, قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ , وَكَانَتْ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ , قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا تَرَكْنَا قُرَيْشًا وَقَدْ جَمَعَتْ لَكَ أَحَابِيشَهَا تُطْعِمُهَا الْخَزِيرَ , يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا تَبَرَّزَ مِنْ عُسْفَانَ لَقِيَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ طَلِيعَةً لِقُرَيْشٍ , فَاسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلُمَّ هَاهُنَا , فَأَخَذَ بَيْنَ سَرْوَعَتَيْنِ يَعْنِي شَجَرَتَيْنِ وَمَالَ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى نَزَلَ الْغَمِيمَ , فَلَمَّا نَزَلَ الْغَمِيمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ " , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعَتْ لَكُمْ أَحَابِيشَهَا تُطْعِمُهَا الْخَزِيرَ , يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ , فَأَشِيرُوا عَلَيَّ بِمَا تَرَوْنَ ؟ أَنْ تَعْمِدُوا إِلَى الرَّأْسِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ , أَمْ تَرَوْنَ أَنْ تَعْمِدُوا إِلَى الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَتُخَالِفُوهُمْ إِلَى نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ , فَإِنْ جَلَسُوا جَلَسُوا مَوْتُورِينَ مَهْزُومِينَ , وَإِنْ طَلَبُونَا طَلَبُونَا طَلَبًا مُتَدَارِيًا ضَعِيفًا , فَأَخْزَاهُمُ اللَّهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنْ تَعْمِدَ إِلَى الرَّأْسِ فَإِنَّ اللَّهَ مُعِينُكَ وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ وَإِنَّ اللَّهَ مُظْهِرُكَ , قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَهُوَ فِي رَحْلِهِ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهَا {{ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }} وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا , إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا غَشِيَ الْحَرَمَ وَدَخَلَ أَنْصَابَهُ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ الْجَدْعَاءُ فَقَالُوا : خَلَأَتْ , فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا خَلَأَتْ , وَمَا الْخَلَأُ بِعَادَتِهَا , وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ , لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمَحَارِمِ فَيَسْبِقُونِي إِلَيْهِ , هَلُمَّ هَاهُنَا لِأَصْحَابِهِ , فَأَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ فِي ثَنِيَّةٍ تُدْعَى ذَاتَ الْحَنْظَلِ حَتَّى هَبَطَ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ , فَلَمَّا نَزَلَ اسْتَقَى النَّاسُ مِنَ الْبِئْرِ , فَنَزَفَتْ وَلَمْ تَقُمْ بِهِمْ , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَعْطَاهُمْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَالَ : اغْرِزُوهُ فِي الْبِئْرِ فَغَرَزُوهُ فِي الْبِئْرِ فَجَاشَتْ وَطَمَا مَاؤُهَا حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ , فَلَمَّا سَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ أَخَا بَنِي حُلَيْسٍ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْهَدْيَ , فَقَالَ : ابْعَثُوا الْهَدْيَ فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ لَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً , وَانْصَرَفَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى قُرَيْشٍ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ الْقَلَائِدُ وَالْبُدْنُ وَالْهَدْيُ , فَحَذَّرَهُمْ وَعَظَّمَ عَلَيْهِمْ , فَسَبُّوهُ وَتَجَهَّمُوهُ وَقَالُوا : إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ لَا نَعْجَبُ مِنْكَ , وَلَكِنَّا نَعْجَبُ مِنْ أَنْفُسِنَا إِذْ أَرْسَلْنَاكَ , اجْلِسْ , ثُمَّ قَالُوا لِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ : انْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ وَرَائِكَ , فَخَرَجَ عُرْوَةُ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , مَا رَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ سَارَ إِلَى مِثْلِ مَا سِرْتَ إِلَيْهِ , سِرْتَ بِأَوْبَاشِ النَّاسِ إِلَى عِتْرَتِكَ وَبَيْضَتِكَ الَّتِي تَفَلَّقَتْ عَنْكَ لِتُبِيدَ خَضْرَاءَهَا , تَعْلَمُ أَنِّي جِئْتُكَ مِنْ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ , قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ عِنْدَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ : لَا تَعْرِضُ لَهُمْ خُطَّةً إِلَّا عَرَضُوا لَكَ أَمْرًا مِنْهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ , وَلَكِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَقْضِيَ عُمْرَتَنَا وَنَنْحَرَ هَدْيَنَا , فَهَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ قَوْمَكَ , فَإِنَّهُمْ أَهْلُ قَتَبٍ , وَإِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَخَافَتْهُمْ , وَإِنَّهُ لَا خَيْرَ لَهُمْ أَنْ تَأْكُلَ الْحَرْبُ مِنْهُمْ إِلَّا مَا قَدْ أَكَلَتْ , فَيُخَلُّونَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ , فَنَقْضِي عُمْرَتَنَا وَنَنْحَرُ هَدْيَنَا , وَيَجْعَلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مُدَّةً , نُزِيلُ فِيهَا نِسَاءَهُمْ ، وَيَأْمَنُ فِيهَا سَرِيُّهُمْ , وَيُخَلُّونَ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ , فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ حَتَّى يُظْهِرَنِي اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي , فَإِنْ أَصَابَنِي النَّاسُ فَذَاكَ الَّذِي يُرِيدُونَ , وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمِ اخْتَارُوا , إِمَّا قَاتَلُوا مُعَدِّينَ ، وَإِمَّا دَخَلُوا فِي السِّلْمِ وَافِرِينَ " , قَالَ : فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ : تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ قَوْمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ , إِنَّكُمْ لَإِخْوَانِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , وَلَقَدِ اسْتَنْصَرْتُ لَكُمُ النَّاسَ فِي الْمَجَامِعِ , فَلَمَّا لَمْ يَنْصُرُوكُمْ أَتَيْتُكُمْ بِأَهْلِي حَتَّى نَزَلْتُ مَعَكُمْ إِرَادَةَ أَنْ أُوَاسِيَكُمْ , وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ الْحَيَاةَ بَعْدَكُمْ , تَعْلَمُنَّ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ عَرَضَ نَصَفًا فَاقْبَلُوهُ , تَعْلَمُنَّ أَنِّي قَدْ قَدِمْتُ عَلَى الْمُلُوكِ , وَرَأَيْتُ الْعُظَمَاءَ ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ ، إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا وَلَا عَظِيمًا أَعْظَمَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْهُ , لَنْ يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ , فَإِنْ هُوَ أَذِنَ لَهُ تَكَلَّمَ , وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَكَتَ , ثُمَّ إِنَّهُ لَيَتَوَضَّأُ فَيَبْتَدِرُونَ وَضُوءَهُ وَيَصُبُّونَهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ , يَتَّخِذُونَهُ حَنَانًا , فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ فَقَالُوا : انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَإِنْ أَعْطَاكُمْ مَا ذَكَرَ عُرْوَةُ فَقَاضِيَاهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا عَنَّا , وَلَا يَخْلُصَ إِلَى الْبَيْتِ , حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَسْمَعُ بِمَسِيرِهِ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّا قَدْ صَدَدْنَاهُ , فَخَرَجَ سُهَيْلٌ وَمِكْرَزٌ حَتَّى أَتَيَاهُ وَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ , فَأَعْطَاهُمَا الَّذِي سَأَلَا ، فَقَالَ : اكْتُبُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالُوا : وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُ هَذَا أَبَدًا , قَالَ : فَكَيْفَ ؟ قَالُوا : نَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، قَالَ : " وَهَذِهِ فَاكْتُبُوهَا " , فَكَتَبُوهَا , ثُمَّ قَالَ : " اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَخْتَلِفُ إِلَّا فِي هَذَا , فَقَالَ : مَا أَكْتُبُ ؟ فَقَالُوا : انْتَسِبْ فَاكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : " وَهَذِهِ حَسَنَةٌ ، اكْتُبُوهَا " , فَكَتَبُوهَا , وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ أَنَّ بَيْنَنَا لَلْعَيْبَةَ الْمَكْفُوفَةَ , وَأَنَّهُ لَا أَغْلَالَ وَلَا أَسْلَالَ , قَالَ أَبُو أُسَامَةَ : الْأَغْلَالُ : الدُّرُوعُ , وَالْأَسْلَالُ : السُّيُوفُ , وَيَعْنِي بِالْعَيْبَةِ الْمَكْفُوفَةِ أَصْحَابَهُ يَكُفُّهُمْ عَنْهُمْ , وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا , وَمَنْ أَتَانَا مِنْكُمْ لَمْ نَرْدُدْهُ عَلَيْكُمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ دَخَلَ مَعِي فَلَهُ مِثْلُ شَرْطِي , فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَنْ دَخَلَ مَعَنَا فَهُوَ مِنَّا , لَهُ مِثْلُ شَرْطِنَا , فَقَالَتْ بَنُو كَعْبٍ : نَحْنُ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ بَنُو بَكْرٍ : نَحْنُ مَعَ قُرَيْشٍ , فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْكِتَابِ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَرْسُفُ فِي الْقُيُودِ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : هَذَا أَبُو جَنْدَلٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ لِي , وَقَالَ سُهَيْلٌ : هُوَ لِي , وَقَالَ سُهَيْلٌ : اقْرَأِ الْكِتَابَ , فَإِذَا هُوَ لِسُهَيْلٍ , فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا جَنْدَلٍ , هَذَا السَّيْفُ فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَرَجُلٌ , فَقَالَ سُهَيْلٌ : أَعَنْتَ عَلَيَّ يَا عُمَرُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُهَيْلٍ : هَبْهُ لِي , قَالَ : لَا , قَالَ فَأَجِرْهُ لِي , قَالَ : لَا , قَالَ مِكْرَزٌ : قَدْ أَجَرْتُهُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فَلَمْ يَنْجُ "
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ , وَكَانَتْ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ , قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّا تَرَكْنَا قُرَيْشًا وَقَدْ جَمَعَتْ لَكَ أَحَابِيشَهَا تُطْعِمُهَا الْخَزِيرَ , يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا تَبَرَّزَ مِنْ عُسْفَانَ لَقِيَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ طَلِيعَةً لِقُرَيْشٍ , فَاسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَلُمَّ هَاهُنَا , فَأَخَذَ بَيْنَ سَرْوَعَتَيْنِ يَعْنِي شَجَرَتَيْنِ وَمَالَ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى نَزَلَ الْغَمِيمَ , فَلَمَّا نَزَلَ الْغَمِيمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعَتْ لَكُمْ أَحَابِيشَهَا تُطْعِمُهَا الْخَزِيرَ , يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ , فَأَشِيرُوا عَلَيَّ بِمَا تَرَوْنَ ؟ أَنْ تَعْمِدُوا إِلَى الرَّأْسِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ , أَمْ تَرَوْنَ أَنْ تَعْمِدُوا إِلَى الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَتُخَالِفُوهُمْ إِلَى نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ , فَإِنْ جَلَسُوا جَلَسُوا مَوْتُورِينَ مَهْزُومِينَ , وَإِنْ طَلَبُونَا طَلَبُونَا طَلَبًا مُتَدَارِيًا ضَعِيفًا , فَأَخْزَاهُمُ اللَّهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنْ تَعْمِدَ إِلَى الرَّأْسِ فَإِنَّ اللَّهَ مُعِينُكَ وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ وَإِنَّ اللَّهَ مُظْهِرُكَ , قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَهُوَ فِي رَحْلِهِ : إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهَا {{ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }} وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا , إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا غَشِيَ الْحَرَمَ وَدَخَلَ أَنْصَابَهُ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ الْجَدْعَاءُ فَقَالُوا : خَلَأَتْ , فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا خَلَأَتْ , وَمَا الْخَلَأُ بِعَادَتِهَا , وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ , لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمَحَارِمِ فَيَسْبِقُونِي إِلَيْهِ , هَلُمَّ هَاهُنَا لِأَصْحَابِهِ , فَأَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ فِي ثَنِيَّةٍ تُدْعَى ذَاتَ الْحَنْظَلِ حَتَّى هَبَطَ عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ , فَلَمَّا نَزَلَ اسْتَقَى النَّاسُ مِنَ الْبِئْرِ , فَنَزَفَتْ وَلَمْ تَقُمْ بِهِمْ , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَعْطَاهُمْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَالَ : اغْرِزُوهُ فِي الْبِئْرِ فَغَرَزُوهُ فِي الْبِئْرِ فَجَاشَتْ وَطَمَا مَاؤُهَا حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ , فَلَمَّا سَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ أَخَا بَنِي حُلَيْسٍ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْهَدْيَ , فَقَالَ : ابْعَثُوا الْهَدْيَ فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ لَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً , وَانْصَرَفَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى قُرَيْشٍ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ الْقَلَائِدُ وَالْبُدْنُ وَالْهَدْيُ , فَحَذَّرَهُمْ وَعَظَّمَ عَلَيْهِمْ , فَسَبُّوهُ وَتَجَهَّمُوهُ وَقَالُوا : إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ لَا نَعْجَبُ مِنْكَ , وَلَكِنَّا نَعْجَبُ مِنْ أَنْفُسِنَا إِذْ أَرْسَلْنَاكَ , اجْلِسْ , ثُمَّ قَالُوا لِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ : انْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَلَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ وَرَائِكَ , فَخَرَجَ عُرْوَةُ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ , مَا رَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ سَارَ إِلَى مِثْلِ مَا سِرْتَ إِلَيْهِ , سِرْتَ بِأَوْبَاشِ النَّاسِ إِلَى عِتْرَتِكَ وَبَيْضَتِكَ الَّتِي تَفَلَّقَتْ عَنْكَ لِتُبِيدَ خَضْرَاءَهَا , تَعْلَمُ أَنِّي جِئْتُكَ مِنْ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ , قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ عِنْدَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ : لَا تَعْرِضُ لَهُمْ خُطَّةً إِلَّا عَرَضُوا لَكَ أَمْرًا مِنْهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ , وَلَكِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَقْضِيَ عُمْرَتَنَا وَنَنْحَرَ هَدْيَنَا , فَهَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ قَوْمَكَ , فَإِنَّهُمْ أَهْلُ قَتَبٍ , وَإِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَخَافَتْهُمْ , وَإِنَّهُ لَا خَيْرَ لَهُمْ أَنْ تَأْكُلَ الْحَرْبُ مِنْهُمْ إِلَّا مَا قَدْ أَكَلَتْ , فَيُخَلُّونَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ , فَنَقْضِي عُمْرَتَنَا وَنَنْحَرُ هَدْيَنَا , وَيَجْعَلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مُدَّةً , نُزِيلُ فِيهَا نِسَاءَهُمْ ، وَيَأْمَنُ فِيهَا سَرِيُّهُمْ , وَيُخَلُّونَ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ , فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ حَتَّى يُظْهِرَنِي اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي , فَإِنْ أَصَابَنِي النَّاسُ فَذَاكَ الَّذِي يُرِيدُونَ , وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمِ اخْتَارُوا , إِمَّا قَاتَلُوا مُعَدِّينَ ، وَإِمَّا دَخَلُوا فِي السِّلْمِ وَافِرِينَ , قَالَ : فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ : تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ قَوْمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ , إِنَّكُمْ لَإِخْوَانِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , وَلَقَدِ اسْتَنْصَرْتُ لَكُمُ النَّاسَ فِي الْمَجَامِعِ , فَلَمَّا لَمْ يَنْصُرُوكُمْ أَتَيْتُكُمْ بِأَهْلِي حَتَّى نَزَلْتُ مَعَكُمْ إِرَادَةَ أَنْ أُوَاسِيَكُمْ , وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ الْحَيَاةَ بَعْدَكُمْ , تَعْلَمُنَّ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ عَرَضَ نَصَفًا فَاقْبَلُوهُ , تَعْلَمُنَّ أَنِّي قَدْ قَدِمْتُ عَلَى الْمُلُوكِ , وَرَأَيْتُ الْعُظَمَاءَ ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ ، إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا وَلَا عَظِيمًا أَعْظَمَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْهُ , لَنْ يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ , فَإِنْ هُوَ أَذِنَ لَهُ تَكَلَّمَ , وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَكَتَ , ثُمَّ إِنَّهُ لَيَتَوَضَّأُ فَيَبْتَدِرُونَ وَضُوءَهُ وَيَصُبُّونَهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ , يَتَّخِذُونَهُ حَنَانًا , فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ فَقَالُوا : انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَإِنْ أَعْطَاكُمْ مَا ذَكَرَ عُرْوَةُ فَقَاضِيَاهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا عَنَّا , وَلَا يَخْلُصَ إِلَى الْبَيْتِ , حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَسْمَعُ بِمَسِيرِهِ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّا قَدْ صَدَدْنَاهُ , فَخَرَجَ سُهَيْلٌ وَمِكْرَزٌ حَتَّى أَتَيَاهُ وَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ , فَأَعْطَاهُمَا الَّذِي سَأَلَا ، فَقَالَ : اكْتُبُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالُوا : وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُ هَذَا أَبَدًا , قَالَ : فَكَيْفَ ؟ قَالُوا : نَكْتُبُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، قَالَ : وَهَذِهِ فَاكْتُبُوهَا , فَكَتَبُوهَا , ثُمَّ قَالَ : اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَخْتَلِفُ إِلَّا فِي هَذَا , فَقَالَ : مَا أَكْتُبُ ؟ فَقَالُوا : انْتَسِبْ فَاكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : وَهَذِهِ حَسَنَةٌ ، اكْتُبُوهَا , فَكَتَبُوهَا , وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ أَنَّ بَيْنَنَا لَلْعَيْبَةَ الْمَكْفُوفَةَ , وَأَنَّهُ لَا أَغْلَالَ وَلَا أَسْلَالَ , قَالَ أَبُو أُسَامَةَ : الْأَغْلَالُ : الدُّرُوعُ , وَالْأَسْلَالُ : السُّيُوفُ , وَيَعْنِي بِالْعَيْبَةِ الْمَكْفُوفَةِ أَصْحَابَهُ يَكُفُّهُمْ عَنْهُمْ , وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا , وَمَنْ أَتَانَا مِنْكُمْ لَمْ نَرْدُدْهُ عَلَيْكُمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَمَنْ دَخَلَ مَعِي فَلَهُ مِثْلُ شَرْطِي , فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَنْ دَخَلَ مَعَنَا فَهُوَ مِنَّا , لَهُ مِثْلُ شَرْطِنَا , فَقَالَتْ بَنُو كَعْبٍ : نَحْنُ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَالَتْ بَنُو بَكْرٍ : نَحْنُ مَعَ قُرَيْشٍ , فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْكِتَابِ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَرْسُفُ فِي الْقُيُودِ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : هَذَا أَبُو جَنْدَلٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هُوَ لِي , وَقَالَ سُهَيْلٌ : هُوَ لِي , وَقَالَ سُهَيْلٌ : اقْرَأِ الْكِتَابَ , فَإِذَا هُوَ لِسُهَيْلٍ , فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا جَنْدَلٍ , هَذَا السَّيْفُ فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَرَجُلٌ , فَقَالَ سُهَيْلٌ : أَعَنْتَ عَلَيَّ يَا عُمَرُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِسُهَيْلٍ : هَبْهُ لِي , قَالَ : لَا , قَالَ فَأَجِرْهُ لِي , قَالَ : لَا , قَالَ مِكْرَزٌ : قَدْ أَجَرْتُهُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فَلَمْ يَنْجُ