أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِظَهْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أُنَدِّيَهُ مَعَ الْ إِبِلِ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَتَلَ رَاعِيَهَا ، وَخَرَجَ يَطْرُدُهَا هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَبَاحُ ، اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ . قَالَ : وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ فَجَعَلْتُ وَجْهِي مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : يَا صَبَاحَاهُ ، ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ وَمَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ وَذَلِكَ حِينَ يَكْثُرُ الشَّجَرُ ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَمَيْتُ ، فَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ : أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّجُلِ حَتَّى انْتَظَمْتُ كَبِدَهُ فَقُلْتُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرَةِ أَحْدَقْتُهُمْ بِالنَّبْلِ ، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنَهُمْ أَتَّبِعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ مِنْهَا وَلَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضُّحَى أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ مَدَدًا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَأَنَا فَوْقَهُمْ . قَالَ عُيَيْنَةُ : مَا هَذَا الَّذِي أَرَى ؟ قَالُوا : لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرَحَ مَا فَارَقْنَا بِسَحَرٍ حَتَّى الْآنَ ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَقَالَ عُيَيْنَةَ : لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ ؛ فَقَامَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ قُلْتُ لَهُمْ : أَتَعْرِفُونَنِي ؟ قَالُوا : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي ، وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتَنِي ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : إِنَّ ذَا ظَنٌّ . قَالَ : فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَلِكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَعَلَى أَثَرِ أَبِي قَتَادَةَ الْمِقْدَادُ ، فَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ وَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ فَأَعْرَضُ لِلْأَخْرَمِ فَآخُذُ عِنَانَ فَرَسِهِ قُلْتُ : يَا أَخْرَمُ ، انْذَرِ الْقَوْمَ يَعْنِي احْذَرْهُمْ ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ . قَالَ : يَا سَلَمَةُ ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ ، فَخَلَّيْتُ عَنَانَ فَرَسِهِ فَيَلْحَقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ ، فَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا وَيَعْرِضُونَ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذُو قَرَدٍ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ فَعَطَفُوا عَنْهُ وَأَسْنَدُوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي دُبُرٍ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيَهُ فَقُلْتُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَقَالَ : يَا ثُكْلَ أُمِّي ، أَأَكْوَعِيُّ بُكْرَةٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ ، فَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بُكْرَةً فَاتَّبَعْتُهُ بِ سَهْمٍ آخَرَ فَعَلِقَ فِيهِ سَهْمَانِ ، وَيَخْلُفُونَ فَرَسَيْنِ ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَّأْتُهُمْ عَنْهُ ذُو قَرَدٍ ، فَإِذَا نَبِيُّ اللَّهِ فِي خَمْسِمِائَةٍ ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ فَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةً فَآخُذُ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْعَشْوَةِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ ؛ قَالَ : أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ قُلْتُ : نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُمُ الْآنَ يُقْرَوْنَ بِأَرْضِ بَنِي غَطَفَانَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ : مُرُّوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ ، فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا ، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا الْيَوْمَ سَلَمَةُ ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ ، ثُمَّ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا قَرِيبًا مِنْ ضَحْوَةٍ ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ جَعَلَ يُنَادِي : هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ ؟ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ ؟ فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُرْدِفِي فَقُلْتُ لَهُ : مَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي خَلِّنِي فَلْأُسَابِقِ الرَّجُلَ ، فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ ؛ فَقُلْتُ : اذْهَبْ إِلَيْكَ . فَطَفَرَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ ثُمَّ إِنِّي رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي ثُمَّ إِنِّي عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدَيَّ . قُلْتُ : سَبَقْتُكَ وَاللَّهِ إِلَى فَوْزِهِ أَوْ كَلِمَةٍ نَحْوَهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ وَقَالَ : إِنِّي إِنْ أَظُنُّ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ