حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الصَّلْتِ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَعْفَرِيِّ , عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ : إِنِّي لَأَسِيرُ بَيْنَ الْعُلَيَّا وَجَوْشٍ أُرِيدُ الْحَجَّ , إِذْ سَمِعْتُ نَشِيجًا مِنْ هَوْدَجٍ , فَدَنَوْتُ مِنْهُ , فَإِذَا بِصَوْتٍ شَجِيٍّ , وَكَلَامٍ خَفِيٍّ , وَامْرَأَةٍ تَقُولُ : وَمَا غَابَ عَنِّي شَخْصُهُ غَيْرَ أَنَّنِي وَجَدْتُ الْهَوَى قَدْ ذَاقَهُ بِالتَّصَبُّرِ فَإِنْ يَجْمَعِ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَفُزْ بِالْهَوَى قَلْبِي وَيَفْرَحْ مَنْظَرِي تَقَسَّمَ قَلْبِي ذِكْرُهُ فَأَبَحْتُهُ حِمَى النَّفْسِ فَاسْتُرْ ذَاكَ يَارَبِّ وَاغْفِرِي وَلَا تُعْطِنِي يَا رَبِّ فِي الْحَجِّ غَيْرَهُ فَحَسْبِي بِهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مُقَدَّرِي قُلْتُ : يَا هَذِهِ , لَقَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ عَظِيمًا , وَمَتَى عَهْدُكِ بِهِ ؟ قَالَتْ : كُنْتُ نَائِمَةً قُبَيْلُ , إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ بَابِ الْهَوْدَجِ فَلَثَمَ وَجْهِي , فَانْتَبَهْتُ لِلِثَامِهِ وَهُوَ مُخْتَلِطٌ بِقَلْبِي , قُلْتُ : فَبِالَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَكُمَا لَمَا أَرَيْتِنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي لَثَمَهُ , فَرَفَعَتِ السِّجْفَ فَأَشَارَتْ إِلَى خَالٍ فِي خَدِّهَا , فَمَا خِلْتُهُ إِلَّا عَقْرَبًا ضَرَبَتْ فُؤَادِي , قُلْتُ : فَقَدْ جَعَلْتِ هَذَا وَقْفًا عَلَيْهِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ وَاللَّهِ , إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ . ثُمَّ أَسْبَلَتِ السِّجْفَ
أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُتْبِيُّ : اسْتَزَارَتْهُ فِكْرَتِي فِي الْمَنَامِ فَأَتَانِي فِي رُقْبَةٍ وَاكْتِتَامِ اللَّيَالِي أُخْفِي بِقَلْبِي إِذَا مَا جَرَحَتْهُ النَّوَى مِنَ الْأَيَّامِ يَا لَهَا لَيْلَةٌ تَنَزَّهَتِ الْأَرْ وَاحُ فِيهَا سِرًّا مِنَ الْأَجْسَامِ مَجْلِسٌ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ عَيْبٌ غَيْرَ أَنَّا فِي دَعْوَةِ الْأَحْلَامِ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ : لَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَهْدَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ جَوَارٍ , وَكَانَتْ فِيهِنَّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا مَحْبُوبَةُ , وَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ بِالطَّائِفِ , وَكَانَ لَهَا مَوْلًى مُغْرًى بِالْأَدَبِ , وَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ عَنْهُ وَرَوَتِ الْأَشْعَارَ , وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ بِهَا مُعْجَبًا , فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَمَنَعَ الْجَوَارِيَ مِنْ كَلَامِهَا , فَكَانَتْ فِي حُجْرَتِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ أَيَّامًا , فَرَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ قَدْ صَالَحَهَا , فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ : يَا عَلِيُّ , قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : أَشَعَرْتَ أَنِّي رَأَيْتُ مَحْبُوبَةَ فِي مَنَامِي كَأَنِّي قَدْ صَالَحَتْنِي ؟ قُلْتُ : خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِذًا يُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَكَ وَيَسُرُّكَ . فَوَاللَّهِ إِنَّا لَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِهَا إِذْ جَاءَتْ وَصِيفَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : يَا سَيِّدِي , سَمِعْتُ صَوْتَ عُودٍ مِنْ حُجْرَةٍ مَحْبُوبَةَ . قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : قُمْ بِنَا يَا عَلِيُّ نَنْظُرْ مَا هَذَا الْأَمْرُ . فَنَهَضْنَا فَأَتَيْنَا حُجْرَتَهَا , فَإِذَا هِيَ تَضْرِبُ بِالْعُودِ وَهِيَ تَقُولُ : أَدُورُ فِي الْقَصْرِ لَا أَرَى أَحَدًا أَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُنِي حَتَّى كَأَنِّي أَتَيْتُ مَعْصِيَةً لَيْسَتْ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُنِي فَهَلْ شَفِيعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ قَدْ زَارَنِي فِي الْكَرَى فَصَالَحَنِي حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لَاحَ لَنَا عَادَ إِلَى هَجْرِهِ فَصَارَمَنِي قَالَ : فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَصِحْتُ مَعَهُ , فَسَمِعَتْ مَحْبُوبَةُ , فَقَالَتْ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى رِجْلَيْهِ تُقَبِّلُهُمَا وَقَالَتْ : يَا سَيِّدِي , رَأَيْتُكَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ كَأَنَّكَ قَدْ صَالَحْتَنِي . فَقَالَ : وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّكِ قَدْ صَالَحْتِينِي . فَرَدَّهَا إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ