سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَمْدَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : قَالَ أَبُو حَفْصٍ : الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ كَمَا أَنَّ الْحُمَّى بَرِيدُ الْمَوْتِ ، قَالَ : وَكَانَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلَّا عَلَى الْحُضُورِ وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ حَالُهُ فَإِذَا رَجَعَ قَالَ : مَا أَبْعَدَ ذِكْرَنَا عَنْ ذِكْرِ الْمُحَقِّقِينَ فَمَا أَظُنُّ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاضِرًا مِنْ غَيْرِ غَفْلَةٍ يَبْقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ حَيًّا إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ فَإِنَّهُمْ مُؤَيَّدُونَ بِقُوَّةِ النُّبُوَّةِ ، وَخَوَّاصَّ الْأَوْلِيَاءِ مُؤَيَّدُونَ بِقُوَّةِ الْوِلَايَةِ
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَمْدَانَ ، يَقُولُ : كَانَ أَبُو حَفْصٍ حَدَّادًا فَكَانَ غُلَامُهُ يَوْمًا يَنْفُخُ عَلَيْهِ الْكِيرَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي النَّارَ وَأَخْرَجَ الْحَدِيدَ مِنَ النَّارِ فَغُشِيَ عَلَى غُلَامِهِ ، وَتَرَكَ أَبُو حَفْصٍ الْحَانُوتَ وَأَقْبَلَ عَلَى أَمْرِهِ
سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَمْدَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ ، يَقُولُ : تَرَكْتُ الْعَمَلَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَتَرَكَنِي الْعَمَلُ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْهِ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيَّ ، يَقُولُ : كَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يَزِنْ أَفْعَالَهُ وَأَحْوَالَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَمْ يَتَّهِمْ خَوَاطِرَهُ ، فَلَا تَعُدَّهُ فِي دِيوَانِ الرِّجَالِ ، وَكَانَ يَقُولُ : مِنْ نَعْتِ الْفَقِيرِ الصَّادِقِ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحُكْمِهِ ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَارِدٌ يَشْغَلُهُ عَنْ حُكْمِ وَقْتِهِ يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ وَيَنْفِيهِ
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : اجْتَمَعَ مَشَايِخُ بَغْدَادَ عِنْدَ أَبِي حَفْصٍ وَسَأَلُوهُ عَنِ الْفُتُوَّةِ ، فَقَالَ : تَكَلَّمُوا أَنْتُمْ فَإِنَّ لَكُمُ الْعِبَارَةَ وَاللِّسَانَ فَقَالَ الْجُنَيْدُ : الْفُتُوَّةُ إِسْقَاطُ الرُّؤْيَةِ وَتَرْكُ النِّسْبَةِ فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ : مَا أَحْسَنَ مَا قُلْتَ ، وَلَكِنَّ الْفُتُوَّةَ عِنْدِي أَدَاءُ الْإِنْصَافِ وَتَرْكُ مُطَالَبَةِ الْإِنْصَافِ ، فَقَالَ الْجُنَيْدُ : قُومُوا يَا أَصْحَابَنَا فَقَدْ زَادَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ ، قَالَ : وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُولُ : مِنْ إِهَانَةِ الدُّنْيَا أَنِّي لَا أَبْخَلُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَبْخَلُ بِهَا عَلَى نَفْسِي ؛ لِاحْتِقَارِهَا وَاحْتِقَارِ نَفْسِي عِنْدِي
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ عِيسَى ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ ، يَقُولُ : الْكَرَمُ طَرْحُ الدُّنْيَا لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ لِاحْتِيَاجِكَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْحَدَّادُ : حُسْنُ أَدَبِ الظَّاهِرِ عُنْوَانُ حُسْنِ أَدَبِ الْبَاطِنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ وَسُئِلَ أَبُو حَفْصٍ : مَنِ الرِّجَالُ ؟ فَقَالَ : الْقَائِمُونَ مَعَ اللَّهِ بِوَفَاءِ الْعُهُودِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }} وَسُئِلَ أَبُو حَفْصٍ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ ، فَقَالَ : تَرْكُ مَا لَكَ وَالْتِزَامُ مَا أُمِرْتَ بِهِ