رُجُوعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ قَالُوا : فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ بِالْأَبْوَاءِ فَرَجَعَتْ بِهِ أُمُّ أَيْمَنَ عَلَى الْبَعِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدِمَا عَلَيْهِمَا مَكَّةَ ، وَكَانَتْ تَحْضُنُهُ قَالُوا : وَوَرِثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيهِ أُمَّ أَيْمَنَ وَخَمْسَةَ أَجْمَالٍ أَوْ رُكُبٍ وَقَطِيعَةَ غَنَمٍ ، وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَلَمَّا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ أَعْتَقَهَا قَالُوا : فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ آمِنَةُ قَبَضَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ ، وَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ هِيَ الَّتِي قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ فَرَقَّ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رِقَّةً لَمْ يَرِقَّهَا عَلَى وَلَدِهِ وَكَانَ يُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِعْظَامًا لَهُ وَإِذَا خَلَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكَانَ يُفْرَشُ لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فِرَاشٌ وَيَأْتِي بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فيَجْلِسُونَ حَوْلَ ذَلِكَ الْفِرَاشِ يَنْظُرُونَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْفِرَاشِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ أَعْمَامُهُ : مَهْلًا يَا مُحَمَّدُ عَنْ فِرَاشِ أَبِيكَ فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ : دَعُوا ابْنِي , إِنَّهُ لَيُؤْنِسُ مَلَكًا ، وَيُقَالُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ ابْنِي لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ قَالُوا : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَلَعْبُ مَعَ الصِّبْيَانِ حَتَّى بَلَغَ الرَّدْمَ فَرَآهُ قَوْمٌ مَنْ بَنِي مُدْلِجٍ فَدَعُوهُ فَنَظَرُوا إِلَى قَدَمَيْهِ وَإِلَى أَثَرِهِ ثُمَّ خَرَجُوا فِي أَثَرِهِ فَصَادَفُوهُ قَدْ لَقِيَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَدْ لَقِيَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ : مَا هَذَا مِنْكَ ؟ قَالَ : ابْنِي قَالُوا : احْتَفِظْ بِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ قَدَمًا أَشْبَهُ بِالْقَدَمِ الَّذِي بِالْمَقَامِ مِنْهُ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَبِي طَالِبٍ : اسْمَعْ مَا يَقُولُ هَذَا وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْتَفِظُ بِهِ . قَالُوا : بَيْنَا يَوْمًا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ وَعِنْدَهُ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ وَهُوَ يُحَادِثُهُ وَيَقُولُ : إِنَّا نَجِدُ صِفَةَ نَبِيٍّ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْأُسْقُفُّ وَإِلَى عَيْنَيْهِ وَإِلَى ظَهْرِهِ وَإِلَى قَدَمَيْهِ فَقَالَ : هُوَ هَذَا مَا هَذَا مِنْكَ ؟ قَالَ : ابْنِي قَالَ الْأُسْقُفُّ : مَا نَجِدُ أَبَاهُ حَيًّا قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : هُوَ ابْنُ ابْنِي وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ قَالَ : صَدَقْتَ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِبَنِيهِ : تَحَفَّظُوا بِابْنِ أَخِيكُمْ أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ
ذِكْرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّامِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِنِبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ . أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يُجَهِّزُوا عِيرًا إِلَى الشَّامِ بِتِجَارَاتٍ وَأَمْوَالٍ عِظَامٍ وَأَجْمَعَ أَبُو طَالِبٍ الْمَسِيرَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ فَلَمَّا تَهَيَّأَ لَهُ الْمَسِيرَ انْتَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَشْخَصُ مَعَهُ فَرَّقَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ قَالَ : أَتَخْرُجُ ؟ فَكَلَّمَهُ عُمُومَتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَقَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ : مِثْلُ هَذَا الْغُلَامِ لَا يُخْرَجُ بِهِ ؛ تُعَرِّضُهُ لِلْأَرْيَافِ وَالْأَوْبَاءِ فَهَمَّ أَبُو طَالِبٍ بِتَخْلِيفِهِ فَرَآهُ يَبْكِي قَالَ : مَا لَكَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ لَعَلَّ بُكَاءَكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُفَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ أَبَدًا فَاخْرُجْ مَعِي فَخَرَجَ فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ بَحِيرا الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَةٍ وَكَانَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ فَلَمَّا نَزَلُوا بِبَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا مَرُّوا عَلَيْهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَدَعَاهُمْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةٌ تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ نَظَرَ تِلْكَ الْغَمَامَةَ قَدْ أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ فَتَهَصَّرَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَظَلَّ فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَتَى بِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تَحْضُرُوا وَلَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونَنِي بِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ قَبْلَ هَذَا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ : أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا ؛ يَنْظُرُ رِحَالَهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدَهَا عِنْدَهُ وَجَعَلَ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ وَيَرَاهَا مُحَلِّقَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَحِيرَا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا قَالُوا : مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِنَا قَالَ : ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ مِنْ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفُ وَاحِدٌ ، إِنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، قَالُوا : هُوَ وَاللَّهِ مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا وَابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَامَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ : وَاللَّهِ كَادَ الْيَوْمُ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ وَانْقَلَعَتِ الشَّجَرَةُ مِنْ أَصْلِهَا حِينَ فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ بَحِيرَا فَقَالَ : يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيُّ حَقٍّ لَهُمَا عِنْدِي ؟ لَا تَسْأَلْنِي بِحَقِّ الَّاتِ وَالْعُزَّى ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا ، وَمَا تَأَمَّلْتُهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا كَرَاهَةً لَهُمَا ، وَلَكِنِ اسْأَلْنِي بِاللَّهِ أُخْبِرْكَ عَمَّا تَسْأَلُنِي عَنْهُ إِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ قَالَ بَحِيرَا : فَبِاللَّهِ أَسْأَلُكَ ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِهِ فَيُخْبِرُهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَنْ نَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي عَيْنَيْهِ إِلَى الْحُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ : أَخْبِرُونِي عَنْ هَذِهِ الْحُمْرَةِ تَأْتِي وَتَذْهَبُ أَوْ لَا تُفَارِقُهُ ؟ قَالُوا : مَا رَأَيْنَاهَا فَارَقَتْهُ قَطُّ وَكَلَّمَهُ أَنْ يَنْزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ وَإِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ مُتَوَاسِطًا فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَقَبَّلَ مَوْضِعَ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ : إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ - لَمَّا رَأَى مِنَ الرَّاهِبِ - يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ لِأَبِي طَالِبٍ : مَا يَكُونُ هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ ؟ قَالَ : ابْنِي قَالَ : مَا هُوَ بِابْنِكَ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا قَالَ : فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي قَالَ : فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : تُوُفِّيَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ ؟ قَالَ : تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا قَالَ : صَدَقْتَ ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِكَ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ فَوَاللَّهِ إِنْ رَأَوْهُ أَوْ عَرَفُوا مِنْهُ الَّذِي أَعْرِفُ لِيَبْغُنَّهُ عَنَتًا فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا وَمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا ، وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْنَا مَوَاثِيقُ ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ : مَنْ أَخَذَهَا عَلَيْكُمْ ؟ فَتَبَسَّمَ الرَّاهِبُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَخَذَهَا عَلَيْنَا ، نَزَلَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَأَقْلِلِ اللَّبْثَ وَارْجِعْ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ مَوْلِدِهِ ، فَإِنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ ، فَإِنَّ الْيَهُودَ تَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَمَتَى يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهَا يَحْسِدُوهُ ، قَالَ : وَرَآهُ رِجَالٌ مِنَ الْيَهُودِ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ وَعَرَفُوا صِفَتَهُ وَهُمْ : زَرِيدٌ وَتَمَّامٌ وَدُبَيْسٌ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا قَدْ هَمُّوا وَأَجْمَعُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ فَذَهَبُوا إِلَى بَحِيرَا فَذَاكَرُوهُ ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ بَحِيرَا سَيُتَابِعُهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ فَنَهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ وَقَالَ لَهُمْ : أَتَجِدُونَ صِفَتَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَمَا لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ فَتَرَكُوهُ وَخَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ رَاجِعًا سَرِيعًا خَائِفًا مِنَ الْيَهُودِ أَنْ يَغْتَالُوهُ قَالَ : وَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَعَايِبِهَا ؛ لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَعَلَى دَيْنِ قَوْمِهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَذَى مَا رُؤِيَ مُلَاحِيًا أَحَدًا وَلَا مُمَارِيًا أَحَدًا حَتَّى سَمَّاهُ قَوْمُهُ الْأَمِينَ ؛ لِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ فَلَقَدْ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ الْأَمِينُ