Warning: get_headers(): https:// wrapper is disabled in the server configuration by allow_url_fopen=0 in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 17

Warning: get_headers(): This function may only be used against URLs in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 17

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/islamarchive/public_html/production/core/ISLIB.php on line 18
أرشيف الإسلام - موسوعة الحديث - حديث ( رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ ،) - صحيح مسلم حديث رقم: 3299
  • 1268
  • سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : " رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ ، وَرَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ وَامْرَأَتَهُ "

    وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : رَجَمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ ، وَرَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ وَامْرَأَتَهُ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : وَامْرَأَةً

    رجم: الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة
    رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ ،
    حديث رقم: 4988 في صحيح البخاري كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره
    حديث رقم: 6466 في صحيح البخاري كتاب الحدود باب الرجم بالمصلى
    حديث رقم: 3925 في سنن أبي داوود كِتَاب الْحُدُودِ بَابٌ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ
    حديث رقم: 3899 في سنن أبي داوود كِتَاب الْحُدُودِ بَابُ رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ
    حديث رقم: 3906 في سنن أبي داوود كِتَاب الْحُدُودِ بَابُ رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ
    حديث رقم: 3924 في سنن أبي داوود كِتَاب الْحُدُودِ بَابٌ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ
    حديث رقم: 1413 في جامع الترمذي أبواب الحدود باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع
    حديث رقم: 1948 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الجنائز باب ترك الصلاة على المرجوم
    حديث رقم: 2324 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الْأَحْكَامِ بَابٌ بِمَا يُسْتَحْلَفُ أَهْلُ الْكِتَابِ
    حديث رقم: 14187 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14885 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14200 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14823 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 4517 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الزِّنَى وَحَدِّهِ
    حديث رقم: 3159 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْجَنَائِزِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ
    حديث رقم: 6947 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الرَّجْمِ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الزُّهْرِيِّ ، فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ
    حديث رقم: 2059 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الْجَنَائِزِ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ
    حديث رقم: 6946 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الرَّجْمِ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الزُّهْرِيِّ ، فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ
    حديث رقم: 6948 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الرَّجْمِ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الزُّهْرِيِّ ، فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ
    حديث رقم: 21329 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالْأَقْضِيَةِ فِي الْحُكُومَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
    حديث رقم: 28180 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْحُدُودِ فِي الزَّانِي كَمْ مَرَّةً يُرَدُّ ، وَمَا يُصْنَعُ بِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ
    حديث رقم: 28433 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْحُدُودِ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يَزْنِيَانِ
    حديث رقم: 35380 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مَسْأَلَةُ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ
    حديث رقم: 12901 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ الرَّجْمِ ، وَالْإِحْصَانِ
    حديث رقم: 12904 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ الرَّجْمِ ، وَالْإِحْصَانِ
    حديث رقم: 12905 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ الرَّجْمِ ، وَالْإِحْصَانِ
    حديث رقم: 15775 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ
    حديث رقم: 15796 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الْمَرْجُومِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُدْفَنُ
    حديث رقم: 15829 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الْمُعْتَرِفِ بِالزِّنَا يَرْجِعُ عَنْ إِقْرَارِهِ فَيُتْرَكَ
    حديث رقم: 15850 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ مَا جَاءَ فِي وَقْفِ الشُّهُودِ حَتَّى يُثْبِتُوا الزِّنَا
    حديث رقم: 791 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَاتِ بَابُ حَدِّ الزَّانِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ
    حديث رقم: 2836 في سنن الدارقطني كِتَابُ الْحُدُودِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرُهُ
    حديث رقم: 3809 في سنن الدارقطني النُّذُورُ
    حديث رقم: 2567 في السنن الصغير للبيهقي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الزِّنَا
    حديث رقم: 1193 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 3129 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الْحُدُودِ بَابٌ : الِاعْتِرَافُ بِالزِّنَا الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ مَا هُوَ ؟ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّةً وَاحِدَةً أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لِأُنَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : اغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا , فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا قَالُوا : فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالزِّنَا مَرَّةً وَاحِدَةً يُوجِبُ الْحَدَّ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : لَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمُعْتَرِفِ بِالزِّنَا , حَتَّى يُقِرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ . وَقَالُوا : لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ حَدِيثِ أُنَيْسٍ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْتُمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُنَيْسٌ قَدْ كَانَ عَلِمَ الِاعْتِرَافَ الَّذِي يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْمُعْتَرَفِ بِهِ - مَا هُوَ - بِمَا أَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ , فَخَاطَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْخِطَابِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الِاعْتِرَافَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ مَا هُوَ ؟ . وَقَدْ جَاءَ غَيْرُ هَذَا الْأَثَرِ مِنَ الْآثَارِ مَا قَدْ بَيَّنَ الِاعْتِرَافَ بِالزِّنَا الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمُعْتَرِفِ مَا هُوَ ؟ . فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ
    حديث رقم: 4022 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ بَابُ الْقَضَاءِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ
    حديث رقم: 505 في السنن المأثورة للشافعي السنن المأثورة للشافعي كِتَابُ الزَّكَاةِ
    حديث رقم: 154 في مسند عبدالله بن المبارك مسند عبدالله بن المبارك الحدود
    حديث رقم: 3674 في المطالب العالية للحافظ بن حجر كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ
    حديث رقم: 156 في مسند عبدالله بن المبارك مسند عبدالله بن المبارك الحدود
    حديث رقم: 1885 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 1981 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 5050 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ بَيَانُ السُّنَّةِ فِي رَجْمِ مَنْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ، وَصِفَةِ
    حديث رقم: 5087 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُبِينِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مِنْ
    حديث رقم: 5088 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُبِينِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مِنْ
    حديث رقم: 5089 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُبِينِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مِنْ
    حديث رقم: 2082 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 12075 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
    حديث رقم: 5048 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ بَيَانُ السُّنَّةِ فِي رَجْمِ مَنْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ، وَصِفَةِ
    حديث رقم: 5049 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْحُدُودِ بَيَانُ السُّنَّةِ فِي رَجْمِ مَنْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ، وَصِفَةِ
    حديث رقم: 367 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَلَاتِهِ
    حديث رقم: 3906 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    حديث رقم: 3913 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

    [1701] وَامْرَأَتَهُ) أَيْ صاحبته التي زنابِهَا وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَامْرَأَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    [1701] ورجلا من الْيَهُود وَامْرَأَته أَي صاحبته الَّتِي زنى بهَا وَلم يرد زَوجته وَرُوِيَ بِامْرَأَة بِلَا ضمير

    28م/ 16 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم ورجلاً من اليهود وامرأته.
    المعنى العام:
    قال تعالى {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء: 32] وقد أودع الله في طبيعة الإنسان الغيرة على عرضه، بل وجد نوع من الغيرة عند بعض الطيور، وبعض الحيوانات، ولكن حماية الأعراض، وحرص الرجال على عفة نسائهم، وحرص النساء على عفة رجالهن بلغت عند العرب وفي الإسلام مبلغًا لم يبلغه من قبل، ولم يرهف حس آدمي إلى أحسن منه بعد، لقد وصف القرآن نساء الجنة بأنهن حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، وأمر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يحجبن أشخاصهن عن الرجال، وأمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وأغلق منافذ الزنا بتحريم كشف العورة، وتحريم النظر، {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور: 30]. {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن....} [النور: 31]. وجعل الإسلام طهارة الفروج علامة من علامات الإيمان، فقال {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 1 وما بعدها]. أمام هذه الحصون المنيعة من ارتكاب الفاحشة كان لا بد من عقاب شديد مرعب مخيف قاس مزعج لمن يتسلق هذه الأسوار، ويرتكب هذا الأمر المقيت، فكان قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15]. ثم كان للثيب المتزوج الذي وطيء ولو مرة في نكاح صحيح الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم وكان للبكر الذي لم ينكح أصلاً في نكاح صحيح {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور: 2]. فالبكر يجلد مائة جلدة، وبنفي عن موطن زناه لمدة عام، والثيب المحصن يرجم ويرمى بالحجارة حتى الموت، موت بطيء، مؤلم، مخز، حقير، ولولا أن الله يقول {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} لما نفذ في مسلم أو مسلمة. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يعترف زان بزناه، ويقر به، بعد أن ستره الله، كان يحب أن يستر الزاني نفسه ويستغفر الله ويتوب إليه، ولا يفضح نفسه، ويفضح شريكته، ويفضح كل من يتصل بهما من قريب أو بعيد بل كان بعد اعتراف الزاني أمامه يلقنه التراجع عن إقراره، ويعرض عنه المرة بعد المرة، ويرده عن لقاء بعد لقاء، فإذا لم يكن بد، وشهد أربعة شهداء، أو أقر الزاني إقرارات لا شبهة فيها أمر برجمه ورجمها. ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم باشر الرجم بنفسه، أو حضره حتى النهاية، بل كل ما ثبت أنه أمر برجمهم طيلة حياته خمسة، ماعز، وشريكته الغامدية، والجهنية صاحبة العسيف، واليهودي وصاحبته اليهودية، ولولا إقرار الزاني والزانية لتوقف حد الرجم أو كاد، بل حد الزنا بعامة، إذ لا يكاد يتحقق شهادة أربعة من الشهداء يشهدون أنهم رأوا بأعين رءوسهم دخول ذكر الرجل في فرج الأنثى، وغيابه كغياب المرود في المكحلة؟ وفوق ذلك يدرأ الحد بالشبهات كأن يدعي الجنون أو الإكراه أو شبهة الحل بأي وجه من الوجوه. فما أكثر الزنا في واقع الحياة ولكنه الستار الحليم، الغفور الرحيم. المباحث العربية (خذوا عني. خذوا عني) أي خذوا عني حكم الزانية والزاني. كرر في هذه الرواية للتأكيد، وفي الرواية الثانية بدون تكرير، والظاهر أن هذه العبارة قصد منها إعلان سروره صلى الله عليه وسلم، واستبشاره بما نزل عليه، ففي الرواية الثانية أنه قال ذلك عقب الوحي. (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه كرب لذلك) أي إذا أنزل عليه الوحي كرب - بضم الكاف وكسر الراء، مبني للمجهول، أي أصابه كرب وشدة تأخذ بنفسه كالمخنوق لثقل الوحي. (وتربد له وجهه) بفتح التاء والراء وتشديد الباء المفتوحة بعدها دال، يقال: اربد وجهه بتشديد الدال، أي احمر حمرة فيها عبوس وغبرة. (فلقي كذلك) الفعل مبني للمجهول، أي لقيه أصحابه يومًا على هذه الحالة. (فلما سري عنه قال: خذوا عني) أي فلما زال ما به، وكشف عنه قال... (قد جعل الله لهن سبيلا) يشير بذلك إلى قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15] والمعنى قد جعل لهن مخرجا، غير الحبس حتى الموت. (البكر بالبكر جلد مائة، ونفى سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) أي زنا الرجل البكر بالفتاة البكر، حده جلد مائة جلدة لكل منهما، وتغريب سنة للرجل، كما سيأتي في فقه الحديث، وزنا الرجل الثيب - أي المحصن الذي سبق له الزواج، بالمرأة الثيب، التي سبق لها الزواج جلد مائة جلدة لكل منهما والرجم لكل منهما، وعلم من هذا حكم زنا الرجل البكر بالمرأة الثيب، وزنا الرجل الثيب بالفتاة البكر، وكان يكفي أن يقول: البكر جلد مائة، والثيب الرجم، لكن المقام مقام تفصيل، وسيأتي مزيد بحث لهذا في فقه الحديث وفي الرواية الثانية الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، جلد مائة، ثم رجم بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة وفيها لف ونشر مرتب، جلد مائة ثم رجم بالحجارة يرتبط بالثيب بالثيب، وجلد مائة ثم نفي سنة يرتبط بالبكر بالبكر. وقوله جلد مائة بالإضافة عند الأكثرين، وقرأه بعضهم بتنوين جلد وتنوين مائة والمراد من النفي التغريب، واختلف في مسافته على ما سيأتي في فقه الحديث. (فكان مما أنزل عليه آية الرجم) أراد بها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم قال النووي: وهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه. (أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من عامة المسلمين، ليس من أكابرهم، ولا بالمشهور فيهم وفي الرواية الثامنة أن رجلاً من أسلم، يقال له: ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرواية العاشرة أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذه الروايات أن ماعزًا أتى من تلقاء نفسه، وفي الرواية السادسة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قصير أشعث ذي عضلات فهذه الرواية تدل على أنه جيء به، وفي غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرًا لك، وكان ماعز عند هزال ولا تعارض فمن جيء به فقد جاء، ومن أرسل فقد جاء. ومعنى أشعث وهو ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، مجرور بالفتحة، متلبد الشعر، متغيره وسخه، ومعنى ذي عضلات كثير العضلات، بارزها، والعضلة، ما اجتمع من اللحم في أعلى الساق والذراع، وهذا الوصف يوحي بالشدة والقوة. (فقال: يا رسول الله، إني زنيت) في الرواية العاشرة إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني وفي الرواية الحادية عشرة إني أصبت حدًا، فأقمه علي وفي الرواية الثامنة إني أصبت فاحشة، فأقمه علي وفي الرواية التاسعة طهرني ولا تناقض، فقد يقول الرجل كل ذلك، وينقل كل راو بعض ما قال. (فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال له: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به، فارجموه) وفي الرواية الخامسة فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك في هذه الرواية اختصار، واكتفاء، اعتمادًا على دلالة الكلام والحال على المحذوف، أي لعلك قبلت؟ أو لعلك غمزت؟ فظننت ذلك زنا؟ قال: لا. والله إنه قد زنى الأخر الهمزة بدون مد، والخاء مكسورة، ومعناه الأرذل والأبعد والشقي واللئيم، وأصله الأخير المتأخر عن الخير، المؤخر المطروح. ومعنى تنحى تلقاء وجهه انتقل من الناحية التي كان فيها إلى الناحية التي يستقبل بها وجه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أعرض عنه صلى الله عليه وسلم، وحول وجهه عنه إلى الجهة الأخرى، ومعنى حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات حتى كرر ذلك أربع مرات، يقال: ثنى الشيء بتخفيف النون، يثنيه، ثنيًا، إذا عطفه، ورد بعضه على بعض. ففي هاتين الروايتين نجد المراجعة أربع مرات في مجلس واحد، لكن الرواية التاسعة تقول فقال: يا رسول الله، طهرني. فقال: ويحك أي ويلك وهلاكك، يقال: ويحك وويحًا لك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى كانت الرابعة ويمكن الجمع بينهما بأن التحول من وجه إلى وجه كان بعد الرجوع غير بعيد، لكن الرواية العاشرة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يومًا بعد يوم، ويمكن الجمع بأن الترديد حصل في يوم، ثم في أيام، ثم بالغ في الاستيثاق في اليوم الأول، بسؤاله أبك جنون؟ أشربت خمرًا؟ فقام رجل فاستنكهه وبالغ في شم رائحة فمه، ثم بسؤاله عن صفة فعله، ففي بعض الروايات هل ضاجعتها؟ قال نعم. قال: فهل باشرتها؟ قال: نعم. قال: هل جامعتها؟ قال: نعم. وفي رواية ذكر لفظ الجماع الدارج، من غير أن يكنى، وفي رواية قال: حتى دخل ذلك منك، في ذلك منها؟ قال: نعم قال: كما يغيب المرود في المكحلة؟ والرشا في البئر؟ قال: نعم ثم بعد الترديد أيامًا سأل أهله. وكان ماعز بن مالك يتيمًا في حجر هزال فأصاب امرأة من الحي. (فيم أطهرك؟ فقال من الزنا) كذا في الرواية التاسعة وكان الظاهر أن يقول: مم أطهرك؟ قال النووي: هكذا هو في جميع الأصول فيم؟ بالفاء والياء، وهو صحيح، وتكون في للسببية، أي بسبب ماذا أطهرك؟ اهـ مثلها في قوله صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار في هرة حبستها. (ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا) كذا في الرواية الثامنة، وفي الرواية التاسعة سألهم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرًا؟ وفي الرواية العاشرة فقال: أتعلمون بعقله بأسًا؟ تنكرون منه شيئًا؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل أي كامله ووفيره من صالحينا، فيما نرى بضم النون، أي فيما نظن... فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله. (إلا أنه أصاب شيئًا) الاستثناء منقطع، بمعنى لكنه، والمراد من الشيء جريمة الزنا، ويمكن أن يكون متصلاً وأن الزنا نقص في العقل. وفي الرواية العاشرة أن سؤال قومه تكرر فيحمل على سؤال بعضهم مرة، وبعضهم مرة، للاستيثاق. (فرجمه) أي أمر برجمه، وفي الرواية السادسة والسابعة والتاسعة والعاشرة فأمر به، فرجم وفي الرواية الثامنة فأمرنا أن نرجمه. (فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد) وهو مقبرة أهل المدينة، وأصل البقيع المكان المتسع، ذو الأشجار المختلفة، والغرقد نوع من الشجر، من الفصيلة الباذنجانية، تؤكل ثمرتها، وتسمى الغرقد. (فما أوثقناه، ولا حفرنا له) في الرواية العاشرة فلما كان الرابعة حفر له حفرة قال الحافظ ابن حجر: يمكن الجمع بأن المنفى حفرة عميقة، لا يمكنه الوثوب منها، والمثبت حفيرة صغيرة، أمكنه الوثوب منها، أو أنهم في أول الأمر لم يحفروا، ثم لما فر، فأدركوه حفروا له حفرة لا يمكنه الوثوب منها، فانتصب لهم فيها، حتى فرغوا منه. (فرجمناه بالمصلى) المراد مصلى الجنائز ببقيع الغرقد. (فرميناه بالعظم والمدر والخزف) المدر بفتحات الطين اللزج المتماسك، والخزف بفتحات، الآنية التي تتخذ من الطين المحروق، والمراد ما تكسر منها. (فاشتد، واشتددنا خلفه، حتى أتى عرض الحرة، فانتصب لنا) اشتد أي جرى وأسرع، وفي الرواية الرابعة فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة أي فلما أصابته الحجارة بحدها، وآلمته هرب، وعرض الحرة بضم العين وسكون الراء، والحرة بفتح الحاء، أي جانب الأرض ذات الحجارة السوداء، وهي منطقة مشهورة بظاهر المدينة. (فرميناه بجلاميد الحرة) فسرها الراوي بحجارة الحرة، جمع جلمود بضم الجيم، وهو الصخر. (حتى سكت) قال النووي: هو بالتاء في آخره. هذا هو المشهور في الروايات. قال القاضي عياض: ورواه بعضهم سكن بالنون، والأول الصواب، ومعناه مات. (ثم خطب صلى الله عليه وسلم)، وفي الرواية الثامنة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا من العشي من اليوم نفسه. (ألا كلما نفرنا، غازين في سبيل اللَّه خلف أحدهم؟) أي تخلف أحد الناس عنا، وبقي في المدينة، حيث لا رجال وفي الرواية السادسة كلما نفرنا غازين في سبيل الله، تخلف أحدكم؟ وفي الرواية الثامنة أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله، تخلف رجل في عيالنا؟ أي في نسائنا؟ وفي ملحقها فما بال أقوام إذا غزونا، يتخلف أحدهم عنا؟. (له نبيب كنبيب التيس) التيس ذكر الماعز، ونبيب التيس صياحه وصوته عند ركوبه على أنثاه. (يمنح أحدهم الكثبة) بضم الكاف وسكون الثاء، كل قليل مجتمع من طعام أو لبن أو غير ذلك، وفي الرواية السادسة يمنح إحداهن الكثبة وفيها ينب نبيب التيس ولا ينب بفتح الياء وكسر النون وتشديد الباء. (أما واللَّه. إن يمكني من أحدهم لأنكلنه عنه) يمكني بضم الياء وسكون الميم وكسر الكاف، مضارع أمكن، أي إن يمكني الله من أحد هؤلاء، لأجعلنه نكالاً، أي عظة وعبرة لمن بعده، بما أصيبه من العقوبة عن هذا الفعل القبيح. وفي الرواية السادسة إن الله لا يمكني من أحد منهم إلا جعلته نكالاً، أو نكلته يقال: نكل به، بتشديد الكاف، أي عاقبه بما يردعه، ويخيف غيره من إتيان صنيعه. (ثم جاءته امرأة من غامد، من الأزد) قال النووي: غامد بالغين، بطن من جهينة، وكأنه يجمع بذلك بين روايتنا التاسعة والعاشرة عن بريدة، وبين روايتنا الحادية عشرة، عن عمران، وفيها أن امرأة من جهينة، على أن القصة واحدة. ومال الحافظ ابن حجر إلى أنهما قضيتان، فقال: جمع بين روايتي بريدة بأن في الثانية زيادة، فتحمل الأولى على أن المراد بقوله إلى رضاعه أي تربيته، وجمع بين حديثي عمران وبريدة، أن الجهنية كان لولدها من يرضعه، بخلاف الغامدية. (فقال: حتى تضعي ما في بطنك) غاية لمحذوف، تقديره: لا أطهرك حتى تضعي ما في بطنك. وفي الرواية العاشرة إما لا قال النووي: هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم، وبالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري على نفسك، وتتوبي، وترجعي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي. اهـ. وفي الرواية الحادية عشرة فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها قال النووي: هذا الإحسان له سببان: الأول: الخوف عليها من أقاربها، أن تحملهم الغيرة، ولحوق العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها، تحذيرًا لهم من ذلك. الثاني: أمر بالإحسان إليها رحمة بها، إذ قد تابت، وحرض على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها، وإسماعها الكلام المؤذي، ونحو ذلك، فنهي عن هذا كله. وفي الرواية التاسعة فكفلها رجل من الأنصار أي قام بمؤنتها ومصالحها، وليس هو من الكفالة بمعنى الضمان، لأن هذا لا يجوز في الحدود. حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: إذًا لا نرجمها، وندع ولدها صغيرًا، ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار، فقال إلي رضاعه يا نبي الله. قال: فرجمها وظاهر هذه الرواية أنها لم ترضعه حتى الفطام، وتوجيهها أن الرجل الأنصاري قال ذلك بعد الفطام، وأراد بالرضاع تربيته وحضانته، وسماها رضاعًا مجازًا. قاله النووي. وهذا التوجيه ضروري، ففي الرواية العاشرة فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة. قالت: هذا قد ولدته، قال: اذهبي، فأرضعيه، حتى تفطميه يقال: فطم، بفتحات، يفطم، بكسر الطاء فلما فطمته أتت بالصبي، في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين فهذه الرواية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز، وهما قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، فتعين تأويل الأولى، وحملها على وفق الثانية. (فيقبل خالد بن الوليد بحجر) أصله: فأقبل خالد بن الوليد بحجر، ولكنه عبر عن الماضي بالمضارع استحضارًا للصورة. (فتنضح الدم على وجه خالد) قال النووي فتنضح روي بالحاء، وبالخاء، والأكثر على الحاء، ومعناه ترشش وانصب، اهـ. يقال: نضح الثوب بالماء رشه به، وتنضح الماء على الشيء ترشش عليه، ونضخ الشيء بالماء بلله ورشه، وتنضح الدم على الوجه رشه وتناثر عليه. (لو تابها صاحب مكس لغفر له) المكس الضريبة، يأخذها المكاس، ممن يدخل البلد، من التجار، وجمعه مكوس، قال النووي: وهو من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها. (فصلى عليها) في الرواية الحادية عشرة ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت؟ قال النووي: أما الرواية الثانية فصريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها، وأما الرواية الأولى فقال القاضي عياض: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة مسلم، قال: وعند الطبري بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود، وفي رواية لأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها قال القاضي: ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز، وقد ذكرها البخاري. اهـ قلت: ورواية ضم الصاد لا تمنع من كونه صلى الله عليه وسلم صلى عليها، ولا رواية أبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها لاحتمال أن يكون أمرهم، وصلى بهم، فتفهم الرواية المحتملة على الرواية الصريحة، حيث لا تعارض. (فإذا وضعت فائتني بها، ففعل) أي فعل وليها ما أمر به. (فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشكت عليها ثيابها) هكذا هو في معظم النسخ فشكت وفي بعضها فشدت بالدال بدل الكاف، وهما بمعنى، يقال: شك عليه الثوب، بالبناء للمجهول، أي جمع واتصل ولصق بعضه ببعض. (أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين بينهما نون ساكنة، أي أسألك رافعًا نشيدي - وهو صوتي - إلى الله. هذا أصل استعماله، لكنه كثر استعماله من غير رفع صوت، على معنى أسألك بالله، ثم استعمل في كل مطلوب مؤكد، ولو لم يقصد استحلاف. (إلا قضيت لي بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله، فالمراد من كتاب الله القرآن، وقيل: المراد من كتاب الله حكم الله الذي حكمه به، وكتبه على عباده، ولعل الأعرابي قصد الإشارة إلى آية الرجم المنسوخة، أو آية {أو يجعل الله لهن سبيلا} أو آية الجلد {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} أو آيات النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، لأن خصمه كان قد أخذ منه الغنم والوليدة، أو قصد العدالة مطلقًا في جميع أركان الحادثة، وكأنه قال: لا أسألك، ولا أطلب منك إلا الحق، ولم يتوهم الأعرابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحكم بغير الحق، وبغير كتاب الله، حتى يقال: لم سأل هذا السؤال، ولكنه قصد الإعلان بذلك عن قبوله ورضاه لما يصدر من الأحكام. (فقال الخصم الآخر، وهو أفقه منه: نعم. فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي) أن أقص عليك القضية. جملة وهو أفقه منه معترضة بين القول والمقول، والمراد إما إعلان الراوي أن الثاني أكثر فقهًا من الأول بصفة عامة، عن طريق معرفته بهما قبل أن يتحاكما، فلا دخل لها فيما تكلما، وإما إعلان أن الثاني أعلم بتفاصيل القضية وحسن عرضها من الأول، وإما لأدبه واستئذانه في الكلام، وحذره من الوقوع في التقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته) في رواية البخاري إن ابني هذا مما يفيد أن الابن كان حاضرًا، والإشارة في كان عسيفًا على هذا لخصم المتكلم، وهو زوج المرأة، والعسيف الأجير، وجمعه عسفاء، كأجير وأجراء، وفقيه وفقهاء، ويطلق أيضًا على الخادم وعلى العبد، وسمي الأجير عسيفًا، لأن المستأجر يعسفه في العمل، والعسف الجور، أو العسيف الراعي والقائم على الشيء، يقال: هو يعسف ضيعتهم، أي يرعاها ويقوم عليها، وعلى بمعنى عند وفي النسائي كان ابني أجيرًا لامرأته وفي رواية كان ابني عسيفًا في أهل هذا وكأن الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور، فكان ذلك سببًا لما وقع له معها. (وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة) أي وجارية مملوكة، وفي رواية للبخاري بمائة شاة وخادم وفي رواية بمائة شاة وجارية لي ولم يبين في الروايات من الذي أفتاه بذلك، فهنا أخبرت بالبناء للمجهول. وفي رواية فقالوا لي: على ابنك الرجم وفي رواية فأخبروني أن على ابني الرجم أي فظن أن هذا حق لخصمه، يصح أن يتنازل عنه على مال يأخذه، فاتفق مع خصمه على هذا الفداء، وسلمه إياه. (فسألت أهل العلم، فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم) يقصد أنه إن كان هذا القول حقًا، فرد على الغنم والوليدة، ونفذ الحكم في ابني، وفي امرأة خصمي. وما في أنما موصولة، أي فأخبروني أن الذي على ابني الجلد، وليس الرجم وإنما الرجم على امرأته، قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم الخصمين، ولا الابن، ولا المرأة. (الوليدة والغنم رد) أي مردودة، ومعناه أنه يجب على خصمك ردها عليك، وفي رواية للبخاري المائة شاة والخادم رد وفي رواية أما غنمك وجاريتك فرد عليك أي مردودة، من إطلاق المصدر على اسم المفعول، كقولهم: ثوب نسج، أي منسوج. (وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام) وفي رواية وأما ابنك فنجلده مائة جلدة، ونغربه سنة وفي رواية وجلد ابنه مائة، وغربه عامًا وهذا ظاهر في أن قوله صلى الله عليه وسلم حكم وليس فتوى، قال النووي: وهو محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الابن كان بكرًا، وأنه اعترف بالزنا، وقرينة اعترافه حضوره مع أبيه، وسكوته عما نسبه إليه، وأما العلم بكونه بكرًا، فوقع صريحًا في رواية، ولفظها كان ابني أجيرًا لامرأة هذا. وابني لم يحصن. (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) هذا أيضًا دليل على أن المقام مقام حكم، وليس مقام فتوى، واغد أي اذهب أول النهار، وقيل: المراد الذهاب والتوجه مطلقًا وليس المراد التأخير إلى أول النهار، بدليل رواية قم يا أنيس، فسل امرأة هذا وأنيس بالتصغير هو ابن الضحاك الأسلمي، معدود في الشاميين، والمرأة أيضًا أسلمية ولعل هذا سر اختياره لهذه المهمة. (أتى بيهودي ويهودية قد زنيا) جاء في الرواية الخامسة عشرة ظروف هذا الإتيان، ولفظها مر علي النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محممًا بضم الميم وفتح الحاء، وتشديد الميم المفتوحة، بعدها ميم، أي مسودًا وجهه بالحمم، بضم الحاء، أي بالفحم مجلودًا أي مضروبا جلده بالسوط ونحوه فدعاهم صلى الله عليه وسلم أي دعا الرجل والمرأة ومن معهما ممن ينفذ عليهما الحكم، وعلى هذا المعنى يحمل ملحق الرواية الرابعة عشرة أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا.... (فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاء يهود) معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبقى الرجل والمرأة في حيازته، وذهب مع بعض أصحابه إلى محلة اليهود، ليناقش أئمتهم، ويستخرج منهم الحكم الحقيقي الذي أخفوه، ويبطل فعلهم الذي استحدثوه. (فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟) سؤال استنطاق وتقرير لإلزامهم بما في كتابهم، وليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منهم، ولعل الله أوحى إليه أن الرجم في التوراة التي في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه. (قالوا: نسود وجوههما ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما) في طرقات المدينة، وقولهم: ونحملهما رويت بضم النون وفتح الحاء وتشديد الميم المكسورة، أي نجعلهما حملاً على جمل أو بغل، وفي بعض النسخ ونجملهما بالجيم بدل الحاء، أي نضعهما فوق الجمل، وفي بعضها نحممهما بميمين، أي نسود وجوههما، وهذا الأخير ضعيف، لسبق نسود وجوههما وصورة المخالفة بين وجوههما أن يلصق ظهر كل منهما بظهر الآخر، فيكون وجه أحدهما إلى الأمام، ووجه الآخر إلى الخلف. قال صلى الله عليه وسلم: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا: نعم. (قال: فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين) أي فأتوا بالتوراة فاتلوها. (فجاءوا بها، فقرءوها) وما كان لهم أن يمتنعوا، فهم تحت حكمه صلى الله عليه وسلم بالمدينة. (حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ، يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها، وما وراءها) أي ما قبلها من الآيات، وما بعدها، ولم يقرأها. (فدعا رجلاً من علمائهم) ليجتمع به على انفراد، ويعيد السؤال عليه على انفراد، لعله يبيح بالسر الذي جعلهم يغيرون القول الذي أنزله الله، ويبدلون ويحرفون الكلم عن مواضعه، وقد تحقق للرسول صلى الله عليه وسلم ما قصده. (فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه) أي إذا أخذنا الشريف زانيًا، وثبت عندنا زناه تركناه، فلم نرجمه. (فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء، نقيمه على الشريف والوضيع) أي قال أئمة اليهود بعضهم لبعض: تعالوا. فلنتفق على عقاب نطبقه على الشريف والوضيع. (فأمر به فرجم) أي وأمر بالمرأة فرجمت, ففي الرواية الثالثة عشرة فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجما وفي الرواية الرابعة عشرة رجم في الزنا يهوديين، رجلاً وامرأة وفي الرواية السادسة عشرة رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم وهو ماعز ورجلاً من اليهود وامرأته أي صاحبته التي زنى بها، ولم يرد زوجته. والظاهر أن الرجل والمرأة اليهوديين رجما في مكان واحد، وفي وقت واحد، ففي الرواية الثالثة عشرة قال ابن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه أي ينحني عليها، ويحيطها بنفسه، يحميها من الحجارة ويتلقاها هو بدلها. (فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها) التثريب التعنيف، أي لا يعنفها، ولا يؤنبها، ولا يلومها على الذنب، فقد فقدت حريتها الكاملة. (ولو بحبل من شعر) في الرواية المتممة للعشرين ثم بيعوها، ولو بضفير وفي ملحقها فسر ابن شهاب الضفير بالحبل، والمراد المبالغة في حقارة القيمة، بحيث يسرع البائع ويمضي بيعها ولا يتربص بها طلب الراغبين بالثمن العالي، وليس المراد بيعها بقيمة الحبل حقيقة، فهو من قبيل من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاه. (اتركها حتى تماثل) بفتحات، مضارع حذف منه إحدى التاءين، وأصله تتماثل، يقال: تماثل المريض من علته إذا قارب البرء، فأشبه الصحيح، أي اتركها حتى تقارب الشفاء أو تشفى. فقه الحديث يؤخذ من الحديث

    1- حد الزاني إذا كان بكرًا حرًا، والمراد بالبكر من لم يجامع في نكاح صحيح، وهو بالغ عاقل، فيعد بكرًا من جامع بوطء شبهة، أو بنكاح فاسد، أو غيرهما. قال النووي: وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة جلدة، سواء زنى ببكر، أو زنى بثيب، حرة أو أمة. والجمهور على أنه يجب مع الجلد نفيه وتغريبه سنة، وقال الحسن: لا يجب النفي. اهـ. والحنفية على أنه لا نفي، وقالوا: ليس في الآية ذكر للنفي، ولا يزاد على القرآن بخبر الواحد، وحد الزانية إذا كانت بكرًا حرة مائة جلدة أيضًا، سواء زنى بها بكر، أو زنى بها محصن، وسواء كان الزاني بها حرًا أو عبدًا، أما تغريبها سنة فمذهب الشافعي وبعض العلماء، وظاهر الرواية الأولى يؤيده، ففيها البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم مبين للكتاب، فزاد التغريب على قوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] قالوا: وخطب عمر بذلك على رءوس الناس، وعمل به الخلفاء الراشدون، فلم ينكره أحد، فكان إجماعًا. واختلفوا في المسافة التي ينفى إليها، فقيل: هي إلى رأي الإمام، وقيل: إلى مسافة القصر، وقيل: إلى ثلاثة أيام بالإبل، وقيل: إلى يومين، وقيل إلى يوم وليلة، وقيل: من عمل إلى عمل، وقيل: إلى ميل، وقيل: إلى ما ينطلق عليه اسم نفي. وشرط بعض المالكية الحبس في المكان الذي ينفى إليه. وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه، قالوا: لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها، وتعريض لها للفتنة، ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم.

    2- ويؤخذ من الرواية الثامنة عشرة وما بعدها أن حد الجارية الأمة، وكذا العبد الجلد، سواء كانا محصنين بالتزويج أم لا، وحدهما نصف حد الحر، قال تعالى {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] ففيه بيان من أحصنت، فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أن الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد، لأن الذي ينصف الجلد، أما الرجم فلا ينصف، وقد أجمعوا على أن الأمة المزوجة إذا زنت لا ترجم، والرواية الثامنة عشرة إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد مطلقة، تتناول المزوجة وغير المزوجة، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة، وأحمد وجماهير علماء الأمة، وقال جماعة من السلف: لا حد على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد، وممن قاله ابن عباس وطاووس وعطاء وابن جريج وأبو عبيدة. أما النفي للرقيق إذا زنى فقد ذهب إليه الشافعية، والصحيح عندهم أنه ينفى نصف سنة، وفي وجه ضعيف لبعضهم ينفى سنة كاملة، وفي قول ثالث للشافعية: لا نفي على رقيق، وهو قول الأئمة الثلاثة، لأنه لا وطن له، وفي نفيه قطع حق السيد.

    3- كما يؤخذ من الحديث حد الثيب الحر، ذكرًا كان أو أنثى، وهو الرجم، قال النووي: أجمع العلماء على رجم المحصن، وهو الثيب، والمراد بالثيب من جامع في دهره مرة من نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء، وسواء في كل هذا المسلم والكافر، والرشيد والمحجور عليه لسفه. قال: ولم يخالف في رجم المحصن أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم، وقال ابن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدًا عالمًا مختارًا فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة، واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم، وهم من بقايا الخوارج، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، وكذلك الأئمة بعده، كما استدلوا بحديث عبادة وعمر بن الخطاب، روايتنا الأولى والثانية والثالثة. قال النووي: واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم، فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما، فيجلد، ثم يرجم، وبه قال علي بن أبي طالب والحسن البصري وإسحق بن راهويه، وداود وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعي، وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده، وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة، منها قصة ماعز والغامدية، وقوله صلى الله عليه وسلم لأنيس [في روايتنا الثانية عشرة] واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها اهـ. أما ما أشار إليه النووي عن علي رضي الله عنه فقد روى علي بن الجعد أن عليًا أتى بامرأة زنيت، فضربها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة وكذا عند النسائي والدارقطني، زاد ابن الجعد فقيل لعلي: جمعت حدين؟ قال: جلدتها بالقرآن، ورجمتها بالسنة وقال أبي بن كعب مثل ذلك. قال الحازمي: ذهب أحمد وإسحق وداود وابن المنذر إلى أن الزاني المحصن يجلد، ثم يرجم. اهـ وروايتنا الأولى تؤيد هذا القول، ولفظها والثيب بالثيب جلد مائة والرجم والرواية الثانية الثيب بالثيب، جلد مائة، ثم رجم بالحجارة ويقولون: ليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم، لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه، ولكونه الأصل، فلا يرد ما وقع التصريح به بالاحتمال، فالسكوت عن الشيء لا يدل على سقوطه. ويجيب الجمهور بأن قصة ماعز جاءت من طرق متنوعة، بأسانيد مختلفة، ولم يذكر في شيء منها أنه جلد، وكذلك الغامدية والجهنية، واليهوديين، وقال في ماعز اذهبوا فارجموه وكذا في حق غيره، ولم يذكر الجلد، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه، ودل عدم وقوعه على عدم وجوبه. ثم إن قصة ماعز متراخية عن حديث عبادة بن الصامت، فهو منسوخ، والناسخ له ما ثبت في قصة ماعز، نعم حديث عبادة ناسخ لما شرع أولاً من حبس الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد، وزيد الثيب بالرجم. وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور، لأن نزولها كان في قصة الإفك سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وقد أسلم سنة سبع، وحضره ابن عباس، وقد جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع. وقال القاضي عياض: شذت فرقة من أهل الحديث، فقالت: إن الجمع بين الجلد والرجم، خاص بالشيخ والشيخة - أي من جاوز الأربعين محصنًا - وأما الشباب المحصن، فيرجم فقط، وهذا من المذاهب المستغربة حكاها ابن المنذر وابن حزم عن أبي بن كعب. قال النووي: وهو مذهب باطل. ودافع عنه الحافظ ابن حجر بما هو غير مسلم.
    4- ومن قوله في الرواية الثانية خذوا عني. خذوا عني. فقد جعل الله لهن سبيلا... إلخ أن الآية الخامسة عشرة من سورة النساء، وهي قوله تعالى {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} غير معمول بظاهر حكمها، سواء قلنا: إن الحديث مبين لها، ومفسر لها، وهي محكمة، أو قلنا: إنها منسوخة بالآية التي في أول النور {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقيل: إن آية النور في البكرين وآية النساء في الثيبين، والحديث مبين لها ومفسر، ويمكن أن يكون الحديث ناسخًا لها، على القول بأن السنة المشهورة تنسخ القرآن.
    5- ومن الرواية الثالثة من قول عمر فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها، ووعيناها، وعقلناها وقوع النسخ في القرآن، وهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه، وقد وقع نسخ الحكم دون اللفظ، ومثل له بقوله تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات} [المجادلة: 13] بعد قوله {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} وقوله {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} بعد قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا} [الأنفال: 65] كما وقع نسخ اللفظ والحكم جميعًا. قال النووي: فمما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك، وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة على أن المنسوخ لا يكتب في المصحف اهـ. وهو يشير بذلك إلى رواية للموطأ لهذا الحديث، وفيها أن عمر قال والذي نفسي بيده. لولا أن يقول الناس: زاد عمر ما ليس في كتاب الله لكتبتها بيدي والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا تكتبها في المصحف؟ قال: لا. ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ ولقد ذكرنا ذلك، فقال عمر: أنا أكفيكم. فقال: يا رسول الله، أكتبني آية الرجم. قال لا أستطيع وأخرج الحاكم قال عمر لزيد بن ثابت: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أكتبها؟ فكأنه كره ذلك ثم قال عمر لزيد بن ثابت: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم؟ قال الحافظ ابن حجر: فيستفاد من هذا السبب في نسخ تلاوتها، وهو كون العلم على غير الظاهر من عمومها.
    6- ومن قول عمر فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله كرامة من كرامات عمر رضي الله عنه ويحتمل أنه علم بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم.
    7- ومن قوله إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف قال النووي: وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور وعدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا، ولا يقبل دون الأربعة، وإن اختلفوا في صفاتهم. وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا، وهو محصن، يصح إقراره بالحد واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات. وأما الحبل وحده فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجوب الحد به، إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وتابعه مالك وأصحابه، فقالوا: إذا حبلت، ولم يعلم لها زوج ولا سيد، ولا عرفنا إكراهها، لزمها الحد، إلا أن تكون غريبة طارئة، وتدعي أنه من زوج أو سيد، قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه، إذا لم تقم بالاستغاثة عند الإكراه، قبل ظهور الحمل. وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل، سواء كان لها زوج أو سيد، أم لا، سواء الغريبة وغيرها، وسواء ادعت الإكراه أم سكتت، فلا حد عليها مطلقًا، إلا ببينة أو اعتراف، لأن الحدود تسقط بالشبهات. والحق مع الجمهور، فالحمل يحصل بوسائل كثيرة غير الزنا، وبخاصة في هذه الأزمنة التي تقدم فيها العلم. والله أعلم.
    8- ومن الرواية الرابعة إلى العاشرة قصة ماعز والغامدية من إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماعز التعريض للمقر بالزنا، بأن يرجع، ويقبل رجوعه، وجاء عن مالك رواية: أنه لا أثر لرجوعه، وهو ضعيف.
    9- واحتج أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهم بإقرار ماعز أربع مرات، على أن الإقرار بالزنا لا يثبت، ولا يرجم به المقر، حتى يقر أربع مرات، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء، إقراره أربع مرات، في أربع مجالس، وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار بالزنا بمرة واحدة، ويرجم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم واغد يا أنيس إلي امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ولم يطلب إليه سماع أربعة إقرارات، وحديث الغامدية ليس فيه أربعة إقرارات، واستند الأولون إلى القياس على عدد شهود الزنا، دون غيره من الحدود، ورده الجمهور بأنه لو كان هذا القياس صحيحًا لم يقتل القاتل بإقراره حتى يقر مرتين، لأنه لا يقبل فيه إلا شاهدان، مع أن الجميع يتفقون على أنه يكفي فيه مرة واحدة. والجمهور على أن إقرار ماعز المتعدد كان لزيادة التثبت من النبي صلى الله عليه وسلم. 10- ومن سؤال أهل ماعز عنه استحباب تثبت الإمام، والمبالغة في هذا التثبت قدر الإمكان. 1

    1- وفي الحديث منقبة عظيمة لماعز بن مالك، لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه، مع توبته، ليتم تطهيره، ولم يرجع عن إقراره، مع أن الطبع البشري يقتضي ألا يستمر على الإقرار، بما يقتضي إزهاق نفسه، فجاهد نفسه على ذلك، وغلب نفسه، وأقر من غير اضطرار إلى إقامة ذلك، مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة، ولا يقال لعله لم يعلم أن الحد بعد أن يرفع إلى الإمام يرتفع بالرجوع، لأنه في الرواية التاسعة قد طلب منه الرجوع والاستغفار والتوبة. 1

    2- ويؤخذ من طلب الرجوع والتوبة والاستغفار أنه يستحب لمن وقع له مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى، ويستر نفسه، ولا يذكر ذلك لأحد. 1

    3- وأنه يستحب لمن اطلع على ذلك أن يستر عليه، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القضية لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك وبهذا جزم الشافعي، فقال: أحب لمن أصاب ذنبًا، فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز، وقال ابن العربي: هذا كله في غير المجاهر، فأما إذا كان متظاهرًا بالفاحشة، فإني أحب مكاشفته، والتبريح به، لينزجر هو وغيره، وقد استشكل استحباب الستر، مع ما وقع من الثناء على ماعز والغامدية، وأجيب بأن الغامدية كان قد ظهر بها الحمل، مع كونها غير ذات زوج، فتعذر الاستتار، ومن هنا قيد بعضهم ترجيح الاستتار حيث لا يكون هناك ما يشعر بضده، فإن وجد فالرفع إلى الإمام، ليقيم عليه الحد أفضل. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن الستر مستحب، والرفع لقصد المبالغة في التطهير أحب. 1
    4- وفيه مشروعية الإقرار بفعل الفاحشة، عند الإمام وفي المسجد، والتصريح فيه بما يستحى من التلفظ به من أنواع الرفث في القول، من أجل الحاجة الملجئة إلى ذلك. 1
    5- ومن قوله أبك جنون؟ أن إقرار المجنون لاغ، لا يعمل به، ولا يرجم المجنون، إن زنى في حال الجنون، وهو إجماع. 1
    6- ومن قوله أشرب خمرًا أن إقرار السكران لاغ لا يعمل به، والذين اعتبروه قالوا: إن عقله زال بمعصيته، وقد تكون قصة ماعز متقدمة على تحريم الخمر. 1
    7- ومن قوله في الرواية الخامسة لعلك أن الإمام يلقن الرجوع عن الإقرار بالزنا، ومحاولة التعلق بشبهة ليدرأ عنه الحد، وأنه يقبل رجوعه، لأن الحدود مبنية على المساهلة والدرء، بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله المالية، كالزكاة والكفارة وغيرهما، فلا يجوز التلقين فيها، ولو رجع لم يقبل رجوعه، وقد جاء التلقين للرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه. 1
    8- ومن قوله في الرواية الرابعة فهل أحصنت؟ أن الإمام يسأل عن شروط الرجم، من الإحصان وغيره، سواء ثبت بالإقرار، أو بالبينة، ومؤاخذة الإنسان بإقراره. 1
    9- وفيه ترك سجن من اعترف بالزنا في مدة الاستثبات، وفي الحامل حتى تضع وقيل: إن المدينة لم يكن بها حينئذ سجن، وإنما كان يسلم كل جان لوليه، وقال ابن العربي: إنما لم يؤمر بسجنه ولا التوكيل به، لأن رجوعه مقبول، فلا فائدة في سجنه مع جواز الإعراض عنه إذا رجع. 20- وفيه أن الإمام لا يشترط أن يبدأ بالرجم فيمن أقر، وإن كان ذلك مستحبًا، لأن الإمام إذا بدأ مع كونه مأمورًا بالتثبت والاحتياط فيه، كان ذلك أدعى إلى الزجر عن التساهل في الحكم، ولهذا يبدأ إذا ثبت الرجم بالبينة. 2

    1- وفي تفويض أنيس وأمره للصحابة برجم ماعز، جواز تفويض الإمام إقامة الحد لغيره. 2

    2- ومن قوله في الرواية الثامنة فما أوثقناه، ولا حفرنا له قال النووي: هكذا الحكم عند الفقهاء في الإيثاق، أما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء، قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا يحفر لواحد منهما، وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف، وأبو حنيفة في رواية: يحفر لهما، وقال بعض المالكية: يحفر لمن يرجم بالبينة، لا من يرجم بالإقرار، أما أصحابنا فقالوا: لا يحفر للرجل، سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار. وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: يستحب الحفر لها إلى صدرها، ليكون أستر لها، والثاني: لا يستحب ولا يكره. بل هو إلى خبرة الإمام. والثالث: وهو الأصح إن ثبت زناها بالبينة استحب، وإن ثبت بالإقرار فلا، ليمكنها الهرب إن رجعت. فمن قال بالحفر لها احتج بأنه حفر للغامدية، ففي الرواية العاشرة ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها وكذا لماعز في الرواية العاشرة فلما كان الرابعة حفر له حفرة ويجيب هؤلاء عن الرواية الأخرى في ماعز أنه لم يحفر له أن المراد لم يحفر له حفرة عظيمة عميقة، وإنما حفر له حفيرة، تمكن من تسلقها والهرب. وأما من قال: لا يحفر، فاحتج برواية فما أوثقناه ولا حفرنا له قال النووي: وهذا المذهب ضعيف، لأنه منابذ لحديث الغامدية، ولرواية الحفر لماعز، وأما من قال بالتخيير فظاهر، وأما من فرق بين الرجل والمرأة، فيحمل رواية الحفر لماعز على أنه لبيان الجواز، وهذا تأويل ضعيف، ومما احتج به من ترك الحفر حديث اليهوديين. اهـ روايتنا الثالثة عشرة. 2

    3- ومن شم رائحة الخمر أخذ أصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد -حد الخمر- من وجد منه ريح الخمر، وإن لم تقم عليه بينة بشربها، وإن لم يقر بالشرب، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما أنه لا يحد بمجرد ريحها، بل لا بد من بينة على شرابه، أو إقراره، وليس في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك، فالسؤال هنا عن شربه الخمر، وشم رائحته، لا لإقامة حد الخمر بالرائحة، ولكن لإيجاد شبهة في إقراره بالزنا، ليدرأ عنه الحد. 2
    4- وعن قوله في الرواية الرابعة فرجمناه بالمصلى قال البخاري وغيره من العلماء: فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد، إذا لم يكن قد وقف مسجدًا، لا يثبت له حكم المسجد، إذ لو كان له حكم المسجد لتجنب الرجم فيه، خشية تلطخه بالدماء والميتة. وذكر الدارمي -وهو من الشافعية- أن المصلى الذي للعيد ولغيره -إذا لم يكن مسجدًا- هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان، أصحهما: ليس له حكم المسجد. 2
    5- وعن قوله فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة، فرجمناه قال النووي: اختلف العلماء في المحصن إذا أقر بالزنا، فشرعوا في رجمه، ثم هرب، هل يترك؟ أم يتبع ليقام عليه الحد؟ فقال الشافعي وأحمد وغيرهما: يترك ولا يتبع، فإن رجع عن الإقرار ترك، وإن أعاد الإقرار رجم، وقال مالك في رواية وغيره: إنه يتبع ويرجم، واحتج الشافعي وموافقوه بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا تركتموه حتى أنظر في شأنه؟ وفي رواية هلا تركتموه؟ فلعله يتوب، فيتوب الله عليه؟ واحتج الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ذنبه، مع أنهم قتلوه بعد هربه، وأجاب الشافعي وموافقوه عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع، وقد ثبت إقراره، فلا يتركه حتى يصرح بالرجوع، قالوا: وإنما قلنا: لا يتبع في هربه، لعله يريد الرجوع، ولم نقل: إنه سقط الرجم بمجرد الهرب. 2
    6- ويؤخذ من قوله فرميناه بالعظام والمدر والخزف دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو العظام أو الخزف أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل، ولا تتعين الأحجار. 2
    7- ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التاسعة لماعز ارجع فاستغفر الله، وتب إليه دليل على سقوط المعاصي الكبائر بالتوبة، وهو بإجماع المسلمين، إلا ما جاء عن ابن عباس في عدم قبول توبة القاتل خاصة، قال النووي: فإن قيل: فما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة، وهي محصلة لغرضهما، وهو سقوط الإثم؟ بل أصرا على الإقرار، واختارا الرجم؟ فالجواب أن تحصيل البراءة بالحدود، وسقوط الإثم متيقن على كل حال، لا سيما وإقامة الحد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التوبة فيخاف ألا تكون نصوحًا، وأن يخل من شروطها، فتبقى المعصية وإثمها دائمًا عليه، فأرادا حصول البراءة بطريق متيقن، دون ما يتطرق إليه احتمال. 2
    8- ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التاسعة: استغفروا لماعز... لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم. ومن لوم خالد على سبه الغامدية ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية العاشرة والحادية عشرة لقد تابت توبة...إلخ دليل على أن الحد يكفر ذنب المعصية التي حد لها، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث عبادة بن الصامت، وهو قوله صلى الله عليه وسلم من فعل شيئًا من ذلك، فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له قال النووي: ولا نعلم في هذا خلافًا. اهـ أما قوله عن ماعز في الرواية الثامنة فما استغفر له، ولا سبه فقد قال النووي: أما عدم السب فلأن الحد كفارة له، مطهرة له من معصيته، وأما عدم الاستغفار -أي في نفس وقت الرجم- فلئلا يغتر عليه، فيقع في الزنا اتكالاً على استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2
    9- ومن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم ماعز استحباب خطبة الإمام عند الأمور المهمة وتبصير المسلمين بالأخطار، والاستفادة من ظروف الأحداث في الترغيب والترهيب. 30- ومن قوله حتى تضعي ما في بطنك في الرواية التاسعة أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه، لئلا يقتل جنينها، قال النووي: وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع، حتى تضع. 3

    1- وأن المرأة ترجم إذا زنت، وهي محصنة، كما يرجم الرجل، وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة، لأن الأحاديث الصحيحة والإجماع متطابقان على أنه لا يرجم غير المحصن. 3

    2- وأنه من وجب عليها قصاص وهي حامل لا يقتص منها، حتى تضع، وهذا مجمع عليه. 3

    3- ومن قوله في الرواية التاسعة لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا، ليس له من يرضعه أن الحامل الزانية لا ترجم، ولا يقتص منها بعد الوضع، حتى تسقي الولد اللبن، ويستغني عنها، ولو بلبن غيرها. قال النووي: واعلم أن مذهب الشافعي وأحمد وإسحق والمشهور من مذهب مالك أنها لا ترجم، حتى تجد من ترضعه، فإن لم تجد أرضعته، حتى تفطمه، ثم ترجم. وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: إذا وضعت رجمت، ولا ينتظر حصول مرضعة. 3
    4- ومن قوله في الرواية الحادية عشرة فشكت عليها ثيابها استحباب جمع أثوابها عليها عند الرجم، وشدها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلبها وتكرار اضطرابها، قال النووي: واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة، وأما الرجل، فالجمهور على أنه يرجم قائمًا، وقال مالك: قاعدًا، وقال غيره: يخير الإمام بينهما. 3
    5- ومن قوله فأمر بها، فرجمت وقوله وأمر الناس فرجموها وفي حديث ماعز أمرنا أن نرجمه فيها كلها دلالة لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور، وقال أبو حنيفة وأحمد: يحضر الإمام مطلقًا، وكذا الشهود إن ثبت ببينة. ويبدأ الإمام بالرجم، إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود، وحجة الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضر أحدًا ممن رجم. 3
    6- ومن الرواية الحادية عشرة، من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الغامدية بعد رجمها قال النووي: وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم، فكرهها مالك وأحمد للإمام ولأهل الفضل، دون باقي الناس، ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل، وقال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم، والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء، قالوا: فيصلى على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم، وقال الزهري: لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه، وقال قتادة لا يصلى على ولد الزنا واحتج الجمهور بهذا الحديث. وأجاب أصحاب مالك بجوابين: أحدهما: أنهم ضعفوا رواية الصلاة، لكون أكثر الرواة لم يذكروها. والثاني: تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة، أو دعا، فسمي صلاة على المعنى اللغوي، قال النووي: وهذان الجوابان فاسدان. أما الأول فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح، وزيادة الثقة مقبولة، وأما الثاني فهذا التأويل مردود، لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطربت الأدلة الشرعية، ولم يكن بد من ارتكابه، وليس هنا شيء من ذلك، فوجب حمله على ظاهره. 3
    7- ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الرابعة اذهبوا به فارجموه جواز استنابه الإمام من يقيم الحد، قال العلماء: لا يستوفي الحد إلا الإمام أو فوض ذلك إليه. 3
    8- ومن الرواية الثانية عشرة، قصة العسيف، من قول الرجل فسألت أهل العلم قال النووي: فيه جواز استفتاء غير النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه، وأن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي بلده. 3
    9- وجواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، أو من هو أفضل منه. 40- ومن قوله الوليدة والغنم رد أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل، يجب رده، قال ابن دقيق العيد: وبهذا يتبين ضعف عذر من اعتذر من الفقهاء عن بعض العقود الفاسدة، بأن المتعاوضين تراضيا، وأذن كل منهما للآخر في التصرف، والحق أن الإذن في التصرف مقيد بالعقود الصحيحة. 4

    1- وأن الحدود لا تقبل الفداء. 4

    2- ومن قوله وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام بعد إقرار الأب في حضور الابن وسكوت الابن، أخذ بعضهم صحة إقرار الأب على الابن، والصحيح أن إقرار الأب على الابن لا يقبل، ويحمل ما حصل على أن الابن اعترف، وتبين أن الابن زنى وهو بكر، أو يكون هذا إفتاء، أي إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه جلد مائة وتغريب عام، والأول أقرب. 4

    3- وعن قوله واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها قال النووي: بعث أنيس محمول عند العلماء من أصحابنا وغيرهم، على إعلام المرأة، بأن هذا الرجل قذفها بابنه، فلها عنده حد القذف، فتطالب به، أو تعفو عنه، إلا أن تعترف بالزنا، فلا يجب عليه حد القذف، بل يجب عليها حد الزنا، وهو الرجم، لأنها كانت محصنة امرأة هذا فذهب إليها أنيس، فاعترفت بالزنا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها، فرجمت، قال النووي: ولا بد من هذا التأويل، لأن ظاهره أنه بعث لإقامة حد الزنا، وهذا غير مراد، لأن حد الزنا لا يتوصل إليه بالتجسس والتفتيش عنه، بل لو أقر به الزاني استحب أن يلقن الرجوع، فحينئذ يتعين التأويل المذكور. 4
    4- وذهب بعض العلماء إلى أن هذا البعث واجب على القاضي، فإذا قذف إنسان إنسانًا معينًا في مجلسه، وجب عليه أن يبعث إليه من يعرفه بحقه، من حد القذف، وقيل: لا يجب، قال النووي: والأصح وجوبه. 4
    5- وفي الحديث الرجوع إلى كتاب الله نصًا، أو استنباطًا. 4
    6- وجواز القسم على الأمر من غير استحلاف، لتأكيده. 4
    7- وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وحلمه على من يخاطبه بشيء من جفاء الأعراب، مما لا يليق بمقامه. 4
    8- واستحباب التأسي به في ذلك، فلا ينزعج الحاكم، ولا يغضب إذا قيل له مثلاً: احكم بيننا بالحق. قال البيضاوي: إنما تواردا على سؤال الحكم بكتاب الله، مع أنهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله، ليحكم بينهما بالحق الصرف، لا بالمصالحة، ولا الأخذ بالأرفق، لأن للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين. اهـ. أي فليس في كلامهما جفاء، ولا مجال هنا لاستنباط حلمه صلى الله عليه وسلم. 4
    9- وأن للإمام أن يأذن لمن شاء من الخصمين في الدعوى، إذا جاءا معًا، وأمكن أن كلاً منهما يدعي. وهذا على أساس أن الرجل وابنه مدعى عليهما، أما على أساس أن الرجل جاء يطلب استرداد الغنم والوليدة، فهو المدعي، وصاحب الحق في عرض الدعوى. 50- ومن قوله وائذن لي استحباب استئذان المدعي والمستفتي الحاكم والعالم في الكلام. 5

    1- وفيه أن من أقر بحد، وجب على الإمام إقامته عليه، ولو لم يعترف مشاركه في الجريمة. 5

    2- وأن من قذف غيره، لا يقام عليه حد القذف، إلا إن طلبه المقذوف. وفيه نظر، لأن المقذوف هنا لم يكن حاضرًا، وقد سبق أن بعث أنيس لها كان لإعلامها بحقها. 5

    3- وفيه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز، لا تكلف الحضور لمجلس الحكم، بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها. 5
    4- وأنه يجوز لمن يعرض مسألته أن يتعرض لبعض الجوانب الخارجة عنها، ليخدم مسألته، فإن الرجل قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا. ومسألته حكم الزنا، لكنه أراد أن يقيم لابنه معذرة ما، وأن ابنه لم يكن مشهورًا بالعهر، ولم يهجم على المرأة مثلاً، ولا استكرهها، وإنما وقع له ذلك لطول الملازمة، المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال، فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية، مهما أمكن، لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتسور بها الشيطان إلى الإفساد. 5
    5- وفيه جواز الاستنابة في الحكم والحد، إذا قلنا: إن أنيسًا أنيب في ذلك، وبعث حاكمًا، فاستوفى شروط الحكم، ثم استأذن في رجمها، فأذن له في رجمها. 5
    6- قال القاضي عياض: احتج قوم -بقصة أنيس- بجواز حكم الحاكم في الحدود وغيرها بما أقر به الخصم عنده، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو ثور، وأبي ذلك الجمهور، فقال بوجوب ضبط بشهادة عليه، قالوا: ويحتمل أن يكون أنيس قد أشهد على إقرارها، قبل رجمها، ثم إنها واقعة عين، لا يحتج بها. 5
    7- وفيه الاكتفاء في الاعتراف بالمرة الواحدة، لأنه لم ينقل أن المرأة تكرر اعترافها. 5
    8- والاكتفاء بالرجم، من غير جلد. 5
    9- وجواز استئجار الحر. 60- وجواز إجارة الأب ولده الصغير لمن يستخدمه، إذا احتاج لذلك. 6

    1- وأن حال الزانيين إذا اختلفا أقيم على كل واحد حده، لأن العسيف جلد، والمرأة رجمت، فكذا لو كان أحدهما حرًا، والآخر رقيقًا، وكذا لو زنى بالغ بصبية، أو عاقل بمجنونة، حد البالغ والعاقل، دونهما، وكذا عكسه. 6

    2- وفيه أن من قذف ولده، لا يحد له، لأن الرجل قال: إن ابني زنى، ولم يثبت عليه حد القذف. كذا قال الحافظ ابن حجر، وفيه نظر، فقد أقر الابن، وجلد. 6

    3- ومن قصة اليهوديين في الروايات من الثالثة عشرة، حتى السادسة عشرة، دليل على وجوب حد الزنا على الكافر الذمي، وهو قول الجمهور، وفيه خلاف عند الشافعية، وأنه يصح نكاحه، لأنه لا يجب الرجم إلا على محصن فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه، ولم يرجم. وقال المالكية ومعظم الحنفية وربيعة شيخ مالك: شرط الإحصان الإسلام، وأجابوا عن حديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة، وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن. قالوا: وكان ذلك أول دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان مأمورًا باتباع حكم التوراة والعمل بها حتى ينسخ ذلك في شرعه، فرجم اليهوديين على ذلك الحكم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: 15] ثم نسخ ذلك بالتفرقة بين من أحصن، ومن لم يحصن. قال الحافظ ابن حجر: وفي دعوى الرجم على من لم يحصن نظر. وقال مالك: إنما رجم اليهوديين، لأن اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة، فتحاكموا إليه، ورده الطحاوي بأنه لو لم يكن واجبا عليه ما فعله. أقول: وليس بلازم أن يكون ما يفعله واجبًا عليه. ثم قال الطحاوي: وإذا أقام الحد على من لا ذمة له، فلأن يقيمه على من له ذمة أولى. اهـ. وسلم بعض المالكية بأنهما كانا من أهل العهد والذمة، واحتج بأن الحاكم مخير، إذا تحاكم إليه أهل الذمة بين أن يحكم فيهم بحكم الله، وبين أن يعرض عنهم، على ظاهر قوله تعالى {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [المائدة: 42]. فاختار صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أن يحكم بينهم. ورد بأن ذلك لا يستقيم على مذهب مالك، لأن شرط الإحصان عنده الإسلام، وهما كانا كافرين، ودافع ابن العربي عن هذا بأنهما كانا محكمين له في الظاهر، ومختبرين ما عنده في الباطن. هل هو نبي حق؟ أو مسامح في الحق؟ قال الحافظ ابن حجر: وهذا لا يرفع الإشكال، ولا يخلص عن الإيراد. اهـ أي لأنه صلى الله عليه وسلم في النهاية حكم ورجم، كيف؟ وهما كافران؟ وقال ابن العربي - وهو مالكي - والحق أحق أن يتبع، ولو جاءوني لحكمت عليهم بالرجم، ولم أعتبر الإسلام في الإحصان. اهـ وفي وجهات النظر تفصيلات أخرى لا يتسع لها المقام. 6
    4- وفي الحديث قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض. قال القرطبي: الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم، ولا على الكافر، لا في حد، ولا في غيره، ولا فرق بين السفر والحضر في ذلك، وقبل شهادتهم جماعة من التابعين وبعض الفقهاء، إذا لم يوجد مسلم، واستثنى أحمد حالة السفر، إذا لم يوجد مسلم. وقال النووي: الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف، فإن ثبت حديث جابر عند أبي داود فدعا بالشهود فلعل الشهود كانوا مسلمين، وإلا فلا عبرة بشهادتهم، ويتعين أنهما أقرا بالزنا، قال الحافظ ابن حجر: لم يثبت أنهم كانوا مسلمين، ولم يحكم صلى الله عليه وسلم فيهم، إلا مستندًا لما أطلعه الله تعالى، فحكم في ذلك بالوحي، وألزمهم الحجة بينهم، كما قال تعالى {وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] وأن شهودهم شهدوا عليهم عند أحبارهم بما ذكر، فلما رفعوا الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مستند حكمه ما أطلعه الله عليه. 6
    5- استدل بقول ابن عمر في نهاية الرواية الثالثة عشرة فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه أن الرجل يرجم قائمًا والمرأة قاعدة، وتعقب أنه واقعة عين، فلا دلالة فيها، وفعلهما وقت الرجم ليس حجة، وقد يقيها وهما واقفان، أو وهما قاعدان. 6
    6- وفيه أن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها، ويخفون بعض ما فيها. 6
    7- استدل به بعضهم على أن اليهود لم يسقطوا شيئًا من ألفاظها. والاستدلال به لذلك غير واضح، لاحتمال خصوص ذلك بهذه الواقعة فلا يدل على التعميم. 6
    8- واستدل به بعضهم على أن التوراة التي أحضرت حينئذ كانت كلها صحيحة، سليمة من التبديل، وهو مردود، باحتمال خصوص ذلك بهذه الواقعة أيضًا. 6
    9- ومن الرواية الثامنة عشرة وما بعدها زنا الأمة من قوله في الرواية الثامنة عشرة إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد وقوله في الرواية الواحدة والعشرين أقيموا على أرقائكم الحد استدل على أن السيد يقيم الحد على من يملكه من جارية وعبد، أما الجارية فبالنص، وأما العبد فبالإلحاق. وقد اختلف السلف فيمن يقيم الحدود على الأرقاء، فقالت طائفة: لا يقيمها إلا الإمام، أو من يأذن له، وهو قول الحنفية، وعن الأوزاعي والثوري: لا يقيم السيد إلا حد الزنا، وقال آخرون: يقيمها السيد، ولو لم يأذن الإمام له، وهو قول الشافعي، وعن ابن عمر، في الأمة إذا زنت، ولا زوج لها، يحدها سيدها، فإن كانت ذات زوج، فأمرها إلى الإمام. أخرجه عبد الرزاق، وبه قال مالك، إلا إن كان زوجها عبدًا لسيدها، فأمرها إلى السيد، واستثنى مالك القطع في السرقة، وهو وجه الشافعية، وفي آخر: يستثنى حد الشرب. وحجة الجمهور حديث علي رضي الله عنه روايتنا الواحدة والعشرين، واحتج ابن العربي لقول مالك في الأمة المتزوجة بأن للزوج تعلقًا بالفرج في حفظه عن النسب الباطل والماء الفاسد، فكان الأمر إليه، ورد هذا بأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع، وفيه من أحصن منهم، ومن لم يحصن. 70- في قوله إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فيجلدها الحد غير مقيد بالإحصان، أنه لا أثر للإحصان، وأن موجب الحد في الأمة مطلق الزنا، ومعنى فليجلدها الحد أي الحد اللائق بها المبين في الآية، وهو نصف ما على الحرة، ففيه دليل على أن العبد والأمة لا يرجمان، سواء كانا مزوجين، أم لا. 7

    1- ومن قوله ولا يثرب عليها أنه لا يوبخ الزاني، بل يقام عليه الحد فقط، قاله النووي. 7

    2- وأن الزاني إذا حد، ثم زنى ثانيًا يلزمه حد آخر فإن زنى ثالثة لزمه حد آخر، فإن حد، ثم زنى لزمه حد آخر، وهكذا أبدًا، فأما إذا زنى مرات، ولم يحد لواحدة منهن، فيكفيه حد واحد للجميع. 7

    3- أخذ بعضهم من قوله ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها، فليبعها وفي رواية البيع بعد الرابعة أن محصل الاختلاف هل يجلدها في الرابعة قبل البيع؟ أو يبيعها بلا جلد؟ والراجح الأول. 7
    4- وفي الحديث أن الزنا عيب، يرد به الرقيق، للأمر بالحط من قيمة المرقوق إذا وجد منه الزنا. 7
    5- وفيه جواز عطف الأمر المقتضي للندب على الأمر المقتضي للوجوب، لأن الأمر بالجلد واجب، والأمر بالبيع مندوب عند الجمهور، خلافًا لأبي ثور وأهل الظاهر، وادعى بعض الشافعية أن سبب صرف الأمر عن الوجوب أنه منسوخ. قال ابن بطال: حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مساعدة من تكرر منه الزنا، لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك، ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا، وحمله بعضهم على الوجوب، ولا سلف له من الأمة، فلا يستقل به. وقد ثبت النهي عن إضاعة المال، فكيف يجب بيع الأمة ذات القيمة، بحبل من شعر، لا قيمة له. فدل على أن المراد الزجر عن معاشرة من تكرر منه ذلك. 7
    6- وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، قال النووي: وهذا مجمع عليه، إذا كان البائع عالمًا به، فإن كان جاهلاً، فكذلك عندنا وعند الجمهور، ولأصحاب مالك فيه خلاف. 7
    7- أخذ من الحديث بعضهم أن يلزم السيد عند بيع الأمة أن يبين حالها للمشتري، لأنه عيب، والإخبار بالعيب واجب. قال النووي: فإن قيل:كيف يكره شيئًا ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب لعلها تستعف عند المشتري، بأن يعفها بنفسه، أو يصونها بهيبته، أو بالإحسان إليها، والتوسعة عليها، أو يزوجها، فالسبب الذي باعها لأجله، غير محقق الوقوع عند المشتري، وكثيرًا ما يتغير الحال بتغير المحل. 7
    8- ومن الرواية الواحدة والعشرين أن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى البرء. والله أعلم

    لا توجد بيانات