سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ ، يَحْكِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَهْرَانِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ : رَفَعَ اللَّهُ عَنِ الْعَالِمِينَ ، بِهِ حُجُبَ الْأَسْتَارِ وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى طَوِيَّاتِ مَخْزُونَاتِ الْأَسْرَارِ وَأَمَدَّهُمْ بِمَوَادِّ الْمَعَارِفِ وَالْأَنْوَارِ ، فَهُمْ بِمَا أَلْبَسَهُمْ مِنْ نُورِهِ إِلَى أَسْرَارِهِ مُتَطَلِّعُونَ وَبِمَا كَاشَفَهُمْ مِنْ شَوَاهِدِ حَقِيقَةِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمُورِ مُشْرِفُونَ لَا يَقْدَحُ فِي قُلُوبِهِمْ رَيْبٌ بَلِ كُلُّ مَا أَطْلَعَهُمْ عَلَيْهِ أَثْبَتُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِيَانِ لِأَنَّ بَصَائِرَ الْحَقِيقَةِ لَهُمْ لَامِعَةٌ وَأَعْلَامَ الْحَقِّ لَهُمْ مَرْفُوعَةٌ لَائِحَةٌ ائْتَمَنَهُمُ الْحَقِّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ إِلْهَامًا وَتَفَضُّلًا وَإِكرَامًا ، أَجْزَلَ لَهُمْ عَطَايَاهَ وَجَعَلَ قُلُوبَهُمْ مَطَايَاهُ فَدَنَا مِنْهَا بِلَا مَسَافَةٍ وَنَزَّلَ أَسْرَارَهُمْ بِلَا مُمَازَجَةٍ فَحَمَاهُمْ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالْفُتُورِ فَفَنِيَتْ صِفَاتُهُمْ بِوُجُودِ شُهُودِهِ ، فَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ مَغِيبٌ وَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ مِنْهُ رَقِيبٌ
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ ، يَقُولُ : قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَبْهَرِيُّ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ يَقُولُ إِذَا لَاحَظَ كَرَمَهُ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ تَوْحِيدٌ لَمْ يَعْجَزْ عَنْ هَدْمِ مَا قَبْلَهُ مِنْ كُفْرٍ وَلَا يَعْجَزُ عَنْ مَحْقِ مَا بَعْدَهُ مِنْ ذَنْبٍ ، وَكَانَ يَقُولُ : مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْجُوَ مِنْهُ بِعَمَلِكَ فَإِلَى حُبِّكَ لَهُ تُشِيرُ وَقَالَ : ذَنْبٌ يَظْهَرُ بِهِ كَرَمُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَمَلٍ يَظْهَرُ بِهِ شَرَفِي وَقَالَ : قَوْمٌ سَأَلُوا اللَّهَ بِأَلْسِنَةِ الْأَعْمَالِ ، وَقَوْمٌ سَأَلُوهُ بِأَلْسِنَةِ الرَّحْمَةِ فَكَمْ بَيْنَ مَنْ سَأَلَ رَبَّهُ بِرَبِّهِ وَبَيْنَ مَنْ رَجَا رَبَّهُ بِعَمَلِهِ وَلَيْسَ مَنْ رَجَا رَبَّهُ بِجُودِهِ كَمَنْ رَجَا رَبَّهُ بِنَفْسِهِ وَكَانَ يَقُولُ : مَا قَدْرُ طَاعَةٍ نُقَابِلُ بِهَا نِعَمَهُ وَمَا قَدْرُ ذُنُوبٍ نُقَابِلُ بِهَا كَرَمَهُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ ذُنُوبُنَا فِي كَرَمِهِ أَقَلَّ مِنْ طَاعَتِنَا فِي نِعَمِهِ إِذْ لَا يُذْنِبُ الْعَبْدُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يَغْمُرُ بِهِ عَفْوَ مَوْلَاهُ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ طَاهِرٍ ، يَقُولُ : فِي الْمِحَنِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ : تَطْهِيرٌ وَتَكْفِيرٌ وَتَذْكِيرٌ ، فَالتَّطْهِيرُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالتَّكْفِيرُ مِنَ الصَّغَائِرِ وَالتَّذْكِيرُ لِأَهْلِ الصَّفَا
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ : حَضَرْتُ مَعَ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ جِنَازَةً فَرَأَى بَعْضَ إِخْوَانِ الْمَيِّتِ يُكْثِرُونَ الْبُكَاءَ فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنْشَدَ : وَيَبْكِي عَلَى الْمَوْتَى وَيَتْرُكُ نَفْسَهُ وَيَزْعُمُ أَنْ قَدْ قَلَّ عَنْهُمْ عَزَاؤُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا رَأْيٍ وَعَقْلٍ وَفِطْنَةٍ لَكَانَ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهِمْ بُكَاؤُهُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ : مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ شَقَّ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْأَهْوَالِ وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ رُكُوبُ الْأَهْوَالِ لَا يَرْتَقِي إِلَى سُمُوِّ الْمَعَالِي فِي الْأَحْوَالِ