حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ ، وَهُوَ يَعْرِضُ النَّاسَ عَلَى دِيَوَانِهِمْ ، إِذْ مَرَّ بِهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَعْمَى يَجْبِذُهُ قَائِدُهُ جَبْذًا شَدِيدًا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَآهُ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا أَسْوَأَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ جَالِسٌ عِنْدَهُ : وَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : هَذَا ابْنُ ضَبْعَا السُّلَمِيُّ ، ثُمَّ الْبَهْزِيُّ ، الَّذِي بَهَلَهُ بُرَيْقٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ بُرَيْقًا لَقَبٌ ، فَمَا اسْمُ الرَّجُلِ ؟ قَالُوا : عِيَاضٌ ، قَالَ : فَدَعَى لَهُ ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي خَبَرَكَ وَخَبَرَ بَنِي ضَبْعَا قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ قَدِ انْقَضَى شَأْنُهُ ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ ، فَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ غُفْرًا ، مَا كُنَّا أَحَقَّ بِأَنْ نَتَحَدَّثَ بِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مُنْذُ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، حَدِّثْنَا حَدِيثَكَ وَحَدِيثَهُمْ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَانُوا بَنِي ضَبْعَا عَشْرَةً ، فَكُنْتُ ابْنَ عَمٍّ لَهُمْ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنِي أَبِي غَيْرِي ، وَكُنْتُ لَهُمْ جَارًا ، وَكَانُوا أَقْرَبَ قَوْمِي لِي نَسَبًا ، وَكَانُوا يَضْطَهِدُونَنِي وَيَظْلِمُونَنِي ، وَيَأْخُذُونَ مَالِي بِغَيْرِ حَقِّهِ ، فَذَكَّرْتُهُمُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ وَالْجِوَارَ إِلَّا مَا كَفُّوا عَنِّي ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَأَمْهَلْتُهُمْ حَتَّى إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ رَفَعْتُ يَدَيَّ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ قُلْتُ : لَا هُمَّ أَدْعُوكَ دُعَاءً جَاهِدَا اقْتُلْ بَنِي الضَّبْعَاءَ إِلَّا وَاحِدَا ثُمَّ اضْرِبِ الرَّجُلَ فَذَرْهُ قَاعِدَا أَعْمَى إِذَا مَا قِيدَ عَنَّى الْقَائِدَا فَتَتَابَعَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ فِي عَامِهِمْ مَوْتًا ، وَبَقِيَ هَذَا مَعِي ، وَرَمَاهُ اللَّهُ فِي رِجْلَيْهِ بِمَا تَرَى ، فَقَائِدُهُ يَلْقَى مِنْهُ مَا رَأَيْتَ ، فَقَالَ عُمَرُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا لَلْعَجَبُ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَشَأْنُ أَبِي تَقَاصُفٍ الْهُذَلِيُّ ثُمَّ الْخُنَاعِيُّ ، أَعْجَبُ مِنْ هَذَا ، قَالَ : وَكَيْفَ كَانَ شَأْنُهُ ؟ قَالَ : كَانَ لِأَبِي تَقَاصُفٍ تِسْعَةٌ هُوَ عَاشِرُهُمْ ، وَكَانَ لَهُمُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ عِيَاضٍ مِنْ بَنِي ضَبْعَا ، فَكَانُوا يَظْلِمُونَهُ وَيَضْطَهِدُونَهُ ، وَيَأْخُذُونَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلَّا مَا كَفُّوا عَنْهُ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَأَمْهَلَهُمْ حَتَّى إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَاهُمَّ رَبَّ كُلِّ امْرِئٍ آمَنٍ وَخَائِفْ وَسَامِعَ هِتَافَ كُلِّ هَاتِفْ إِنَّ الْخُنَاعِيَّ أَبَا تَقَاصُفْ لَمْ يُعْطِنِي الْحَقَّ وَلَمْ يُنَاصِفْ فَاجْمَعْ لَهُ الْأَحِبَّةَ الْأَلَاطِفْ بَيْنَ كَرَّانَ ثَمَّ وَالنَّوَاصِفْ قَالَ : فَتَدَلَّوْا حَيْثُ وَصَفَ فِي قَلِيبٍ لَهُمْ يُصْلِحُونَهُ ، فَتَهَوَّرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، فَإِنَّهُ لَقَبْرٌ لَهُمْ جَمِيعًا إِلَى يَوْمِهِمْ هَذَا ، فَقَالَ عُمَرُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا لَلْعَجَبُ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَشَأْنُ بَنِي الْمُؤَمَّلِ مِنْ بَنِي نَصْرٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ، قَالَ : وَكَيْفَ كَانَ شَأْنُ بَنِي مُؤَمَّلٍ ؟ قَالَ : كَانَ لَهُمُ ابْنُ عَمٍّ ، وَكَانَ بَنُو أَبِيهِ قَدْ هَلَكُوا ، فَأَلْجَأَ مَالَهُ إِلَيْهِمْ وَنَفْسَهُ لِيَمْنَعُوهُ ، فَكَانُوا يَظْلِمُونَهُ وَيَضْطَهِدُونَهُ ، وَيَأْخُذُونَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَكَلَّمَهُمْ ، فَقَالَ : يَا بَنِي مُؤَمَّلٍ ، إِنِّي قَدِ اخْتَرْتُكُمْ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ ، وَأَضَفْتُ إِلَيْكُمْ مَالِي وَنَفْسِي لِتَمْنَعُونِي ، فَظَلَمْتُمُونِي وَقَطَعْتُمْ رَحِمِي ، وَأَكَلْتُمْ مَالِي وَأَسَأْتُمْ جَوَارِي ، فَأُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ وَالْجِوَارَ إِلَّا مَا كَفَفْتُمْ عَنِّي فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ ، فَقَالَ : يَا بَنِي مُؤَمَّلٍ ، قَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ ابْنُ عَمِّكُمْ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِيهِ ، فَإِنَّ لَهُ رَحِمًا وَجِوَارًا ، وَإِنَّهُ قَدِ اخْتَارَكُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَأَمْهَلَهُمْ حَتَّى إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ خَرَجُوا أَعْمَارًا ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَدْبَارِهِمْ ، وَقَالَ : لَاهُمَّ زِلْهُمْ عَنْ بَنِي مُؤَمَّلِ وَارْمِ عَلَى أَقْفَائِهِمْ بِمِنْكَلِ بِصَخْرَةْ أَوْ عَرْضِ جَيْشٍ جَحْفَلٍ إِلَّا رَبَاحًا إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلِ فَبَيْنَمَا هُمْ نُزُولٌ إِلَى جَبَلٍ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِمْ أَرْسَلَ اللَّهُ صَخْرَةً مِنَ الْجَبَلِ تَجُرُّ مَا مَرَّتْ بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ صَخْرٍ ، حَتَّى دَكَّتْهُمْ دَكَّةً وَاحِدَةً ، إِلَّا رَبَاحًا وَأَهْلَ جَنَابِهِ إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ عُمَرُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ هَذَا لَلْعَجَبُ ، لَمْ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا كَانَ يَكُونُ ؟ قَالُوا : أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ : أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ لِمَ كَانَ ذَلِكَ ؟ كَانَ النَّاسُ أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، لَا يَرْجُونَ جَنَّةً وَلَا يَخَافُونَ نَارًا ، وَلَا يَعْرِفُونَ بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً ، فَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُمْ عَلَى الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ مَعَادَهُمْ ، وَعَرَفُوا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ قَالَ : {{ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرَّ }} , فَكَانَتِ النَّظِرَةُ وَالْمُدَّةُ وَالتَّأْخِيرُ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ الْخُزَاعِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَنَحْنُ عَلَى شِرْكِنَا ، وَكَانَ مِنَّا رَجُلٌ مُحَارِبٌ خَبِيثٌ يُقَالُ لَهُ : رِيشَةُ ، وَكُنَّا قَدْ خَلَّفْنَاهُ لِخُبْثِهِ ، فَكَانَ وَلَا يَزَالُ يَعْدُو عَلَى جَارِنَا ذَلِكَ الْجُهَنِيِّ ، فَيُصِيبُ لَهُ الْبِكْرَةَ وَالنَّابَ وَالشَّارِفَ ، فَيَأْتُونَنَا ، فَيَشْكُونَهُ إِلَيْنَا ، فَنَقُولُ لَهُ : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا نَصْنَعُ بِهِ ، قَدْ خَلَعْنَاهُ ، فَاقْتُلْهُ ، قَتَلَهُ اللَّهُ ، فَوَاللَّهِ لَا يَتْبَعُكَ مِنْ دَمِهِ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ أَبَدًا حَتَّى عَدَا مَرَّةً مِنْ ذَلِكَ ، فَأَخَذَ مِنْهُ نَاقَةً لَهُ خِيَارًا ، فَأَقْبَلَ بِهَا إِلَى شُعْبَةِ الْوَادِي ، ثُمَّ نَحَرَهَا وَأَخَذَ سَنَامَهَا ، وَمَطَايِبَ لَحْمِهَا ، ثُمَّ تَرَكَهَا ، وَخَرَجَ الْجُهَنِيُّ فِي طَلَبِهَا حِينَ فَقَدَهَا يَلْتَمِسُهَا ، فَاتَّبَعَ أَثَرَهَا حَتَّى وَجَدَهَا ، فَجَاءَ إِلَى نَادِي بَنِي ضَمْرَةَ وَهُوَ آسِفٌ مُصَابٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَصَادِقٌ رِيشَةُ يَا آلَ ضَمْرَةَ أَنْ لَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِ قُدْرَةْ مَا إِنْ يَزَالُ شَارِفٌ وَبِكْرُهُ يَطْعَنُ مِنْهَا فِي سَوَاءِ الثَّغْرَةْ بِصَارِمٍ ذِي رَوْنَقٍ أَوْ شَفْرَةْ لَا هُمَّ إِنْ كَانَ مُعَدًّا فَجَرَّهْ فَاجْعَلْ أَمَامَ الْعَيْنُ مِنْهُ جُدْرَهْ تَأْكُلُهُ حَتَّى تُوَافِيَ الْجَهْرَةْ قَالَ : فَأَخْرَجَ اللَّهُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ فِي مَآقِيهِ حَيْثُ وَصَفَ بِبُثْرَةٍ مِثْلِ النَّبْقَةِ ، وَخَرَجْنَا إِلَى الْمَوْسِمِ حُجَّاجًا ، فَرَجَعْنَا مِنَ الْحَجِّ وَقَدْ صَارَتْ أَكَلَةٌ أَكَلَتْ رَأْسَهُ أَجْمَعَ ، فَمَاتَ حِينَ قَدِمْنَا