Warning: get_headers(): https:// wrapper is disabled in the server configuration by allow_url_fopen=0 in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 17

Warning: get_headers(): This function may only be used against URLs in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 17

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 18
أرشيف الإسلام - موسوعة الحديث - حديث ( إِنْ كَانَ ، فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ - يَعْنِي) - صحيح مسلم حديث رقم: 4227
  • 1025
  • عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ كَانَ ، فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ " - يَعْنِي الشُّؤْمَ -

    وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنْ كَانَ ، فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ - يَعْنِي الشُّؤْمَ - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

    لا توجد بيانات
    إِنْ كَانَ ، فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ - يَعْنِي
    حديث رقم: 2731 في صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب ما يذكر من شؤم الفرس
    حديث رقم: 4823 في صحيح البخاري كتاب النكاح باب ما يتقى من شؤم المرأة
    حديث رقم: 1989 في سنن ابن ماجة كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ مَا يَكُونُ فِيهِ الْيُمْنُ وَالشُّؤْمُ
    حديث رقم: 1779 في موطأ مالك كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ بَابُ مَا يُنَّقَى مِنَ الشُّؤْمِ
    حديث رقم: 22264 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
    حديث رقم: 22293 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
    حديث رقم: 5571 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5611 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5634 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5667 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5671 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5696 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5715 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 5769 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ سَهْلٌ وَمِمَّا أَسْنَدَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
    حديث رقم: 4694 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الْكَرَاهَةِ بَابُ الرَّجُلِ يَكُونُ بِهِ الدَّاءُ هَلْ يُجْتَنَبُ أَمْ لَا ؟
    حديث رقم: 632 في الجامع لعبد الله بن وهب فِي الطِّيَرَةِ وَالْعَدَوَى وَالْهَامِ وَالصَّفَرِ وَالْغُولِ فِي الطِّيَرَةِ وَالْعَدَوَى وَالْهَامِ وَالصَّفَرِ وَالْغُولِ
    حديث رقم: 94 في مسند ابن أبي شيبة مَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ
    حديث رقم: 94 في مسند ابن أبي شيبة الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ
    حديث رقم: 949 في الأدب المفرد للبخاري بَابُ الشُّؤْمِ فِي الْفَرَسِ
    حديث رقم: 4034 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ
    حديث رقم: 661 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي إثْبَاتِ الشُّؤْمِ

    [2226] رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ

    [2226] الشؤم فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس قَالَ مَالك وَطَائِفَة هُوَ على ظَاهره فَإِنَّهُ قد يحصل عِنْد سُكْنى الدَّار الْمعينَة أَو اتِّخَاذ الْمَرْأَة الْمعينَة أَو الْفرس أَو الْخَادِم الْهَلَاك بِقَضَاء الله وَيجْعَل الله ذَلِك سَببا لَهُ وَقَالَ الْخطابِيّ وكثيرون وَهُوَ فِي معنى الِاسْتِثْنَاء من الطَّيرَة أَي الطَّيرَة مَنْهِيّ عَنْهَا إِلَّا أَن يكون لَهُ دَار يكره سكناهَا أَو امْرَأَة يكره صحبتهَا أَو فرس أَو خَادِم فليفارق الْجَمِيع بِالْبيعِ وَنَحْوه وَطَلَاق الْمَرْأَة وَقَالَ آخَرُونَ شُؤْم الدَّار ضيقها وَسُوء جِيرَانهَا وأذاهم وشؤم الْمَرْأَة عدم وِلَادَتهَا وسلاطة لسانها وتعريضها للريب وشؤم الْفرس أَن لَا يغزى عَلَيْهَا وَقيل حرانتها وَغَلَاء ثمنهَا وشؤم الْخَادِم سوء خلقه وَقلة تعهده لما فرض عَلَيْهِ وَقيل المُرَاد بالشؤم هُنَا عدم الْمُوَافقَة وَاعْترض بعض الْمَلَاحِدَة على هَذَا الحَدِيث بِحَدِيث لَا طيرة فَأجَاب بن قُتَيْبَة وَغَيره بِأَن هَذَا مَخْصُوص من حَدِيث لَا طيرة أَي لَا طيرة إِلَّا فِي هَذِه الثَّلَاثَة

    عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن -يعني الشؤم-
    المعنى العام:
    من الثابت الذي لا يقبل الشك، أن بعض الأمراض تنتقل من جسم المريض إلى جسم السليم، بسبب المخالطة بينهما، عن طريق جراثيم ميكروبات وهي كائنات حية صغيرة، لا ترى بالعين المجردة، ولكل مرض ميكروب خاص به، وطريقة ينتقل بها من المريض إلى السليم، بعضها ينتقل عن طريق الهواء بدون ملامسة، كما ينتقل تلقيح الأنثى من طلع النخل بطلع الذكر القريب، وقد يكثر المرض والميكروب، فيفسد الهواء في منطقة واسعة، فيصيب العامة، مما يعرف بالوباء، وبعضها ينتقل بملامسة السليم للمريض، وبعضها ينتقل باستعمال أدوات المريض، وبعضها ينتقل عن طريق اتصال دم المريض بدم السليم، أو اتصال مخاطه، أو اتصال ماء شهوته. ومن الثابت أيضاً أن في جسم الإنسان وفي دمه كرات بيضاء، تقف بالمرصاد للميكروبات المعادية الوافدة، فتلتهمها وتقضي عليها، هذا إن كان العدو الوافد أضعف من قوة الدفاع، كماً أو كيفاً، فالميكروب له أطوار يقوى فيها، وأطوار يضعف فيها، وله درجة قوة وتمكن من مريض إلى مريض، وقوة الدفاع تختلف من جسم إلى جسم، وتعرف بجهاز المناعة، وقد تتقوى هذه القوة عن طريق التطعيم الصحي، عند حصول الوباء، أو توقعه وكل هذه أمور يديرها الله تعالى في جسم الإنسان، فقد يهاجم ميكروب المريض سليماً، فيهزمه جيش دفاعه، فلا تظهر عليه عوارض المرض، وينجو بتقدير الله تعالى، وكم من حذر وقع في شرك هذه الأمراض؟ وكم من مخالط لهذه الأمراض نجا من خطرها، وذلك لنعلم أن أهم شروط العدوى وتأثيرها إرادة الله تعالى. هذه الحقيقة كانت غائبة عن أهل الجاهلية، وكما بعث صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية من الشرك، بعث لتوجيهها إلى الواحد القهار، فقال لهم: لا عدوى لا تعتقدوا في العدوى ما تعتقدون، ولا تعتقدوا أنها تمرض السليم بنفسها، آمنوا بالذي خلق المرض، وخلق انتقاله، وهيأ الظروف لتأثير هذه العدوى. عجب القوم من هذا الخبر، إنهم يشاهدون آثارها وانتقال المرض من المريض إلى السليم بمجرد المخالطة، فقال قائلهم: يا رسول الله، إن إبلي تسرح وتمرح، نشطة، نظيفة، سليمة الجلد، حسنته، كأنها الظباء، فيدخل عليها البعير الأجرب، فيصيبها بالجرب، وينتقل الجرب، من بعير إلى بعير حتى تكون جرباء كلها، فكيف تقول: لا عدوى؟ كيف نلغي المشاهدة؟ وغاب عن الأعرابي أن الذي يشاهدونه هو الأثر، وليس المؤثر، وأن المؤثر والفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وهو الذي جعل العدوى سبباً، وأنها قد تؤثر، وقد لا تؤثر، وأنه قد يبعث المرض المعدي نفسه بدون العدوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: فمن أعدى الأول؟ من الذي أجرب البعير الذي مرض بالجرب أولاً؟ الجواب: أجربه الله تعالى، وإذن الذي يمرض حقيقة هو الله تعالى، وخشي صلى الله عليه وسلم أن تتحول العقيدة عن اعتبار الأسباب، وأن تهمل الأسباب بالكلية، فقال لهم: لا يوردن صاحب إبل جرباء، إبله على إبل سليمة. وكانوا في الجاهلية يتطيرون ويتشاءمون، ويعتقدون في المتشاءم منه أنه يوجد الشر والضرر، فإذا رأى أحدهم في طريقه لمشروع مهم غراباً أسود رجع، وترك مشروعه، وإذا سمع أحدهم صوت بومة وهو على أهبة سفر رجع عن السفر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة ولا أثر لما تتشاءموا منه، فلا تتشاءموا، وإذا وقع في نفسكم شيء من هذا فقولوا: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا يعلم الغيب إلا أنت، وامضوا لأعمالكم، ولا ترجعوا. وكانوا يعتقدون أن روح القتيل تظهر ليلاً في صورة طائر، ينادي: اسقوني من دم قاتلي، تظل كذلك حتى يؤخذ بثأره، ويسمونها الهامة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا هامة وإنما هي أوهام وخيالات لا أصل لها، ولا وجود. وكانوا يعتقدون أن في بطن الإنسان حية كبيرة، تتلوى إذا جاع، تطلب الطعام، ويسمونها صفر فقال لهم: ولا صفر وكانوا يعتقدون أن الأمطار تنزل بفعل نجم خاص يظهر في السماء يسمونه، ويقولون: مطرنا بنوء كذا، فقال لهم: إن النجوم لا تنزل مطراً، وإنما هو الله مرسل الرياح، ومسخر السحاب، والمنزل وحده للغيث، وكانوا يعتقدون أن في الصحراء والخلاء المهجور تظهر حيوانات غريبة المنظر، وغيلان مخيفة، تتراءى في الليل، وعند الانفراد والوحدة، فقيل لهم: ولا غلول. يحارب صلى الله عليه وسلم العقائد الفاسدة، ويغرس في النفوس الأفكار السليمة الصحيحة، التي يحافظ الإنسان بها على نفسه في دينه ودنياه، ولا يخاف الشر والضرر، إلا مما فيه الضرر بيقين، وأن يعتمد على الله ويتوكل عليه {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} [الطلاق: 3]. المباحث العربية (لا عدوى) لا نافية للجنس، تعمل عمل إن واسمها يبنى على ما ينصب به، فعدوى اسم لا مبني على فتح مقدر على الألف في محل نصب، وخبرها محذوف، تقديره: تؤثر، أو تنتقل بنفسها، والعدوى انتقال المرض من المصاب به إلى السليم بسبب المخالطة، وكانت العرب تعتقد أن هذه المخالطة هي العامل الوحيد فيها، ونسوا أن الله تعالى هو الفاعل الحقيقي الفعال لما يريد. (ولا صفر) بفتح الصاد والفاء، وفسره البخاري بقوله: وهو داء يأخذ البطن، وقيل: هو حبة تكون في البطن، تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب في اعتقاد العرب، وقد جاء هذا التفسير عن جابر رضي الله عنه في روايتنا التاسعة، وقيل: هو دود يكون في الجوف، فربما عض، فقتل، فالمراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون من دواب قاتلة، تكون في البطن، فكأنه قال: لا حقيقة لما تعتقدون من ذلك، وإنما الموت بفعل الله تعالى إذا فرغ الأجل. وكانوا يعتقدون أن هذا الجوع ينتقل من المريض إلى السليم بالمخالطة، لذا قرن بنفي العدوى، وقيل، إن المراد بصفر المنفي شهر صفر، وذلك أن العرب كانت تحرم صفر، وتستحل المحرم، كما تقدم في كتاب الحج، عند حديث كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويجعلون المحرم صفراً قال ابن بطال: وهذا القول مروي عن مالك. اهـ أي لا صفر يسبق المحرم، كما تفعلون، ولا مانع من أن يراد بصفر المنفي الأمران جميعاً. وقيل: الصفر وجع في البطن، ينشأ من الجوع، أو من اجتماع الماء في البطن، الاستسقاء، ومن الأول حديث صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم أي جوعة في سبيل الله، ومنه أيضاً قولهم: صفر الإناء، إذا خلا عن الطعام، ومن الثاني حديث أن رجلاً أصابه الصفر، فنعت له السكر أي حصل له الاستسقاء، فوصف له النبيذ. (ولا هامة) بتخفيف الميم على المشهور، ولم يذكر الجمهور غيره، وحكي بتشديدها، قال الحافظ ابن حجر: وكأن من شددها ذهب إلى أنها واحدة الهوام، أي ذوات السموم، وقيل: إحدى دواب الأرض التي تهم بأذى الناس، قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي الطائر المعروف من طير الليل، قيل هي البومة، قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم رآها ناعية له نفسه، أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس، (وعلى هذا فالمعنى: لا شؤم بالبومة ونحوها) والثاني أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت -وقيل: روحه- تنقلب هامة، تطير، هذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، (وعلى هذا فالمعنى: لا حياة لهامة الميت) ويجوز أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعاًَ باطلان، فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك، وضلالة الجاهلية، فيما تعتقده من ذلك. اهـ وقال المناوي: الهامة دابة تخرج من رأس القتيل، أو تتولد من دمه، فلا تزال تصيح، حتى يؤخذ بثأره، هكذا زعمه العرب، فكدبهم الشرع. وذكر الزبير بن بكار أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا قتل الرجل، ولم يؤخذ بثأره، خرجت من رأسه هامة، تدور حول قبره، فتقول: اسقوني من دم قاتلي، فإذا أدرك بثأره ذهبت، وإلا بقيت، قال: وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام، ثم تذهب. (ولا طيرة) كذا في الرواية الثانية والسابعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، والثالثة عشرة والرابعة عشرة، والسادسة عشرة، والطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن، فعلة من طار يطير، وأصلها منسوب إلى الطير، فقد كان العرب تتفاءل بتيامن الطير، وتتشاءم باتجاهه شمالاً، من أراد منهم البدء في عمل هام، أو مشروع كبير أو سفر، استوثق أولاً من نجاحه، بأن يزجر الطير الذي يلاقيه، فإن انصرف إلى جهة اليمين تفاءل وشرع في عمله، وإن انصرف إلى غير جهة اليمين تشاءم ورجع عن مشروعه، فنفى صلى الله عليه وسلم شرعة التطير، ليعلم أنه ليس لذلك العمل تأثير في جلب نفع، أو دفع ضر، ومثل الطير كل ما يتشاءم منه، فقد كان بعضهم يتشاءم بصوت الغراب، وكان بعضهم إذا رأى الجمل شديد الحمل تشاءم، فإن رآه واضعاً حمله تيامن فنسب التشاؤم بأي شيء إلى الطير، أخذاً من الأصل. وصور الحافظ ابن حجر كيفية تيامنهم وتشاؤمهم بالطير بقوله: وما ولاك ميامنه، بأن يمر عن يسارك إلى يمينك فهو السانح، بالنون يتيمنون به، وما ولاك العكس، بأن يمر عن يمينك إلى يسارك فهو البارح، بالباء، يتشاءمون به. فالطيرة في الأصل تشمل التفاؤل والتشاؤم، إلا أنه لما رخص الشرع في التفاؤل، لأنه لا يعطل المصالح انصرف لفظ الطيرة المنهي عنه إلى التشاؤم، فالتطير والتشاؤم بمعنى واحد شرعاً. نعم ظاهر بعض الأحاديث أن الفأل نوع من الطيرة، ففي الرواية العاشرة لا طيرة، وخيرها الفأل قال الكرماني وغيره: فهذه الإضافة تشعر بأن الفأل من جملة الطيرة. اهـ وهذا محمول على أصل استعمال الطيرة، وقال النووي: الفأل يستعمل فيما يسوء، وفيما يسر، وأكثره في السرور، والطيرة لا تكون إلا في الشؤم، وقد تستعمل مجازاً في السرور. اهـ قال الحافظ ابن حجر: كأن ذلك بحسب الواقع، وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء، والفأل بما يسر، ومن شرطه أن لا يقصد إليه، فيصير من الطيرة. وظاهر قوله في الرواية العاشرة وخيرها الفأل يوحي بأن في الطيرة خيراً، لأن أفعل التفضيل تفيد أن الأمرين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر في هذه الصفة، مع أن التشاؤم لا خير فيه، ووجهه العلماء بتوجيهين: الأول: أنه من قبيل إرخاء العنان للخصم، بأن يجري الكلام على زعم الخصم، حتى لا يشمئز عن التفكر فيه، فإذا تفكر فأنصف من نفسه قبل الحق، فقوله خيرها الفأل إطماع للسامع في الاستماع والقبول، لا أن في الطيرة خيراً حقيقة. التوجيه الثاني: أن أفعل التفضيل ليس على بابه، بل المراد به مجرد إثبات وصف الخيرية لأحد المتشاركين في وجه ما، فالطيرة والفأل مشتركان في التأثير، أي تأثير كل منها فيما هو فيه، والخبرية في الفأل وحده، كذا قيل في قوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً} [الفرقان: 24] وقولهم: العسل أحلى من الخل. وفي الرواية الواحدة والعشرين كنا نتطير؟ قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم ومعناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة، ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا. وسيأتي قريباً الكلام في شؤم الفرس والمرأة والمسكن. (ولا نوء) بفتح النون وسكون الواو كذا في الرواية السادسة، أي لا تقولوا: مطرنا بنوء كذا، ولا تعتقدوه، قال النووي: قال ابن الصلاح: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم، ينوء نواء، أي سقط وغاب، وقيل: أي نهض وطلع، وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجماً، معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين، يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب، مع طلوع الفجر، ويطلع آخر، يقابله في المشرق، عن ساعته، وكان أهل الجاهلية، إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما، يقولون: مطرنا بنوء كذا، فقيل لهم: لا نوء أي لا أثر لنجم في نزول المطر، وإنما المطر من الله تعالى. (ولا غلول) بضم الغين، كذا في الرواية السابعة والثامنة والتاسعة، وفي آخرها قال أبو الزبير: هذه الغول التي تغول أي تتغول، قال النووي: قال جمهور العلماء: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات، وهي من جنس الشياطين، تتراءى للناس، وتتغول تغولاً، أي تتلون تلوناًً، وتتشكل تشكلاً، فتضلهم عن الطريق، فتهلكهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال آخرون: ليس المراد من الحديث نفي وجود الغيلان، وإنما معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها، قالوا: ومعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضل أحداً، ويشهد له حديث آخر لا غول ولكن السعالى قال العلماء: السعالى بالسين المفتوحة والعين، هم سحرة الجن، أي ولكن في الجن سحرة، لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث الآخر إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان أي ارفعوا شرها بذكر الله تعالى قال: وهذا دليل على أنه ليس المراد نفي أصل وجودها. اهـ والتحقيق أنه لا وجود للغول، وأن شأنها شأن الهامة، من معتقدات الجاهلية الفاسدة، والحديثان اللذان ذكرهما النووي لا يثبتان، وعلى فرض صحتهما، فالأول ينفي الغول، ويفسر العلماء السعالى بسحرة الجن، فلا حجة فيه على وجود للغول، وأما الثاني -وقد أخرجه أحمد- فمعناه -إذا توهمتم تشكل الغيلان، فنادوا بالأذان، وانشغلوا بذكر الله يذهب خوفكم ووهمكم. زاد النسائي ولا تولة بكسر التاء وضمها وفتح الواو واللام، وهي ما كان يزعمه العرب فيما يشبه السحر مما يحبب المرأة إلى زوجها، ومن ذلك ما يعلق في صدر الجارية والغلام للحفظ من العين والحسد، وما تحمله المرأة من الخرزة ونحوها لتجلب محبة زوجها. قال الطيبي: دخلت لا التي لنفي الجنس، على المذكورات، فنفت ذواتها، وهي -في الكثير منها- غير منفية، فيتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها، فالمنفي ما زعمت الجاهلية إثباته، مما يخالف الشرع، ونفي الذوات لإرادة نفي الصفات كثير وهو أبلغ، لأنه من باب الكناية. (ما بال الإبل) أي ما شأن الإبل؟ (تكون في الرمل كأنها الظباء) جمع ظبي، شبهها بها في النشاط والقوة وجمال الجلد، وسلامته من الداء. (فيجيء البعير الأجرب؟ فيدخل فيها؟ فيجربها؟) بضم الياء وسكون الجيم وكسر الراء. قال الحافظ ابن حجر: وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من أن المريض إذا دخل في الأصحاء أمرضهم، فنفى الشارع ذلك، وأبطله، فلما أورد الأعرابي الشبهة رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال: فمن أعدى الأول)؟ أي إذا كان البعير الأجرب الذي دخل في الإبل هو الذي أجربها، بطبع الجرب، فمن أين جاء الجرب الذي أعدى الأول؟ فإن قيل: من بعير آخر أجرب، قلنا: فمن أعدى الأسبق؟ فإن تكرر إلى ما لا نهاية لزم التسلسل، وهو باطل، وإن وصلنا إلى بعير أصابه الجرب بدون عدوى، ووصلنا إلى أن الله تعالى هو الذي أجربه. قلنا الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني، فالذي فعل الجرب بالجميع هو ذلك الخالق القادر على كل شيء. (لا يورد ممرض على مصح) الممرض بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء هو الذي له إبل مرضى، والمصح بضم الميم وكسر الصاد، من له إبل صحاح، ومفعول يورد محذوف، أي لا يورد صاحب الإبل المراض، إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح، ولفظ لا يورد خبر بمعنى النهي، بدليل رواية البخاري لا يوردن ممرض على مصح بلفظ النهي المؤكد بنون التوكيد الثقيلة. (قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: كذا هو في جميع النسخ كلتيهما بالتاء والياء، مجموعتين، والضمير عائد إلى الكلمتين أو القصتين أو المسألتين، ونحو ذلك. اهـ أي كان الظاهر أن يقول كليهما ليعود الضمير على الحديثين، حديث لا عدوى وحديث لا يورد ممرض على مصح. (ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى وأقام على ألا يورد ممرض على مصح) أي سكت أبو هريرة عن التحديث بحديث لا عدوى فلم يعد يرويه، وبقي يروي الحديث الثاني، قال الحارث لأبي هريرة: قد كنت أسمعك تحدثنا مع هذا الحديث حديثاً آخر، قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى؟ (فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك) أي أبى أن يعترف أنه حدث بذلك الحديث لا عدوى وفي رواية البخاري وأنكر أبو هريرة حديث الأول أي أنكر أنه رواه، أو حدث به. (فماراه الحارث في ذلك) من المماراة، أي ناقشه وجادله في أنه حدث به، وفي بعض النسخ فما رآه الحارث في ذلك بالهمزة، أي فما رآه مصيباً في ذلك الإنكار، فأخذ يؤكد له أنه حدث به. (حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية) يقال: رطن بالأعجمي بفتح الطاء، يرطن بضمها، رطانة، أي تكلم بلغته، ورطن فلان تكلم بالأعجمية، أو تكلم بكلام لا يفهمه السامع. (فقال للحارث) أي بعد أن رطن وهدأ من غضبه. (أتدري ماذا قلت) في رطانتي؟ (قلت: أبيت) أي أرفض الاعتراف به، وامتنع عن الإقرار بحصوله. (فلا أدري أنسي أبو هريرة) أنه حدث بحديث لا عدوى؟ (أو نسخ أحد القولين الآخر)؟ معناه أو نسخ الحديث الذي أقام على التحديث به الحديث الذي سكت عنه؟ وهذا الشك والترديد الذي ردده أبو سلمة، قد قطعه في رواية البخاري، حيث قال فيها فما رأيته نسي حديثاً غيره وفي رواية فما رأيناه نسي حديثاً غيره قال النووي: ولا يؤثر نسيان أبي هريرة لحديث لا عدوى لوجهين: أحدهما أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه لا يقدح في صحته عند جماهير العلماء، بل يجب العمل به، والثاني أن هذا اللفظ ثابت من رواية غير أبي هريرة، فقد ذكر مسلم هذا من رواية السائب بن يزيد -روايتنا الثالثة- وجابر بن عبد الله -روايتنا السابعة والثامنة والتاسعة -وأنس بن مالك -روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة -وعبد الله بن عمر -روايتنا السادسة عشرة- عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ قال ابن التين: لعل أبا هريرة كان يسمع هذا الحديث، قبل أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم من بسط رداءه ثم ضمه إليه لم ينس شيئاً سمعه من مقالتي وقد قيل في الحديث المذكور: إن المراد أنه لا ينسى تلك المقالة، التي قالها ذلك اليوم، لا أنه ينتفي عنه النسيان أصلاً. اهـ وقيل: إن ما فعله أبو هريرة من سكوته عن الحديث الأول لم يكن من نسيان، بل كان الحديث الثاني ناسخاً للأول، فسكت عن المنسوخ، قال الحافظ ابن حجر: دعوى النسخ مردودة، لأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، ولا سيما مع إمكان الجمع. ويحتمل أيضاً أنهما لما كانا خبرين متغايرين، عن حكمين مختلفين، لا ملازمة بينهما، جاز عنده أن يحدث بأحدهما، ويسكت عن الآخر، حسبما تدعو إليه الحاجة، قاله القرطبي في المفهم، قال: ويحتمل أن يكون خاف اعتقاد جاهل، يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما، وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعاً. (قيل: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة، يسمعها أحدكم) في الرواية الحادية عشرة ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة. الكلمة الطيبة وفي الرواية الثالثة عشرة والرابعة عشرة وأحب الفأل الصالح. قال النووي: الفأل مهموز، ويجوز ترك همزه، وجمعه فؤول، كفلس، وفلوس، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة، يقال: تفاءلت بكذا، بالألف والتخفيف، وتفألت بكذا بالتشديد، وهو الأصل، قال العلماء: وإنما أحب الفأل، لأن الإنسان إذا أمل فائدة الله تعالى وفضله عند أي سبب، قوي أو ضعيف، فهو على خير في الحال، وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى، فإن ذلك شر له، والطيرة فيها سوء ظن، وتوقع بلاء، قال: ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض، فيتفاءل بما يسمعه، فيسمع من يقول: يا سالم، أو يكون له طلب حاجة، فيسمع من يقول: يا واجد، فيقع في قلبه رجاء البرء، أو الوجدان. اهـ وقال ابن بطال: جعل الله من فطر الناس محبة الكلمة الطيبة، والأنس بها، كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق، والماء الصافي، وإن كان لا يملكه، ولا يشربه، وقد أخرج الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع: يا نجيح. يا راشد. وقال الحليمي: وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى، بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال. (الشؤم في الدار والمرأة والفرس) المراد من الدار المسكن، ولو حجرة، أو خيمة، أو عشة، والمراد من المرأة الزوجة، والمراد من الفرس المركب ووسيلة الانتقال، ولو سيارة، أو باخرة، أو طائرة، أو قطار. وفي الرواية الثامنة عشرة ففي الفرس والمسكن والمرأة وفي الرواية المتممة للعشرين ففي الربع بفتح الراء وسكون الباء الموضع الذي ينزل فيه، والدار وما حولها والخادم والفرس. وفي الرواية السادسة عشرة إنما الشؤم في ثلاثة أي كائن في ثلاثة، والحصر فيها بالنسبة إلى العادة، لا بالنسبة إلى الحقيقة والخلقة، فالناس يتشاءمون عادة في غيرها كذلك، وإنما خصت هذه الثلاثة بالذكر لطول ملازمتها، قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون بكثير من الأمور، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. اهـ فابن قتيبة يعني أن هذه الأشياء أكثر ما يتطير به الناس، وأنها بقيت في عاداتهم، بعد أن تخلوا عن كثير غيرها، فكأن الحديث يقول: الشؤم والتشاؤم الباقي المستقر عند بعض الناس في المرأة والدار والفرس، فهو إخبار عن واقع، وليس معنى ذلك إقراره والسماح به، يؤيد هذا الوجه ما رواه الطيالسي في مسنده قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة؟ فقالت: لم يحفظ، إنه دخل، وهو يقول: قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله وما رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم من أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا، إن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الطيرة في الفرس والمرأة والدار فغضبت غضباً شديداً، وقالت: ما قاله، وإنما قال: إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك. فمعنى الرواية السادسة عشرة على هذا التوجيه: إنما الشؤم الباقي بقدر كبير في نفوس الناس وعاداتهم، في ثلاثة...والمعنى عليه في الرواية السابعة عشرة، والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والمتممة للعشرين: إن يكن الشؤم في شيء ثابتاً وباقياً في عادات الناس ونفوسهم ففي الفرس..إلخ، فالحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، وليس إخباراً من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، ولا إقراراً منه له. وهاجم ابن العربي بشدة هذا التوجيه، فقال: هذا جواب ساقط، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. اهـ والتحقيق أن هذه المهاجمة العنيفة لا مبرر لها، فقد يخبر صلى الله عليه وسلم بواقع يريد تغييره، ولو أن ابن العربي ضم إلى هذا التوجيه لا طيرة كما في الرواية السادسة عشرة ما صح هجومه، يشير إلى هذا التحقيق المهلب إذ يقول: إن المخاطب بقوله الشؤم في ثلاثة من التزم التطير، ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كان كذلك فاتركوها عنكم، ولا تعذبوا أنفسكم بها، ويدل على ذلك تصدير الحديث بنفي الطيرة، واستدل لذلك بما أخرجه ابن حبان عن أنس، رفعه لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن تكن في شيء ففي المرأة... الحديث. ويدافع الحافظ ابن حجر عن أبي هريرة في هذا فيقول: ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة، مع موافقة آخرين من الصحابة له في ذلك، فالحديث مروي عن ابن عمر، في روايتنا الخامسة عشرة، وما بعدها، وعن سهل بن سعد في روايتنا التاسعة عشرة، وعن جابر في روايتنا المتممة للعشرين. التوجيه الثاني للحديث: أن الحديث على ظاهره، ويثبت الشؤم في هذه الثلاثة -والشؤم كما نعلم هو توقع أو الخوف من حصول مكروه في المستقبل، نتيجة لرؤية شيء أو سماع شيء، أو نحو ذلك -وهذه الثلاثة تورث ذلك، والحديث يرخص ويبيح أن يقع في النفس هذا الخوف وهذا التوقع، في هذه الثلاثة، دون غيرها، مع اعتقاد أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وأن المدبر لأمور المستقبل هو الله تعالى، ويبيح لمن وقع في نفسه ذلك من شيء من الثلاثة أن يتركه، ويستبدل به غيره، وذلك إذا كان أحد هذه الثلاثة كثير الشر والأذى في واقعه وحاله، فيتوقع منه ويخاف منه في المستقبل مثل ذلك، ويتشاءم من رؤيته، أو من وجوده في حوزته، قالوا: فشؤم المرأة في سلاطة لسانها، أو عقمها، أو تعرضها للريب، أو حنانها إلى أجنبي غير بعلها، وشؤم الدار ضيقها، وفساد هوائها بضيق فتحاتها، أو قذارة ما حولها، وسوء جوارها، قيل: وبعدها عن المساجد، وقربها من الموبقات، وشؤم الفرس عدم استعمالها في سبيل الله، وحرانها، وغلاء ثمنها، وفي السيارة مثلاً كثرة اختلالها وعطلها ونفقاتها وأخطارها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه، وضعف أمانته، وشؤم السيف، الذي جاء في رواية عند ابن إسحق، كثرة أو تأكد ضرره وتخويفه. وقد أسند هذا التوجيه إلى مالك، فقد روى أبو داود في الطب عن مالك أنه سئل عنه؟ فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فمالك يحمل الحديث على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق وقوع ما يكره، عند سكنى الدار، فتصير في ذلك كالسبب، فتسومح في إضافة الشيء إلى الدار اتساعاً، وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها، صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. اهـ فالمازري وابن العربي يحاولان ربط ما يحدث من مكاره حين التشاؤم بأنه بقدر الله تعالى، وأن ارتباطه بالتشاؤم سبب عادي قد يتخلف، كغير التشاؤم من الأسباب، لذلك نجد الحافظ ابن حجر يقول: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك نظير الأمر بالفرار من المجذوم، مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة، وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له، أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة، فيقع في اعتقاده ما نهي عن اعتقاده -أي اعتقاد أن هذه الأمور مؤثرة بذاتها وطبيعتها -فأشير إلى اجتناب مثل ذلك، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة التطير والتشاؤم. اهـ ويؤيد هذا التوجيه ما أخرجه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار، كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى، فقل فيها ذلك؟ فقال: ذروها. ذميمة. قال ابن العربي: وإنما أمرهم بالخروج منها، لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقاً لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها، لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء، فيستمر اعتقادهم، ووصفها بأنها ذميمة وذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه، وإن كان ليس منه شرعاً، كما يذم العاصي على معصيته، وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى. اهـ وقال ابن بطال: معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير -أي اعتقاد أن الدار تضر وتنفع بذاتها- فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره، فليفارقه. التوجيه الثالث للحديث اعتماد رواية التقييد بالشرط، روايتنا السابعة عشرة إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار وروايتنا الثامنة عشرة إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة والتاسعة عشرة إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن والمتممة للعشرين إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس ويكون من قبيل التعليق على المستحيل، فيكون جواب الشرط مستحيلاًً، كقوله {فإن استقر مكانه فسوف تراني} [الأعراف: 143]، أي لكنه لن يستقر مكانه، فلن تراني. والمعنى هنا: إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والدار، لكن الشؤم ليس في شيء، عملاً بحديث لا طيرة فهو ليس في المرأة ولا الفرس ولا الدار، ويكون هذا النفي تصحيحاً لما كانوا يعتقدون، وتحمل الروايات المطلقة كالخامسة عشرة والسادسة عشرة على المقيدة. التوجيه الرابع: أن المراد بالشؤم هنا النكد والشقاء والمتاعب والتعاسة، وهذه الثلاثة أو الخمسة على بعض الروايات -أكبر مصادر الشقاء في حياة الإنسان، لملازمتها له أكثر من غيرها، وهذا يختص في كل نوع ببعضه، لا بجميعه، فمصدر شقاء بعض الناس زوجته، ومصدر شقاء بعض الناس مسكنه، ومصدر شقاء بعض الناس مركبه وسيارته. التوجيه الخامس كالرابع: إلا أن في الكلام اكتفاء بذكر أحد الطرفين وإرادة الطرفين معاً، كقوله تعالى {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي والبرد، فحذف البرد اكتفاء بذكر الحر، والمراد الحر والبرد، وهنا المراد: مصدر الشقاء والسعادة المرأة والدار والفرس، فهو كحديث سعد بن أبي وقاص، رفعه من سعادة المرء المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء، ومن شقاوة المرء المرأة السوء، والمسكن السوء والمركب السوء أخرجه أحمد. (تكميل) قال الحافظ ابن حجر: اتقفت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة (المرأة والدار والفرس) وعند عبد الرزاق قالت أم سلمة: والسيف اهـ والظاهر أن الحافظ ابن حجر: -رحمه الله- يتنبه إلى روايتنا المتممة للعشرين، وفيها الخادم. (أموراً كنا نصنعها في الجاهلية) أموراً بالنصب على الاشتغال، أي بفعل محذوف وجوباً، وليس مفعولاً للفعل المذكور، لانشغاله عن العمل فيه بالعمل في ضميره، والتقدير: كنا نصنع أموراً، كنا نصنعها في الجاهلية، والمراد بالجاهلية ما قبل الإسلام. (كنا نأتي الكهان) الجملة بيان للجملة السابقة، كأنها في جواب سؤال نشأ عن الأولى، كأن سائلاً سأل: ما هي؟. قال النووي: قال القاضي عياض: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب: أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن، يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل، حيث بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن يخبر الجن وليه، بما يطرأ -مما هو موجود- أو يكون في أقطار الأرض، ويخبره بما خفي عنه، مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده. اهـ أقول: بل يبعد وجوده، بل يستحيل، وإلا ما حفظ سر لإنسان، أو للدولة، أو أسئلة الامتحانات، مثلاً، ويكفي لإبطاله أن الجن لم يعرفوا موت سليمان، وهو ميت واقف، يقول تعالى {ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14]. ثم قال القاضي: ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين، وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك، ولا بعد في وجوده، لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم، والسماع منهم عام. الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه، لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات، يدعي معرفته بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك، كالطرق والنجوم، وأسباب معتادة. وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع، ونهي عن تصديقهم، وإتيانهم. اهـ والكهانة بفتح الكاف، ويجوز كسرها، ادعاء علم الغيب، والكاهن يطلق على العراف، والذي يضرب الحصى، والمنجم، وقد كثرت الكهانة في العرب، لعدم الرسل. (فلا تأتوا الكهان) لأنهم يتكلمون في مغيبات، فقد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك. (وكنا نتطير؟ قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم) معناه أن التطير شيء يقع في أنفسكم، ولا عتب عليكم في ذلك، فإنه غير مكتسب لكم، فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدرون عليه، وهو مكتسب لكم، فيقع به التكليف. (ومنا رجال يخطون) أي يخطون في الرمل، ويخبرون ببعض الغيب. (كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك) خطه بالرفع على الفاعلية والمفعول محذوف، أي من وافق خطه خط النبي، وبالنصب على المفعول، أي من وافق هو في خطه خط النبي. واختلف العلماء في معنى هذه القضية، قال النووي: والصحيح أن المعنى: من وافق خطه خط النبي صلى الله عليه وسلم فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح، والمقصود أنه حرام، لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يقل: هو حرام، بغير تعليق على الموافقة، لئلا يتوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذلك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي، مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذاك النبي لا مانع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها. وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط، إذ كان علماً لنبوة ذاك النبي، وقد انقطعت النبوة، فنهينا عن تعاطي ذلك. وقال القاضي عياض: المختار أن معناه أن من وافق خطه خط النبي، فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله (أي ليس معنى فذاك فذاك الخط يباح، وإنما معناه فمن وافق خطه خط النبي، فصدق قوله -والكثير لا يصدق- فذاك الذي يصدقونه) قال: ويحتمل أن هذا النسخ في شرعنا. قال النووي: فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن. (قالت: إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقاً) في الرواية الثالثة والعشرين قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بشيء أي ليس قولهم بشيء يعتمد عليه، والعرب تقول لمن عمل شيئاً غير محكم: ما عمل شيئاً قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحياناً الشيء يكون حقاً؟ حمل الحافظ ابن حجر هذه الرواية على أنها تشير إلى الرواية الواحدة والعشرين، فقال: وقد سمي من سأل عن ذلك معاوية بن الحكم السلمي، وقد أورد السؤال إشكالاً على عموم قوله ليسوا بشيء لأنه فهم منه أنهم لا يصدقون أصلاً، فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق، وأنه إذا اتفق أن يصدق، لم يكن صدقه خالصاً، بل مشوياً بالكذب. اهـ ولعل السؤال والجواب تكررا، ولا يقال: كيف وعائشة نفسها هي التي روت سؤال السائلين والجواب؟ فكيف تسأل نفس السؤال؟ لتسمع نفس الجواب؟ إذ يحتمل أنها سألت أولاً، وأجيبت، وجاء معاوية بن الحكم السلمي ومن معه، فسألوا، وعائشة تسمع، فأجيبوا، فروت سؤالهم والجواب. (تلك الكلمة الحق يخطفها الجني، فيقذفها في أذن وليه، ويزيد فيها مائة كذبة) بفتح الكاف وكسرها، والذال ساكنة فيهما، قال القاضي: وأنكر بعضهم الكسر، إلا إذا أراد الحالة والهيئة، وفي الرواية الثالثة والعشرين أكثر من مائة كذبة مما يدل على أن ذكر المائة للمبالغة، لا لتعيين العدد، وفي هذه الرواية تلك الكلمة الحق وفي الرواية الثالثة والعشرين تلك الكلمة من الحن وقال عنها النووي: في جميع نسخ بلادنا تلك الكلمة من الجن بالجيم والنون، أي الكلمة المسموعة من الجن، أو التي تصح مما نقلته الجن، وذكر القاضي في المشارق أنه روي هكذا، وروي أيضاً من الحق بالحاء والقاف. اهـ وقوله يخطفها الجني كذا للأكثر، وفي رواية يخطفها من الجني أي يخطفها الكاهن من الجني، أو الجني الذي يلقي إلى الكاهن يخطفها من جني آخر فوقه، ويخطفها بفتح الطاء، وقد تكسر، والخطف الأخذ بسرعة، وفي رواية يحفظها بالفاء بعدها ظاء، والأول هو المعروف. وقوله فيقذفها في أذن وليه أي يلقيها في أذن الكاهن، ويزيد الجني عليها مائة كذبة، أو ويزيد الكاهن عليها مائة كذبة، وفي الرواية الثالثة والعشرين فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة قال النووي: فيقرها بفتح الياء وضم القاف وتشديد الراء وقر الدجاجة بفتح القاف، والدجاجة بفتح الدال الدجاجة المعروفة، قال أهل اللغة والغريب: القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب، حتى يفهمه، يقول: قررته فيه أقره قراً، وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته، فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة، قال الخطابي وغيره: معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن، فتسمعها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها صواحبها، فتتجاوب، قال: وفيه وجه آخر، وهي أن تكون الرواية كقر الدجاجة بالزاي، تدل عليه رواية البخاري فيقرها في أذنه، كما تقر القارورة قال: فذكر القارورة في هذه الرواية يدل على ثبوت الرواية بالزجاجة، قال القاضي: أما مسلم فلم تختلف الرواية فيه أنه الدجاجة بالدال، لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة، قال القاضي: معناه: يكون لما يلقيه إلى وليه حسن كحسن القارورة عند تحريكها مع اليد أو على حجر. وقد بينت الرواية الرابعة والعشرون كيفية الخطف والقذف، فقالت: ربنا -تبارك وتعالى اسمه-إذا قضى أمراً أي إذا أمر ملائكته بأمر سبح حملة العرش ونزهوه خضوعاً وقبولاً وطاعة ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم أي ثم أهل السماء الذين يلونهم وهكذا حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ أي يسأل الذين يلون حملة العرش حملة العرش شفاها عما أمر الله فيخبرونهم ماذا قال، فيستخبر بعض أهل السموات بعضاً، حتى يبلغ الخبر أهل هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع أي المسموع، لأنهم كانوا يسترقون السمع، ويقعدون في السماء الدنيا مقاعد للسمع فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به أي إلى أوليائهم الكهان في الأرض فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه، ويزيدون قال النووي: هذه اللفظة يقرفون فيه ضبطوها على وجهين، أحدهما بالراء، والثاني بالذال، ومعناها يخلطون فيه الكذب، وفي رواية يرقون بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف، وصوبها بعضهم بفتح الياء، وإسكان الراء وفتح القاف، ومعناه يزيدون، يقال: رقي فلان إلى الباطل، بكسر القاف، أي رفعه، وأصله من الصعود، أي يدعون فيها فوق ما سمعوا. اهـ وفي ملحق الرواية زيادة الآية الكريمة {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق} [سبأ: 23] والآية في نظم القرآن في الشفاعة، وسؤال من المشفوع لهم، وجواب من الشفعاء، وصدرها قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} وكأنه جيء بها هنا استشهاداً على ما نحن بصدده، ومعناها على هذا: إذا تكلم الله بالوحي، في أي أمر من الأمور سمع حملة العرش، وملائكة كل سماء صوت العظمة والكبرياء، فيأخذهم انقباض وخوف، ويقعون مسبحين مصعوقين، كأنهم مغشي عليهم، فيفيق من له الأمر -جبريل أو ميكائيل أو عزرائيل أو غيرهم، فيتلقى أمر الله في كونه، ويفزغ عن قلوب حملة العرش ومن يليهم، أي يزول الفزع عن قلوبهم، فيسأل حملة العرش الموحى إليه عما أوحي إليه: ماذا قال ربكم؟ ويجيب الموحى إليهم: قال ربنا القول الحق -قال كذا وكذا مما سيقع حسب حكمته، ويسأل من يلي حملة العرش من الملائكة حملة العرش السؤال نفسه، فيجيبون الجواب نفسه، وهكذا حتى يصل السؤال والجواب بين الملائكة ملائكة السماء الدنيا، وحولهم جن يسترقون السمع. قال الألوسي: قال الطيبي: روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء، ضربت الملائكة أجنحتها خضعاناً لقوله تعالى، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال: الحق، وهو العلي الكبير وعند أبي داود عن ابن مسعود قال: إذا تكلم الله تعالى بالوحي، سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك، حتى يأتيهم جبريل، فإذا أتاهم فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق. الحق. (من أتى عرافاً) عند أبي يعلى بسند جيد من أتى عرافاً أو ساحرا أو كاهناً والعراف بفتح العين وتشديد الراء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول، فيدعي مثلاً علمه بالسارق ومكان المسروق، ويدعي معرفة الريبة، وأطرافها فيمن وقعت بها ريبة ونحو ذلك. (فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) وعند أصحاب السنن وصححه الحاكم من أتى كاهناً أو عرافاً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد وعند الطبراني من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له، لم تقبل صلاته أربعين يوماً. واعتمد العلماء غير رواية الطبراني لصحتها وكثرتها، فالعبرة بتصديقه، لا بمجرد إتيانه، فقد يأتيه لمصلحة أخرى غير الكهانة، ولا بمجرد سؤاله عن شيء، فقد يسأله عن شيء ليكشف كذبه ودجله، وقد جاء الوعيد تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين، إن كان الآتي معتقداً بأنه يصدق مرة ويكذب أخرى، فأتاه فصدقه تصديقاً غير جازم ناسبه الوعيد بعدم قبول الصلاة، وإن أتاه معتقداً علمه بالغيب علماً لا يخطئ، فصدقه تصديقاً جازماً، ناسبه الوعيد بالكفر. والله أعلم. (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم) الجذام بضم الجيم وتخفيف الذال، قال الحافظ ابن حجر: هو علة رديئة، تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فتفسد مزاج الأعضاء، وربما أفسد في آخره إيصالها، حتى يتآكل، قال ابن سيده: سمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها. (إنا قد بايعناك فارجع) أي فلا تأتنا للبيعة، وابق مكانك، وارجع عن عزمك الحضور إلينا، فلا ضرورة لوضع يدك في يدي. فقه الحديث المسألة الرئيسية في هذا الباب العدوى، وتأثيرها، والجمع بين نفيها في قوله لا عدوى وبين ما يفيد إثباتها، في روايتنا الرابعة والخامسة والسادسة والعشرين ورواية البخاري لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم، كما تفر من الأسد وعند ابن خزيمة لا عدوى، إذا رأيت المجذوم ففر منه، كما تفر من الأسد وأخرج ابن ماجه لا تديموا النظر إلى المجذومين وأخرج أبو نعيم كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمحين وأخرج الطبري أن عمر قال لمعيقيب: اجلس مني قيد رمح وقد سلك العلماء في هذه المسألة مسالك مختلفة نجملها فيما يلي:

    1- ذهب فريق منهم إلى الأخذ بحديث لا عدوى وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك، وردها، فأعلوا حديث البخاري وفر من المجذوم فرارك من الأسد بالشذوذ، واستدلوا بأن عائشة أنكرت ذلك، فأخرج الطبري عنها أن امرأة سألتها عنه؟ فقالت: ما قال ذلك، ولكنه قال: لا عدوى، وقال: فمن أعدى الأول؟ قالت: وكان لي مولى به هذا الداء (الجذام) فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحي، وينام على فراشي وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم، فوضعها في القصعة وقال: كل ثقة بالله وتوكلا عليه. وبأن أبا هريرة تردد في هذا الحكم روايتنا الرابعة، فقوله لا يورد ممرض على مصح لا يؤخذ به، ويؤخذ الحكم من رواية غيره، وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفي العدوى كثيرة شهيرة، بخلاف أخبار المجذوم السابقة، فقد أخرج أحدها ابن ماجه، بسند ضعيف، وأخرج الثاني أبو نعيم بسند واه، وأخرج الثالث الطبري بسند منقطع، وأما حديث مسلم، روايتنا السادسة والعشرون، فليس صريحاً في أن ذلك بسبب الجذام. قال الحافظ ابن حجر: والجواب عن ذلك أن طريق الترجيح، لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، وهو ممكن.

    2- وذهب الفريق الثاني إلى مثل ما ذهب إليه الفريق الأول، لكنه قال: إن الأمر باجتناب المجذوم منسوخ، وممن قال بذلك عيسى بن دينار من المالكية، وجماعة من السلف. ويرد هذا بأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، ولا بد فيه من معرفة المتأخر، وبأنه لا يصار إليه مع إمكان الجمع، وهو ممكن.

    3- وذهب الفريق الثالث إلى عكس الفريقين السابقين، فردوا حديث لا عدوى بأن أبا هريرة رجع عنه، في روايتنا الرابعة، إما لشكه فيه، وإما لثبوت عكسه عنده، قالوا: والأخبار الدالة على الاجتناب أكثر مخارج، وأكثر طرقاً، فالمصير إليها أولى، فهناك عدوى ويجب الفرار منها، قالوا: وأما حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة..إلخ ففيه نظر، وقد أخرجه الترمذي وبين الاختلاف فيه على راويه، ورجح وقفه على عمر، وعلى تقدير ثبوته فليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم أكل معه، وإنما فيه أنه وضع يده في القصعة، وعلى فرض أنه أكل معه، فيحتمل أن جذام هذا المجذوم كان يسيراً، لا يعدي مثله في العادة، إذ ليس الجذمي كلهم سواء، ولا يحصل العدوى من جميعهم، ويحتمل أن هذا المجذوم كان جذامه قد توقف عن أن يعدي بقية جسمه، فلا يعدي غيره. ويقول الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض، وإيجادها إياها، فالبعير الأجرب يؤثر في السليم، وينقل الجرب إليه، ويوجد الجرب في السليم، وسموا المؤثر طبيعة. ويقول المعتزلة: إن الله خلق الأسباب والمسببات، وربطها ببعضها، فالأسباب توجد المسببات، وتؤثر فيها بذاتها، بل يعبرون عن هذا التأثير بالخلق، فيقولون: إن البعير الأجرب خلق الجرب واخترعه في البعير الصحيح. ويقول أهل السنة المثبتون للعدوى: إن الله تعالى شاءت حكمته أن يخلق مرضاً في البعير السليم مشبهاً مرض المريض عند مخالطة الأجرب للصحيح، من غير تأثير لهذه المخالطة، فالفاعل المؤثر في الكون كله هو الله تعالى وحده. واستند الطبائعيون والمعتزلة إلى المشاهدة الحسية، ونسبوا من أنكر ذلك إلى إنكار البديهة. ويرد أهل السنة على هاتين الطائفتين، بأنهما التبس عليهما إدراك الحس بإدراك العقل، فإن المشاهد إنما هو تأثر شيء عند شيء آخر، وهذا حظ الحس، فأما تأثيره فيه، فهو حظ العقل؛ فالحس أدرك وجود شيء عند وجود شيء، وارتفاعه عند ارتفاعه، أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل، ولو كان التأثير لطبيعة المخالطة لم يتخلف عند وجودها، لكن كثيراً ما تقع المخالطة ولا يقع التأثير، ولا ينتقل المرض من الأجرب للسليم.
    4- وذهب الفريق الرابع إلى تصحيح الحديثين معاً، والأخذ بهما، والجمع بينهما، فقالوا: إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله لا عدوى أي إلا من الجذام والبرص والجرب مثلاً، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئاً إلا ما بينت أن فيه العدوى حكاه ابن بطال، وذكره القاضي أبو بكر الباقلاني.
    5- وذهب الفريق الخامس إلى ما ذهب إليه الفريق الرابع، من تصحيح الحديثين معاً، والأخذ بهما، والجمع بينهما، لكنهم قالوا في الجمع: العمل بنفي العدوى أصلاً ورأساً، والأمر بالمجانبة، وعدم ورود الممرض على المصح، والفرار من المجذوم إنما هو حماية للصحيح، وليس من العدوى، وإنما أمر به حسماً للمادة، وسداً للذريعة، لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك، بتقدير الله وإرادته صرفاً، فيظن أنه بسبب المخالطة، فيثبت العدوى التي نفاها الشارع، وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد، وتبعه جماعة، فقال أبو عبيد: ليس في قوله لا يورد ممرض على مصح إثبات العدوى، بل لأن الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى، ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوى، فيفتتن، ويتشكك في ذلك، فأمر بالاجتناب، وأطنب ابن خزيمة في هذا في كتاب التوكل، وعرض أحاديث نفي العدوى، وأحاديث الاجتناب، ثم قال: إنما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم، ونهاهم أن يورد الممرض على المصح، شفقة عليهم، وخشية أن يصيب بعض من يخالطه المجذوم الجذام، وأن يصيب الصحيح من الماشية الجرب، فسبق إلى نفس المسلم أن ذلك من العدوى، فيثبت العدوى التي نفاها صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بتجنب ذلك، شفقة منه ورحمة، ليسلموا من التصديق بإثبات العدوى، وبين لهم أنه لا يعدي شيء شيئاً، قال: ويؤيد هذا أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم، ثقة بالله، وتوكلاً عليه وقال الطبري: الصواب عندنا القول بما صح به الخبر، وأن لا عدوى، وأنه لا يصيب نفساً إلا ما كتب عليها، وأما دنو عليل من صحيح فغير موجب لانتقال العلة من المريض إلى الصحيح، إلا أنه لا ينبغي لذي صحة، الدنو من صاحب العاهة، التي يكرهها الناس، لا لتحريم ذلك، بل لخشية أن يظن الصحيح -إذا نزل به ذلك الداء- أنه من جهة دنوه من العليل، فيقع فيما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم من العدوى، قال: وليس في أمره صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم معارضة لأكله معه، لأنه كان يأمر بالأمر على سبيل الإرشاد أحياناً، وعلى سبيل الإباحة أخرى، وإن كان أكثر الأوامر على الإلزام، وإنما كان يفعل ما نهي عنه أحياناً لبيان أن ذلك ليس حراماً. وقد سلك الطحاوي في معاني الآثار مسلك ابن خزيمة، فيما ذكره، فأورد حديث لا يورد ممرض على مصح ثم قال: معناه أن المصح قد يصيبه ذلك المرض، فيقول: لولا أن خالطني المريض ما مرضت، والواقع أنه لو لم يورد عليه الممرض، لأصابه، لكون الله تعالى قدره، فنهي عن إيراده لهذه العلة التي لا يؤمن غالباً من وقوعها في قلب المرء.
    6- وذهب الفريق السادس إلى ما ذهب إليه الفريق الخامس، من تصحيح الحديثين معاً، والأخذ بهما، والجمع بينهما، ونفي العدوى أصلاً ورأساً، أما الأمر بمجانبة المريض، والفرار من المجذوم، والنهي عن إيراد الممرض على المصح، فليس خوفاً من العدوى، وإنما هو حماية للمصح من التقزر والتأذي من المريض ورائحته وقبح منظره، قال القرطبي في المفهم: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيراد الممرض على المصح، وأمر بالفرار من المجذوم، مخافة تشويش النفوس، وتأثير الأوهام، وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي، لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته، حتى لو أكره إنسان نفسه على القرب منه، وعلى مجالسته، لتأذت نفسه بذلك، حينئذ فالأولى للمؤمن أن لا يتعرض إلى ما يحتاج فيه إلى مجاهدة، فيتجنب طرق الأوهام، ويبتعد عن أسباب الآلام، مع أنه يعتقد أنه لا ينجي حذر من قدر. اهـ وقال البيهقي: الجذام والبرص ونحوهما داء مانع للجماع، لا تكاد نفس أحد تطيب بمجامعة من هو به، ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به. اهـ وقال ابن قتيبة: المجذوم تشتد رائحته، حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته.
    7- وذهب الفريق السابع إلى ما ذهب إليه الفريق السادس، لكنه قال: إن الأمر بالفرار من المجذوم، والنهي عن إيراد الممرض على المصح ليس خوفاً من العدوى، وإنما هو حماية للممرض من أن يتأذى بالمصح، فتزداد حسرته ويتعظم مصيبته، حينما يرى النعمة المفقودة عنده موجودة عند غيره، بل إن كثيراً من المرضى يكرهون أن يرى الأصحاء مرضهم، فيتضايقون إذا رأوهم وتزيد حسرتهم على أمراضهم. وهذا المسلك بعيد، لأنه لو كان مراداً لأمر الأصحاء بعدم القدوم على المرضى حفاظاً على مشاعر المرضى، ولأمر المرضى بالفرار من الأصحاء والبعد عنهم، حماية لأنفسهم.
    8- وذهب الفريق الثامن إلى حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين، فالمخاطب بقوله لا عدوى من قوي يقينه، وعظم توكله، بحيث لا يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد، لكن القوي اليقين لا يتأثر به، فيجزم يقينه الداخلي بأنه لا عدوى، ولا قيمة للأسباب. فالله وحده الفعال لما يريد، أما المخاطب بقوله وفر من المجذوم فهو من ضعف يقينه، ولم يتمكن من تمام التوكل، فهناك مقامان: شديدو التوكل قيل لهم: لا عدوى، وضعافه قيل لهم: فروا. فكأنه قال: أيها المتوكلون ازدادوا توكلاً، فلا عدوى، ويا أيها الضعاف فروا، لئلا تزدادوا ضعفاً في التوكل، فتعتقدوا في العدوى. قال ابن أبي جمرة: ويمكن الجمع بين فعله (بالأكل مع المجذوم) وقوله فر من المجذوم بأن القول هو المشروع من أجل ضعف المخاطبين، وفعله حقيقة الإيمان، فمن فر من المجذوم أصاب السنة، وآثر الحكمة، ومن أكل مع المجذوم وخالطه كان أقوى يقيناً، لأن الأشياء كلها، لا تأثير لها، إلا بمقتضى إرادة الله تعالى وتقديره، كما قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) [البقرة: 102] فمن كان قوي اليقين فله أن يتابعه صلى الله عليه وسلم في فعله، ولا يضره شيء، ومن وجد في نفسه ضعفاً، فليتبع أمره بالفرار، لئلا يدخل بفعله في إلقاء نفسه إلى التهلكة. والحاصل أن الأمور التي يتوقع فيها الضرر -وقد أباحت الحكمة الربانية الحذر منها- لا ينبغي للضعفاء أن يقربوها، وأما أصحاب الصدق واليقين فهم في ذلك بالخيار. اهـ وللصوفية قصص في لقاء الأسود، ومعاشرة السباع، يؤكدون بها هذا المعنى.
    9- المذهب التاسع -وهو ما نميل إليه- أن الجاهلية كانوا يعتقدون أن الأمراض تعدي بطبعها، من غير أن يسندوا شيئاً منها إلى الله تعالى، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك بقوله لا عدوى أي لا عدوى تؤثر بذاتها بل تأثيرها بإرادة الله تعالى، ولا شيء يعدي بطبعه، وأكل من المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو من المجذوم، ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله تعالى هو الذي إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها، فأثرت. والله أعلم. ملحوظة: هذه المسألة لها علاقة وثيقة بأحاديث الباب الذي قبل هذا الباب، فلتراجع. ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

    1- قال العلماء: الجامع لهذه المسائل ارتباطها بالضرر، توقعه، وحصوله، وعدم حصوله، فما لا يقع به الضرر أصلاً، ولا يطرد بصفة عامة، ولا خاصة، مثل له بالطيرة وإتيان الكهان، ودعا الشارع إلى عدم الالتفات إليه؛ وما يقع عنده الضرر، لكنه نادر كالعدوى والوباء فلا يقدم عليه، وما يقع منه الضرر، لكنه خاص، وهو متاعب المرأة والفرس والدار، وهذا يباح الفرار منه.

    2- ومن الرواية الأولى نفي العدوى، وقد فصلنا القول فيه في المباحث العربية.

    3- جواز مناقشة الطالب أستاذه إذا وقعت له شبهة.
    4- قال القرطبي: في جواب النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده، بذكر البرهان العقلي، إذا كان السائل أهلاً لفهمه، وأما من كان قاصراً فيخاطب بما يحتمله عقله من الإقناعات.
    5- ومن تشبيه الإبل بالظباء، وقوع تشبيه الشيء بالشيء، إذا جمعهما وصف خاص، ولو تبايناً في الصورة.
    6- وفيه نفي ما كانت الجاهلية تعتقده في صفر سواء في حية البطن، أو في نقل شهر مكان شهر آخر، كما سبق في المباحث العربية.
    7- وفيه نفي ما كانت الجاهلية تعتقده في الهامة.
    8- وفي الرواية الرابعة، في تفسير أبي هريرة للحارث، ما رطن به بالحبشية، شدة ورع أبي هريرة، لأنه مع كون الحارث أغضبه، خشي أن يظن الحارث أنه قال فيه شيئاً يكرهه ففسر له في الحال ما قال.
    9- ومن الرواية السادسة نفي تأثير النجوم في المطر. 10- ومن الرواية السابعة والثامنة والتاسعة نفي ما كانت الجاهلية تعتقده في وجود الغيلان. 1

    1- ومن الرواية العاشرة والروايات الأربع بعدها جواز التفاؤل واستحبابه. 1

    2- ونفي الطيرة والتشاؤم وكراهيتها، وقد أخرج الطبري عن عكرمة، قال: كنت عند ابن عباس، فمر طائر، فصاح، فقال رجل: خير. خير، فقال ابن عباس: ما عند هذا لا خير ولا شر. وفي الحديث من تكهن، أو رده عن سفر تطير فليس منا وعند ابن حبان لا طيرة، والطيرة على من تطير وعند ابن عدي إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا وعند الطبراني لن ينال الدرجات العلا من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر تطيراً وعند أبي داود والترمذي وصححه هو وابن حبان عن ابن مسعود رفعه الطيرة شرك (قال ابن مسعود:) وما منا إلا تطير -ولكن الله يذهبه بالتوكل وعند عبد الرزاق ثلاثة لا يسلم منهن أحد، الطيرة والظن والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا نبغ، وإذا ظننت فلا تحقق قال العلماء: إذا اعتقد أن الذي يشاهده من حال الطير أو غيره موجباً ما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله تعالى، كان ذلك شركاً، أو قريباً من الشرك، فأما إن علم أن الله هو المدبر، ولكنه أشفق من الشر، لأن التجارب قضت بأن صوتاً من أصواتها معلوماً، أو حالاً من أحوالها معلومة، يعقبها مكروه، فإن وطن نفسه على ذلك أساء، وإن سأل الله الخير، واستعاذ من الشر، ومضى متوكلاً لم يضره ما وجده في نفسه من ذلك، وإلا فيؤخذ به، وربما وقع به ذلك المكروه بعينه، الذي اعتقده، عقوبة له، كما كان يقع كثيراً لأهل الجاهلية. وعلى المسلم، إذا دخل نفسه شيء من التطير أن يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. 1

    3- ومن الرواية الواحدة والعشرين النهي عن إتيان الكهان. 1
    4- والنهي عن التكهن، قال القرطبي: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام، ويرجعون إلى أقوالهم، وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية، لكن بقي في الوجود من يتشبه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم، فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم. 1
    5- ومن الرواية الثانية والعشرين كيف يتلقى الملائكة الوحي والأمر. 1
    6- وكيف يحدث بعضهم بعضاً. 1
    7- وكيف كان الجن يسترقون السمع. 1
    8- وكيف كان الكهنة يعلمون شيئاً من الغيب. 1
    9- عدم قبول صلاة من أتى العراف، قال النووي: وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة، ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة، مجزئة، مسقطة للقضاء، ولكن لا ثواب فيها، كذا قال جمهور أصحابنا، قالوا: فصلاة الفرض وغيرها من الواجبات، إذا أتى بها على وجهها الكامل، ترتب عليها شيئان، سقوط الفرض عنه، وحصول الثواب، فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول، دون الثاني. قال: ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث، فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلوات أربعين ليلة، فوجب تأويله. 20- وتفريعاً على الرواية السادسة والعشرين قال القاضي عياض: قال بعض العلماء: في هذا الحديث وما في معناه دليل على أنه يثبت للمرأة الخيار، في فسخ النكاح، إذا وجدت زوجها مجذوماً، أو حدث به جذام، قال: قالوا ويمنع من المسجد، والاختلاط بالناس، قال: وكذلك اختلفوا فيما إذا كثر المجذومون، هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعاً منفرداً، خارجاً عن الناس؟ أم لا يلزمهم التنحي؟ وهل يمنعون من التصرف في منافعهم؟ الأكثرون على أنهم لا يمنعون، قال: ولم يختلفوا في القليل منهم أنهم لا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس، ويمنعون من غيرها، قال: ولو استضر أهل قرية -فيها جذمى- بمخالطتهم الماء، فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر أمروا به، وإلا استنبط لهم الآخرون، أو أقاموا من يستقي لهم، وإلا فلا يمنعون. والله أعلم

    لا توجد بيانات