• 283
  • عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : " مَا لَهُ ؟ " قَالُوا : رَجُلٌ صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ "

    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا لَهُ ؟ قَالُوا : رَجُلٌ صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، يَقُولُ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَجُلًا بِمِثْلِهِ . وحَدَّثَنَاه أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، نَحْوَهُ ، وَزَادَ : قَالَ شُعْبَةُ : وَكَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ قَالَ : عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّذِي رَخَّصَ لَكُمْ قَالَ : فَلَمَّا سَأَلْتُهُ ، لَمْ يَحْفَظْهُ

    البر: البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
    لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
    حديث رقم: 1863 في صحيح البخاري كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر «ليس من البر الصوم في السفر»
    حديث رقم: 2096 في سنن أبي داوود كِتَاب الصَّوْمِ بَابُ اخْتِيَارِ الْفِطْرِ
    حديث رقم: 2255 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الصيام العلة التي من أجلها قيل ذلك، وذكر الاختلاف على محمد بن عبد الرحمن في حديث جابر بن عبد الله في ذلك
    حديث رقم: 2256 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الصيام العلة التي من أجلها قيل ذلك، وذكر الاختلاف على محمد بن عبد الرحمن في حديث جابر بن عبد الله في ذلك
    حديث رقم: 2257 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الصيام ذكر الاختلاف على علي بن المبارك
    حديث رقم: 2258 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الصيام ذكر الاختلاف على علي بن المبارك
    حديث رقم: 2259 في السنن الصغرى للنسائي كتاب الصيام ذكر اسم الرجل
    حديث رقم: 1895 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصِّيَامِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ، مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي
    حديث رقم: 1893 في صحيح ابن خزيمة كِتَابُ الصِّيَامِ جُمَّاعُ أَبْوَابِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ، مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي
    حديث رقم: 13935 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14151 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14166 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14246 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 14532 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 15017 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 356 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الطَّاعَاتِ وَثَوَابِهَا
    حديث رقم: 3621 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ
    حديث رقم: 3622 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ
    حديث رقم: 3623 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ
    حديث رقم: 2532 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ
    حديث رقم: 2533 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ
    حديث رقم: 2534 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ
    حديث رقم: 2535 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ
    حديث رقم: 2536 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَثُّ عَلَى السَّحُورِ
    حديث رقم: 8817 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الصِّيَامِ مَنْ كَرِهَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 1733 في سنن الدارمي وَمِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 737 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 4317 في مصنّف عبد الرزاق كِتَابُ الصَّلَاةِ
    حديث رقم: 7676 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ تَأْكِيدِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانَ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ
    حديث رقم: 7677 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ تَأْكِيدِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانَ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ
    حديث رقم: 386 في المنتقى لابن جارود كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الصِّيَامِ
    حديث رقم: 1080 في السنن الصغير للبيهقي جِمَاعُ أَبْوَابِ الصِّيَامِ بَابُ الْمُسَافِرِ يُفْطِرُ إِنْ شَاءَ ثُمَّ يَقْضِي
    حديث رقم: 164 في الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري
    حديث رقم: 1818 في مسند الطيالسي مَا أَسْنَدَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 2056 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 2057 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 2066 في شرح معاني الآثار للطحاوي كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 706 في مسند الشافعي وَمِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَتَرْكِ الْمُعَادِ مِنْهَا
    حديث رقم: 20 في اختلاف الحديث للشافعي اختلاف الحديث بَابُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ
    حديث رقم: 73 في الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ بَابُ ذِكْرِ الصِّيَامِ وَمَا نُسِخَ مِنْهُ
    حديث رقم: 74 في الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ بَابُ ذِكْرِ الصِّيَامِ وَمَا نُسِخَ مِنْهُ
    حديث رقم: 1081 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مِنْ مُسْنَدِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
    حديث رقم: 1841 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 2149 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 2253 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الصِّيَامِ بَابُ بَيَانِ إِبْطَالِ فَضْلِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ
    حديث رقم: 439 في معجم ابن المقرئ بَابُ الْأَلْفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 3865 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ
    حديث رقم: 10176 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ذِكْرُ مَنْ حَدَّثَ وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَالْأَعْلَامِ التَّابِعِينَ
    حديث رقم: 652 في أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني بَابُ الْأَلِفِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْكَاتِبُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ , ثِقَةٌ , صَاحِبُ كِتَابٍ , سَكَنَ الْمَدِينَةَ ، يَرْوِي عَنْ بَكْرٍ , آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ بَكْرِ بْنِ بَكَّارٍ ، وَسَمِعَ مِنَ هُرَيْمِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى
    حديث رقم: 672 في الضعفاء للعقيلي بَابُ السِّينِ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الصَّلْتِ

    [1115] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ماله قَالُوا رَجُلٌ صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ) مَعْنَاهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمُ الضَّرَرَ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيلَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَمَعْنَى الْجَمِيعِ فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ (فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةٍلِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَدَخَلَهَا لِتِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّلِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَدَخَلَهَا لِتِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّقَوْلَهُ (فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَتَحَزَّمَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فَتَخَدَّمَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَادَّعَوْا أَنَّهُ صَوَابُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْدُمُونَ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَلِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ شَدُّوا أَوْسَاطَهُمْ لِلْخِدْمَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي الْخِدْمَةِ وَمِنْهُ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ اجْتَهَدَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مِنَ الْحَزْمِ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالْأَخْذُ بِالْقُوَّةِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه. فقال: ما له. قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر أن تصوموا في السفر.
    المعنى العام:
    {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} [المائدة: 6]. {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78]. {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} [البقرة: 185]. صدق الله العظيم. نعم إن في الصوم مشقة؛ مشقة الجوع والعطش، والسفر يضاعف هذه المشقة أو يزيدها، مهما كانت وسائله مادامت مسافته تزيد على ثمانين كيلو متراً، كما حددتها الشريعة الإسلامية، وإذا سمحت ظروف البعض في بعض الأوقات استخدام وسيلة لا مشقة فيها فإن ذلك لا يمنع من قبول الرخصة التي رخص الله لعباده، والشريعة إنما تراعي حال الأكثرين والعموم، وليس الأقلين والخصوص، وحين يرفع الله الحرج عن الأمة بتخفيف مشقة لا يلزمها بهذا التخفيف، بل يفتح هذا الباب لها، فمن شاء دخله، ومن شاء لم يدخله. لقد صام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، وأفطر في السفر، فرخص بذلك لمن أطاق الصوم بدون مشقة ولا ضرر أن يصوم، ورخص لمن يرغب في الفطر في السفر أن يفطر. ونحن نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون أن الله قد منحه من قوة التحمل ما لم يمنحه لغيره من أفراد الأمة، فقد قال لأصحابه: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين. ومع ذلك يجهد أصحابه أنفسهم، فيقتدون به، ويصومون في السفر كما يصوم. لقد خرج من المدينة لفتح مكة في العاشر من رمضان، ومعه من الصحابة عشرة آلاف، خرج صائماً والناس صيام، صاموا يوماً ثم يوماً ثم يوماً، فقيل له: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون ما تفعل فيقتدون بك، وهزه هذا الخبر، وهو الذي يقول فيه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]. فلما قيل له عن حال الناس ما قيل -وكان الوقت عصراً- ركب ناقته وظهر للقوم، ودعا بإناء فيه شراب، فرفع يده به إلى أعلى، ليراه الناس، فشرب، وناوله من بجواره فشرب، ورأى الصحابة في رسولهم قدوة فأفطر كثير منهم. لكن البعض ظل صائماً، فلما نزلوا منزلاً في يوم شديد الحر، يتقي صاحب الرداء الشمس بردائه، ويتقي الأعزل الشمس بيده سقط الصائمون على الأرض أول ما نزلوا، يلهثون من العطش لا يستطيعون حراكاً، وتحزم المفطرون، وشمروا عن سواعدهم، وقاموا بضرب الخيام، وسقي الدواب، وجمع الماء، وإعداد المنزل للراحة، ورآهم صلى الله عليه وسلم، فشجعهم وشكرهم وحسن فعلهم، ووعدهم بالأجر الذي لم يبلغه الصائمون، فقال: ذهب المفطرون اليوم بالأجر. ومع ذلك تمسك البعض بالصيام، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل آخر رجلاً كالمغشى عليه، يتجمع الناس حوله مشفقين عليه، فقال: ما له؟ ماذا به من وجع؟ قالوا: ليس به وجع ولكنه صائم اشتد عليه الحر، وشق عليه الصوم. فقال صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر. ورغم كل هذا تمسك البعض بالصيام، وقد بقي على مكة وملاقاة أهلها ثلاثة أيام، فقال صلى الله عليه وسلم للصائمين: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم. واستجاب البعض فأفطر، وظل البعض صائماً، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: إنكم غداً صباحاً تلقون عدوكم والفطر أقوى لكم؛ أفطروا. وكان هذا الأمر لا يصح مخالفته، لكن قلة من الصائمين ظنوه إشفاقاً لا عزيمة، فصاموا، فأخبر بهم صلى الله عليه وسلم، فقال عنهم: أولئك العصاة، أولئك العصاة؛ عصوا أمري، واستحقوا العقوبة. وهكذا رغب صلى الله عليه وسلم في الفطر للمسافر، ورهب من صيامه إذا لحقته المشقة من الصيام، أو كان في فطره مصلحة ولو دنيوية لا يقدر عليها صائماً. وهكذا رأينا الإسلام سمحاً كريماً رحيماً بأهله، لا يحب العنت والمشقة وإن كانت في العبادة، والكيس من أوغل في الدين برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. المباحث العربية (خرج عام الفتح في رمضان) المراد من الفتح فتح مكة، ووقع في رواية عن الزهري أنه خرج لعشر مضين من رمضان، قال الحافظ ابن حجر: ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك [يشير إلى روايتنا السادسة وملحقها] والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه. اهـ. واختلاف الرواة في حديثنا لا يضر، لأن الأيام المذكورة كلها في داخل أيام السفر، ولعل الرواة لم يقصدوا يوم البداية، ومن سافر أسبوعاً صح أن يقول: سافرت يوم السبت ويوم الثلاثاء. وملحق روايتنا الأولى فصبح مكة لثلاث عشر ليلة خلت يراد من صبح مكة صبح الإشراف عليها ودخول ضواحيها أو أعمالها. (فصام حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال، وهي عين جارية بينها وبين المدينة نحو (165) مائة وخمسة وستين ميلاً، وبينها وبين مكة نحو خمسين ميلاً. وفي روايتنا الثانية فصام حتى بلغ عسفان بضم العين وسكون السين، وهي قرية على نحو ثمانية وأربعين ميلاً من مكة، هذا والمقاييس هنا تقريبية، لأن الطرق كانت متشعبة، تدور أحياناً حول هضبة، وأحياناً ترتقيها. وفي روايتنا الرابعة حتى بلغ كراع الغميم والكراع بضم الكاف كل طرف مستطيل من الجبل، وكراع الغميم اسم واد أمام عسفان، واختلفت الروايات في اسم الموضع الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة لأنها متقاربة، والكل من عمل عسفان. (ثم أفطر) في روايتنا الثانية ثم دعا بإناء فيه شراب، فشربه نهاراً ليراه الناس، ثم أفطر أي أكل، أو ظل مفطراً حتى دخل مكة، لم يصم يوماً آخر. وقول ابن عباس: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر معناه -كما في الرواية الثالثة- صام في السفر وأفطر أي صام في السفر أياماًَ وأفطر في السفر أياماًً. (وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره) وفي ملحق الرواية وكان يؤخذ بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الملحق الثاني وكان الفطر آخر الأمرين وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر، وفي الملحق الثالث ويرونه الناسخ المحكم، قال الحافظ ابن حجر: هذه الزيادة من قول الزهري، وقعت مدرجة عند مسلم، جزم بذلك البخاري في الجهاد، وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ، ولم يوافق على ذلك. اهـ. (ليراه الناس) قال الحافظ ابن حجر: كذا للأكثر، والناس بالرفع على الفاعلية، وفي رواية ليريه الناس بضم الياء الأولى وكسر الراء والناس بالنصب على المفعولية، قال: ويحتمل أن يكون الناسخ كتب ألف ليراه ياء فلا يكون بين الروايتين اختلاف. اهـ. (فمن شاء صام ومن شاء أفطر) كثيراً ما يحذف مفعول المشيئة للعلم به، والأصل فمن شاء الصيام صام، ومن شاء الإفطار أفطر. (لا تعب على من صام) تعب بفتح التاء وكسر العين، نهى عن العيب واللوم، والخطاب لطاووس الراوي عن ابن عباس، أو لكل من يتأتى خطابه. أي لا تعب أيها المسلم. (فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء) في ملحق الرواية فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، وفي الرواية الثانية ثم دعا بإناء فيه شراب وعند الطحاوي فدعا بقدح من لبن فيحتمل أنه دعا بقدح من ماء أو من شراب أو من لبن. (فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب) في الرواية الثانية فشربه نهاراً حتى يراه الناس، وعند الطحاوي فدعا بقدح من لبن، فأمسكه بيده حتى رآه الناس، وهو على راحلته، ثم شرب فأفطر، فناوله رجلاً إلى جنبه فشرب. (فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام؟ فقال أولئك العصاة. أولئك العصاة) قال النووي: هذا هو في الأصول مكرر مرتين. اهـ. وظاهره أن يكون الصائم في السفر عاصياً بصيامه، لكن الرواية الرابعة عشرة ترفع هذا الإيهام، وفيها أنه عرض الفطر أولاً على طريق الرخصة، وأمر به ثانياً عند قرب لقاء العدو على طريق العزيمة، فمن صام بعد الأمر به على طريق العزيمة يكون عاصياً. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلاً) هذا السفر هو سفر فتح مكة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم هذا الرجل، وخطأ من قال: إنه أبو إسرائيل. (قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه) في رواية الطبري سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في حر شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة، وهو مضطجع كضجعة الوجع. (فقال: ما له؟) في رواية البخاري ما هذا؟، وفي رواية الطبري ما لصاحبكم؟ أي وجع به؟. (قالوا: رجل صائم) في رواية الطبري فقالوا: ليس به وجع ولكنه صائم، وقد اشتد عليه الحر. (ليس البر أن تصوموا في السفر) رواية البخاري ليس من البر الصوم في السفر والبر بكسر الباء الطاعة، والبر أيضاً الإحسان والخير، ومنه بر الوالدين. (عليكم برخصة الله الذي رخص لكم) في بعض النسخ برخصة الله التي رخص لكم وهي أوضح. (فلا يجد الصائم على المفطر) يقال: وجد عليه بفتح الجيم يجد عليه بكسر الجيم موجدة أي غضب. (فضربوا الأبنية وسقوا الركاب) أي نصبوا الخيام وأقاموها، وسقوا الدواب. (فتحزم المفطرون وعملوا) قال النووي: بالحاء المهملة والزاي، وكذا نقله القاضي عياض عن أكثر رواة صحيح مسلم. قال: ووقع لبعضهم فتخدم بالخاء المعجمة والدال المهملة، قال: وادعوا أنه صواب الكلام لأنهم كانوا يخدمون. قال القاضي: والأول صحيح أيضاً، ولصحته ثلاثة أوجه، أحدها، معناه شدوا أوساطهم للخدمة، والثاني: أنه استعارة للاجتهاد في الخدمة، ومنه إذا دخل العشر اجتهد وشد المئزر، والثالث: أنه من الحزم، وهو الاحتياط والأخذ بالقوة، والاهتمام بالمصلحة. (وهو مكثور عليه) أي عنده كثيرون من الناس. (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم. فكانت رخصة) أي فكانت الدعوة إلى الفطر عرضاً خفيفاً على هيئة الإذن والترخيص، وليس أمراً قوياً جازماً. فهم ذلك أبو سعيد الخدري. كما فهمه الصحابة، فمنهم من عمل بالرخصة فأفطر، ومنهم من واصل الصيام، فعبارة الدنو من الأعداء تصدق مع بقاء أميال وأيام، لأنه ينسب إلى البعد بين المدينة وبين مكة، بخلاف قوله في المنزل الآخر إنكم مصبحو عدوكم التي أعقبها الأمر الصريح بالفطر بقوله فأفطروا فمن صام بعد هذا الأمر كان عاصياً. (لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر) أي رأيت أنفسنا، وهذا يرد فهم الزهري أن آخر الأمور الفطر في السفر. (إني رجل أسرد الصوم) أي أتابعه، أي آتي به متوالياً، من سرد بالفتح يسرد بالضم. (حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه) إن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، واللام في خبرها هي الفارقة بينها وبين النافية والتقدير: إن الحال والشأن كان أحدنا...إلخ. (وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) رواحة بفتح الراء. قال الحافظ ابن حجر: عبد الله بن رواحة استشهد بغزوة مؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف، وإن كانتا جميعاً في سنة واحدة، فصح أن هذه السفرة غير سفرة الفتح، وأيضاً فإن سياق أحاديث غزوة الفتح أن الذين استمروا من الصحابة صياماً كانوا جماعة. قال: ولا يصح حمل السفرة هذه على بدر، لأن أبا الدرداء القائل لقد رأيتنا...إلخ لم يكن أسلم حينئذ. فقه الحديث اختلف العلماء في صوم رمضان في السفر، فقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه لم ينعقد، ويجب قضاؤه، واستدلوا بأدلة: (أ) ظاهر قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} قالوا: ظاهره فعليه عدة من أيام أخر، أو قالوا يجب عدة من أيام أخر. (ب) قوله صلى الله عليه وسلم عن الذين صاموا في [روايتنا الرابعة] أولئك العصاة، أولئك العصاة. (جـ) قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر [روايتنا الخامسة] قالوا: ومقابل البر الإثم، وإذا كان آثماً بصومه لم يجزئه. (د) قوله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر روايتنا الثانية عشرة والثالثة عشرة. (هـ) قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبري من طريق مجاهد إذا سافرت فلا تصم. فإنك إن تصم قال أصحابك: أكفوا الصائم. ارفعوا للصائم، وقاموا بأمرك، وقالوا: فلان صائم، فلا تزال كذلك حتى يذهب أجرك. (و) ما أخرجه أحمد أن رجلاً قال لابن عمر: إني أقوى على الصوم في السفر؟ فقال له ابن عمر: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة. (ز) الحديث المشهور الذي أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وأخرجه الطبري عن عائشة مرفوعاً ورواه الأثرم عن أبي سلمة مرفوعاً، وكذلك أخرجه النسائي وابن المنذر. (حـ) وأن الفطر كان آخر الأمرين، وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله، فصومه صلى الله عليه وسلم في السفر منسوخ [روايتنا الأولى]. وروي عن ابن عمر أنه قال: من صام قضاه، وعن ابن عباس لا يجزئه الصيام وحكي بطلان صوم المسافر عن أبي هريرة. ذكر ذلك النووي في المجموع. وفي مقابل أهل الظاهر ذهب جماعة من العلماء -كما حكى الطبري- إلى أن الفطر في السفر لا يجوز إلا لمن خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة. قال النووي: قال جماهير العلماء وجميع أهل الفتوى: يجوز صومه في السفر، وينعقد ويجزيه. واختلفوا في أن الصوم أفضل؟ أم الفطر أفضل؟ أم هما سواء، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأكثرون: الصوم أفضل لمن أطاقه بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر، فإن تضرر به فالفطر أفضل. اهـ. وقال كثير من العلماء الفطر أفضل مطلقاً عملاً بالرخصة، قال الحافظ ابن حجر: وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحق وقال آخرون: هو مخير مطلقاً وهما سواء. وقال آخرون: أفضلهما أيسرهما، لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه، وإن كان الصيام أيسر، كمن يسهل عليه حينئذ، ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل. قال الحافظ ابن حجر: والذي يترجح قول الجمهور، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة. وأجاب عن أهل الظاهر بما حاصله: (أ) عن الآية بأن التقدير: فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، فعدة الأيام الأخر مرتبة على الإفطار، وليست مطلقاً. (ب) وعن حديث أولئك العصاة بأن نسبة الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم وأمرهم بالفطر، فخالفوه [روايتنا الرابعة عشر توضح ذلك]. (جـ) وعن قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر قال: سلك المجيزون فيه طرقاً، قال بعضهم: قد خرج على سبب، فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله. قال ابن دقيق العيد: أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم، ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزل قوله ليس من البر الصوم في السفر على مثل هذه الحالة. وقال ابن المنير في الحاشية: هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لهذا الرجل أنه يساويه في الحكم، وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله. اهـ وحمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة، فقال معنى قوله ليس من البر أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح، قال: ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم. وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون براً، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلاً. قال: وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الحديث؛ فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه، ويستحي أن يسأل، ولا يفطن له. (د-هـ) بأن ذهاب المفطرين بالأجر، أي بالأجر الأعلى، لأنهم قاموا بخدمة الصائمين وأعانوهم على صيامهم، وليس معنى ذلك عدم الأجر للصائم. وأما حديث إذا سافرت فلا تصم.... فإنه يدل على أن الفطر أفضل لمن يحتاج إلى عمل لا يقوى عليه وهو صائم، ويحتاج بذلك مساعدة الآخرين. (و) وأما قول ابن عمر من لم يقبل رخصة الله....إلخ، فهو ظاهر فيمن أعرض عن قبول الرخصة. (ز) وأما حديث الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فهو ضعيف وعلى فرض صحته فهو محمول على من أعرض عن قبول الرخصة، أو على من يشق عليه الصيام ويتضرر به، جمعاً بين الأحاديث. (حـ) وأما أن الفطر آخر الأمرين فهو مدرج وليس من الحديث كما سبق، وأحاديثنا ظاهرة في خلافه، وروايتنا الرابعة عشرة وقول ابن مسعود فيها لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر هذه الرواية نص في المسألة كما يقول ابن حجر. أما شروط إفطار المسافر في رمضان فقد قال عنها النووي في المجموع: لا يجوز الفطر في رمضان في سفر معصية بلا خلاف، ولا في سفر آخر دون مسافة القصر، وهي ثمانية وأربعون ميلاً، وهي مرحلتان، وبهذا قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام، وقال قوم: يجوز في كل سفر وإن قصر. اهـ. ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

    1- قال النووي: في قوله فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر في الرواية الأولى دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان.

    2- وأن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض، ولا يلزم بصوم بعضه إتمامه، وقد غلط بعض العلماء في فهم الحديث، فتوهم أن الكديد وكراع الغميم من المدينة، وأن قوله فصام حتى بلغ الكديد وكراع الغميم كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة، فزعم أنه خرج من المدينة صائماً، فلما بلغ كراع الغميم في يومه أفطر في نهار، واستدل به هذا القائل على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه. قال: ومذهب الشافعي والجمهور أنه لا يجوز الفطر في ذلك اليوم، وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر، واستدلال هذا القائل بهذا الحديث من العجائب الغريبة، لأن الكديد وكراع الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة. اهـ. والنووي بذلك يشير إلى أبي مخلد التابعي حيث قال: إن من استهل عليه رمضان في الحضر، ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قال ابن المنذر: وقال أكثر أهل العلم: لا فرق بينه وبين من استهل رمضان في السفر، ثم ساق بإسناد صحيح عن ابن عمر قال: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} نسخها قوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر} الآية، ففهم ابن عمر من الآية ما فهمه ابن مخلد أن المراد من شهود الشهر شهوده أو شهود بعضه في الحضر، والمراد من فليصمه فليصم الشهر كله لا يفطر حضراً ولا سفراً، لكن الجمهور لا يقول بالنسخ ويفسر الآية بأن المعنى من شهد في الحضر الشهر كله فليصمه، فإن شهد بعضه في الحضر فليصم ما شهده. ولا بد من هذا التفسير للجمع بين الأدلة. أما إذا سافر المقيم، وكان قد نوى الصيام في الليل، ولم يفارق العمران إلا بعد الفجر فليس في الحديث ما يشير إلى حكمه، ومذهب الشافعي المعروف من نصوصه أنه ليس له الفطر في ذلك اليوم، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال بعض الشافعية: له الفطر، وهو مذهب أحمد وإسحق.

    3- وأن المسافر في أثناء سفره إذا أصبح صائماً ثم أراد أن يفطر فله أن يفطر، لأن العذر قائم، فجاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر، ففي الحديث رد لما ذهب إليه بعض الشافعية من أنه لا يجوز له أن يفطر ذلك اليوم، لأنه دخل في فرض المقيم، فلا يجوز له أن يترخص برخصة المسافر، كما لو دخل في الصلاة بنية الإتمام، ثم أراد أن يقصر. وأجيب بأن من دخل في الصلاة تامة التزم الإتمام فلم يجز له القصر لئلا يذهب ما التزمه لا إلى بدل، وأما المسافر إذا صام ثم أفطر فلا يترك الصوم إلا إلى بدل، وهو القضاء.
    4- أخذ بعضهم من قول الزهري في ملحق الرواية الأولى وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره نسخ المتأخر للمتقدم من أمره صلى الله عليه وسلم أو رجحان الثاني مع جوازهما. والتحقيق أن ذلك ليس بلازم، فقد يفعل صلى الله عليه وسلم متأخراً خلاف الأولى لبيان الجواز، لكنه كان يحافظ على الأفضل.
    5- أخذ بعضهم من الرواية الخامسة وملحقها استحباب التمسك بالرخصة عند الحاجة إليها.
    6- وكراهة تركها على وجه التشديد والتنطع.
    7- أخذ الجمهور من إطلاق الفطر جوازه بكل مفطر، وفرق أحمد في المشهور عنه بين الفطر بالجماع وغيره، فمنعه بالجماع. قال: فلو جامع فعليه الكفارة إلا إن أفطر بغير الجماع قبل الجماع.
    8- ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من الأدب، وعدم عيب بعضهم على فعل بعض، والتحلي بحسن الخلق والتماس العذر، وعدم التزمت، وعدم المعارضة، وعدم الهوى، وحب الرأي.
    9- ومن الرواية الثانية عشرة فضل الكفاح في أمور الدنيا، وأنه قد يفضل العبادة. 10- ومن قوله في الرواية السادسة عشرة إني رجل أسرد الصوم أخذ بعضهم جواز صوم الدهر، وأنه لا كراهة فيه، قال النووي: فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف منه ضرراً، ولا يفوت به حقاً، ويشترط فطر يومي العيد والتشريق لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره، وأذن له في السفر، ففي الحضر أولى. اهـ وأجيب بأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، قال الحافظ ابن حجر: فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد، بل الجمع بينهما واضح. والله أعلم

    لا توجد بيانات