما وقع في رواية غيره فأكون أول من يفيق وأن كونه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض صحيح، لكنه في حديث آخر، ليس في قصة موسى، قال: ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق، أحيائهم وأمواتهم، وهو الفزع، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه، وللأحياء موتا، ثم ينفخ الثانية للبعث، فيفيقون أجمعون، فمن كان مقبورا انشقت عنه الأرض، فخرج من قبره، ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون - أي يغشى عليهم من الفزع - مع أن الموتى لا إحساس لهم، فقيل: المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68] أي إلا من سبق له الموت قبل ذلك، فإنه لا يصعق، وإلى هذا جنح القرطبي، ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث أن موسى ممن استثنى الله، لأن الأنبياء أحياء عند الله، وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وقد ثبت ذلك للشهداء، ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء، وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله، وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث، حين تنشق السماء والأرض، وتعقبه القرطبي بأنه صلى الله عليه وسلم صرح بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما يكون عند نفخة البعث، اهـ. قال الحافظ ابن حجر: ويرده قوله صريحا - كما تقدم - إن الناس يصعقون، فأصعق معهم إلى آخر ما تقدم، قال: ويؤيده أنه عبر بقوله أفاق لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وبعث من الموت، وكذا عبر عن صعقة الطور بالإفاقة، لأنها لم تكن موتا بلا شك، وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنها غشية، تحصل للناس في الموقف. اهـ. وقوله في الرواية السادسة فإذا موسى باطش بجانب العرش أي آخذ بجانب من العرش بقوة، والبطش الأخذ بقوة، أما قوله في الرواية الخامسة فإذا موسى آخذ بالعرش أي آخذ ببعض قوائم العرش، ففي رواية آخذ بقائمة من قوائم العرش. (مررت على موسى، وهو يصلي في قبره) يراجع شرح هذا في كتاب الإيمان، من كتابنا. (ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى عليه السلام) كذا في الرواية الخامسة، وفي الرواية السابعة والثامنة يقول الله تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبد لي - أو لعبدي - أن يقول: أنا خير من يونس ابن متى، عليه السلام وفي رواية البخاري لا يقولن أحدكم إني خير من يونس والضمير في إني للرسول صلى الله عليه وسلم. وارتباط النهي عن تفضيله صلى الله عليه وسلم بالكلام عن موسى إنما هو ارتباط النهي عن التفضيل مطلقا، حتى عن يونس عليه السلام، الذي قال الله تعالى في شأنه {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} [القلم: 48] مغموم {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم} [القلم: 49] لكنه نبذ غير مذموم. (ونسبه إلى أبيه) من كلام الراوي، أي نسبه صلى الله عليه وسلم إلى أبيه فقال: يونس بن فلان، ولم ينسبه إلى متى لأن متى اسم أمه، وهذا محكي عن وهب بن منبه، وذكره الطبري، وتبعه ابن الأثير في الكامل، وكأن الراوي نسي اسم أبيه الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا قيل: وهو بعيد، والصحيح ما في الصحيح أنه يونس بن متى، وكأن الراوي بهذه الجملة يرد على القول الأول، ويقول: ونسبه إلى أبيه متى. (من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم) أصل الكرم كثرة الخير، وقد فهم صلى الله عليه وسلم أن السؤال عن أكمل الكرم وأعمه، فأجاب بالأتقى، أخذا من قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] ومن كان متقيا كان كثير الخير، وكثير الفائد في الدنيا، وصاحب الدرجات العلى في الآخرة. (ليس عن هذا نسألك)، ظن صلى الله عليه وسلم أنهم يسألون عن شخصية جامعة لمكارم الأخلاق، فأجاب بقوله: (فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله) فهو ابن ثلاثة أنبياء، متناسلين، فهو ابن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، وانضم إلى هذا الشرف علم الرؤيا، وتمكنه فيه، ورياسة الدنيا، وملكها بالسيرة الجميلة، وحياطته الرعية، وعموم نفعه إياهم، وشفقته عليهم، وإنقاذه إياهم من تلك السنين، والفاء في جواب شرط مقدر، أي إذا كنتم لا تقصدون الأكرم بالمعنى الذي ذكرته، فيوسف، وينطق بضم السين وكسرها وفتحها، مع الهمز على الواو وتركه، فهذه ستة أوجه. (ليس عن هذا نسألك) ففهم صلى الله عليه وسلم أنهم يسألون عن قبائل العرب، فقال:- (فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ومعناه: إن كنتم تسألون عن أصول العرب فأصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية، إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس. (كان زكريا نجارا) أي فكان يأكل من عمل يده، وهو فضيلة، وزكريا فيها خمس لغات، المد والقصر، وزكري بالتشديد، والتخفيف وزكر كعلم. وزكريا والد يحيى، ويحيى وعيسى ابن مريم ابنا خالة، قال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه آخر من بعث من بني إسرائيل، قبل عيسى، وقال أيضا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا، ففر منهم، فمر بشجرة، فانفلقت له، فدخل فيها، فالتأمت عليه فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه، فرأوها، فوضعوا المنشار على الشجرة، فنشروها، حتى قطعوه من وسطه في جوفها، وكذلك قتلوا يحيى، وكان ذلك قبل أن يرفع عيسى عليهم السلام. (إن نوفا البكالي) قال النووي: هكذا ضبطه الجمهور، بكسر الباء، وفتح الكاف مخففة، رواه بعضهم بفتح الباء، وتشديد الكاف، قال القاضي: هذا الثاني: هو ضبط أكثر الشيوخ وأصحاب الحديث، قال: والصواب الأول، وهو قول المحققين، وهو منسوب إلى بني بكال، بطن من حمير، وقيل من همدان، ونوف هذا هو ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل: ابن أخيه، والمشهور الأول، قاله ابن أبي حاتم وغيره، وكان عالما حكيما قاضيا، وإماما لأهل دمشق، وضبطه العلماء بفتح النون، وسكون الواو، بعدها فاء، قال الحافظ ابن حجر: وهو تابعي صدوق. (ليس هو موسى صاحب الخضر) روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد - لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء زاد عبد الرزاق في مصنفه الفرو الحشيش الأبيض، وما أشبهه قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه: أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق. اهـ. وجزم بذلك القاضي عياض، وقال ابن الأعرابي: الفروة أرض بيضاء، ليس فيها نبات، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر، لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه، وفي نسبه، وفي نبوته، وفي تعميره، فقال وهب بن منبه، هو بليا، بفتح الباء، وسكون اللام، وقيل بزيادة ألف بعد الباء، وقيل: إلياس، وقيل: اليسع، وقيل: عامر، وقيل: خضرون، والأول أثبت. وهو ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل، لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم، وقيل: كان بعد عهد إبراهيم، وقيل ابن آدم لصلبه، وقيل: ابن قابيل، وقيل: ابن فرعون، وقيل: ابن بنت فرعون، وقيل: كان أبوه فارسيا، وقيل: إنه الذي أماته الله، ثم بعثه بعد مائة عام، فلا يموت حتى ينفخ في الصور، أقوال كثيرة لا سند لها يعتد به. أما عن نبوته فعند أكثر أهل العلم أنه نبي، ثم اختلفوا: هل هو رسول أم لا؟ وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي. وفي الرواية الثانية عشرة إن نوفا يزعم أن موسى الذي ذهب يلتمس العلم ليس بموسى بني إسرائيل. قال: أسمعته يا سعيد؟ قلت: نعم. قال: كذب نوف وفي رواية للبخاري إن بالكوفة رجلا قاصا، يقال له: نوف يزعم... إلخ. (كذب عدو الله) قال النووي: قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله، لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة، إنما قاله مبالغة في إنكاره قوله، لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في حال غضب ابن عباس، لشدة إنكاره، وحال الغضب تطلق الألفاظ، ولا يراد بها حقيقتها. (قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم) وفي الرواية الثالثة عشرة إنه بينما موسى عليه السلام في قومه، يذكرهم بأيام الله - وأيام الله نعماؤه وبلاؤه - إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خير - أو أعلم - مني وفي رواية للبخاري بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل، جاءه رجل، فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا وفي رواية للبخاري ذكر الناس يوما، حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل، فقال... (قال: فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك) في الرواية الثالثة عشرة فأوحى الله إليه: إني أعلم بالخير منه، أو عند من هو؟ إن في الأرض رجلا، هو أعلم منك أي كان حقه أن يقول: والله أعلم، فيرد العلم لله. ومجمع البحرين ملتقاهما، قيل: هما بحر فارس والروم، والمراد مكان يقرب من التقائهما، وإلا فهما لا يلتقيان إلا في البحر المحيط، وهما شعبتان منه، قيل: عند طنجة، قيل: الكر والرس بأرمينية. (قال موسى: أي رب. كيف لي به؟) في الرواية الثالثة عشرة قال: يا رب، فدلني عليه وفي رواية للبخاري فسأل موسى السبيل إليه. (فقيل له: احمل حوتا في مكتل، فحيث تفقد الحوت، فهو ثم) بفتح الثاء، أي هناك، والحوت السمكة وكانت السمكة مالحة، ففي الرواية الثالثة عشرة تزود حوتا مالحا والمكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح التاء هو القفة والزنبيل، وفي رواية للبخاري تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم وفي رواية أخرى له فجعل له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع، فإنك ستلقاه. (فانطلق، وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون، فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى عليه السلام وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر) ومعنى فتاه صاحبه. ونون مصروف، مثل نوح. وفي الرواية الثالثة عشرة حتى انتهيا إلى الصخرة، فعمي عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل الماء لا يلتئم عليه أي لا يغطيه وصار مثل الكوة أي الفتحة أو الفجوة. (وأمسك الله عنه جرية الماء) فبقي في فجوة ظاهرا، والجرية بكسر الجيم. (فكان مثل الطاق) كوة تتخذ في الحائط، غير نافذة توضع فيها الأشياء. (فكان للحوت سربا) أي مسلكا، كالسرب، وهو النفق. (وكان لموسى وفتاه عجبا) أي بعد أن رجعا إلى المكان ورأياه، فهذا الكلام مقدم من تأخير. (فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ) في الرواية الثالثة عشرة فجعل الماء لا يلتئم عليه، صار مثل الكوة، فقال فتاه: ألا ألحق نبي الله فأخبره؟ قال: فنسي وفي القرآن الكريم {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما} أي حال حوتهما، أي نسي موسى وجوده أو عدم وجوده في المكتل، ونسي فتاه أن يخبر موسى بوقوعه في البحر، وقيل: إن الناسي هو فتاه لا غير، نسي أن يخبر موسى بخبر الحوت، والشيء قد ينسب إلى الجماعة، وإن كان الذي فعله واحدا. ( {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} ) أي وما أنساني ذكر أمره لك إلا الشيطان. {قال ذلك ما كنا نبغ} أي نطلب، معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت. ( {فارتدا على آثارهما قصصا} ) أي ارتدا في طريقهما الذي جاءا منه، يقصانه قصصا، أي يتبعانه اتباعا، زاد في الرواية الثالثة عشرة فأراه مكان الحوت، قال: ها هنا وصف لي، فذهب يلتمس. (فرأى رجلا مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى) أي مغطى عليه بثوب، وفي الرواية الثالثة عشرة فإذا هو بالخضر، مسجى ثوبا، مستلقيا على القفا - أو قال: على حلاوة القفا - قال: السلام عليكم (فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام)؟ أي كيف يأتي السلام من أرضك؟ فالاستفهام للتعجب، أي هذه التحية عجيبة بأرضك، ويحتمل أن يكون المعنى من أين هذا الكلام بأرضك؟ فهي ظرف مكان. وفي رواية لابن أبي حاتم فرأى الخضر، وعليه جبة من صوف، وكساء من صوف، ومعه عصا، قد ألقى عليها طعامه. (قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) في الرواية الثالثة عشرة قال: السلام عليكم، فكشف الثوب عن وجهه، قال: وعليكم السلام. من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: مجيء ما، جاء بك أي سبب ما جاء بك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا أي علما ذا رشد، وإصابة للخير. (قال إنك على علم من علم الله، علمكه الله، لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله، علمنيه، لا تعلمه، قال له موسى عليه السلام: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} ) وروي أن الخضر استوى جالسا، لما عرف أنه موسى، ثم قال: يا موسى، أما يكفيك أن التوراة بيدك؟ وأن الوحي يأتيك؟ قال موسى: إن ربي أرسلني إليك لأتبعك، وأتعلم من علمك. ( {قال إنك لن تستطيع معي صبرا* وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} ) زاد في الرواية الثالثة عشرة، شيء أمرت به أن أفعله، إذا رأيته لم تصبر؟ أكد عدم صبره بـ إن وبلن، وعدل عن لن تصبر إلى لن تستطيع ونكر صبرا في سياق النفي، لإفادة العموم، أي لن تستطيع معي صبرا، أي صبر، مهما قل، وعلل ذلك بأنه عليه السلام يتولى أمورا خفية المراد، منكرة الظواهر، والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة، لا يتمالك أن يشمئز عند مشاهدتها، وكأنه علم مع ذلك حدة موسى عليه السلام، ومزيد غيرته التي أوصلته إلى أن يأخذ برأس أخيه، يجره إليه. ( {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} ) حذف التعليق على المشيئة في معصية الأمر اكتفاء بذكره في الصبر، وهو مراد، وقيل: علق في الصبر فصبر ثلاث حوادث، ولم يعلق في الطاعة وعدم المعصية، فاعترض وأنكر من أول حادثة. (قال له الخضر: {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} قال: نعم) أي لا تسألني عن سر شيء تشاهده - فضلا عن المناقشة، والاعتراض والإنكار - حتى أبتدئك ببيانه. ( {فانطلقا} ) أي موسى والخضر، عليهما السلام، ولم يضم إليهما يوشع لأنه تابع، وقيل: رده موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، وفي رواية أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما من غير أجر. ( {حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} ) روي أنهما لما ركبا في السفينة أخرج الخضر من مكتله القدوم، أو مثقابا ومطرقة، وانتحى ناحية عنهم وخرق خرقا، وضع عليه لوحا، وجلس عليه. ( {قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا} ) أي فظيعا منكرا، واللام في لتغرق لام العاقبة، وقيل للتعليل، روي أن موسى عليه السلام اشتد غضبا، وشد على الخضر ثيابه، وأراد أن يقذف به في البحر، وهو يقول: أردت هلاكهم؟ فستعلم أنك أول هالك. ( {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} ؟) والاستفهام تقريري، أي قر بأنك لن تستطيع معي صبرا. ( {قال لا تؤاخذني بما نسيت} ) أي لا تؤاخذني على إنكاري المتسبب عن نسياني الوصية. ( {ولا ترهقني من أمري عسرا} ) أي لا تحملني من اتباعي لك صعوبة، ويسر على المتابعة بالإغضاء عما وقع مني، فقبل عذره، وجنحت السفينة إلى الشاطئ لإصلاحها، ونزلا منها. ( {فانطلقا} ) يمشيان على الشاطئ، فمرا بقرية. ( {حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ) روي أنه كان يلعب مع الغلمان، وكانوا على ما قيل عشرة، وأنه لم يكن فيهم أحسن منه ولا أنظف، وروي أنه ضرب رأسه بالجدار فقتله، وقيل: اقتلع رأسه، وقيل: ذبحه بالسكين، قيل: كان بالغا، وقيل لم يكن بالغا، وفي الرواية الثالثة عشرة فانطلقا، حتى إذا لقيا غلمانا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم، بادي الرأي، فقتله، فذعر عندها موسى عليه السلام، ذعرة منكرة. ( {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} ) أي نفسا طاهرة من الذنوب، بغير قصاص لك عليه، ونكرا بضم النون وسكون الكاف، أي منكرا جدا. ( {قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى) زاد في الرواية الثالثة عشرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عند هذا المكان - من القصة رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة بفتح الذال، أي حياء، وإشفاق من اللوم ولو صبر لرأى العجب قال الراوي: وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحد من الأنبياء بدأ بنفسه: رحمة الله علينا، وعلى أخي كذا رحمة الله علينا. ( {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} ) أي إن سألتك عن شيء تفعله من الأعاجيب بعد هذه المرة فلا تصحبني معك، قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي، حيث خالفتك مرة بعد مرة. ( {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} ) قيل: القرية هي أنطاكية، وقيل: هي الأيلة، والمعنى استطعما بعض أهلها، أي طلبا طعاما، ولم يطلبوا ضيافة. وفي الرواية الثالثة عشرة حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما، فطافا في المجالس، فاستطعما أهلها. ( {فأبوا أن يضيفوهما} ) أي أبوا مجرد إيوائهما، فضلا عن إطعامهما. ( {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} ) قيل: هدمه، فبناه، وفي الكلام مجاز لأن الجدار لا إرادة له. وقيل: وجده مائلا، فقال له الخضر بيده هكذا. فأقامه، قال القرطبي: كونه مسحه بيده فأقامه هو الصحيح، وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم السلام، واعترض بأنه غير ملائم لما بعد، إذ لا يستحق بمثله الأجر. ( {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} ) أي قال موسى عليه السلام ذلك تحريضا للخضر عليه السلام، وحثا على أخذ الأجرة، لحاجتهما إليها، وقيل: قاله تعريضا بأن فعله ذلك ليس في محله. ( {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} ) زاد في الرواية الثالثة عشرة وأخذ بثوبه. (وجاء عصفور) مجيئه مناسب لأن يكون بعد كشف السر، لكن السفينة كانت في أول الرحلة. ( {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها} ) أي كانت لضعفاء، لا يقدرون على مدافعة الظلمة، أي كانت لهم ملكا، أو عارية، أو كانوا أجراء، واللام للاختصاص، يتعيشون منها، فأردت أن أجعلها ذات عيب، ولم أرد إغراق من بها، كما حسبت. ( {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} ) أي يأخذ كل سفينة صالحة غصبا يسخرها، أي فوجدها الملك معيبة، فتركها، فأصلحوها بقطعة خشب، وتكسبوا عليها. ( {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} ) في الرواية الثالثة عشرة وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا. فقه الحديث يؤخذ من أحاديث الباب

    1- من قصة موسى عليه السلام، والحجر، الرواية الأولى والثانية معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام، إحداهما مشي الحجر بثوبه إلى ملأ بني إسرائيل، والثانية حصول الندب، وأثر الضرب فيه، كيف لا. وقد ضرب الحجر من قبل فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا؟

    2- قال النووي: وفيه وجود التمييز في الجمادات كالحجر ونحوه، ومثله تسليم الحجر بمكة، وحنين الجذع.

    3- وجواز الغسل عريانا في الخلوة، وإن كان ستر العورة أفضل، وبهذا قال الشافعي، ومالك وجماهير العلماء، وخالفهم ابن أبي ليلى، وقال: إن للماء ساكنا، واحتج في ذلك بحديث ضعيف.
    4- وفيه ما ابتلي به الأنبياء والصالحون من أذى السفهاء والجهال، وصبرهم عليهم.
    5- وفيه أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم منزهون عن النقائص في الخلقة، سالمون من العاهات والمعايب. ذكره القاضي وغيره، وقالوا: ولا التفات إلى ما قاله من لا تحقيق له من أهل التاريخ في إضافة بعض العاهات إلى بعضهم، بل نزههم الله تعالى من كل عيب وكل شيء يبغض العيون، أو ينفر القلوب.
    6- وفيه جواز المشي عريانا لضرورة، وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خلوة، وخرج من الماء، فلم يجد ثوبه، تبع الحجر، بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم، فمر بهم، كما أن جوانب الأنهار - وإن خلت غالبا - لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد، لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أنه استمر يتبع الحجر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل، كان فيهم من قال فيه ما قال، وبهذا تظهر الفائدة.
    7- وفيه جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك من مداواة أو براءة من عيب، وهذا على قول من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا.
    8- ومن قوله كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض أن ذلك كان جائزا في شرعهم، وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده، أخذا بالأفضل، وأغرب ابن بطال، فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له، وتبعه القرطبي في ذلك.
    9- وفيه أن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته، فقد آذاه، ويخشى على فاعله الكفر. 10- وأن الآدمي يغلب عليه طباع البشر، لأن موسى علم أن الحجر ما سار بثوبه إلا بأمر من الله، ومع ذلك عامله معاملة من يعقل، فناداه، وضربه. 1

    1- ومن قصة موسى عليه السلام وملك الموت، روايتنا الثالثة والرابعة، أن الملك يتمثل بصورة الإنسان، وقد جاء ذلك في أحاديث مشهورة. 1

    2- قال ابن خزيمة: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وقالوا: إن كان موسى عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه؟ قال: والجواب أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارا، وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدميا، دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشرع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين، فلم يعرفهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه. قال: وعلى تقدير أن يكون عرفه، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى، فلم يقتص له. وقال النووي: لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة، امتحانا للملطوم. وقال غيره: إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه، من قبل أن يخبره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخبر، فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن. وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينا حقيقية، ومعنى رد الله عينه أعاده إلى خلقته الحقيقية. وقيل على ظاهره، ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية، ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره. قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو المعتمد. وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك، كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر. 1

    3- واستدل بقوله فلك بكل شعرة سنة على أن الذي بقي من الدنيا كثير جدا، لأن عدد الشعر الذي تواريه اليد كثير. 1
    4- واستدل به على جواز الزيادة في العمر، وقد قال به قوم في قوله تعالى {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} [فاطر: 11] وأنه زيادة ونقص في الحقيقة. ومنع قوم ذلك، وأجابوا عن قصة موسى بأن أجله قد كان قرب حضوره، ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين، فأمر بقبض روحه أولا، مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة، وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا. 1
    5- وفيه فضل الدفن في الأماكن المقدسة، والفاضلة، والمواطن المباركة، والقرب من مدافن الصالحين. قاله النووي. 1
    6- ومن الرواية الخامسة النهي عن التفضيل بين الأنبياء. 1
    7- فضيلة موسى عليه السلام. 1
    8- أهل الذمة لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. 1
    9- فضيلة يونس عليه السلام، وكذا من الرواية السابعة والثامنة. 20- ومن الرواية التاسعة فضيلة يوسف عليه السلام. 2

    1- وأن الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. 2

    2- وأن التقوى رأس الفضائل. 2

    3- ومن الرواية العاشرة فضيلة زكريا عليه السلام. 2
    4- ومن الرواية الحادية عشرة وما بعدها، من قصة موسى والخضر عليهما السلام. ما يؤكد قوله تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} [البقرة: 216]. 2
    5- ومن إنكار تعلم موسى بني إسرائيل من الخضر ذهب أهل الكتاب وتابعهم من تبعهم من المحدثين والمؤرخين وزعموا أن موسى هنا هو موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب، وهو موسى الأول، وتعللوا بأن موسى النبي لا يتعلم من غيره. وأجيب بأن التعلم كان من نبي، ولا غضاضة في تعلم نبي من نبي، قالوا: ولو سلمنا بنبوة الخضر لا نسلم أن موسى بن عمران، وهو الأفضل يتعلم ممن ليس مثله في الفضل، فإن الخضر عليه السلام على القول بنبوته، بل القول برسالته، لم يبلغ درجة موسى عليه السلام. واستبعدوا أن يكون موسى هو موسى بني إسرائيل، على أساس أن بعد الخروج من مصر حصل هو وقومه في التيه، وتوفي فيه، ولم يخرج قومه منه إلا بعد وفاته والقصة تقتضي خروجه عليه السلام من التيه، لأنها لم تكن وهو في مصر بالإجماع، وتقتضي أيضا الغيبة أياما، ولو وقعت لعلمها كثير من بني إسرائيل، الذين كانوا معه، ولو علمت لنقلت، لتضمنها أمرا غريبا، تتوافر الدواعي على نقله، فحيث لم يكن لم تكن، وأجيب بأن عدم سماح نفوسهم بالقول بتعليم نبيهم عليه السلام من مثله في الفضل، أمر لا يساعده العقل، وليس هو إلا كالحمية الجاهلية، إذ لا يبعد عقلا تعلم الأفضل الأعلم، شيئا ليس عنده، ممن هو دونه في الفضل والعلم، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل. ثم إن عدم خروج موسى من التيه غير مسلم، وكذلك اقتضاء الغيبة أياما، لجواز أن يكون على وجه خارق للعادة، وقد يقال: يجوز أن يكون عليه السلام خرج وغاب أياما، لكن لم يعلموا أن عليه السلام ذهب لهذا الأمر، وظنوا أنه ذهب يناجي ويتعبد، ولم يوقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع، لعلمه بقصور فهمهم، فخاف من حط قدره عندهم، ويجوز أن يكون غاب عنهم، وعلموا غيبته، لكن لم يتناقلوها جيلا بعد جيل، لتوهم أن فيها شيئا مما يحط قدره عندهم. قال العلماء: ولا يخفى أن باب الاحتمال واسع، وبالجملة لا نبالي بإنكارهم بعد جواز الوقوع عقلا، وإخبار الله تعالى به. والله أعلم 2
    6- وفي الحديث مصداق لقوله تعالى {وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف: 76]. 2
    7- ومن بناء الخضر عليه السلام للجدار، وحفظ الكنز لليتيم أن صلاح الآباء ينفع الأبناء بعد موتهما. والله أعلم

    وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ ‏{‏ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏ ‏.‏

    Ibn 'Abbas has reported this hadith on the authority of Ubayy b. ka'b that Allah's Apostle (ﷺ) used to recite this

    Dan telah menceritakan kepada kami [Amru An Naqid] Telah menceritakan kepada kami [Sufyan bin Uyainah] dari [Amru] dari [Sa'id bin Jubair] dari [Ibnu Abbas] dari [Ubay bin Ka'ab] Bahwa Nabi shallallahu 'alaihi wasallam membaca ayat: Jika engkau mau, niscaya engkau dapat meminta imbalan untuk itu. (QS Al Kahfi:)

    Bize Amru'n-Nakıd dahi rivayet etti. (Dediki): Bize Süfyân b. Uyeyne Amr'dan, o da Said b. Cübeyr'den, o da İbni Abbâs'dan, o da Übeyy b. Kâ'b'dan naklen rivayet etti ki: Nebi (Sallallahu Aleyhi ve Sellem): «Buna karşılık ücret alabilirdin...» âyetini okumuş

    عمروناقد نے کہا : ہمیں سفیان بن عینیہ نے عمرو ( بن دینار ) سے حدیث بیان کی ، انھوں نے سعید بن جبیر سے ، انھوں نے حضرت ابن عباس رضی اللہ تعالیٰ عنہ سے ، انھوں نے حضرت ابی ابن کعب رضی اللہ تعالیٰ عنہ سے روایت کی کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے ( لاتخذتکی بجائے ) اس طرح پڑھا : ( لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ) ۔

    আমর আন নাকিদ (রহঃ) ..... উবাই ইবনু কা'ব (রাযিঃ) হতে রিওয়ায়াত করেন, নবী সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লামلا تخذت এর স্থলে لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا এরূপও পড়েছেন (দু’টোর অর্থ একই)। (ইসলামিক ফাউন্ডেশন ৫৯৫১, ইসলামিক সেন্টার)