حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَالْكَعْبَةُ مُحْرَقَةٌ ، حِينَ أَدْبَرَ جَيْشُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ ، وَالْكَعْبَةُ تَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهَا ، فَوَقَفَ وَمَعَهُ نَاسٌ غَيْرُ قَلِيلٍ فَبَكَى ، حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ تَنْحَدِرُ كُحْلًا فِي عَيْنَيْهِ مِنْ إِثْمِدٍ ، كَأَنَّهُ رُءُوسُ الذُّبَابِ عَلَى وَجْنَتَيْهِ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَكُمْ أَنَّكُمْ قَاتِلُو ابْنِ نَبِيِّكُمْ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ ، وَمُحْرِقُو بَيْتِ رَبِّكُمْ لَقُلْتُمْ مَا مِنْ أَحَدٍ أَكْذَبُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَحْنُ نَقْتُلُ ابْنَ نَبِيِّنَا ، وَنَحْرِقُ بَيْتَ رَبِّنَا ؟ فَقَدْ وَاللَّهِ فَعَلْتُمْ ، لَقَدْ قَتَلْتُمُ ابْنَ نَبِيِّكُمْ ، وَحَرَقْتُمْ بَيْتَ اللَّهِ ، فَانْتَظِرُوا النِّقْمَةَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِيَدِهِ ، لَيَلْبِسَنَّكُمُ اللَّهُ شِيَعًا ، وَلَيُذِيقَنَّ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ . يَقُولُهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَمَا فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ رَجْعَ صَوْتِهِ ، فَقَالَ : أَيْنَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِيَدِهِ ، لَوْ قَدْ أَلْبَسَكُمُ اللَّهُ شِيَعًا ، وَأَذَاقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لِمَنْ عَلَيْهَا ، لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : أَوَّلُ مَا تُكُلِّمَ فِي الْقَدَرِ حِينَ احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : طَارَتْ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَتْ ثِيَابُ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ . وَقَالَ الْآخَرُ : مَا قَدَّرَ اللَّهُ هَذَا
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي الْمَهْدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الذِّمَارِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ عُلَيْمٍ الْكِنْدِيِّ ، قَالَ : قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : لَتُحْرَقَنَّ هَذِهِ الْكَعْبَةُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الزُّبَيْرِ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَوْنٍ : مَتَى كَانَ احْتِرَاقُ الْكَعْبَةِ ؟ قَالَ : يَوْمَ السَّبْتِ لِلَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنَا نَعْيُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَجَاءَ نَعْيُهُ فِي هِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ . قُلْتُ : وَمَا كَانَ سَبَبُ احْتِرَاقِهَا ؟ قَالَ : جَاءَنَا مَوْتُ يَزِيدَ ، تُوُفِّيَ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ يَوْمَئِذٍ عِنْدَنَا ، وَكَانَ احْتِرَاقُهَا بَعْدَ الصَّاعِقَةِ الَّتِي أَصَابَتْ أَهْلَ الشَّامِ بِعِشْرِينَ لَيْلَةً . قَالَ أَبُو عَوْنٍ : مَا كَانَ احْتِرَاقُهَا إِلَّا مِنَّا ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَّا ، وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي خَلِيفَةَ الْمَذْحِجِيُّ ، كَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يُوقِدُونَ فِي خِصَاصٍ لَهُمْ حَوْلَ الْبَيْتِ ، فَأَخَذَ نَارًا فِي زُجِّ رُمْحِهِ فِي النِّفْطِ ، وَكَانَ يَوْمَ رِيحٍ ، فَطَارَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ ، فَاحْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ حَتَّى صَارَتْ إِلَى الْخَشَبِ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : هَذَا عَمَلُكُمْ ، رَمَيْتُمْ بَيْتَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالنِّفْطِ وَالنَّارِ ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ
قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : قَالَ الْوَاقِدِيُّ : حَدَّثَنِي رَبَاحُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانُوا يُوقِدُونَ فِي الْخِصَاصِ ، فَأَقْبَلَتْ شَرَارَةٌ هَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ ، فَاحْتَرَقَتْ ثِيَابُ الْكَعْبَةِ ، وَاحْتَرَقَ الْخَشَبُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ : قَدِمْتُ مَكَّةَ مَعَ أَبِي يَوْمَ احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ ، فَرَأَيْتُ الْخَشَبَ قَدْ خَلَصَتْ إِلَيْهِ النَّارُ ، وَرَأَيْتُهَا مُجَرَّدَةً مِنَ الْحَرِيقِ ، وَرَأَيْتُ الرُّكْنَ قَدِ اسْوَدَّ ، فَقُلْتُ : مَا أَصَابَ الْكَعْبَةَ ؟ فَأَشَارُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَالُوا : هَذَا احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ فِي سَبَبِهِ ، أَخَذَ نَارًا فِي رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ ، فَطَارَتْ بِهِ الرِّيحُ ، فَضَرَبَتْ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إِلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ : نَصَبْنَا الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَاعْتَنَقَتْهُ الرِّجَالُ ، وَقَدْ أَلْجَأْنَا الْقَوْمَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَبَنَوْا خِصَاصًا حَوْلَ الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَرِفَافًا مِنْ خَشَبٍ تُكِنُّهُمْ مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ ، فَكُنْتُ أَرَاهُمْ إِذَا أَمْطَرْنَا عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةَ يَكِنُّونَ تَحْتَ تِلْكَ الرِّفَافِ . قَالَ : فَوَهَنَ الرَّمْيُ بِحِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ الْكَعْبَةَ فَهِيَ تَنْقَضُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ الْحِجَارَةَ تَصُكُّ وَجْهَ الْكَعْبَةِ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ حَتَّى تَخْرُقَهَا ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا كَأَنَّهَا جُيُوبُ النِّسَاءِ ، وَتَرْتَجُّ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْحَجَرَ يَمُرُّ فَيَهْوِي الْآخَرُ عَلَى أَثَرِهِ ، فَيَسْلُكُ طَرِيقَهُ ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَاحْتَرَقَ الْمَنْجَنِيقُ ، وَاحْتَرَقَ تَحْتَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ : قَدْ أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ ، فَكُنَّا أَيَّامًا فِي رَاحَةٍ حَتَّى عَمِلُوا مَنْجَنِيقًا آخَرَ ، فَنَصَبُوهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي عَصِيدَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ ، عَنْ مَوْلًى ، لِابْنِ الْمُرْتَفِعِ ، عَنِ ابْنِ الْمُرْتَفِعِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحِجْرِ ، فَأَوَّلُ حَجَرٍ مِنَ الْمَنْجَنِيقِ وَقَعَ فِي الْكَعْبَةِ ، فَسَمِعْنَا لَهَا أَنِينًا كَأَنِينِ الْمَرِيضِ آهِ آهِ
حَدَّثَنِي جَدِّي ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَجُوزٌ ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَتْ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لَهَا : أَخْبِرِينِي عَنِ احْتِرَاقِ الْكَعْبَةِ كَيْفَ كَانَ ؟ قَالَتْ : كَانَ الْمَسْجِدُ فِيهِ خِيَامٌ كَثِيرَةٌ ، فَطَارَتِ النَّارُ مِنْ خَيْمَةٍ مِنْهَا فَاحْتَرَقَتِ الْخِيَامُ ، وَالْتَهَبَ الْمَسْجِدُ ، حَتَّى تَعَلَّقَتِ النَّارُ بِالْبَيْتِ فَاحْتَرَقَ قَالَ عُثْمَانُ : وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ جَيْشُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ ، أَحْرَقَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى بَابِ بَنِي جُمَحَ ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ خِيَامٌ وَفَسَاطِيطُ ، فَمَشَى الْحَرِيقُ حَتَّى أَخَذَ فِي الْبَيْتِ ، فَظَنَّ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا أَنَّهُمْ هَالِكُونَ ، فَضَعُفَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ ، حَتَّى إِنَّ الطَّيْرَ لَيَقَعُ عَلَيْهِ فَتَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهُ