• 652
  • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولِ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ " ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا "

    وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولِ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا

    ولى: ولى : انصرف
    تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ

    [14] (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) فَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُوفِي بِمَا الْتَزَمَ وَأَنَّهُ يَدُومُ عَلَى ذَلِكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه. فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
    المعنى العام:
    يقول رجل من قيس: وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبته فلقيته بعرفات فتزاحمت عليه، فقيل لي: إليك عنه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا الرجل، فزاحمتهم عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام ناقته، فما تغير علي، قال: ما تريد؟ قلت: يا رسول الله. شيئان أسألك عنهما، أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار. قال الرجل: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ثم نظر إلى أصحابه، فقال: لقد وفق إلى الخير في سؤاله. ثم أقبل علي بوجهه فقال: لئن كنت قد أوجزت المقالة لقد أعظمت وطولت. أعد سؤالك، ماذا قلت؟ قال: قلت: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ونجوت من النار. قال فاعقل علي، أعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا من الأوثان، وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة، وصم رمضان، وصل رحمك. قال: فقلت: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذه الأوامر شيئا أبدا، ولا أنقص منها شيئا: قال صلى الله عليه وسلم: دع الناقة فقد استوفيت. فترك الرجل الناقة وانصرف. فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن تمسك هذا الرجل بما أمر به دخل الجنة، ومن أحب مسرورا أن يرى رجلا من أهل الجنة يحرص على دخولها ويسعى من أجلها فلينظر إلى هذا. المباحث العربية (عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم) عرض له من باب ضرب وسمع، ظهر عليه وبدا له وتعرض له. (وهو في سفر) الجملة حال من رسول الله وقد بين السفر في بعض الروايات بأنه كان سفر حج، وأن تعرض الأعرابي كان في عرفات. (فأخذ بخطام ناقته) الخطام بكسر الخاء حبل من ليف أو شعر أو كتان، يجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة، ثم يقلد البعير، ثم يثني على مخطمه، فإذا ضفر من الجلد فهو جرير. (أو بزمامها) شك من الراوي، والزمام هو الحبل الدقيق الذي يجعل في الأنف، لتقاد به الناقة. وإنما أمسك بخطام الناقة أو زمامها، ليتمكن من السؤال والجواب من غير مشقة. (بما يقربني من الجنة) أي بالعمل الذي إذا عملته يدنيني من الجنة، والمراد من التقريب والإدناء من الجنة دخولها، لا مجرد القرب منها، بدليل الرواية الثالثة وفيها إذا عملته دخلت الجنة. (وما يباعدني من النار) لا شك أن ما يقرب من الجنة يباعد من النار، لكن الرجل لم يكتف بالدلالة الالتزامية لشدة الحرص، فصرح باللازم. (فكف النبي صلى الله عليه وسلم) أي كف عن المشي بأن توقف واستسلم لإمساك الرجل الزمام، ولم يدفع ناقته للسير، أو كف عن الكلام، فلم يسرع بالجواب، ليلفت نظر الصحابة ويجذب انتباههم اهتماما بالسؤال وجوابه. (ثم نظر في أصحابه) التعبير بحرف التراخي يشعر بسكتة لطيفة بين سماع السؤال والنظر، كأنه صلى الله عليه وسلم أطرق مفكرا في أثر الإسلام في الأعراب، وكيف نقلهم من الحرص على الشاة والبعير إلى الحرص على العمل الروحي الموصل إلى النعيم المقيم مستحسنا إيجاز السؤال مع الاستيفاء. وإنما نظر صلى الله عليه وسلم في أصحابه لزيادة جذب انتباههم واستعدادهم لسماع السؤال والجواب، وكان تعدي نظر بفي للدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم نشر النظر وبثه في أفرادهم واحدا واحدا، ولم ينظر إلى مجموعهم نظرة سطحية. (لقد وفق-أو لقد هدي-) بالبناء للمجهول، وبأو التي للشك من الراوي في أي اللفظين صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومتعلق التوفيق والهداية محذوف، والتقدير: لقد وفق إلى الخير في سؤاله، أو لقد هدي بسؤاله إلى الصواب. واللام في لقد في جواب قسم مقدر. (كيف قلت؟) كيف للسؤال عن الأحوال العامة، لكن الظاهر هنا أنه سؤال عن ذات السؤال لإعادته، بدليل أن الرجل أعاد، فكان مقتضى الظاهر أن يكون السؤال: ماذا قلت؟ لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى السؤال بكيف، للإشارة إلى الحرص على إعادة السؤال بحالته وهيئته دون تغيير. والمعنى: على أي حالة قلت قولك وسألت سؤالك؟ ومحل كيف النصب على الظرفية، وهي وإن لم تكن مكانا ولا زمانا لكن الظرف يطلق عليها مجازا، لأنها في تأويل الجار والمجرور قاله ابن مالك. (فأعاد) مفعوله محذوف أي فأعاد السؤال. (تعبد الله لا تشرك به شيئا) العبادة الطاعة مع الخضوع، فإن كان المراد منها هنا معرفة الله والإقرار بوحدانيته كان عطف الصلاة والزكاة عليها لإدخالهما فيما يقرب من الجنة، وإن كان المراد من العبادة الطاعة مطلقا دخلت جميع أمور الدين فيها، ويكون عطف الصلاة والزكاة عليها من عطف الخاص على العام لمزيد العناية بهذا الخاص. وعبادة الله عبادة حقة تستلزم عدم الإشراك به شيئا. لكنه صرح باللازم للنهي عما كان عليه الكفار من عبادة الأوثان لتقربهم إلى الله. وقد جاءت جملة لا تشرك به شيئا معطوفة على سابقتها بالواو في حديث سؤال جبريل، وهي هنا بدون واو في جميع الروايات، فموقعها حال من فاعل تعبد والتقدير: تعبد الله غير مشرك به شيئا، أي تعبد الله موحدا له توحيدا كاملا. (وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة) في الرواية الثالثة: وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وقد قيل: إن تقييد الصلاة بالمكتوبة لاتباع القرآن في قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] وتقييد الزكاة بالمفروضة للاحتراز من صدقة التطوع. (وتصل الرحم) رحم الإنسان قرابته، وصلتهم مواساتهم والإحسان إليهم، وفي الرواية الثانية وتصل ذا رحمك فـ ذا بمعنى صاحب مفعول تصل. (دع الناقة) أمر بترك خطام الناقة أو زمامها حيث قد أجيب. (إن تمسك بما أمر به) جاءت هذه العبارة في الرواية الثانية، وما موصولة وأمر مبني للمجهول وبه جار ومجرور. وضبطه بعضهم بما أمرته بالفعل المبني للمعلوم وبتاء الفاعل بدل حرف الجر، قال النووي: وكلاهما صحيح. فقه الحديث في الحديث ستة إشكالات وجوابها: الأول: لم يذكر الصوم في الروايتين الأولى والثانية، وذكر في الرواية الثالثة ولم يذكر فيها صلة الرحم، فما وجه التوفيق؟ وأجيب بأن اختلاف الأحاديث بالزيادة والنقصان إنما هو من تقصير الرواة واختلافهم في الحفظ والضبط، ويدفع العيني اتهام الرواة بالتقصير وضعف الحفظ، ويرجع الاختلاف إلى اجتهاد الرواة وتحديثهم حسبما يقتضيه المقام باختلاف الموقع واختلاف الزمان، وهو توجيه حسن. الثاني: لماذا لم يذكر الحج في جميع روايات هذا الحديث؟ وأجيب باحتمال أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره واختصر بفعل الرواة. والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكره، لأن الرجل كان حاجا وكان واقفا في عرفات. الثالث: اختلفت إجابات الرسول صلى الله عليه وسلم عن صالح الأعمال وما يقرب من الله، فما وجه التوفيق بينها؟. وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يخص بعض السائلين ببعض خصال الخير نظرا لاختلاف أحوالهم، فكان يأمرهم بما هو المهم بالنسبة إلى كل منهم، إما لمشقة المأمور به عليهم، أو لتهاونهم في أمره، وكأنه صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أن هذا الأعرابي مقصر في صلة الرحم فأمره بها. الرابع: كيف ساغ للرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم على هذا الرجل بأنه من أهل الجنة، حيث قال في الرواية الثالثة من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، مع أنه قد لا يفي بوعده؟ وأجاب النووي بأنه صلى الله عليه وسلم علم بطريق الوحي أنه يوفي بما التزمه وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة. وقيل: إن الكلام فيه قيد ملاحظ، ورد هذا القيد دون المقيد في الرواية الثانية. والأصل: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا إن تمسك بما أمر به. الخامس: كيف رتب صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على فعل المأمور به مع أن دخول الجنة موقوف كذلك على الكف عن المنهي عنه؟ وأجيب بأنه مقصود طوى للعلم به، وقيل: إن عبادة الله شاملة لفعل المأمورات واجتناب المنهيات، فإن تمسك بالعبادة الشاملة لهما دخل الجنة. السادس: على فرض أن هذا الأعرابي مبشر بالجنة بنص الرواية الثالثة، كيف يوفق بين هذا وبين ما هو معلوم من أن المبشرين بالجنة عشرة معروفون؟ وأجاب العيني بأن التنصيص على العدد لا ينافي الزيادة، وقد ورد في حق كثير مثل ذلك، كما جاء في الحسن والحسين، وقيل: العشرة بشروا بالجنة دفعة واحدة فلا ينافي المتفرق. ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم 1 - ما كان عليه الأعراب من غلظة وجفاء معاملة لا تليق ومقامه صلى الله عليه وسلم. 2 - حلمه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وحسن معاملته. 3 - إشعار المسيء بإساءته رغم العفو عنه وعدم مؤاخذته تقديرا لعذره فقد أمر صلى الله عليه وسلم الأعرابي بترك الناقة إشعارا له بأنه ما كان ينبغي أن يقع منه ذلك. 4 - تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها حسب حال المخاطب. 5 - فيه البشارة والتبشير للمؤمن. 6 - قال القرطبي: في هذا الحديث دلالة على جواز ترك التطوعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه، فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا لورود الوعيد عليه في قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني. وقد كان صدر الصحابة ومن بعدهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما. وإنما احتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليها من وجوب الإعادة وتركها، والحكم بالعقاب عن الترك ونفيه. ثم قال: ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام.

    لا توجد بيانات