أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ، قَالَتْ : خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ . قَالَتْ : فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي ، - يَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ ، - قَالَتْ : فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، يَحْمِلُ مِجَنَّهُ . قَالَتْ : فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ . قَالَتْ : وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ . قَالَتْ : فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ : {
} لَبَّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ {
}مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ {
}قَالَتْ : فَقُمْتُ ، فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً ، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِذَا فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ ، - يَعْنِي مِغْفَرًا ، - فَقَالَ عُمَرُ : مَا جَاءَ بِكِ ؟ لَعَمْرِي وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ ، وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ ، أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ ؟ قَالَتْ : فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ لِي سَاعَتَئِذٍ ، فَدَخَلْتُ فِيهَا . قَالَتْ : فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا عُمَرُ ، وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَتْ : وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ ، بِسَهْمٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ ، فَقَطَعَهُ ، فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ . قَالَتْ : وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قَالَتْ : فَرَقَأَ كَلْمُهُ ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَكَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ، فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَضَعَ السِّلَاحَ ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ . قَالَتْ : فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ ، فَقَالَ : أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ السِّلَاحَ ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَقَاتِلْهُمْ . قَالَتْ : فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأْمَتَهُ ، وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ ، وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ ، فَقَالَ : " مَنْ مَرَّ بِكُمْ ؟ " فَقَالُوا : مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ ، وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسُنَّةُ وَجْهِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . فَقَالَتْ : فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ ، قِيلَ لَهُمْ : انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ . قَالُوا : نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ " فَنَزَلُوا ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَأُتِيَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ ، قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرٍو ، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ . قَالَتْ : لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمْ ، الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ : قَدْ أَنَى لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ . قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزَلُوهُ " فَقَالَ عُمَرُ : سَيِّدُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : أَنْزِلُوهُ ، فَأَنْزَلُوهُ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " احْكُمْ فِيهِمْ " قَالَ سَعْدٌ : فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ ، أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ - وَقَالَ يَزِيدُ بِبَغْدَادَ : وَيُقْسَمُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ " قَالَتْ : ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا ، فَأَبْقِنِي لَهَا ، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ . قَالَتْ : فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ ، وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . قَالَتْ : فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَنَا فِي حُجْرَتِي ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }} . قَالَ عَلْقَمَةُ : قُلْتُ : أَيْ أُمَّهْ ، فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ؟ قَالَتْ : كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجِدَ ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ ، قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ، قَالَتْ : خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ . قَالَتْ : فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي ، - يَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ ، - قَالَتْ : فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، يَحْمِلُ مِجَنَّهُ . قَالَتْ : فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ . قَالَتْ : وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ . قَالَتْ : فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ : لَبَّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ قَالَتْ : فَقُمْتُ ، فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً ، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِذَا فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ ، - يَعْنِي مِغْفَرًا ، - فَقَالَ عُمَرُ : مَا جَاءَ بِكِ ؟ لَعَمْرِي وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ ، وَمَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ بَلَاءٌ ، أَوْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ ؟ قَالَتْ : فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ لِي سَاعَتَئِذٍ ، فَدَخَلْتُ فِيهَا . قَالَتْ : فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا عُمَرُ ، وَيْحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَتْ : وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ ، بِسَهْمٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ ، فَقَطَعَهُ ، فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ . قَالَتْ : وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قَالَتْ : فَرَقَأَ كَلْمُهُ ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَكَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ، فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَضَعَ السِّلَاحَ ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ . قَالَتْ : فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَنَقْعُ الْغُبَارِ ، فَقَالَ : أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ السِّلَاحَ ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَقَاتِلْهُمْ . قَالَتْ : فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَأْمَتَهُ ، وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ ، وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ ، فَقَالَ : مَنْ مَرَّ بِكُمْ ؟ فَقَالُوا : مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ ، وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسُنَّةُ وَجْهِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ . فَقَالَتْ : فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ ، قِيلَ لَهُمْ : انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ . قَالُوا : نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَنَزَلُوا ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَأُتِيَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ ، قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرٍو ، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ . قَالَتْ : لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دُورِهِمْ ، الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ : قَدْ أَنَى لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ . قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزَلُوهُ فَقَالَ عُمَرُ : سَيِّدُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : أَنْزِلُوهُ ، فَأَنْزَلُوهُ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : احْكُمْ فِيهِمْ قَالَ سَعْدٌ : فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ ، أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ - وَقَالَ يَزِيدُ بِبَغْدَادَ : وَيُقْسَمُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ قَالَتْ : ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا ، فَأَبْقِنِي لَهَا ، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ . قَالَتْ : فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ ، وَكَانَ قَدْ بَرِئَ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . قَالَتْ : فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ ، وَأَنَا فِي حُجْرَتِي ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }} . قَالَ عَلْقَمَةُ : قُلْتُ : أَيْ أُمَّهْ ، فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَصْنَعُ ؟ قَالَتْ : كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجِدَ ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ