الطبقة الثالثة من المهاجرين والأنصار ممن شهد الخندق وما بعدها. منهم من المهاجرين ممن أسلم فيما بين الخندق وفتح مكة من بني عبد شمس بن عبد مناف : أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي واسمه مهشم . وأمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وخالته خديجة بنت خويلد زوج رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم. وكان أبو العاص يسمى جرو البطحاء . وكان رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم زوجّه ابنته زينب قبل الإسلام . فولدت له عليًا وأمامة امرأةً ، وأمها زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ فتوفيّ عليّ وهو صغير ، وبقيت أمامة بنت أبي العاص ، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة بنت رسول الله صَلى الله عَليهِ وَسلَّم. قَالَ : أَخْبَرَنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي ، عَنْ داود بن أبي هند ، عَنْ عامر الشعبي : أن زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم كانت تحت أبي العاص بن الربيع فأسلمت وهاجرت مع أبيها ، وأَبَىَ أبو العاص أن يُسلم. قَالَ : قَالَ : أَخْبَرَنا مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي المنذر بن سعد مولىً لبني أسد بن عبد العزى ، عَنْ عيسى بن معمر ، عَنْ عباد بن عبد الله بن الزبير ، عَنْ عائشة : أن أبا العاص بن الربيع كان فيمن شهد بدرًا مع المشركين ، فأسره عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري ، فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم ، قدم في فدي أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع ، وبعثت معه زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم وهي يومئذ بمكة بقلادة لها كانت لخديجة بنت خويلد من جزع ظفار - وظفار جبل باليمن - وكانت خديجة بنت خويلد أدخلتها بتلك القلادة على أبي العاص بن الربيع حين بنى بها ، فبعثت بها في فداء زوجها أبي العاص ، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم القلادة عرفها ، ورق لها ، وذكر خديجة وترحم عليها . وقَالَ : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها متاعها فعلتم . قَالُوا : نعم يا رسول الله ، فأطلقوا أبا العاص بن الربيع ، وردوا على زينب قلادتها . وأخذ النبي صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم على أبي العاص أن يخلي سبيلها إليه ، فوعده ذلك ففعل. قال مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ : هذا أثبت عندنا من رواية من روى أن زينب هاجرت مع أبيها صَلى الله عَليهِ وَسلَّم. قَالَ : أَخْبَرَنا مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنِي موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عَنْ أبيه ، قَالَ : خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش ، وبلغ رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم أن تلك العير قد أقبلت من الشام ، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ، فلقوا العير بناحية العيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة ، فأخذوها وما فيها من الأثقال ، وأسروا ناسًا ممن كان في العير ، منهم أبو العاص بن الربيع فلم يغدُ أن جاء المدينة ، فدخل على زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم سحرًا وهي امرأته ، فاستجارها فأجارته ، فلما صلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم الفجر قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها : إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع ! فقال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم : أيها الناس ، هل سمعتم ما سمعت ؟ قَالُوا : نعم . قَالَ : فوالذي نفسي بيده ، ما علمت بشئ مما كان حتى سمعت الذي سمعتم ، المؤمنون يدٌ واحدةٌ على من سواهم ، يجير عليهم أدناهم ، وقد أجرنا من أجارت . فلما انصرف النبي صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ، ففعل وأمرها ألا يقربها ، فإنها لا تحل له ما دام مشركًا . ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ، ورجع إلى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم مسلمًا مهاجرًا سنة سبع من الهجرة ، فرد عليه رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم زينب بذلك النكاح الأول. قَالَ : أَخْبَرَنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عَنْ معروف بن الخربوذ المكي ، قَالَ : خرج أبو العاص بن الربيع في بعض أسفاره إلى الشام ، فذكر امرأته زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم فأنشأ يقول : ذكرت زينب لما ورّكت إِرَمَا ... فقلت سَقْيًا لشخصٍ يسكن الحرما بنت الأمين جزاها الله صالحةً ... وكلُّ بعلٍ سيُثني بالذي علما قال مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ : وكان رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم يقول : ما ذممنا صهر أبي العاص. قَالَ : أَخْبَرَنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي ، عَنْ داود بن أبي هند ، عَنْ عامر الشعبي ، قَالَ : خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في أموال لقريش وله ، ثم أقبل في العير فسمع به ناسٌ من المسلمين فتهيئوا ليخرجوا إليه فيضربوا عنقه ويأخذوا ما معه من المال .فسمعت بذلك زينب فقالت : يا رسول الله ، أليس عقد المسلم وعهدهم واحداً؟ قَالَ : بلى. قالت : فإني أشهد الله أني قد آمنت أبا العاص. فخرج الناس عزلا فقَالُوا : يا أبا العاص ، أنت في بيت من بيوت قريش ، وأنت ختن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم فأسلم على هذه الأموال التي معك تصير لك . قَالَ : أتأمرونني أن أفتح ديني بغدرة ! فانطلق فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه . ثم قَالَ : يا أهل مكة أبرئت لي أمانتي ؟ قَالُوا : نعم . قَالَ : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . قَالَ : فرجع إلى زينب بالنكاح الأول . قال : أَخْبَرَنا عبد الله بن نمير ، قَالَ : حَدَّثَنا إسماعيل بن أبي خالد ، عَنْ عامر الشعبي ، قَالَ : قدم أبو العاص بن الربيع من الشام ومعه أموال المشركين ، وقد أسلمت امرأته زينب مع أبيها وهاجرت ، فقيل له : هل لك إلى أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك ، فإنها أموال المشركين ؟ فقَالَ : بئس ما أبدأ به إسلامي أخون أمانتي ! فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه ، ويرجع فيسلم ففعل وما فُرق بينهما. قَالَ : أَخْبَرَنا يعلي بن عبيد الطنافسي ، قَالَ : حَدَّثَنا محمد بن إسحاق ، عَنْ يزيد بن رومان ، قَالَ : صلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم بالناس الصبح ، فلما قام في الصلاة نادت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع ، فلما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم قَالَ : هل سمعتم ما سمعت ؟ قَالُوا : نعم : قَالَ : أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه الذي سمعتم ، إنه يجير على الناس أدناهم. قَالَ : أَخْبَرَنا محمد بن عمر ، قَالَ : حَدَّثَنا مصعب بن ثابت ، عَنْ عيسى بن معمر . قَالَ مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ : وحَدَّثَنا سعيد بن راشد ، عَنْ صالح بن كيسان ، قالا : كان أبو العاص بن الربيع يسمى جرو البطحاء ، لأنه كان متلدا بها متوسطا فيها يعني في نسبه في قريش فأسلم ثم رجع إلى مكة ، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللَّه عَلَيه وسَلَّم مشهدا ، ثم قدم المدينة بعد ذلك ، وتوفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق ، وأوصى إلى الزبير بن العوام ، وليس لأبي العاص عقب إلا من قبل ابنةٍ ولدت القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف.