عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : " أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَمْثَلَ مَا كَانَ مِنْ وَجَعِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ صَالِحًا ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَوَثَبَ الْمَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَقَامَ عُمَرُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يُوعِدُ وَيَتَكَلَّمُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ الرِّجَالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَخْرُجَنَّ ، وَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، يَتَخَلَّصُ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْضَحَ ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ ، فَقَالَ : بِأَبِي وَأُمِّي ، مَا كَانَ اللَّهُ لَيَجْمَعُ عَلَيْكَ الْمِيتَتَيْنِ ، مِيتَةَ الدُّنْيَا ، وَمِيتَةَ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنْصِتْ ، فَأَبَى عُمَرُ ، فَقَالَ لَهُ : أَنْصِتْ ، فَأَبَى ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ - وَكَانَ مِنْ أَبْلَغِ النَّاسِ - ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ : {{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولُ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }} قَالَ النَّاسُ : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، تَلَقَّوْهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَقَدْ كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ ، فَمَا فَهِمْتُ هَذَا فِيهَا حَتَّى سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَحَفَّ بِهِ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَلَا نَأْتِي هَؤُلَاءِ ، فَنَنْظُرُ مَا عِنْدَهُمْ ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ مِنْ سُوقِ الْمَدِينَةِ ، ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ : عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ لَقِيَاهُمْ ، فَقَالَا : يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ اجْتَمِعُوا فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَنَا خَيْرٌ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُمَا مِنَ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ ، كَانَ أَحَدُهُمَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ : {{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }} ، وَكَانُوا يَتَوَضَّئُونَ الْمِبْطَنَةَ ، يَعْنِي الِاسْتِجْمَارَ ، وَقَالَ عَنِ الْآخَرِ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ ، فَمَضَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى جَاءَ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَلَى سَرِيرٍ ، وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ : أَنَا الَّذِي لَا يُصْطَلَى بِنَارِي ، وَلَا يَنَامُ النَّاسُ فِي شِعَارِي ، نَحْنُ أَهْلُ الْحَلْقَةِ ، وَأَهْلُ الْحُصُونِ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، فَذَهَبَ لَيَتَكَلَّمَ ، فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ : أَنْصِتْ ، قَالَ : لَا أَعْصِيِكَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ مِنَ السَّابِقَةِ وَالْفَضِيلَةِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّا أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا ، وَأَكْبَرُهَا أَنْسَابًا ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لَنْ تَعْرِفَ هَذَا الْأَمْرَ لِأَحَدٍ سِوَانَا ، وَلَا أَحَدٌ أَوْلَى مِنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّسَبِ مِنَّا ، فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ ، وَأَنْتُمِ الْوُزَرَاءُ ، فَقَالَ سَعْدٌ : صَدَقْتَ ، فَابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ : قُتِلَ سَعْدٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : قَتَلَهُ اللَّهُ ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدَخَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ بَيْتَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ : اخْرُجُوا لِلْبَيْعَةِ ، وَاللَّهِ لَتَخْرُجُنَّ ، أَوْ لَأُحَرِّقَنَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ صَلْتًا بِالسَّيْفِ ، فَاعْتَنَقَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَيَاضَةَ فَدَقَّ بِهِ ، وَبَدَرَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ مِنْهُ ، فَأَخَذَهُ زِيَادٌ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِ اضْرِبْ بِهِ الْحَجَرَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو : فَحَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ مِنَ اللَّيْثِيِّينَ قَالَ : أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي فِيهِ ضُرِبَ السَّيْفُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : دَعُوهُمْ فَسَيَأْتِي اللَّهُ بِهِمْ ، فَخَرَجُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَايَعُوهُ ، قَالُوا : مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَا ، وَلَا أَوْلَى بِهَا مِنْكَ ، وَلَكِنَّا قَدْ عَهِدْنَا مِنْ عُمَرَ يَبْتَزُّنَا أَمْرَنَا ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ الْغَدَ قَالَ : أَيْنَ تَرَوْنَ أَنْ نَدْفِنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ : نَدْفِنُهُ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : ادْفِنْهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ، قَالَ قَائِلٌ : بَلْ نَدْفِنُهُ حَيْثُ تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ ، فَأَخَّرُوا الْفِرَاشَ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْحَفَّارَيْنِ ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَحَفَرَ لَهُ وَلَحَدَ ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَشُقُّونَ ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُلْحِدُونَ "
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَمْثَلَ مَا كَانَ مِنْ وَجَعِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ صَالِحًا ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَوَثَبَ الْمَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَقَامَ عُمَرُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يُوعِدُ وَيَتَكَلَّمُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ الرِّجَالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ مَاتَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَخْرُجَنَّ ، وَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، يَتَخَلَّصُ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ ، وَمُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَوْضَحَ ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ ، فَقَالَ : بِأَبِي وَأُمِّي ، مَا كَانَ اللَّهُ لَيَجْمَعُ عَلَيْكَ الْمِيتَتَيْنِ ، مِيتَةَ الدُّنْيَا ، وَمِيتَةَ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنْصِتْ ، فَأَبَى عُمَرُ ، فَقَالَ لَهُ : أَنْصِتْ ، فَأَبَى ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ - وَكَانَ مِنْ أَبْلَغِ النَّاسِ - ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ : {{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولُ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }} قَالَ النَّاسُ : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، تَلَقَّوْهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَقَدْ كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ ، فَمَا فَهِمْتُ هَذَا فِيهَا حَتَّى سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَحَفَّ بِهِ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَلَا نَأْتِي هَؤُلَاءِ ، فَنَنْظُرُ مَا عِنْدَهُمْ ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ مِنْ سُوقِ الْمَدِينَةِ ، ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ : عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ لَقِيَاهُمْ ، فَقَالَا : يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ اجْتَمِعُوا فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَنَا خَيْرٌ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُمَا مِنَ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ ، كَانَ أَحَدُهُمَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ : {{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }} ، وَكَانُوا يَتَوَضَّئُونَ الْمِبْطَنَةَ ، يَعْنِي الِاسْتِجْمَارَ ، وَقَالَ عَنِ الْآخَرِ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ ، فَمَضَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى جَاءَ سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَلَى سَرِيرٍ ، وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ : أَنَا الَّذِي لَا يُصْطَلَى بِنَارِي ، وَلَا يَنَامُ النَّاسُ فِي شِعَارِي ، نَحْنُ أَهْلُ الْحَلْقَةِ ، وَأَهْلُ الْحُصُونِ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، فَذَهَبَ لَيَتَكَلَّمَ ، فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي صَدْرِهِ ، فَقَالَ : أَنْصِتْ ، قَالَ : لَا أَعْصِيِكَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ مِنَ السَّابِقَةِ وَالْفَضِيلَةِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّا أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا ، وَأَكْبَرُهَا أَنْسَابًا ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لَنْ تَعْرِفَ هَذَا الْأَمْرَ لِأَحَدٍ سِوَانَا ، وَلَا أَحَدٌ أَوْلَى مِنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي النَّسَبِ مِنَّا ، فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ ، وَأَنْتُمِ الْوُزَرَاءُ ، فَقَالَ سَعْدٌ : صَدَقْتَ ، فَابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ : قُتِلَ سَعْدٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : قَتَلَهُ اللَّهُ ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدَخَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ بَيْتَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ : اخْرُجُوا لِلْبَيْعَةِ ، وَاللَّهِ لَتَخْرُجُنَّ ، أَوْ لَأُحَرِّقَنَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ صَلْتًا بِالسَّيْفِ ، فَاعْتَنَقَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَيَاضَةَ فَدَقَّ بِهِ ، وَبَدَرَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ مِنْهُ ، فَأَخَذَهُ زِيَادٌ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِ اضْرِبْ بِهِ الْحَجَرَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو : فَحَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ مِنَ اللَّيْثِيِّينَ قَالَ : أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي فِيهِ ضُرِبَ السَّيْفُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : دَعُوهُمْ فَسَيَأْتِي اللَّهُ بِهِمْ ، فَخَرَجُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَايَعُوهُ ، قَالُوا : مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَا ، وَلَا أَوْلَى بِهَا مِنْكَ ، وَلَكِنَّا قَدْ عَهِدْنَا مِنْ عُمَرَ يَبْتَزُّنَا أَمْرَنَا ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ الْغَدَ قَالَ : أَيْنَ تَرَوْنَ أَنْ نَدْفِنَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ : نَدْفِنُهُ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : ادْفِنْهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ، قَالَ قَائِلٌ : بَلْ نَدْفِنُهُ حَيْثُ تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ ، فَأَخَّرُوا الْفِرَاشَ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْحَفَّارَيْنِ ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَحَفَرَ لَهُ وَلَحَدَ ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَشُقُّونَ ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُلْحِدُونَ