حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرٍ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُدْرِكٍ ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَدَمِيُّ ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَمَا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ ، إِنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْهَا آدَمُ عُقُوبَةً فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا ، لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي لِجَرَاحَتِهِ يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا ، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْأَذَى مَخَافَةَ طُولِ الْبَلَاءِ ، وَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخُدَعِهَا ، وَتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا ، وَتَشَوَقَّتْ لِخُطَّابِهَا ، وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا ، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلَّاةِ ، الْعُيونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ ، وَالْقُلُوبُ إِلَيْهَا وَالِهَةٌ ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ ، وَهِيَ لَأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ ، فَلَا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ ، وَلَا الْآخِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ ، وَلَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ وَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِيَ الْمَعَادَ ، شُغِلَ فِيهَا لُبُّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ وَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكَبُرَتْ حَسْرَتُهُ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ ، وَحَسَرَاتُ الْفَوْتُ بِغُصَّتِهِ ، فَذَهَبَ بِكَمَدِهِ ، فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ ، خَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ فَالسَّارُّ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ ، وَالنَّافِعُ مِنْهَا غَدًا ضَارٌّ ، قَدْ وُصِلَ الرَّجَاءُ فِيهَا بِالْبَلَاءِ ، وَجُعِلَ الْبَقَاءُ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ فَيُسْتَنْظَرُ ، أَمَانِيهَا كَاذِبَةٌ ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ ، وَصَفْوُهَا كَدَرٌ وَعَيْشُهَا نَكِدٌ ، وَابْنُ آدَمَ مِنْهَا عَلَى خَطَرٍ ، إِنْ عَقَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى حَظَرٍ وَمِنَ الْبَلَاءِ عَلَى حَذَرٍ ، وَلَوْ أَنَّ الْخَالِقَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ وَفِيهَا وَاعِظٌ مَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا نَظَرٌ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا ، وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا وَلَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ أَمْرَهُ أَوْ يُحِبُّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ أَوْ يَرْفَعُ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ ، فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِبَارًا ، وَبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا فَيَظُنُّ الْمَغُرُورُ بِهَا الْقَادِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ وَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ ، وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِصَاحِبِ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ : إِدَامِي الْجُوعُ ، وَشِعَارِي الْخَوْفُ ، وِلِبَاسِي الصُّوفُ ، وَصَلَائِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ ، وَدَابَّتِي رِجْلَايَ وَطَعَامِي وَفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ ، أَبِيتُ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ ، وَأُصْبِحُ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ ، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ أَغْنَى مِنِّي