حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسِيبٍ اللِّهْبِيُّ ، عَنِ ابْنِ دَأْبٍ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَكَّةَ ، أَخْرَجَ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ مِنَ الْحَبْسِ وَخَلَعَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وُضِعَ الْمِنْبَرُ فَخَطَبَ ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ سُدَيْفُ بْنُ مَيْمُونٍ فَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَاخْتَارَهُ مِنْ قُرَيْشٍ ، نَفْسُهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَبَيْتُهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ ، فكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي حَفِظَهُ وَأَشْهَدَ مَلَائِكَتَهُ عَلَى حَقِّهِ {{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }} ، وَجَعَلَ الْحَقَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَقَاتَلُوا عَلَى سُنَّتِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَ عَصْرٍ مِنَ الزَّمَانِ ، وَتَتَابَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَقْوَامٍ ، إِنْ رُتِقَ حَقٌّ فَتَقُوهُ ، وَإِنْ فُتِقَ جَوْرٌ رَتَقُوهُ ، آثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ ، وَالْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي ، أَهْلُ خُمُورٍ وَمَاخُورٍ وَطَنَابِيرَ وَمَزَامِيرَ ، إِنْ ذُكِّرُوا اللَّهَ لَمْ يَذْكُرُوا ، وَإِنْ قُوِّمُوا الْحَقَّ أَدْبَرُوا ، بِهَذَا قَامَ زَمَانُهُمْ ، وَبِهِ كَانَ يَعْمُرُ سُلْطَانُهُمْ ، أَيَزْعُمُ الضُّلَّالُ ، فَأُحْبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ، أَنَّ غَيْرَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ مِنْهُمْ ، فَبِمَ ، وَلِمَ أَيُّهَا النَّاسُ ؟ أَلَهُمُ الْفَضْلُ بِالصَّحَابَةِ دُونَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي النَّسَبِ ، وَالْوَرَثَةِ لِلسَّلَبِ ، مَعَ ضَرْبِهِمْ عَلَى الدِّينِ جَاهِلَكُمْ ، وَإِطْعَامِهِمْ فِي اللَّأْوَاءِ جَائِعَكُمْ ، وَأَمْنِهِمْ فِي الْخَوْفِ سَائِلَكُمْ ؟ وَاللَّهِ مَا اخْتَرْتُمْ مِنْ حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ، مَا زِلْتُمْ تُوَلُّونَ تَيْمِيًّا مَرَّةً ، وَعَدَوِيًّا مَرَّةً ، وَأَسَدِيًّا مَرَّةً ، وَأُمَوِيًّا مَرَّةً ، حَتَّى جَاءَكُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ ، فَضَرَبَكُمْ بِالسَّيْفِ ، فَأَعْطَيْتُمُوهَا عَنْوَةً وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ ، آلُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَئِمَّةُ الْهُدَى ، وَمَنَارُ سُبُلِ التُّقَى ، كَمْ قَصَمَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ مُنَافِقٍ طَاغٍ ، وَفَاسِقٍ بَاغٍ ، وَأَرْبَادٍ أَمْلَاغٍ ، فَهُمُ السَّادَّةُ الْقَادَةُ الذَّادَةُ ، بَنُو عَمِّ الرَّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَمُنَزِّلِ جِبْرِيلَ بِالتَّنْزِيلِ ، لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ عَبَّاسٍ ، لَمْ تَخْضَعْ لَهُ الْأُمَّةُ إِلَّا لِوَاجِبِ حَقِّ الْحُرْمَةِ ، أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ أَبِيهِ ، وَإِحْدَى يَدَيْهِ ، وَجِلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَالْمُوَثِّقُ لَهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، وَأَمِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَرَسُولُهُ يَوْمَ مَكَّةَ ، وَحَامِيهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِنْدَ مُلْتَقَى الْفِئَتَيْنِ ، وَالشَّافِعُ يَوْمَ نِيقِ الْعُقَابِ ؛ إِذْ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قِبَلَ الْأَحْزَابِ أَقُولُ قُولِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَيُقَالُ : إِنَّ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ كَانَ فِي حَبْسِ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَيُطْلِقُ فِيهِمْ لِسَانَهُ وَيَهْجُوهُمْ ، وَكَانَ لَهُ فِي الْحِسَابِ فِيمَا يَزْعُمُونَ نَظَرٌ وَفِي الْأَدَبِ حَظٌّ وَافِرٌ ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ لُمَّةٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ يَسْمُرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَنَحْوِهِ ، فَيَتَحَدَّثُونَ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِدَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُرْوَةَ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ وَالِيًا لِمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الطَّائِفِ يَقُولُ : فَاتَّخَذَ عَلَيْهِ الْأَرْصَادَ مَعَ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَخَذُوهُ ، فَأَخَذَهُ ، فَحَبَسَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْلِدُهُ كُلَّ سَبْتٍ مِائَةَ سَوْطٍ ، كُلَّمَا مَضَى سَبْتٌ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ حَتَّى ضَرَبَهُ أَسْبُتًا ، فَلَمَّا اتَّطَأَ الْأَمْرُ لِبَنِي هَاشِمٍ ، وَبُويِعَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بِالْخِلَافَةِ ، بَعَثَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ، فَلَمَّا سَمِعَ الْوَلِيدُ بْنُ عُرْوَةَ السَّعْدِيُّ بِدَاوُدَ أَنَّهُ يُرِيدُ مَكَّةَ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ ، وَقَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَكَّةَ ، فَاسْتَخْرَجَ سُدَيْفًا مِنَ الْحَبْسِ ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ ، وَأَخْلَدَهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ سُدَيْفٌ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا بَنِي الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَصْبَحَ الدِّينُ ثَابِتَ الْأَسَاسِ بِالْبَهَالِيلِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ وَضَعَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَ ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ سُدَيْفٌ ، فَخَطَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا