حديث رقم: 215

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَابِصَةَ الْعَبْسِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مَنَازِلِنَا أَيْ مَنَازِلَ بَنِي عَبْسٍ بِمِنًى وَنَحْنُ نَازِلُونَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا خَلْفَهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَدَعَانَا فَوَاللَّهِ مَا اسْتَجَبْنَا لَهُ وَلَا خَيْرَ لَنَا قَالَ : وَقَدْ كُنَّا سَمِعْنَا بِهِ وَبِدُعَائِهِ فِي الْمَوْسِمِ فَوَقَفَ عَلَيْنَا يَدْعُونَا فَلَمْ نَسْتَجِبْ لَهُ وَكَانَ مَعَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْعَبْسِيُّ فَقَالَ : أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ صَدَّقْنَا هَذَا الرَّجُلَ وَحَمَلْنَاهُ حَتَّى نَحِلَّ بِهِ وَسَطَ رِحَالِنَا لَكَانَ الرَّأْيَ ؛ فَأَحْلِفَ بِاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ كُلَّ مَبْلَغٍ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ : دَعْنَا عَنْكَ لَا تُعَرِّضْنَا لِمَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ فَطَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي مَيْسَرَةَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ مَيْسَرَةُ : مَا أَحْسَنَ كَلَامَكَ وَأَنْوَرَهُ ، ولَكِنَّ قَوْمِي يُخَالِفُونَنِي وَإِنَّمَا الرَّجُلٌ بِقَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَضِّدُوهُ فَالْعَدَا أَبْعَدُ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ صَادِرِينَ إِلَى أَهْلِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ مَيْسَرَةُ : مِيلُوا بِنَا إِلَى فَدَكٍ فَإِنَّ بِهَا يَهُودَ نُسَائِلُهُمْ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَمَالُوا إِلَى يَهُودَ فَأَخْرَجُوا سِفْرًا لَهُمْ فَوَضَعُوهُ ثُمَّ دَرَسُوا ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ يَرْكَبُ الْجَمَلَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ وَلَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ مُشْرَبُ اللَّوْنِ فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَادْخُلُوا فِي دِينِهِ فَإِنَّا نَحْسُدُهُ فَلَا نَتَّبِعُهُ وَلَنَا مِنْهُ فِي مَوَاطِنَ بَلَاءٌ عَظِيمٌ وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا اتَّبَعَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَكُونُوا مِمَّنْ يَتَّبِعُهُ فَقَالَ مَيْسَرَةُ : يَا قَوْمِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَيِّنٌ قَالَ الْقَوْمُ : نَرْجِعُ إِلَى الْمَوْسِمِ فَنَلْقَاهُ فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَبَى ذَاكَ عَلَيْهِمْ رِجَالُهُمْ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لَقِيَهُ مَيْسَرَةُ فَعَرَفَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ حَرِيصًا عَلَى اتِّبَاعِكَ مِنْ يَوْمِ أَنَخْتَ بِنَا حَتَّى كَانَ مَا كَانَ وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا مَا تَرَى مِنْ تَأْخِيرِ إِسْلَامِي وَقَدْ مَاتَ عَامَّةُ النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي فَأَيْنَ مُدْخَلُهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : كُلُّ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي النَّارِ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَنِي فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ لَهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مَكَانٌ لَفْظُ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ

حديث رقم: 216

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : لَمَّا أَفْسَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَحِيفَةَ مَكْرِهِمْ خَرَجَ النبيِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَعَاشُوا وَخَالَطُوا النَّاسَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفٍ لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ : لَا أُكْرِهُ مِنْكُمْ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مَنْ رَضِيَ الَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ قَبِلَهُ وَمَنْ كَرِهَهُ لَمْ أُكْرِهْهُ إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تَحُوزُونِي مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ الْقَتْلِ فَتَحُوزُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَيَقْضِي اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا أَتَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ إِلَّا قَالُوا : قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ أَفَتَرَى رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ ؟ وَذَلِكَ لِمَا ادَّخَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْصَارِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ وَازْدَادَ مِنَ الْبَلَاءِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شِدَّةٌ فَعَمَدَ إِلَى ثَقِيفٍ يَرْجُو أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَنْصُرُوهُ فَوَجَدَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ سَادَةَ ثَقِيفٍ وَهُمْ إِخْوَةٌ : عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرٍو وَحَبِيْبَ بْنَ عَمْرٍو وَمَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَشَكَا إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ وَمَا انْتَهَكَ قَوْمُهُ مِنْهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَنَا أَسْرِقُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ بَعَثَكَ بشَيْءٍ قَطُّ وَقَالَ الْآخَرُ : وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا كَلِمَةً وَاحِدَةً أَبَدًا لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا لَأَنْتَ أَعْظَمُ شَرَفًا وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ وَقَالَ الْآخَرُ : أَعَجَزَ اللَّهُ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَكَ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ فِي ثَقِيفٍ الَّذِي قَالَ لَهُمْ وَاجْتَمَعُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ فَأَخَذُوا بِأَيْدِيهِمُ الْحِجَارَةَ فَجَعَلَ لَا يَرْفَعُ رِجْلَهُ وَلَا يَضَعُهَا إِلَّا رَضَخُوهَا بِالْحِجَارَةِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَهْزِءُونَ وَيَسْخَرُونَ فَلَمَّا خَلَصَ مِنْ صَفَّيْهَمْ وَقَدَمَاهُ تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ عَمَدَ إِلَى حَائِطٍ مِنْ كُرُومِهِمْ فَأَتَى ظِلَّ حَبْلَةٍ مِنَ الْكَرْمِ فَجَلَسَ فِي أَصْلِهَا مَكْرُوبًا مُوجَعًا تَسِيلُ قَدَمَاهُ الدِّمَاءَ فَإِذَا فِي الْكَرْمِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا كَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُمَا ؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَبِهِ الَّذِي بِهِ فَأَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامَهُمَا عَدَّاسًا بِعِنَبٍ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى فَلَمَّا أَتَاهُ وَضَعَ الْعِنَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : بِسْمِ اللَّهِ فَعَجِبَ عَدَّاسٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ ؟ قَالَ : أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى فَقَالَ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مِنْ أَهْلِ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ؟ فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ : وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ مَا عَرَفَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا يُبَلِّغُهُ رِسَالَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَلَمَّا أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ شَأْنِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِ خَرَّ سَاجِدًا للِرَسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ جَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا تَسِيلَانِ الدِّمَاءَ فَلَمَّا أَبْصَرَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ مَا فَعَلَ غُلَامُهُمَا سَكَتَا فَلَمَّا أَتَاهُمَا قَالَا لَهُ : مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنَّا ؟ قَالَ : هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ حَدَّثَنِي عَنْ أَشْيَاءَ عَرَفْتُهَا مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا يُدْعَى يُونُسَ بْنَ مَتَّى فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَضَحِكَا وَقَالَا : لَا يَفْتِنْكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ إِنَّهُ رَجُلٌ يَخْدَعُ ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ

حديث رقم: 217

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنِ ابْنِ رُومَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ فَلَمْ يَأْتِ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ كَانَ أَلْيَنَ مِنْهُمْ فَلَمَّا رَأَى لِينَهُمْ وَقُوَّةَ جَبَهِهِمْ لَهُ جَعَلَ يُكَلِّمُهُمْ وَيَقُولُ : أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ فَإِنْ أَظْهَرُ فَأَنْتُمْ بِالْخِيَارِ فَقَالَ عَامَّتُهُمْ : مَا أَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ وَلَكِنَّا نَعْبُدُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا قَالَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ : يَا قَوْمِ اسْبِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيُحَدِّثُونَ أَنَّ نَبِيًّا يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ إِنْسَانٌ أَعْوَرُ فَقَالَ : أَمْسِكُوا عَلَيَّ أَخْرَجَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَتُؤْوُونَهُ أَنْتُمْ ؟ تَحَمَّلُونَ حَرْبَ الْعَرَبِ قَاطِبَةً ؟ لَا ثُمَّ لَا فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ حَزِينًا فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَخَبَّرُوهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ : وَاللَّهِ إِنَّكُمْ مُخْطِئُونَ بِخَطَئِكُمْ لَوْ سَبَقْتُمْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ لَسُدْتُمُ الْعَرَبَ وَنَحْنُ نَجِدُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِنَا فَوَصَفَهُ الْقَوْمُ الَّذِينَ رَأَوْهُ كُلَّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ بِمَا يَصِفُ مِنْ صِفَتِهِ ثُمَّ قَالَ : نَجِدُ مَخْرَجَهُ بِمَكَّةَ وَدَارَ هِجْرَتِهِ بِيَثْرِبَ فَأَجْمَعَ الْقَوْمُ لِيُوَافُوهُ فِي الْمَوْسِمِ القَابِلٍ فَحَبَسَهُمْ سَيِّدٌ لَهُمْ عَنْ حَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَمْ يُوَافِ أَحَدًا مِنْهُمْ فَمَاتَ الْيَهُودِيُّ فَسُمِعَ عِنْدَ مَوْتِهِ يُصَدِّقُ بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَيُؤْمَنُ بِهِ

حديث رقم: 6000

حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَإِنْجَازِ مَوْعِدِهِ لَهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ خَيْرًا

حديث رقم: 218

قَالَ إِبْرَاهِيمُ : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ : لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لَهُمْ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ الْخَزْرَجُ قَالَ : أَمِنْ مَوَالِي الْيَهُودِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ وَكَانُوا هم أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ وَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَدْ عَزُّوهُمْ بِبِلَادِهِمْ ، وَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ ، قَالَ : فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْمِ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدُكُمْ بِهِ الْيَهُودُ ؛ فَلَا تَسْبِقِنَّكُمْ إِلَيْهِ فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَصَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا كُنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِكَ فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرِكَ وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ ؛ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّةُ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَهُمْ تَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ ، وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَّادِ بْنِ غَنْمٍ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ ، وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي ، وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيٍّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنَ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى فَبَايَعُوهُ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِضَ عَلَيْهِمُ الْحَرْبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَكَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُسَمَّى بِالْمَدِينَةَ الْمُقْرِئَ وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي النَّجَّارِ

حديث رقم: 219

أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حُبَابٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا وَهُوَ يَذْكُرُ الْأَنْصَارَ وَفَضْلَهُمْ وَسَابِقَتَهُمْ ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ وَيَعْرِفْ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ هُمْ وَاللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفَلْوُ فِي فِنَائِهِمْ بِأَسْيَافِهِمْ وَطُولِ أَلْسِنَتِهِمْ وَسَخَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْمَوَاسِمِ فَيَدْعُو الْقَبَائِلَ مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَجِيبُ لَهُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ دُعَاءَهُ فَقَدْ كَانَ يَأْتِي الْقَبَائِلَ بِمَجَنَّةَ وَعُكَاظٍ وَبِمِنًى حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الْقَبَائِلَ يَعُودُ إِلَيْهِمْ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ حَتَّى إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَا آنَ لَكَ أَنْ تَيْأَسَ مِنَّا ؟ مِنْ طُولِ مَا يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرَادَ بِهَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَاسْتَجَابُوا وأسرعوا وَآوَوْا وَنَصَرُوا وَوَاسَوْا فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ فَنَزَلْنَا مَعَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَقَدْ تَشَاحُّوا فِينَا حَتَّى أَنْ كَانُوا لَيَقْتَرِعُونَ عَلَيْنَا ثُمَّ كُنَّا فِي أَمْوَالِهِمْ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ ثُمَّ بَذَلُوا مُهَجَ أَنْفُسِهِمْ دُونَ نَبِيِّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

حديث رقم: 220

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَتْ : أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْذَى وَيُشْتَمُ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ مَا أَرَادَ مِنَ الْكَرَامَةِ فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى نَفَرٍ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَهُمْ يَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ قُلْتُ : مَنْ هُمْ يَا أُمَّهْ ؟ قَالَتْ : سِتَّةُ نَفَرٍ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ثَلَاثَةٌ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَابْنَا عَفْرَاءَ وَلَمْ تُسَمِّ لِي مَنْ بَقِيَ قَالَتْ : فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَوَافَوْا قَابِلَ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى ثُمَّ كَانَتِ الْعَقَبَةُ الْآخِرَةُ قُلْتُ لِأُمِّ سَعْدٍ : وَكَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ؟ قَالَتْ : أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أَبِي صِرْمَةَ قَيْسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ ؟ قُلْتُ : لَا أَدْرِي مَا قَالَ فَأَنْشَدَتْنِي قَوْلَهُ : ثَمَّ فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً يُذَكِّرُ لَوْ لَاقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا وَيَعْرِضُ فِيهَا فِي الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيْبَةَ رَاضِيَا وَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ

حديث رقم: 221

ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ حَدَّثَنِي أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : يَا عَمِّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرٌ دِينَهُ بِقَوْمٍ يُهَوَّنُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ عِزًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْضِ بِي إِلَى عُكَاظٍ فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ يَمْنَعُونِي وَيُؤْوُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرْسَلَنِي بِهِ قَالَ : فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا ابْنَ أَخِي امْضِ إِلَى عُكَاظٍ فَأَنَا مَاضٍ مَعَكَ حَتَّى أَدُلُّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِثَقِيفٍ ثُمَّ اسْتَقَرأ الْقَبَائِلَ فِي سَنَتِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُعْلِنَ الدُّعَاءَ لَقِيَ السِّتَّةَ نَفَرٍ الْخَزْرَجِيِّينَ وَالْأَوْسِيِّينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَقِيَهُمْ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبَيَاءَهُ وَرُسُلَهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ : {{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا }} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَرَّقَ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حِينَ سَمِعُوا وَأَجَابُوهُ فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ فَعَرَفَ صَوْتَ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : يَا عَمِّ سُكَّانُ يَثْرِبَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَدَعْوَتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَنِي إِلَى بِلَادِهِمْ فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُمْ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ وَأَرَدْتُمْ إِخْرَاجَهُ مَعَكُمْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي وَلَا تَخْذُلُوهُ وَلَا تُغْرُوهُ فَإِنَّ جِيرَانَكُمُ الْيَهُودُ وَالْيَهُودُ لَهُ عَدُوٌّ وَلَا آمَنُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَشَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ حِينَ اتُّهِمَ عَلَيْهِ سَعْدٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فَلْنُجِبْهُ غَيْرَ مُخَشِّنِينَ بِصَدْرِكَ وَلَا مُتَعَرِّضِينَ لشَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ إِلَّا تَصْدِيقًا لِإِجَابَتِنَا إِيَّاكَ وَإِيمَانًا بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَجِيبُوهُ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِكُلِّ دَعْوَةٍ سَبِيلًا إِنْ لِينٌ وَإِنْ شِدَّةٌ وَقَدْ دَعَوْتَ الْيَوْمَ إِلَى دَعْوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ لِلنَّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَيْهِمْ دَعَوْتَنَا إِلَى تَرْكِ دِينِنَا وَاتِّبَاعِكَ عَلَى دِينِكَ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَدَعَوْتَنَا إِلَى قَطْعِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَدَعَوْتَنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ فِي دَارِ عِزٍّ وَمَنَعَةٍ لَا يَطْمَعُ فِيهَا أَحَدٌ أَنْ يَرْأَسَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ غَيْرِنَا قَدْ أَفْرَدَهُ قَوْمُهُ وَأَسْلَمَهُ أَعْمَامُهُ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّتَبِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ اللَّهُ عَلَى رُشْدِهِ وَالْتَمَسَ الْخَيْرَ فِي عَوَاقِبِهَا وَقَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا وَصُدُورِنَا وَأَيْدِينَا ؛ إِيمَانًا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَتَصْدِيقًا بِمَعْرِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي قُلُوبِنَا نُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ وَنُبَايِعُ رَبَّنَا وَرَبَّكَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِينَا وَدِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَإِنْ نَفِي بِذَلِكَ فَلِلَّهِ نَفِي وَإِنْ نَغْدِرْ فَبِاللَّهِ نَغْدِرُ وَنَحْنُ بِهِ أَشْقِيَاءُ هَذَا الصِّدْقُ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لَنَا بِالْقَوْلِ دُونَ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَنَحْنُ قَدْ قَطَعْنَا الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَذَا الرَّحِمِ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْبَشَرِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَخُذْ مَا شِئْتَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ قَالُوا : فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ : عَلَيْكُمْ بِذَلِكُمْ عَهْدُ اللَّهِ مَعَ عَهُودِكُمْ وَذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَّتِكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ اللَّهُ رَبُّكُمْ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ لَتَجِدُّنَّ فِي نَصْرِهِ وَلَتَشُدُّنَّ لَهُ مِنْ أَزْرِهِ وَلَتُوفُنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ وَصَرْحِ أَلْسِنَتِكُمْ وَنُصْحِ صُدُورِكُمْ لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا وَلَا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ قَالُوا جَمِيعًا : نَعَمْ قَالَ : اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ رَاعٍ وَوَكِيلٌ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ وَإِنَّ هَذَا ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ ذِمَّتَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ اللَّهُمَّ فَكُنْ لِابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ وَرَضِيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلكَ فَمَا لَنَا ؟ قَالَ : رِضْوَانُ اللَّهِ وَالْجَنَّةُ قَالُوا : رَضِينَا وَقَبِلْنَا فَأَقْبَلَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : بَلَى قَالَ : أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَوْلِدِهِ وَعَشِيرَتِهِ ؟ قَالُوا : بَلَى قَالَ : فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسْلِمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ يَنْزِلُ بِكُمْ فَالْآنَ ؛ فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا : لَا بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالْأَرْحَامِ وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى سِيسَائِهَا فَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا لَحِقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَكْتَنَا وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ فَقَالَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ الِاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ وَأُبَايِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي وَأُصَدِّقَ قَوْلِي بِفِعْلِي وَنُصْرَتِكَ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى الْإِقْدَامِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا أَعْصِيَكُمَا وَلَا أَكْذِبَكُمَا حَدِيثًا فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى بِلَادِهِمْ رَاضِينَ مَسْرُورِينَ فَسُرُّوا بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ وَتَحَسُّنِ إِجَابَةِ قَوْمِهِمْ لَهُمْ حَتَّى وَافَوْهُ مِنْ قَابِلٍ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا

حديث رقم: 222

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " لَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَالَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أَيْقَنُوا وَاطْمَأَنُّوا إِلَى دَعْوَتِهِ وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ بِصِفَتِهِ وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَصَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ وَكَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ قَالُوا لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الدِّمَاءِ وَنَحْنُ ثَمَّ نُحِبُّ مَا أَنْ نَشُدَّ بِهِ أَمْرَكَ وَنَحْنُ لِلَّهِ وَلَكَ مُجْتَهِدُونَ وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا نَرَى فَامْكُثْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا فَنُخْبِرَهُمْ بِشَأْنِكَ وَنَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَنَا وَيَجْمَعَ أَمْرَنَا، فَإِنَّا الْيَوْمَ مُتَبَاعِدُونَ مُتَبَاغِضُونَ، فَإِنْ تَقْدَمْ عَلَيْنَا وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَمْ يَكُنْ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالُوا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ سِرًّا، وَأَخْبَرُوهُمْ [ص: ] بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِهِمْ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ فَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَنَزَلَ فِي بَنِي غَنْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا فَيَفْشُو الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخْفُونَ بِدُعَائِهِمْ ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَجَلَسَا هُنَاكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَتَوْهُمْ مُسْتَخْفِينَ فَبَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَأَتَاهُمْ فِي لَأْمَتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: عَلَامَ تَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْفَرِيدِ الطَّرِيحِ الْغَرِيبِ يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ، وَيَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا أَرَاكُمْ بَعْدَهَا بشَيْءٍ مِنْ جِوَارِنَا، فَرَجَعُوا ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا الثَّانِيَةَ لِبِئْرِ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَتَوَاعَدَهُمْ تَوَعُّدًا دُونَ الْوَعِيدِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا رَأَى أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْهُ لِينًا قَالَ: يَا ابْنَ خَالَةٍ، اسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا فَارْدُدْهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَإِنْ سَمِعْتَ حَقًّا فَأَجِبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: {{حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}} [الزخرف: ] فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلَّا مَا أَعْرِفُ [ص: ] ، فَرَجَعَ قَدْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمُ الْإِسْلَامَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ فِيهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ نَأْخُذْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَدُعَائِهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُذَكِّرْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ دُورٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكُسِرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَكَانَتِ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ أَهْلِهَا وَصَلُحَ أَمْرُهُمْ، وَرَجَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ، ثُمَّ حَجَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ وَثَلَاثُونَ شَابًّا، وَأَصْغَرُهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا حَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالَّذِي خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَجَابُوا وَصَدَّقُوا وَقَالُوا: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، قَالَ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْبُدُوهُ، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» فَلَمَّا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَبَّاسُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَّمَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ [ص: ] التَّيْهَانِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا، وَالْحِبَالُ الْحِلْفُ وَالْمَوَاثِيقُ، فَلَعَلَّنَا نَقْطَعُهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ وَقَدْ قَطَعْنَا الْحِبَالَ وَحَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ وَالْهَدْمَ» فَلَمَّا رَضِيَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ تَرْمِكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِكُمْ، فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلَانَهُ فَمِنَ الْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَبِلْنَا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَخَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَلْنُبَايِعْهُ فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا كُلُّهُمْ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ تَحَالَفُ عَلَى قِتَالِكُمْ، فَفَزِعُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَرَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُعْكُمْ هَذَا الصَّوْتُ، فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ» وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ بِالشَّيْطَانِ فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَزَبَّ، أَهَذَا عَمَلُكَ؟ سَأَفْرُغُ لَكَ» وَبَلَغَ قُرَيْشًا الْحَدِيثُ فَأَقْبَلُوا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَوَطَّئُونَ عَلَى رَحْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مِلْنَا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ اتَّفَقُوا عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَأَوْفَوْا بِالشَّرْطِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص: ] ثُمَّ صَدَرُوا رَابِحِينَ رَاشِدِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَلْجَأً وَأَنْصَارًا وَدَارَ هِجْرَةٍ

- حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ حَارِثٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْأَنْصَارُ الْمَدِينَةَ بَعْدَمَا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِهَا وَفِي قُومِهِمْ بَقَايَا عَلَى دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذٌ قَدْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيِّدَا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلَمَةَ وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ مَنَاةُ كَمَا كَانَتِ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ يَتَّخِذُهُ إِلَهًا وَيُطَهِّرُهُ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ وَفِيهَا عَذِرَةُ النَّاسِ مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى إِلَهِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَ: ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إِذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ مَنْ صَنَعَ بِكَ هَذَا لَأُخْزِيَنَّهُ فَإِذَا أَمْسَى عَمْرٌو وَنَامَ عَدَوَا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ حَيْثُ أَلْقَوْهُ يَوْمًا فَغَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ ثُمَّ جَاءَ [ص: ] بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَفْعَلُ بِكَ مَا نَرَى فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَامْتَنِعْ بِهَذَا السَّيْفِ مَعَكَ فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ عَدَوَا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وَالسَّيْفُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيِّتًا فَقَرَنُوهُ مَعَهُ بِحَبْلٍ ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلَمَةَ فِيهَا عَذِرَةٌ مِنْ عُذَرِ النَّاسِ وَغَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مَقْرُونًا بِكَلْبٍ مَيِّتٍ فَلَمَّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ أَسْلَمَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَزَادَ مِنْجَابٌ عَنْ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَوَلَدُهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَا تَدْعِي أَحَدًا مِنْ عِيَالِكِ فِي أَهْلِكَ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قَالَتْ: أَفْعَلُ وَلَكِنْ هَلْ لَكَ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ ابْنِكَ فُلَانٍ مَا رَوَى عَنْهُ؟ قَالَ: فَلَعَلَّهُ صَبَأَ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}} [الفاتحة: ] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}} [الفاتحة: ] فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ وَكُلُّ كَلَامِهِ مِثْلُ هَذَا؟ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا قَالَ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تُبَايِعَهُ؟ قَدْ صَنَعَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَوْمِكَ؟ قَالَ: لَسْتُ فَاعِلًا حَتَّى أُؤَامِرَ مَنَاةَ فَأَنْظُرَ مَا يَقُولُ قَالَ: وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا كَلَامَ مَنَاةَ جَاءَتْ عَجُوزٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُ فَأَجَابَتْ عَنْهُ قَالَ: فَأَتَاهُ وَغُيِّبَتِ الْعَجُوزُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ فَتَشَكَّرَ لَهُ وَقَالَ: يَا مَنَاةُ تَشْعُرُ أَنَّهُ قَدْ سِيلَ بِكَ وَأَنْتَ غَافِلٌ؟ جَاءَ رَجُلٌ يَنْهَانَا عَنْ عِبَادَتِكَ وَيَأْمُرُنَا بِتَعْطِيلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَايِعَهُ حَتَّى أُؤَامِرَكَ، وَخَاطَبَهُ طَوِيلًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَظُنُّكَ قَدْ غَضِبْتَ وَلَمْ أَصْنَعْ بَعْدُ شَيْئًا، فَقَامَ إِلَيْهِ فَكَسَرَهُ [ص: ] . وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنَ اللَّهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الْعَمَى وَالضَّلَالَةِ:
[البحر المتقارب]

أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا مَضَى ... وَأَسْتَنْقِذُ اللَّهَ مِنْ نَارِهِ
وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِنَعْمَائِهِ ... إِلَهَ الْحَرَامِ وَأَسْتَارِهِ
فَسُبْحَانَهُ عَدَدَ الْخَاطِئِينَ ... وَقَطْرَ السَّمَاءِ وَمِدْرَارِهِ
هَدَانِي وَقَدْ كُنْتُ فِي ظُلْمَةٍ ... حَلِيفَ مَنَاةٍ وَأَحْجَارِهِ
وَأَنْقَذَنِي بَعْدَ شَيْبِ الْقَذَالِ ... مِنْ شَيْنِ ذَاكَ وَمِنْ عَارِهِ
فَقَدْ كِدْتُ أَهْلِكَ فِي ظُلْمَةٍ ... تَدَارَكَ ذَاكَ بِمِقْدَارِهِ
فَحَمْدًا وَشُكْرًا لَهُ مَا بَقِيتُ ... إِلَهُ الْأَنَامِ وَجَبَّارُهُ
أُرِيدُ بِذَلِكَ إِذَا قُلْتُهُ ... مُجَاوَرَةَ اللَّهِ فِي دَارِهِ
وَقَالَ أَيْضًا يَذُمُّ صَنَمَهُ:
[البحر الرجز]

تَالَلَّهِ لَوْ كُنْتَ إِلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفٍ لِمَصْرَعِكَ إِلَهًا مُسْتَدَنٍّ ... الْآنَ فَتَشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ ذِي الْمِنَنِ ... الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ دَيَّانِ الدِّيَنْ
. قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي تَضَاعِيفِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَدِلَّةٌ وَكِيدَةٌ اقْتَصَصْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِأَلْفَاظِهَا لِمَا فِي مَوْدِعِهَا مِنَ الدَّلَائِلِ مِنْهَا مَيْلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَمَا خَرَجَ بِهِ إِلَى أَسْعَدِ بْنِ [ص: ] زُرَارَةَ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مِنَ الضَّلَالَةِ لِتَدَيُّنِهِ بِالشِّرْكِ فَقَالَا لَهُ: مَنْ شَكَّ فِيهِ فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: هَذَا أَمْرٌ لَتُحَزُّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ مَا حَضَرُوا فِي الْمَوْسِمِ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ وَالْقُرْآنَ أَيْقَنُوا وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى دَعْوَتِهِ وَعَرَفُوا مَا سَمِعُوا فِي مَاضِي الْأَيَّامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى سُرْعَةِ أَخْذِ الْقُرْآنِ فِي قُلُوبِهِمْ وَمِنْهَا إِخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِصَوْتِ إِبْلِيسَ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَخَافُونَ وَمِنْهَا تَوْطِئَةُ قُرَيْشٍ مَتَاعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعُوا