• 694
  • لَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ذَاكِرًا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ : " اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ : أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ : أَغْنِهَا عَنَّا ، فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : " ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا "

    حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ ، عَنْ مُنْذِرٍ ، عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : لَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ذَاكِرًا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ : اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ : أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَقَالَ : أَغْنِهَا عَنَّا ، فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا قَالَ الحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ ، عَنْ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : أَرْسَلَنِي أَبِي ، خُذْ هَذَا الكِتَابَ ، فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ ، فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ

    سعاة: السعاة : جمع ساع وهو العامل الذي يجمع أموال الزكاة
    سعاتك: السعاة : العاملون على جمع الخمس والصدقات
    أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمُرْ

    [3111] قَوْلُهُ لَوْ كَانَ عَلِيٌّ ذَاكِرًا عُثْمَانَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ قُتَيْبَةَ ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِسُوءٍ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ حَدَّثَنِي مُنْذِرٌ قَالَ كُنَّا عِنْدَ بن الْحَنَفِيَّةِ فَنَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ مِنْ عُثْمَانَ فَقَالَ مَهْ فَقُلْنَا لَهُ أَكَانَ أَبُوكَ يَسُبُّ عُثْمَانَ فَقَالَ مَا سَبَّهُ وَلَوْ سَبَّهُ يَوْمًا لَسَبَّهُ يَوْمَ جِئْتُهُ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْاسُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ قَوْلُهُ أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ قَوْلُهُ اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ(قَوْلُهُ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ أَيْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْحَادِثِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالطَّحِينَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا فَذَكَرَ الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْمِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَلَا الْأَرَامِلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ الضَّمْرِيِّ عَنْ ضُبَاعَةَ أَوْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ فَقَالَ سَبَقَكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ من حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تُرْسِلَ السِّتْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ الْخُمُسَ حَيْثُ يَرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ اسْتِحْقَاقٌ لِلْغَانِمِينَ وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ هُوَ الْخُمُسُ وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَأَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَقْرَبِيهِ وَصَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ لَوْ كَانَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى قَسْمًا مَفْرُوضًا لَأَخْدَمَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ شَيْئًا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهَا وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَزَادَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا بِذَلِكَ وَقَسَمَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْهُ حَقًّا مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفَيْءِ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاتَهُ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ فَاطِمَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَخْرَجُوا الْخُمُسَ مِنْ أَوَّلِ غَنِيمَةٍ غَنِمُوهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصَّةَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ الرَّأْسِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فَاطِمَةُ فَكَانَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ يَسِيرًا جِدًّا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَوْ أَعْطَاهَا الرَّأْسَ أَثَّرَ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ عَلَى بَعْضٍ وَيُعْطِيَ الْأَوْكَدَ فَالْأَوْكَدَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ حَمْلُ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ عَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْقُنُوعِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الصَّابِرِينَ فِي الْآخِرَةِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخِيرًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْإِيثَارِ عَدَمُ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ فَفِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْآخَرِ إِيثَارُ الْآخِذِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثَمَانِيَة أَبْوَاب(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يَعْنِي وَلِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ لِلْمِلْكِ وَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِسُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ قَوْلُهُ أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ قَوْلُهُ اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ(قَوْلُهُ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ أَيْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْحَادِثِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالطَّحِينَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا فَذَكَرَ الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْمِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَلَا الْأَرَامِلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ الضَّمْرِيِّ عَنْ ضُبَاعَةَ أَوْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ فَقَالَ سَبَقَكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ من حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تُرْسِلَ السِّتْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ الْخُمُسَ حَيْثُ يَرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ اسْتِحْقَاقٌ لِلْغَانِمِينَ وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ هُوَ الْخُمُسُ وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَأَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَقْرَبِيهِ وَصَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ لَوْ كَانَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى قَسْمًا مَفْرُوضًا لَأَخْدَمَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ شَيْئًا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهَا وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَزَادَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا بِذَلِكَ وَقَسَمَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْهُ حَقًّا مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفَيْءِ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاتَهُ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ فَاطِمَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَخْرَجُوا الْخُمُسَ مِنْ أَوَّلِ غَنِيمَةٍ غَنِمُوهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصَّةَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ الرَّأْسِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فَاطِمَةُ فَكَانَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ يَسِيرًا جِدًّا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَوْ أَعْطَاهَا الرَّأْسَ أَثَّرَ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ عَلَى بَعْضٍ وَيُعْطِيَ الْأَوْكَدَ فَالْأَوْكَدَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ حَمْلُ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ عَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْقُنُوعِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الصَّابِرِينَ فِي الْآخِرَةِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخِيرًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْإِيثَارِ عَدَمُ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ فَفِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْآخَرِ إِيثَارُ الْآخِذِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثَمَانِيَة أَبْوَاب(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يَعْنِي وَلِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ لِلْمِلْكِ وَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِسُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ قَوْلُهُ أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ قَوْلُهُ اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ(قَوْلُهُ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ أَيْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْحَادِثِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالطَّحِينَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا فَذَكَرَ الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْمِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَلَا الْأَرَامِلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ الضَّمْرِيِّ عَنْ ضُبَاعَةَ أَوْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ فَقَالَ سَبَقَكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ من حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تُرْسِلَ السِّتْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ الْخُمُسَ حَيْثُ يَرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ اسْتِحْقَاقٌ لِلْغَانِمِينَ وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ هُوَ الْخُمُسُ وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَأَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَقْرَبِيهِ وَصَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ لَوْ كَانَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى قَسْمًا مَفْرُوضًا لَأَخْدَمَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ شَيْئًا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهَا وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَزَادَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا بِذَلِكَ وَقَسَمَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْهُ حَقًّا مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفَيْءِ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاتَهُ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ فَاطِمَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَخْرَجُوا الْخُمُسَ مِنْ أَوَّلِ غَنِيمَةٍ غَنِمُوهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصَّةَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ الرَّأْسِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فَاطِمَةُ فَكَانَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ يَسِيرًا جِدًّا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَوْ أَعْطَاهَا الرَّأْسَ أَثَّرَ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ عَلَى بَعْضٍ وَيُعْطِيَ الْأَوْكَدَ فَالْأَوْكَدَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ حَمْلُ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ عَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْقُنُوعِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الصَّابِرِينَ فِي الْآخِرَةِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخِيرًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْإِيثَارِ عَدَمُ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ فَفِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْآخَرِ إِيثَارُ الْآخِذِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثَمَانِيَة أَبْوَاب(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يَعْنِي وَلِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ لِلْمِلْكِ وَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِسُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ قَوْلُهُ أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ قَوْلُهُ اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ(قَوْلُهُ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ أَيْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْحَادِثِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالطَّحِينَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا فَذَكَرَ الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْمِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَلَا الْأَرَامِلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ الضَّمْرِيِّ عَنْ ضُبَاعَةَ أَوْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ فَقَالَ سَبَقَكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ من حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تُرْسِلَ السِّتْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ الْخُمُسَ حَيْثُ يَرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ اسْتِحْقَاقٌ لِلْغَانِمِينَ وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ هُوَ الْخُمُسُ وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَأَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَقْرَبِيهِ وَصَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ لَوْ كَانَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى قَسْمًا مَفْرُوضًا لَأَخْدَمَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ شَيْئًا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهَا وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَزَادَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا بِذَلِكَ وَقَسَمَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْهُ حَقًّا مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفَيْءِ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاتَهُ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ فَاطِمَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَخْرَجُوا الْخُمُسَ مِنْ أَوَّلِ غَنِيمَةٍ غَنِمُوهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصَّةَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ الرَّأْسِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فَاطِمَةُ فَكَانَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ يَسِيرًا جِدًّا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَوْ أَعْطَاهَا الرَّأْسَ أَثَّرَ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ عَلَى بَعْضٍ وَيُعْطِيَ الْأَوْكَدَ فَالْأَوْكَدَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ حَمْلُ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ عَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْقُنُوعِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الصَّابِرِينَ فِي الْآخِرَةِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخِيرًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْإِيثَارِ عَدَمُ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ فَفِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْآخَرِ إِيثَارُ الْآخِذِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثَمَانِيَة أَبْوَاب(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يَعْنِي وَلِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ لِلْمِلْكِ وَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِسُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ قَوْلُهُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ قَوْلُهُ أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ قَوْلُهُ اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ(قَوْلُهُ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ أَيْ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسَاكِينِ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهُوَ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْحَادِثِ وَإِيثَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالْأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالطَّحِينَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا فَذَكَرَ الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْمِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَلَا الْأَرَامِلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تُطْوَى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ الضَّمْرِيِّ عَنْ ضُبَاعَةَ أَوْ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ أَصَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَةُ نَسْأَلُهُ فَقَالَ سَبَقَكُمَا يَتَامَى بَدْرٍ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ من حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْهِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تُرْسِلَ السِّتْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ الْخُمُسَ حَيْثُ يَرَى لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ اسْتِحْقَاقٌ لِلْغَانِمِينَ وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ هُوَ الْخُمُسُ وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَأَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَقْرَبِيهِ وَصَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ لَوْ كَانَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى قَسْمًا مَفْرُوضًا لَأَخْدَمَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ شَيْئًا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهَا وَامْتَنَّ بِهِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَزَادَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذَا بِذَلِكَ وَقَسَمَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَجْعَلَا لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْهُ حَقًّا مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفَيْءِ وَأَمَّا خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاتَهُ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ فَاطِمَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَخْرَجُوا الْخُمُسَ مِنْ أَوَّلِ غَنِيمَةٍ غَنِمُوهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حِصَّةَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ حَقُّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ الرَّأْسِ الَّذِي طَلَبَتْهُ فَاطِمَةُ فَكَانَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ يَسِيرًا جِدًّا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَوْ أَعْطَاهَا الرَّأْسَ أَثَّرَ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ عَلَى بَعْضٍ وَيُعْطِيَ الْأَوْكَدَ فَالْأَوْكَدَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ حَمْلُ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ عَلَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقَلُّلِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالْقُنُوعِ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ الصَّابِرِينَ فِي الْآخِرَةِ قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخِيرًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذِكْرِ الْإِيثَارِ عَدَمُ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ فَفِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ أَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْآخَرِ إِيثَارُ الْآخِذِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ثَمَانِيَة أَبْوَاب(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) يَعْنِي وَلِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِلرَّسُولِ لِلْمِلْكِ وَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:2971 ... ورقمه عند البغا: 3111 ]
    - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "لَوْ كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- ذَاكِرًا عُثْمَانَ -رضي الله عنه- ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: أَغْنِهَا عَنَّا. فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا". [الحديث 3111 - طرفه في: 3112].وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف أي بكر الكوفي الثقة العابد (عن منذر) بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة ابن يعلى الثوري الكوفي (عن ابن الحنفية) محمد بن علي بن أبي طالب أنه (قال: لو كان علي -رضي الله عنه- ذاكرًا عثمان) أي ابن عفان (رضي الله عنه) وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة حدّثني منذر قال: كنا عند ابن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال: مه. فقلنا له: أكان أبوك يسب عثمان؟ فقال: لو كان ذاكرًا عثمان أي بسوء. كما زاده الإسماعيلي وجواب لو قوله (ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان) عماله على الزكاة ولم يقف الحافظ ابن حجر على تعيين الشاكي ولا المشكو (فقال لي علي: اذهب إلى عثمان فأخبرهأنها) أي الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان (صدقة رسول الله) أي مكتوب فيها مصارف صدقة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمر سعاتك يعملون فيها) أي بما فيها ولأبي ذر يعملوا بحذف النون ولابن عساكر وأبي ذر بها بدل فيها أي بهذه الصحيفة قال ابن الحنفية (فأتيته بها فقال: أغنها) بقطع الهمزة المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر النون أي اصرفها (عنا) وإنما ردها لأنه كان عنده نظيرها (فأتيت بها عليًّا فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها).


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:2971 ... ورقمه عند البغا:3111 ]
    - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سُوقَةَ عنْ مُنْذِرٍ عنْ ابنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ لَوْ كانَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذَاكِرَاً عُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ ذَكَرَهُ يَوْمَ جاءَهُ ناسٌ فَشَكَوْا سُعاةَ عُثْمان فَقَالَ لي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فأخْبِرْهُ أنَّهَا صَدَقةُ رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فأتَيْتُهُ بِها فَقَالَ أغْنِها عنَّا فأتَيْتُ بِهَا علِيَّاً فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أخَذْتَها. (الحَدِيث 1113 طرفه فِي: 2113) .مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: فَأَخْبَرته أَنَّهَا صَدَقَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَرَادَ بِهِ الصَّحِيفَة الَّتِي كَانَت فِيهَا أَحْكَام الصَّدقَات، وَيكون هَذَا مطابقاً لقَوْله فِي التَّرْجَمَة. وَمَا اسْتعْمل الْخُلَفَاء بعده.وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمُحَمّد بن سوقة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْقَاف: أَبُو بكر الغنوي الْكُوفِي، وَمُنْذِر بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن يعلى الثَّوْريّ الْكُوفِي، وَابْن الْحَنَفِيَّة هُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب، وَالْحَنَفِيَّة أمه، وَاسْمهَا خَوْلَة بنت جَعْفَر بن قيس بن يَرْبُوع بن مسلمة بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن ثَعْلَبَة بن الدؤل بن حنيفَة، وَكَانَت من سبي الْيَمَامَة.قَوْله: (وَلَو كَانَ عَليّ ذَاكِرًا عُثْمَان) أَي: بِمَا لَا يَلِيق وَلَا يحسن. قَوْله: (ذكره) ، جَوَاب لَو. قَوْله: (يَوْم جَاءَهُ) ، يَوْم، نصب على الظّرْف. قَوْله: (سعاة عُثْمَان) ، جمع ساع وَهُوَ الْعَامِل فِي الزَّكَاة. قَوْله: (إذهب إِلَى عُثْمَان وَأخْبرهُ أَنَّهَا صَدَقَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْمَعْنى: أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أرسل إِلَى عُثْمَان صحيفَة فِيهَا بَيَان أَحْكَام الصَّدقَات، وَقَالَ: مر سعاتك يعْملُونَ بهَا، أَي: بِهَذِهِ الصَّحِيفَة، ويروى: يعْملُونَ فِيهَا، أَي بِمَا فِيهَا. قَوْله: (فَأَتَيْته بهَا) أَي: قَالَ ابْن الْحَنَفِيَّة: أتيت عُثْمَان بِتِلْكَ الصَّحِيفَة. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: عُثْمَان. قَوْله: (أغنها عَنَّا) بِقطع الْهمزَة أَي: إصرفها عَنَّا، وَقيل: كفها عَنَّا، وَقَالَ الْخطابِيّ: هِيَ كلمة مَعْنَاهَا التّرْك والإعراض، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {{وتولوا وَاسْتغْنى الله}} (التغابن: 6) . الْمَعْنى: تَركهم، لِأَن كل من اسْتغنى عَن شَيْء تَركه، وَهُوَ من الثلاثي من قَوْلهم: غَنِي فلَان عَن كَذَا فَهُوَ غانٍ، مثل: علم فَهُوَ عَالم. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَيحْتَمل قَوْله: إغنها عَنَّا أَن يكون عِنْده علم من ذَلِك، وَأَنه أَمر بِهِ، وَقَالَ ابْن بطال: رد الصَّحِيفَة، وَيُقَال: كَانَ عِنْده نَظِير مِنْهَا وَلم يجهلها، لَا أَنه ردهَا، وَلَا يبعد ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجوز على عُثْمَان غير هَذَا، وَأما فعل عُثْمَان فِي صَدَقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن أبي حميد: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة، قَالَ: لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جمع بني أُميَّة فَقَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ فدك، وَكَانَ يَأْكُل مِنْهَا وَينْفق وَيعود على فُقَرَاء بني هَاشم ويزوج مِنْهَا أيمهم، وَأَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، سَأَلته أَن يَجْعَلهَا لَهَا فأبي، فَكَانَت كَذَلِك حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قبض، ثمَّ ولي أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَت كَذَلِك
    فَعمل فِيهَا بِمَا عمل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيَاته حَتَّى مضى لسبيله، ثمَّ ولي عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَعمل فِيهَا مثل ذَلِك، ثمَّ ولي عُثْمَان فأقطعها مَرْوَان، فَجعل مَرْوَان ثلثهَا لعبد الْملك وثلثها لعبد الْعَزِيز، فَجعل عبد الْملك ثلثه ثلثا للوليد، وَثلثا لِسُلَيْمَان، وَجعل عبد الْعَزِيز ثلثه لي، ثمَّ ولى مَرْوَان فَجعل ثلثه لي، فَلم يكن لي مَال أَعُود وَلَا أَسد لحاجتي مِنْهَا، ثمَّ وليت أَنا فَرَأَيْت أَن أمرا مَنعه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاطِمَة ابْنَته أَنه لَيْسَ لي بِحَق، وَأَنا أشهدكم أَنِّي قد رَددتهَا على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

    لا توجد بيانات