أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عُمَرَ ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدِ بْنَ الْأَعْرَابِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ مُنَبِّهٌ الْبَصْرِيُّ : سَافَرْتُ مَعَ أَبِي أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَفُتِحَ عَلَيْنَا بِطَعَامٍ فَآثَرَنِي بِهِ وَكَانَ مَعَنَا سَوِيقٌ فَقَالَ لِي كَالْمَازِحِ : تَكُونُ جَمَلِي ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَكَانَ يُؤْجِرُنِي ذَلِكَ السَّوِيقَ يَحْتَالُ بِذَلِكَ لِيُوصِلَهُ إِلَيَّ وَيْؤُثَرَنِي عَلَى نَفْسِهِ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالْبَصْرَةِ فَأَكْرَمُونِي فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ لَيْلَةً : أَيْنَ إِزَارِي ؟ فَسَقَطْتُ مِنْ أَعْينِهِمْ
وَقِيلَ لِأَبِي أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ : عَلَامَ بَنَيْتَ الْمَذْهَبَ ؟ قَالَ : عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ : لَا نُطَالِبُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِوَاجِبِ حَقِّنَا وَنُطَالِبُ أَنْفُسَنَا بِحُقُوقِ النَّاسِ وَنُلْزِمُ التَّقْصِيرَ أَنْفُسَنَا فِي جَمِيعِ مَا نَأْتِي ، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ لِإِخْوَانِهِ : لَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَكُونُ حَظُّهُ الْأُسَى وَالْأَسَفَ عَلَى مُفَارَقَةِ الدُّنْيَا وَجَعَلَ أَحَبَّ الْأَوْقَاتِ إِلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ يَوْمَ اللِّقَاءِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ دَوَامُ الْبَقَاءِ ، وَكَانَ يَقُولُ : الْعَبْدُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ ظَاهَرَ الْأَعْمَالِ وَبَاطِنَهَا فَظَاهِرُهَا بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَخَلْعُ الرَّاحَةِ وَاحْتِمَالُ مَكَارِهِ النَّفْسِ وَالزُّهْدُ فِي فُضُولِ الدُّنْيَا ، وَبَاطِنُ الْأَعْمَالِ التَّقْوَى وَالْوَرَعُ الصَّادِقُ وَالصِّدْقُ وَالصَّبْرُ وَالرِّضَا وَالتَّوَكُّلُ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ وَفِيهِ وَالْإِيثَارُ لَهُ وَإِجْلَالُ مَقَامِهِ وَالْحَيَاءُ مِنْهُ وَحُسْنُ مُوَافَقَتِهِ وَإِعْزَازُ أَمْرِهِ ، فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ مَطَايَا الْعَابِدِينَ وَنَجَائِبُهُمْ وَعَلَيْهَا يَسِيرُونَ إِلَى اللَّهِ وَيُسَابِقُونَ بِهَا إِلَى ثَوَابِهِ وَيَنْزِلُونَ بِهَا فِي قُرْبِهِ