• 2255
  • دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي ؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً ، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً "

    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي ؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً ، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ لِسَعِيدٍ أَوْ لِمَرْوَانَ قَالَ : فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِي الدَّارِ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً

    لا توجد بيانات
    وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي ؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً
    حديث رقم: 5632 في صحيح البخاري كتاب اللباس باب نقض الصور
    حديث رقم: 7160 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96]،
    حديث رقم: 7007 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 7353 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 8892 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 8897 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 9634 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 10604 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 5955 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَصْلٌ
    حديث رقم: 24692 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ فِي الْمُصَوِّرِينَ وَمَا جَاءَ فِيهِمْ
    حديث رقم: 13634 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصَّدَاقِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ
    حديث رقم: 4589 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الْكَرَاهَةِ بَابُ الصُّوَرِ تَكُونُ فِي الثِّيَابِ
    حديث رقم: 5952 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 5967 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ

    [2111] وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة أما قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُقَالُ لَهُمْ أحيواما خَلَقْتُمْ) فَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْأُصُولِيُّونَ أَمْرَ تَعْجِيزٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ وأما قوله فى رواية بن عَبَّاسٍ يَجْعَلُ لَهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَجْعَلُ وَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أُضْمِرَ لِلْعِلْمِ به قال القاضي فى رواية بن عباس يحتمل أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي صَوَّرَهَا هِيَ تُعَذِّبُهُ بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهَا رُوحٌ وَتَكُونُ الْبَاءُ فِي بِكُلِّ بِمَعْنَى فِي قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ صُورَةٍ وَمَكَانِهَا شَخْصٌ يُعَذِّبُهُ وَتَكُونُ الْبَاءُ بِمَعْنَى لَامِ السَّبَبِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ وانه غليظ التحريم وأماالشجر ونحوه ممالا روح فيه فلا تحرم صنعته ولاالتكسب بِهِ وَسَوَاءٌ الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ العلماء كافة الامجاهدا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ أَيِ اجْعَلُوهُ حَيَوَانًا ذَا رُوحٍ كَمَا ضَاهَيْتُمْ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يخلق خلقا كخلقى ويؤيده حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ ان كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر وما لانفس له وأما رواية أشد عَذَابًا فَقِيلَ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ وَهُوَ صَانِعُ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا كَافِرٌ وَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَقِيلَ هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْعِبَادَةَ وَلَا الْمُضَاهَاةَ فَهُوَ فَاسِقٌ صاحب ذنب كبير ولايكفر كَسَائِرِ الْمَعَاصِي

    [2111] ذرة بِفَتْح الذَّال وَتَشْديد الرَّاء أَي نملة

    عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة في دار مروان، فرأى فيها تصاوير. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال: الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة.
    المعنى العام:
    جاء الإسلام والأصنام تعبد، إشراكاً لله، يقولون: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] ولم يكن العرب في جاهليتهم وقبيل الإسلام هم الذين اخترعوا الأصنام وعبدوها، فقوم نوح -عليه السلام- كانوا يصنعونها، ويعبدونها، ولما دعاهم نوح -عليه السلام- إلى تركها، وعبادة الله وحده عصوه، وقال بعضهم لبعض {لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن وداً} [نوح: 23]، وكان تمثالاً على صورة رجل {ولا سواعاً} وكان صنماً على صورة امرأة {ولا يغوث} وكان صنماً على صورة أسد {ويعوق} وكان صنماً على صورة فرس {ونسراً} وكان صنماً على صورة نسر، ويقال: إن هذه الأسماء كانت أسماء لخمسة من أبناء آدم، كانوا يحبونهم كثيراً، فلما مات أولهم حزنوا عليه حزناً شديداً، فجاءهم الشيطان، فوسوس لهم أن يصوروا مثله في قبلتهم، إذا نظروا إليه في صلاتهم ذكروه، ففعلوا، حتى مات خمستهم، فصوروا صورهم في مسجدهم، ثم وسوس لهم فصنعوا صوراً أخرى لناديهم، ثم وسوس لهم فجعل كل منهم صوراً له في بيته، بل كان يحملها معه إلى عمله أو في سفره، وكانت التماثيل من نحاس أو رصاص أو صلصال، حتى وصل ببعض العرب أن صنع إلهه من عجوة فلما جاع أكله. بدأ الاهتمام بالصور والتماثيل كتذكار لعابد صالح، يعتزون به، ويقدسونه لصلاحه، ويتذكونه ليقتفوا أثره، فلما ماتت أجيالهم، ودرس العلم بحقيقتهم، عبدتهم الأجيال اللاحقة، ومن بعد نوح ظلت الأصنام تعبد، فهذا هود -عليه السلام- يقول لقومه عاد: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون} [هود: 50] ويجيبه قومه {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي ءالهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين} [هود: 53] وهذا صالح -عليه السلام- يقول لقومه ثمود {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه} [هود: 61] من عبادة الأصنام {إن ربي قريب مجيب* قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} [هود: 61، 62] وهذا إبراهيم -عليه السلام- يقول لقومه {ماذا تعبدون* أئفكاً ءالهة دون الله تريدون* فما ظنكم برب العالمين} [الصافات: 8
    5- 87]
    . وقال لأبيه وقومه {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون* قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين* قال لقد كنتم أنتم وءاباؤكم في ضلال مبين* قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين* قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين* وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين} [الأنبياء: 5

    2- 57]
    . {فتولوا عنه مدبرين* فراغ إلى ءالهتهم} [الصافات: 90، 91] وقد وضع القوم موائد الطعام بين أيديهم، تقرباً إليهم {فقال ألا تأكلون* ما لكم لا تنطقون* فراغ عليهم ضرباً باليمين} [الصافات: 9

    1-93]
    . وانتقلت الأصنام وعبادتها إلى العرب، واتخذوا تماثيل سموها بأسماء أصنام قوم نوح، فكان ود لكلب بدومة الجندل، وكان سواع لهذيل، وكان يغوث لمراد، وبني غطيف عند سبأ، وكان يعوق لهمدان، وكان نسر لحمير، بالإضافة إلى أصنام أخرى كثيرة سموها بأسماء، ونصبوها في الكعبة وحولها حتى حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد قطع هذه الفتنة الشيطانية من جذورها، فكانت هذه الأحاديث بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من مهنة التصوير، وبالوعيد الشديد للمصورين إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله. الذين يضاهون بخلق الله. إن أصحاب هذه الصور يعذبون. يقال لهم يوم القيامة: أحيوا ما خلقتم إن كنتم تستطيعون، ولن تستطيعوا، يكلفون أن ينفخوا الروح في مثل ما صوروا، وليسوا بنافخين، سيصور لهم بكل صورة صوروها تمثال من نار، يعذبون به في جهنم، إنهم في الدنيا ضلوا، وأضلوا كثيراً، إنهم ألبسوا على الناس المخلوق والخالق، فجعلوهم يشركون بالله ما لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر، لقد أوهموا الناس بالباطل، فهم حقيقة لا يستطيعون في دنياهم أن يخلقوا من الجمادات ذرة رمل، فضلاً عن أن يخلقوا حبة قمح أو حبة شعير. هكذا بدأت الشريعة الإسلامية حربها للأصنام، ولما يعبد من دون الله، فقد كانت البداية التصوير، وإذا منعت البداية منع ما يترتب عليها من أخطار، لكن المصورين -مسلمين أو غير مسلمين- قد لا يمتنعون عن التصوير، فهو مهنة وسبيل كسب للعيش، فكان أن حذر المسلمون من استعمال الصورة واقتنائها، فقال صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة أو كلب وفهم المسلمون الهدف، واستقر عندهم عدم الإشراك بالله شيئاً، لكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة إلى الصور في حياتهم، إنهم يلبسون الملابس المستوردة من الفرس والروم، وهي لا تخلو من الرسوم والصور، فرخص لهم باستعمالها فيما يمتهن، حيث يؤمن على الجاهل تعظيم ما يمتهن وعبادته، ثم أذن لهم باستعمال ما كان رقماً في ثوب، ورسماً صغيراً في مساحة كبيرة، ثم رخص لهم في المصور بالشجر والجمادات، وبقي المنع في تماثيل الإنسان والحيوان، اللهم إلا تماثيل اللعب للبنات الصغيرات. وكل ذلك لحماية الإنسانية من العودة لتقديس التماثيل وعبادة الأصنام. ولا يتوهم متوهم أن الإنسانية قد ارتقت، وبلغت من النضوج العقلي والعلمي ما يستحيل معه أن تعبد الأحجار والماديات، لا يتوهم متوهم هذا، فإن الإنسانية تمر بأطوار التخلف بعد التقدم، والجهل بعد العلم وتلك حقيقة أرادها الله للإنسان، والوقاية خير من العلاج، وسد الذرائع خير من حسن القصد والنية، والله الهادي سواء السبيل. المباحث العربية (واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام) رسول مفعول مقدم، وجبريل فاعل، وواعد بمعنى وعد، فليس المقصود مفاعلة من الجانبين، وفي الرواية الثانية أن جبريل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الثالثة إن جبريل كان قد وعدني أن يلقاني والموعود به في الرواية الأولى والثانية إتيانه، وفي الثالثة لقاؤه، وفي رواية البخاري محذوف، لفظها وعد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فراث عليه أي أبطأ عليه. وفي الرواية الأولى فجاءت تلك الساعة، ولم يأته وفي الرواية الثالثة فلم يلقني أي في الموعد الذي حدده. (وفي يده عصا، فألقاها من يده، وقال: ما يخلف الله وعده، ولا رسله) ولا رسله بالرفع، عطفاً على لفظ الجلالة، أي ما يخلف الله وعده، ولا يخلف رسله وعدهم، والمقصود من الرسل هنا جبريل وأمثاله من الملائكة. وإلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم العصا من يده، مظهر من مظاهر الضيق، والظاهر أن الوعد كان ساعة في ليلة، فلما مضى الليل أصبح حزيناً مهموماً، فأمسك بعصا، جعل يضرب أو يخطط بها على رمال الأرض من همه وانشغال فكره، ثم ألقى العصا ضيقاً، كان ذلك صبيحة الليلة الموعودة، وظل يومه دون لقاء، حتى الليل، ففي الرواية الثالثة أصبح يوماً واجماً أي منقبضاً فقالت ميمونة: يا رسول الله، لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم أي منذ صباح اليوم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة أي الماضية فلم يلقني، أم والله ما أخلفني وعده من قبل ذلك، وأم بفتح الهمزة والميم، أصلها أما بفتح الميم مخففة، حرف استفتاح، بمنزلة ألا وتكثر قبل القسم، وقد تبدل همزتها هاء، أو عيناً قبل القسم، وكلاهما مع ثبوت الألف، وحذفها، أو تحذف الألف مع ترك الإبدال، كما هنا. (ثم التفت، فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: يا عائشة، متى دخل هذا الكلب ههنا؟ فقالت: والله ما دريت به، ولا بدخوله، ولا أدري متى دخل؟ فأمر به، فأخرج) أي فأمر بإخراجه، فأخرج، وكان علمه بالكلب وإخراجه آخر النهار، ففي الرواية الثالثة فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك الحال ثم وقع في نفسه عن طريق سماع حركة أو صوت جرو كلب، تحت فسطاط لنا، فأمر به، فأخرج، ثم أخذ بيده ماء، فنضح مكانه، فما أمسى لقيه جبريل قال النووي: الجرو بكسر الجيم وضمها وفتحها، ثلاث لغات مشهورات، وهو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع، والجمع أجر وجراء، وجمع الجراء أجرية. اهـ وإضافة جرو كلب من إضافة الصفة إلى الموصوف، كأنه قال: صغير كلب، وأما الفسطاط ففيه ست لغات: فسطاط بطاءين مع ضم الفاء وكسرها، وفستاط بتاء وطاء، مع ضم الفاء وكسرها، وفساط بضم الفاء وتشديد السين، وكسر الفاء مع تشديد السين، والفسطاط قريب من الخباء، وأصله عمود الأخبية، التي يقام عليه الخباء، والمراد منه هنا بعض متاع البيت، وهو السرير، كما في حديث عائشة، وكان السرير في بيت عائشة، فقول ميمونة لنا أي معشر نساء النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد لإحدانا. (واعدتني، فجلست لك، فلم تأت) أي فجلست لك أنتظرك حسب الموعد، فلم تأت في الموعد، والكلام على الاستفهام، أي فلماذا لم تأت في الموعد؟ وفي رواية البخاري فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه، فشكا إليه ما وجد أي ما شق عليه من إبطائه، وفي الرواية الثالثة فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة أي فلماذا لم تلقني؟. (منعني الكلب الذي كان في بيتك) أي منعني من الدخول إليك للقائك، ولا يقال: كان يمكن أن يناديه من الخارج، ولا يسمع غيره صوته، أو كان يمكن أن يظهر له، فيخرج له، أو كان يمكن أن يلقاه في المسجد، أو في طريقه إليه، عند كل صلاة، إن لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض شئونه في هذا اليوم وليلته، لا يقال شيء من أمثال هذه الإمكانات، فهي إرادة الله وحكمته، لا يعلمها إلا هو، وربما كان هذا التأخير لإيلامه صلى الله عليه وسلم، ليحرص على إبعاد الكلاب عن بيوته المطهرة، والتعبير بالكلب بدل الجرو للإشارة إلى أنه لا يستهان به ككلب صغير، فهو والكبير سواء في النجاسة. (إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) المراد من البيت المكان الذي يستقر فيه الشخص، سواء كان بناء أم خيمة أم غير ذلك، والضمير في إنا يحتمل أنه للمتكلم المعظم نفسه، وهو بعيد جداً، ويحتمل أن يراد به جبريل وأمثاله من رسل الملائكة، ويحتمل أن يراد به ملائكة الرحمة. فـال في الملائكة في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والثامنة والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين، للعهد الذهني، ويحتمل عموم الملائكة، بما في ذلك الحفظة، الكاتبون فقد يكتبون ما يجري وهم خارجون، كما قيل عنهم عند التواجد في الخلاء، ويحتمل التخصيص في صفة الدخول، أي لا ندخل دخول انشراح وسرور، وإن دخلنا البيت الذي فيه الكلب بغير هذه الصفة، احتمالات، يأتي الكلام عنها في فقه الحديث، أما العموم في كلب فقيل: هو على عمومه، لأنه نكرة في سياق النفي، فيشمل كلاب الصيد والماشية والزرع وغيرها، وقيل: خصص، واستثنى منه الكلاب التي أذن في تربيتها، ذهب الخطابي وطائفة إلى الثاني، وجنح القرطبي والنووي وغيرهم إلى ترجيح العموم، واستدلوا بأن الجرو أحيط به عدم العلم، وهو عذر، وامتنع جبريل من الدخول مع ظهور العذر فيه، فإذا كان العذر لم يسمح لهم بالدخول، فكذلك الإذن في اتخاذه لا يسمح لهم بالدخول، وتعقب بأنه لا يلزم من التسوية بين ما علم به، وما لم يعلم به، التسوية بين ما أذن باتخاذه، وما لم يؤمر باتخاذه. وفائدة إعادة حرف النفي في ولا صورة الاحتراز من توهم قصر عدم الدخول على اجتماع الصنفين، فلا يمتنع الدخول مع وجود أحدهما، فلما أعيد حرف النفي صار التقدير: ولا ندخل بيتاً فيه صورة، وهل العموم في صورة باق؟ أو خصص؟ قولان، كما قيل في كلب وفي الرواية الثالثة والعشرين لا تدخل الملائكة بيتاً، فيه تماثيل أو تصاوير والجمع فيه ليس للاحتراز، فمعظم الروايات بالإفراد، والتماثيل جمع تمثال، قال الحافظ ابن حجر: وهو الشيء المصور، أعم من أن يكون شاخصاً، أو يكون نقشاً، دهاناً، أو نسجاً في ثوب. اهـ فعطف التصاوير على التماثيل تفسيري. (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير) الصغير والكبير صفة للحائط، والمراد به البستان، والمراد من الغاية أن الأمر بقتل الكلاب وصل إلى كلاب الزرع، واستثنى البستان الكبير لأن الحاجة تدعو إلى حفظ جوانبه، ولا يتمكن الحارس من المحافظة عليه وحده، بخلاف الصغير. (ثم اشتكى زيد بعد) أي مرض زيد بن خالد الجهني. (إلا رقماً في ثوب) أي إلا أن يكون علامة في ثوب، وقد مر في باب لبس الحرير. (ومع بسر عبيد الله الخولاني) أي معه حين سمعا الحديث من زيد بن خالد، فإن عبيد الله لم يدرك أبا طلحة. قاله ابن عبد البر. (ولكن سأحدثكم ما رأيته فعل) أي ما رأيته وسمعته صلى الله عليه وسلم فعل وقال في هذا الموضوع. (رأيته خرج في غزاته) في رواية البيهقي أنها غزوة تبوك، وفي رواية لأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك. (فأخذت نمطاً فسترته على الباب) النمط بفتح النون والميم واحد الأنماط، قال النووي: بساط لطيف، له خمل، وقد يجعل ستراً، كما هنا. اهـ أي جعله ستارة على باب حجرتها، وهذه الحادثة هي عينها المقصودة في الرواية العاشرة بلفظ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت على بابي درنوكاً، فيه الخيل، ذوات الأجنحة أي فيه صور خيل ذوات أجنحة، والدرنوك بضم الدال وسكون الراء، بعدها نون مضمومة، ثم كاف، ويقال له: درموك بالميم بدل النون، وهو ثوب غليظ له خمل، إذا فرش فهو بساط، وإذا علق فهو ستر. وهي عينها المقصودة في الرواية الحادية عشرة، بلفظ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دخل بيتي قادماً من سفر وأنا متسترة بقرام قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ متسترة بتاءين، بينهما سين، وفي بعضها مستترة بتاءين بعد السين، أي متخذة ستارة من قرام، بكسر القاف، وتخفيف الراء، وهو ستر، فيه رقم ونقش، فيه صورة أي صورة خيل ذوات أجنحة. وهي عينها المقصودة في الرواية الثانية عشرة، بلفظ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سترت سهوة لي بقرام، فيه تماثيل والسهوة بفتح السين وسكون الهاء، قيل: هي الصفة -أي ما يشبه المصطبة في جانب البيت، وقيل: هي الكوة كالنافذة، وقيل: الرف، وقيل: أربع أعواد أو ثلاثة، يعارض بعضها ببعض، يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقيل: هي أن يبني من حائط البيت حائط صغير، كحجرة داخل حجرة، ويجعل السقف على الجميع، فما كان وسط البيت فهو السهوة، وما كان داخله فهو المخدع، وقيل: هي دخلة في ناحية البيت، وقيل: بيت صغير، يشبه المخدع. وهي عينها المقصودة في الرواية الرابعة عشرة، بلفظ دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي، وقد سترت نمطاً أي نشرته، وجعلته ساتراً فيه تصاوير. وهي عينها المقصودة في الرواية الخامسة عشرة، بلفظ عن عائشة أنها نصبت ستراً، فيه تصاوير... وكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم، من عمل عائشة هذا: (أ) أن أظهر الكراهية، ففي الرواية الثامنة عرفت الكراهية في وجهه وفي الرواية الحادية عشرة فتلون وجهه وفي الرواية الثانية عشرة وتلون وجهه. (ب) أن شد الستر بقوة، فشقه، ونحاه من مكانه، ففي الرواية الثامنة فجذبه حتى هتكه أي قطعه، وفي الرواية الحادية عشرة ثم تناول الستر، فهتكه وفي ملحقها ثم أهوى إلى القرام فهتكه بيده وفي الرواية الثانية عشرة فلما رآه هتكه وفي الرواية الرابعة عشرة فنحاه وفي الرواية الخامسة عشرة فنزعه ولعله أمر عائشة -رضي الله عنها- أن تكمل نزعه وتنحيته، ففي الرواية العاشرة فأمرني فنزعته. (جـ) أن قال: يا عائشة، أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله كذا في الرواية الثانية عشرة إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين كذا في الرواية الثامنة. إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله كذا في الرواية الحادية عشرة. (د) كان مآل الستر أن قطع إلى وسادتين، حشتهما عائشة ليفاً، ولم يعب ذلك عليها، صلى الله عليه وسلم، صريح الرواية الثامنة، والثانية عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة، وكان صلى الله عليه وسلم يرتفق على الوسادتين المذكورتين، وفيهما الصور، أي يتكئ عليها على مرفق يده. أما الرواية التاسعة فالظاهر أنها عن قصة أخرى، سابقة على تلك القصة، فصورتها تمثال طائر، وليس خيلاً، وكان الداخل يستقبلها إذا دخل، وكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمر بتحويلها عن مكانها، وعلل هذا الأمر بأنها تذكره بزهرة الدنيا وفتنتها، لا بمنع الصور، وتهديد المصورين، قال النووي: هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة، فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل، ويراه، ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة. اهـ وهذه القصة عينها هي المقصودة بالرواية الثالثة عشرة، وإن عبر فيها بثوب بدل الستر، فالثوب وإن غلب على ما يلبس، لكنه يطلق على اللفة الكاملة من القماش، مختلفة المقدار، فيتخذ ستراً، وعبر فيها بقوله فيه تصاوير بدل فيه تمثال طائر وبينت مكانه، فقالت ممدود إلى سهوة وزادت توضيح مآله، وأنها جعلته وسائد، فالقصة واحدة، ولا تعارض بين ألفاظها. وأما الرواية السادسة عشرة فالظاهر أنها في قصة ثالثة، كانت الصورة فيها في نمرقة، لا في ستر، والنمرقة بفتح النون وسكون الميم وضم الراء، كذا ضبطها القزاز وغيره، وضبطها ابن السكيت بضم النون أيضاً، وبكسرها وكسر الراء، وقيل في النون الحركات الثلاث والراء مضمومة جزماً، والجمع نمارق وهي الوسائد التي يصف بعضها إلى بعض، وقيل النمرقة الوسادة التي يجلس عليها، وقيل: هي المرفقة، ولعل عائشة رضي الله عنها بعد أن حولت الستر إلى وسادتين، أو مرفقتين، ولم يعب الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك عليها، اشترت النمرقة، ليقعد عليها صلى الله عليه وسلم، أو يتوسدها، أو يرتفقها، تكريماً له، وحباً في راحته، فكان ما كان، ولعل الله أراد لبيت النبوة التدرج في هذا، بأن ينحي الستر المصور عن الصدارة، ثم لا تتخذ الأستار المصورة مطلقاً، في الصدارة أو في غيرها، مع الترخيص باتخاذ الصور فيما يمتهن، كالوسائد والنمارق، ثم منع ما فيه صورة مطلقاً، في موضع تكريم أو موضع امتهان. (يريد القاسم بن محمد) أحد فقهاء المدينة، قال الحافظ ابن حجر: وكان من أفضل أهل زمانه. (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) أي اجعلوه حيواناً ذا روح، كما ضاهيتم، وهو أمر تعجيز، والقصد منه إظهار العجز، مبالغة في التوبيخ، وبيان قبح فعله. وفي الرواية الواحدة والعشرين من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس نافخ وفي رواية فإن الله يعذبه، حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً فهذا من قبيل قوله تعالى {حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] وكذا قولهم: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب. (إن من أشد أهل النار يوم القيامة عذاباً المصورون) كذا وقع في الملحق الثاني للرواية الثامنة عشرة، وأصل الرواية لا إشكال فيه، فاسم إن أشد الناس بالنصب، والمصورون خبر إن وملحقها الأول لا إشكال فيه، حيث لم يذكر إن ولكن الإشكال في الملحق الثاني، إذ كان حقه أن يكون المصورين اسم إن ومن أشد خبرها، قال الحافظ ابن حجر: واختلفت نسخ مسلم، ففي بعضها المصورين وهي للأكثر -ولا إشكال فيها- وفي بعضها المصورون، ووجهت بأن من زائدة، واسم إن أشد ووجهها ابن مالك على حذف ضمير الشأن، والتقدير: إن الحال والشأن من أشد أهل النار يوم القيامة عذاباً المصورون. (كنت مع مسروق، في بيت فيه تماثيل مريم) في رواية البخاري كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير، فرأى في صفته تماثيل ويسار مدني، سكن الكوفة، وكان مولى عمر وخازنه. (فقال مسروق: هذا تماثيل كسرى، فقلت: لا. هذا تماثيل مريم) -إشارة المذكر هنا على تقدير هذا الذي تراه تماثيل كسرى، ونقلها الحافظ ابن حجر بلفظ فقال لي مسروق هذه تماثيل كسرى فقلت لا هذه تماثيل مريم. قال: كأن مسروقاً ظن أن التصوير كان من مجوسي، وكانوا يصورون صور ملوكهم، فظهر أن التصوير كان من نصراني، لأنهم يصورون صورة مريم والمسيح وغيرهما، ويعبدونها. (فقال له: ادن مني...) كان ابن عباس قد كف بصره، فأراد أن يستوثق من إسماع الرجل بطلب دنوه منه، فلما لم يحس بقربه منه طلب زيادة الدنو، حتى التصق به، وحتى وضع ابن عباس يده على رأس الرجل. (يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جهنم) قال النووي: يجعل بفتح الياء، من جعل، والفاعل هو الله تعالى، أضمر للعلم به، قال القاضي: تحتمل أن معناها أن الصورة التي صورها هي تعذبه، بعد أن يجعل فيها الروح، وتكون الباء في بكل بمعنى في قال: ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة، ومكانها، شخص يعذبه، وتكون الباء بمعنى لام السبب. (ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟) الاستفهام إنكاري، بمعنى النفي، أي لا أحد أظلم...وذهب بمعنى قصد، والتشبيه في كخلقي في فعل الصورة وحدها، لا من كل الوجوه، فإن الذي خلقه سبحانه وتعالى واخترعه ليس صورة في حائط، بل هو خلق تام. (فليخلقوا ذرة) بفتح الذال وتشديد الراء، والمراد إيجاد الذرة -أي النملة- حقيقة، لا تصويرها. (أو ليخلقوا حبة) المراد من الحبة هنا حبة القمح، بقرينة ذكر الشعيرة بعدها، أو الحبة أعم من حبة القمح، والغرض تعجيزهم، تارة بتكليفهم خلق حيوان ذرة وهو أشد، وأخرى بتكليفهم خلق جماد، وهو أهون، ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك. (دخلت أنا وأبو هريرة داراً تبنى بالمدينة، لسعيد أو لمروان) بالشك، وفي الرواية الثانية والعشرين في دار مروان بدون شك، وهي أولى، وسعيد هو ابن العاص بن سعيد الأموي، وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية. (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس) الرفقة بضم الراء وكسرها، والجرس بفتح الراء معروف، وهكذا ضبطه الجمهور، ونقل القاضي أن هذه رواية الأكثرين، قال: وضبطناه عن أبي بحر بإسكانها، وهو اسم للصوت، فأصل الجرس بإسكان الراء الصوت الخفي. فقه الحديث تتعلق هذه الأحاديث بأربع نقاط أساسية:

    1- حكم اتخاذ الصور بأنواعها في البيوت وغيرها.

    2- الملائكة ودخولهم البيوت، وعدم دخولهم، واستصحابهم الرفقة، وعدم استصحابهم.

    3- حكم صنعة التصوير، والعذاب المتوعد به.
    4- ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام.

    1- أما حكم اتخاذ الصور فنعرض أنواعها، ثم نتكلم عن المذاهب في حكمها. فمن أنواعها: أ- صور لها ظل، وهي التماثيل ذات الأجرام التي تقوم بنفسها والتي تصنع من صلصال أو نحاس أو زجاج أو ذهب أو فضة أو بلاستك أو شمع أو حجر أو خشب أو ورق، أو أي مادة من المواد، وهي لإنسان أو حيوان بمعنى أنها تجسيد لما يشبه الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة. ب- صور كالسابقة، إلا أنها ليست لحيوان، فيه الحياة المعروفة، بل هي لشجر أو بيت أو هودج أو ورد أو صحراء أو جبال أو أنهار أو شمس أو قمر أو نحو ذلك. ج- صور لا ظل لها، صنعت على حائط أو على ثوب أو على خشب أو على لوحات، وهي لإنسان أو حيوان، مرسومة باليد، أو مصورة بالآلة فوتوغرافيا. د- صور لا ظل لها، كالسابقة، إلا أنها ليست لحيوان، بل لأمثال المذكور في النوع (ب). وعلى كل من النوعين الأخيرين إما أن تشغل وتملأ المساحة كلها، وإما أن تكون صغيرة تغطي جزءاً قليلاً من المساحة، يعبر عنها برقم في ثوب، أي علامة صغيرة في مساحة كبيرة. وعلى كل من النوعين الأخيرين أيضاً إما أن توضع في مكان محترم، كأن تعلق على حائط أو مكتب أو سقف أو مرتفع، أو في ثوب، وإما أن توضع في مكان ممتهن، كبساط يداس، أو مخدة، أو مرفقة يتكأ عليها، ونحو ذلك. وفي حكم هذه الصور بأنواعها يعرض النووي مذهب الشافعية، فيقول: اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقاً على حائط، أو كان في ثوب ملبوس أو عمامة، ونحو ذلك مما لا يعد ممتهناً، فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة، ونحوها مما يمتهن، فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ فيه كلام، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل، وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم. وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل، قال: وهذا مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه، لا يشك أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل، مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة، قال: وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه، سواء كانت رقماً في ثوب، أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط، ممتهن، أو غير ممتهن، عملاً بظاهر الأحاديث، لاسيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم [روايتنا السادسة عشرة] قال النووي: وهذا مذهب قوي، ثم قال: وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب، سواء امتهن أم لا، وسواء علق في حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظل، أو كان مصوراً في الحيطان وشبهها، سواء كان رقماً أو غير رقم، واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب إلا ما كان رقماً في ثوب [روايتنا السادسة والسابعة] قال: وهذا مذهب القاسم بن محمد. قال: وأجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره، قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات، والرخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث. هذا ما قاله النووي. وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: فيما نقله النووي مؤاخذات. منها أن ابن العربي من المالكية نقل أن الصورة إذا كان لها ظل حرم بالإجماع سواء كانت مما يمتهن أو لا، وحكى القرطبي في المفهم في الصور التي لا تتخذ للإبقاء -كالفخار- قولين: أظهرهما المنع. قال الحافظ ابن حجر: وهل يلتحق بالفخار ما يصنع من الحلوى؟ محل نأمل، وصحح ابن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها حرمت، سواء كانت مما يمتهن أم لا، وإن قطع رأسها، أو فرقت هيئتها جاز، قال: وهذا مذهب منقول عن الزهري، وقواه النووي، ومنها أن إمام الحرمين نقل وجهاً أن الذي يرخص فيه مما لا ظل له ما كان على ستر أو وسادة، وأما ما كان على الجدار والسقف فيمنع، والمعنى فيه أنه بذلك يصير مرتفعاً، فيخرج عن هيئة الامتهان، بخلاف الثوب، فإنه بصدد أن يمتهن، ونقل الرافعي عن الجمهور أن الصورة إذا قطع رأسها ارتفع المانع، وقال المتولي في التتمة: لا فرق. ومنها أن مذهب الحنابلة جواز الصورة في الثوب، ولو كان معلقاً، لكن إن ستر به الجدار منع عندهم. ثم دافع الحافظ ابن حجر عن القاسم بن محمد، فقال: في إطلاق النووي على مذهب القاسم أنه باطل نظر، إذ يحتمل أنه تمسك في ذلك بعموم قوله إلا رقماً في ثوب فإنه أعم من أن يكون معلقاً أو مفروشاً، وكأنه جعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة تعليق الستر المذكور مركباً من كونه مصوراً، ومن كونه ساتراً للجدار، فقوله إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين يدل على أنه كره ستر الجدار بالثوب المصور، فلا يساويه الثوب الممتهن ولو كانت فيه صورة، وكذلك الثوب الذي لا يستر به الجدار، والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة، وكان من أفضل أهل زمانه، وهو الذي روى حديث النمرقة، فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحجلة ما استجاز استعمالها. لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدل على أنه مذهب مرجوح، وأن الذي رخص فيه من ذلك ما يمتهن، لا ما كان منصوباًَ. اهـ وحاصل الأقوال في هذه المسألة:

    1- أن النهي في الصورة على العموم، واستعمال ما فيه صورة أيا كان ممنوع، سواء كانت رقماً في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في ثوب أو بساط، ممتهن أو غير ممتهن، حتى تماثيل لعب البنات حرام، ودخول البيت الذي فيه الصور بجميع أنواعها حرام، حالة واحدة مستثناة، هي إذا فرقت الصورة، فلم تكن على هيئة يصح بها الحياة، كأن قطعت رأسها، أو فرقت أجزاؤها، وهذا مذهب منقول عن الزهري، وصححه ابن العربي، وقواه النووي.

    2- التفريق بين ما له ظل، كالتماثيل المجسمة، وما ليس له ظل، فما كان له ظل حرام بدون استثناء، ولا بأس بالصور التي لا ظل لها، بدون استثناء.

    3- كالسابق، لكن يستثنى مما له ظل لعب البنات.
    4- كالسابق، لكن يستثنى مما له ظل ما لا يتخذ للإبقاء، كالمصنوع من الفخار، يلحق به المصنوع من الحلوى.
    5- كالسابق في رقم 2 لكن يستثنى مما لا ظل له ما كان على الجدار والسقف، فيمنع لارتفاعه أما ما كان على ثوب أو ستر أو مخدة أو نحوها فلا يمنع.
    6- كالسابق في رقم 2 لكن يستثنى مما لا ظل له الصورة في الستر على الجدار، فيمنع، وتجوز في الثوب، ولو كان معلقاً، لكن إن ستر به الجدار منع.
    7- كالسابق في رقم 2 لكن يستثنى مما لا ظل له ما شغل المكان فيمنع، وأما ما كان رقماً في ثوب فلا.
    8- يكره اتخاذ ما كان له ظل، أو كان مصوراً في الحيطان وشبهها.
    9- التفريق بين ما كان في وضع ممتهن، فيجوز، وما كان في وضع غير ممتهن، فلا يجوز، سواء كان له ظل، أو لا ظل له، قال النووي: وهو مذهب الشافعية وجماهير العلماء. 10- التفريق بين المنسوج والمنقور فيجوز، لأنه غير مصور، وبين المدهون فلا يجوز. وهكذا نجد أقوالاً مختلفة، منشؤها اختلاف وجهات النظر في الدليل. فأحاديث عدم دخول الملائكة بيتاً فيه صورة لا يلزم منه تحريم اتخاذ الصورة، كما سيأتي، فقد اشتركت الصورة مع اتخاذ الكلب، ولا يحرم اتخاذ الكلب على الإطلاق، وعدم صحبتها لرفقة فيها جرس لا يحرم اتخاذ الجرس، وروايتنا الثامنة وما بعدها، وكراهته صلى الله عليه وسلم النمط المصور، والستر المصور، والدرنوك المصور، والقرام المصور، والثوب المصور، والستارة المصورة، والنمرقة المصورة، لا توجب الحرمة باستعمال الصور والمصورات، فالرواية الثامنة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر الصور في الوسائد والمرافق، بل ارتفق بها، وتنزه عن استعمال الستر المصور، وعلل هذا التنزه في الرواية الثامنة بعدم الرغبة في ستر الحجارة والطين، وعلله في الرواية التاسعة بالزهد في الدنيا وفي مباهجها، وعلله في الرواية الثالثة عشرة بأن الصور تشغله عن الاستغراق في العبادة، وغضبه صلى الله عليه وسلم وتلون وجهه عند رؤية الصور ونزعها بشدة أحياناً، قد يكون لتكرار رؤيته الصورة، بعد منعها، أو إعلان عدم رضاه عنها، ثم معاودة استعمالها، وقد يكون خصوصية لبيته صلى الله عليه وسلم، فهو يناجي من لا نناجي، ويرى من لا نرى، ويكلم من لا نكلم، ويستقبل من ملائكة الله ما لا نستقبل، وكل هذه احتمالات تتطرق إلى الدليل فتسمح بعدم الأخذ به. وأقوى ما يستدل به على تحريم اتخاذ الصور الوعيد الوارد للمصوريين، في روايتنا الحادية عشرة، والثانية عشرة، والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة، وما بعدها، لأن الوعيد إذا حصل لصانعها، فهو حاصل لمستعملها، لأنها لا تصنع إلا لتستعمل، فالصانع متسبب، والمستعمل مباشر، فيكون أولى بالوعيد. كذا قال الحافظ ابن حجر، وفيه نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله في المرفقتين، بعد تهديده المصوريين ووعيدهم، كما هو صريح في الرواية الثامنة وزيادتها. والله أعلم.

    2- النقطة الثانية: في المراد بالملائكة الذين يدخلون البيوت، والذين يمتنعون، وفيها يقول النووي: وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة، فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون كل بيت، ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها، وقال القرطبي: كذا قال بعض علمائنا، والظاهر العموم، والدال على كون الحفظة لا يدخلون ليس نصاً، قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده أنه من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد، ويسمعهم قوله، وهم بباب الدار، التي هو فيها مثلاً. وقيل: المراد بالملائكة ملائكة الوحي، جبريل عليه السلام خاصة، نقل هذا عن ابن وضاح والداودي وغيرهما، ويلزم منه اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الوحي انقطع بعده، وبانقطاعه انقطع نزولهم، ومن هنا ادعى ابن حبان أن هذا الحكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهو نظير حديث لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس قال: فإنه محمول على رفقة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ محال أن يخرج الحاج والمعتمر لقصد بيت الله عز وجل، على رواحل، لا تصحبها الملائكة، وهم وفد الله. اهـ وبعضهم يخصص عموم الملائكة بالصفة، أي لا يدخله الملائكة دخولاً كريماً، كدخولهم بيتاً لا كلب فيه ولا صورة. والتحقيق أن الملائكة لا تؤخذ على عمومها قطعاًً، فهناك ملائكة لا يتوقع دخولها أصلاً، فلا ينفي دخولها وهناك الحفظة الذين يستبعد جداً أن لا يصاحبوا رفقة فيها كلب أو جرس، وإذا كان لا بد من التخصيص فالأولى أن يراد بهم ملائكة رحمة، وأن يخصص البيت بالمكان الذي تكون فيه الصورة أو الكلب من حجرة أو مكتب ونحو ذلك. ثم إن عدم دخولهم مكاناً ما، وعدم وقوع الرحمة فيه عن طريق دعائهم لا يمنع من إلحاق دعائهم بالرحمة للعبد وهم بعيدون أو وهو في طريقه أو في عمله، فعدم دخولهم البيت لا يلزمه أن السبب محرم، فهم لا يدخلون والمرء يتبرز أو يجامع حلالاً. والله أعلم.

    3- النقطة الثالثة: حكم صنعة التصوير، وعنها يقول النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام، شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، سواء صنعه بما يمتهن، أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل، وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان، فليس بحرام، ثم قال: وهذه الأحاديث [يشير إلى الرواية الحادية عشرة وما بعدها] صريحة في تحريم صور الحيوان، وأنه غليظ التحريم، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه، لا تحرم صنعته، ولا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهداً، فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه. قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد، واحتج مجاهد بقوله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي. واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم أي اجعلوه حيواناً ذا روح، كما ضاهيتم، ويؤيده حديث ابن عباس [روايتنا المتممة للعشرين] وفيها إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له. قال الحافظ ابن حجر: واستشكل كون المصور أشد الناس عذاباً مع قوله تعالى: {أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب} [غافر: 46] فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذاباً من آل فرعون، قال: وأجاب الطبري بأن المراد هنا من يصور ما يعبد من دون الله، وهو عارف بذلك، قاصداً له، فإنه يكفر بذلك، فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون، وأما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصياً بتصويره فقط، وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات من ثابتة وبحذفها محمولة على إثباتها، وإذا كان من يفعل التصوير من أشد الناس عذاباً كان مشتركاً مع غيره، وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب، بل هم في العذاب الأشد، فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشد، وقوى الطحاوي ذلك بما أخرجه عن ابن مسعود، رفعه إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً، أو قتله نبي، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين وبما أخرجه من حديث عائشة، مرفوعاً أشد الناس عذاباً يوم القيامة، رجل هجا رجلاً، فهجا القبيلة بأسرها قال الطحاوي: فكل واحد من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب، وقيل: إن الوعيد بهذه الصيغة، إن ورد في حق كافر فلا إشكال فيه، لأنه يكون مشتركاً في ذلك من آل فرعون، ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكور، وإن ورد في حق عاص، فيكون أشد عذاباً من غيره من العصاة، ويكون ذلك دالاً على عظم العصية المذكورة، وأجاب القرطبي بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل الناس، بل بعضهم، وهم من يشارك في المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الإلهية عذاباً، ومن يقتدي به في ضلالة أشد عذاباً ممن يقتدي به في ضلاله وفسقه، ومن صور صورة ذات روح للعبادة أشد عذاباً ممن يصورها لا للعبادة. والله أعلم.
    4- ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

    1- من قوله إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب في الرواية الأولى وغيرها، كراهة تربية الكلاب، قال النووي: سبب امتناعهم من بيت فيه كلب، كثرة أكله النجاسات، وقيل: لكونها نجسة العين، وقيل: لأن بعضها يسمى شيطاناً، كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، وقيل: لرائحته الخبيثة، والملائكة تكره الرائحة القبيحة، وقيل: لأنها منهي عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه من دخول الملائكة بيته، وصلاتهم فيه، واستغفارهم له، وتبريكهم عليه، وفي بيته، ودفعهم أذى الشيطان.

    2- من قوله في الرواية الثالثة ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه استدل بعضهم على نجاسة الكلب، قالوا: والمراد بالنضح الغسل، وتأولته المالكية على أنه غسله لخوف حصول بوله أو روثه، فنضح موضعه احتياطاً، لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه.

    3- من سؤال ميمونة -رضي الله عنها- حين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجماً، في الرواية الثالثة، أنه يستحب للإنسان إذا رأى صاحبه، ومن له حق عليه واجماً، أن يسأله عن سببه، فيساعده فيما يمكن مساعدته، أو يتحزن معه، أو يذكره بشيء يزول به ذلك العارض.
    4- وفيه التنبيه على الوثوق بوعد الله ورسله، إذ قال صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى ما يخلف الله وعده ورسله لكن قد يكون للشيء شرط، فيتوقف على حصوله، أو يتخيل توقيته بوقت، ويكون غير موقت به، ونحو ذلك.
    5- وفيه أنه إذا تكدر وقت الإنسان، أو تنكدت وظيفته، ونحو ذلك، فينبغي أن يفكر في السبب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا، حتى استخرج الكلب، قال النووي: وهو من نحو قوله تعالى {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201].
    6- قد يستدل بقوله في الرواية الثالثة فأمر بقتل الكلاب على مشروعية قتل الكلاب، لكن قال النووي: والأمر بقتل الكلاب منسوخ.
    7- ومن قوله في الرواية الثامنة فجذبه حتى هتكه وفي الحادية عشرة ثم تناول الستر فهتكه تغيير المنكر باليد، وهتك الصور المحرمة.
    8- ومن غضبه صلى الله عليه وسلم وتغير لونه الغضب عند رؤية المنكر.
    9- ومن قطع النمط إلى وسادتين جواز اتخاذ الوسائد. 10- استدل بقوله إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين في الرواية الثامنة على أنه يمنع ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب، قال النووي: وهو منع كراهة تنزيه، لا تحريم، هذا هو الصحيح، وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي من أصحابنا: هو حرام، وليس في الحديث ما يقتضي تحريمه، لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم. 1

    1- ومن الرواية الرابعة والعشرين كراهة استصحاب الكلب والجرس في الأسفار. 1

    2- وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما، قال النووي: قيل: سبب منافرة الملائكة للجرس أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل: سببه كراهة صوتها، ويؤيده الرواية الخامسة والعشرون مزامير الشيطان قال: وهذا الذي ذكرناه من كراهة الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين، وهي كراهة تنزيه، وقال جماعة من متقدمي علماء الشام: يكره الجرس الكبير دون الصغير. 1

    3- استدل أبو علي الفارسي في التذكرة بقوله أشد الناس عذاباً المصورون على تكفير المشبهة، أي الذين يعتقدون أن لله صورة، وحمل الحديث عليهم، وتعقب ببعد هذا الحمل، فالروايات تؤكد أن المراد الذين يصنعون الصور، والرواية السابعة عشرة وغيرها واضحة في ذلك. 1
    4- ومن قول عائشة أتوب إلى الله، وإلى رسوله في الرواية السادسة عشرة جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالاً، وإن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به المؤاخذة. 1
    5- استدل بقوله في الرواية السادسة والسابعة إلا رقماً في ثوب على جواز النقوش والكتابة، لكن قال الطحاوي يحتمل أنه أراد رقماً يوطأ ويمتهن، كما في البسط والوسائد، وقال عكرمة: فيما يوطأ من الصور هوان لها. 1
    6- ومن الرواية الثالثة عشرة، وقوله صلى الله عليه وسلم أخريه عني كراهة كل ما يشغل القلب بما لا يعني، في الصلاة وغيرها. 1
    7- وفيه أن ما يعرض للشخص في صلاته من التفكر في أمور الدنيا لا يبطل الصلاة. والله أعلم

    لا توجد بيانات