الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خُصَّ بِالْخُلَّةِ قُلْنَا : قَدِ اتُّخِذَ مُحَمَّدٌ خَلِيلًا وَحَبِيبًا , وَالْحَبِيبُ أَلْطَفُ مِنَ الْخَلِيلِ , فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حُجِبَ عَنْ نُمْرُوذَ بِحُجُبٍ ثَلَاثَةٍ قُلْنَا : قَدْ كَانَ كَذَلِكَ وَحُجِبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ بِخَمْسَةِ حُجُبٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ : { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } هَذِهِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } فَهَذِهِ خَمْسَةُ حُجُبٍ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَصَمَ نُمْرُوذَ بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ فَبَهَتَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } . فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ بِعَظْمٍ بَالٍ يَفْرُكُهُ وَقَالَ : مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبُرْهَانَ السَّاطِعَ فَقَالَ : { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } الْآيَةَ فَانْصَرَفَ مَبْهُوتًا بِبُرْهَانِ نُبُوَّتِهِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَسَرَ أَصْنَامَ قَوْمِهِ غَضَبًا لِلَّهِ قِيلَ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَرَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا نُصِبَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ بِإِشَارَتِهِ بِالْيَمِينِ فَتَسَاقَطْنَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْعَصَا الْخَشَبِ الْمَوَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ حَيَّةً ثُعْبَانًا تَتَلَقَّفُ مَا يَأْفِكُ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مَعْنَاهَا وَخَاصَّتِهَا , فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ اللَّهُ عَصَاهُ ثُعْبَانًا قُلْنَا : فَقَدْ أُوتِيَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظِيرَهَا وَأَعْجَبُ مِنْهَا خُوَارُ الْجِذْعِ الْيَابِسِ وَحَنِينُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ , هَذَا أَبْلَغُ فِي الْأُعْجُوبَةِ وَأَيْضًا إِجَابَةُ الْأَشْجَارِ وَاجْتِمَاعُهُنَّ لِدَعْوَتِهِ بِمَا دَعَاهُنَّ وَرُجُوعُهُنَّ إِلَى أَمْكِنَتِهِنَّ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُنَّ وَهَذَا مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِطُرُقِهِ . فَإِنْ قُلْتَ : إِنَّ مُوسَى كَانَ فِي التِّيهِ يَضْرِبُ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا . قُلْنَا : كَانَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَأَعْجَبَ مِنْهُ فَإِنَّ نَبْعَ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ مَعْهُودٌ فِي الْمَعْلُومِ وَالْمُتَعَارَفِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ نَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالدَّمِ وَكَانَ يُفَجِّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي مِخْضَبٍ فَيَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ الْمَاءُ فَيَشْرَبُونَ وَيَسْتَقُونَ مَاءً جَارِيًا عَذْبًا , رَوَى الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ , وَهَذَا الْبَابُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِطُرُقِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَبْعِ الْمَاءِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مُوسَى انْفَلَقَ لَهُ الْبَحْرُ فَجَازَهُ بِأَصْحَابِهِ لَمَّا ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ . قُلْنَا : قَدْ أُوتِيَ نَظِيرَهُ بَعْضُ أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْوَجْ إِلَى اجْتِيَازِ بَحْرٍ وَهُوَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا كَانَ بِالْبَحْرَيْنِ وَاضْطُرَّ إِلَى عُبُورِ الْبَحْرِ فَعَبَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَشْيًا عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يُبَلَّ لَهُمْ ثَوْبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مُوسَى أَتَى قَوْمَهُ بِالْعَذَابِ : الْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ عَلَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ . قُلْنَا : قَدْ أَرْسَلَ عَلَى قُرَيْشٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّخَانَ آيَةً بَيِّنَةً وَنِقْمَةً بَالِغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ وَدَعَا عَلَى قُرَيْشٍ فَابْتُلُوا بِالسِّنِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيْنِ يُوسُفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مُوسَى نَزَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمِهِ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَظُلِّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ وَإِنَّ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى رِزْقٌ رَزَقَهُمُ اللَّهُ كُفُوا السَّعْيَ فِيهِ وَالِاكْتِسَابَ . قُلْنَا : أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مِمَّا كَانَ مَحْظُورًا عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ فَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْغَنَائِمَ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ . وَأَعْطَى مِنْ جِنْسِهِ أَصْحَابَهُ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الْمَجَاعَةُ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي بُعِثُوا فِيهَا فَقَذَفَ لَهُمُ الْبَحْرُ عَنْ دَابَّةٍ حُوتٍ فَأَكَلُوا مِنْهُ , وَائْتَدَمُوا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشْبِعُ النَّفَرَ الْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ وَاللَّبَنِ الْقَلِيلِ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ شِبَاعًا وَرِوَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْبَابُ بِطُرُقِهِ
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ يَحْيَى أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَكَانَ يَبْكِي مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَكَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ . قُلْنَا : قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ يَحْيَى لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي عَصْرِ أَوْثَانٍ وَجَاهِلِيَّةٍ فَأُوتِيَ الْفَهْمَ وَالْحُكْمَ صَبِيًّا بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ فَمَا رَغِبَ لَهُمْ فِي صَنَمٍ قَطُّ , وَلَا شَهِدَ مَعَهُمْ عِيدًا , وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ قَطُّ كَذِبٌ وَكَانُوا يَعُدّونَهُ صَدُوقًا أَمِينًا حَلِيمًا رَءُوفًا رَحِيمًا وَكَانَ يُوَاصِلُ الْأُسْبُوعَ صَوْمًا فَيَقُولُ : إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي حَتَّى يُسْمَعَ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى يَحْيَى فَقَالَ : { وسَيِّدًا وَحَصُورًا } وَالْحَصُورُ : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ . قُلْنَا : إِنَّ يَحْيَى كَانَ نَبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ مُنْفَرِدًا بِمُرَاعَاةِ شَأْنِهِ وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِيَقُودَهُمْ وَيَحُوشَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَحْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةَ الْمُتَفَاوِتَةَ فِي متَصَرَّفَاتِهِ لِيَقْتَدِيَ كُلُّ الْخَلْقِ بِأَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ , فَاقْتَدَى بِهِ الصِّدِّيقُونَ فِي جَلَالَتِهِمْ وَالشُّهَدَاءُ فِي مَرَاتِبِهِمْ وَالصَّالِحُونَ فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ ؛ لِيَأْخُذَ الْعَالِي وَالدَّانِي وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمَكِينُ مِنْ فِعَالِهِ قِسْطًا وَحَظًّا ؛ إِذِ النِّكَاحُ مِنْ أَعْظَمِ حُظُوظِ النَّفْسِ وَأَبْلَغِ الشَّهَوَاتِ , فَأَمَرَ بِالنِّكَاحِ , وَحَثَّ عَلَيْهِ ؛ لِمَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النُّفُوسَ وَأَبَاحَ ذَلِكَ لَهُمْ ؛ لِيَتَحَصَّنُوا بِهِ مِنَ السِّفَاحِ فَشَارَكُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَاهِرِهِ وَشَمَلَهُمُ الِاسْمُ مَعَهُ وَانْفَرَدَ عَنْ مُسَاوَاتِهِ مَعَهُمْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَزَوَّجُوا ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَلْبِهِ مَا أَفْرَدَهُ الْحَقُّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ تَلَطَّفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَرْضَاتِهِ فَقَالَ لِعَائِشَةَ : ائْذَنِي لِي ؛ أَتَعَبَّدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَتْ : إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ , وَأُحِبُّ هَوَاكَ , فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَى الصَّبَّاحِ رَاكِعًا , وَسَاجِدًا , وَبَاكِيًا , وَرُبَّمَا خَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَتَعَبَّدَ فِيهَا , وَيَزُورُ أَهْلَهَا , وَرُبَّمَا قَامَ لَيْلَةً بِآيَةٍ إِلَى الصَّبَاحِ يُرَدِّدُهَا كَالْمُنَاجِي : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } فَكَانَتْ نِسْبَتُهُ عَنْ أَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ وَدَاعِي النَّفْسِ مَمْحُوَّةً عِنْدَ انْشِقَاقِ صَدْرِهِ لَمَّا حَشَوْهُ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ الَّذِي وَزَنَ بِهِ أُمَّتَهُ فَرَجَحَ بِهِمْ هَذَا مَعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلُّ فَضِيلَةٍ أُوتِيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ أُوتِيهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّهَا لَمْ يُنْكِرْهَا الْمُتَدَبِّرُ مَعَ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ خُصُوصًا مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ ومِنَ الْفِتَنِ الْكَائِنَاتِ الَّتِي لَمْ يُخْبِرْ بِهَا سِوَاهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ عِيسَى خُصَّ بَأَنْ أُرْسِلَ الرُّوحُ الْأَمِينُ إِلَى أُمِّهِ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا وَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ , وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ فَنَطَقَ فِي الْمَهْدِ : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فَكَانَ آيَةً لِلْعَالَمِينَ وَمَثَلًا فِي الْآخِرِينَ وَلَمْ يُذْكَرْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شَيْءٌ مِثْلُهُ . فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ ضُرُوبًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَأَمْثَالِهَا الدَّالَّةِ عَلَى مَوْلِدِهِ وَبُشِّرَتْ بِهِ آمِنَةُ وَمَا ظَهَرَ لَهَا مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ وَضْعِهَا