حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيُّ الْقَاضِي ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ ، قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ ، ثنا مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، فِي قَوْلِهِ {{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ }} قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ضَحِكْتُ ؟ وَذَكَرَ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : فِي مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : بَلَى قَالَ : فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَيَّ الْيَوْمَ شَاهِدًا إِلَّا مِنْ نَفْسِي قَالَ : {{ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }} كَذَا قَالَ وَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ : انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ وَقَالَ : إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ وَقَالَ : {{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }} يَقُولُ : فَانْقَطَعَ وَخُصِمَ وَلَحِقَهُ الْبُهْتُ عِنْدَ أَخْذِ الْحُجَّةِ لَهُ وَوَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خُصُومَةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَبِيهِ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ {{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }} الْآيَاتِ كُلَّهَا وَنَحْوَ هَذَا فِي سُورَةِ الظُّلَّةِ {{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ }} فَحَادُوا عَنْ جَوَابِ سُؤَالِهِ هَذَا إِذِ انْقَطَعُوا وَعَجَزُوا عَنِ الْحُجَّةِ فَقَالُوا {{ بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }} وَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَلَكِنَّهُ حَيْدَةٌ وَهَرَبٌ عَمَّا لَزِمَهُمْ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الِانْقِطَاعِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ }} قَالُوا : بِالْعِلْمُ وَالْحُجَّةُ ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }} الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ {{ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ }} وَقَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {{ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى }} الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ {{ تَارَةً أُخْرَى }} وَكَذَلِكَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ {{ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ }} يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ أَدْحَضُ بِهَا حُجَّتَكَ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }} فَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَالْمُجَادَلَةِ وَجَادَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَبَاهَلَهُمْ بَعْدَ الْحُجَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ }} الْأَيَةَ ثُمَّ قَالَ : {{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ }} الْآيَةَ ، وَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ الْحَدِيثَ وَجَادَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْيَهُودَ فِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : كَانَ لِعُمَرَ أَرْضٌ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ يَأْتِيهَا وَكَانَ طَرِيقُهُ عَلَى مَوْضِعِ مُدَارَسَةِ الْيَهُودِ وَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَسَمِعَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا : يَا عُمَرُ ، مَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْكَ ، إِنَّهُمْ يَمُرُّونَ بِنَا فَيُؤْذَونَنَا وَتَمُرُّ بِنَا فَلَا تُؤْذِينَا ، وَإِنَّا لَنَطْمَعُ فِيكَ فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ : أَيُّ يَمِينٍ فِيكُمْ أَعْظَمُ ؟ قَالُوا : الرَّحْمَنُ ، قَالَ : فَبِالرَّحْمَنِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْارَةَ عَلَى مُوسَى بِطُورِ سَيْنَاءَ ، أَتَجِدُونَ مُحَمَّدًا عِنْدَكُمْ نَبِيًّا ، فَسَكَتُوا قَالَ : تَكَلَّمُوا مَا شَأْنُكُمْ ؟ وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُكُمْ وَأَنَا شَاكٌ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِي ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : أَخْبِرُوا الرَّجُلَ أَوْ لَأُخْبِرَنَّهُ قَالُوا : نَعَمْ إِنَّا لَنَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ هُوَ جِبْرِيلُ ، وَجِبْرِيلُ عَدُوُّنَا وَهُوَ صَاحِبُ كُلِّ قِتَالٍ وَعَذَابٍ وَخَسْفٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ وَلِيُّهُ مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِهِ ، فَإِنَّ مِيكَائِيلَ صَاحِبُ كُلِّ رَحْمَةٍ وَكُلِّ غَيْثٍ قَالَ : فَأُنْشِدُكُمُ الرَّحْمَنَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَيْنَ مِيكَائِيلُ وَأَيْنَ جِبْرِيلُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالُوا : جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ ، قَالَ عُمَرُ : فَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ عَدُوٌّ لِلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ عَدُوٌّ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ ، وَالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لِلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ عَدُوٌّ لِلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ ، وَأَنَّهُ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ، ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَوَجَدَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ سَبَقَهُ بِالْوَحْيِ ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {{ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبَشَرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }} الْآيَاتِ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَقَدْ جِئْتُ وَمَا أُرِيدُ إِلَّا أَنْ أُخْبِرَكَ ، فَهَذَا مِمَّا صَدَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ قَوْلَ عُمَرَ وَاحْتِجَاجَهُ ، وَهُوَ بَابٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لَطِيفٌ مَسْلُوكٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ وَتَرَكْنَا إِسْنَادَ هَذَا الْخَبَرِ وَسَائِرِ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ؛ لِشُهْرَتِهَا فِي التَّفَاسِيرِ وَالْمُصَنَّفَاتِ ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى وَقَالَ جَلَّ عَزَّ {{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ }} فَأَثْنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَمَّ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْبَاطِلِ ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارْثِ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدَّيْنَوَرِيُّ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّافِعِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا صَاحِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا وَكِيعٌ ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ ، يَقُولُ : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ {{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ صِرَاطِ الْحَمِيدِ }} فِي هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارْثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَتَجَادَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَتَدَافَعُوا وَتَقَرَّرُوا وَتَنَاظَرُوا حَتَّى صَارَ الْحَقُّ فِي أَهْلِهِ وَتَنَاظَرُوا بَعْدَ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ وَفِي فُصُولٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا ، وَاحْتَجُّوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوهَا حَقَنُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مِنْ حَقِّهَا الزَّكَاةُ ، وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا ، وَيُرْوَى عِقَالًا لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ فَبَانَ لِعُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ ، فَتَابَعُوهُ ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ خَالَفَ صَاحِبَهُ وَنَاظَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَيْهِ إِذَا بَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي قَوْلِهِ ، وَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِلَّا بِحَقِّهَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ }}
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، ثنا ابْنُ مَاهَانَ ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : لَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ قَالَ : اخْتَارُوا مِنِّي حَرْبًا مُجْلِيَةً أَوْ سِلْمًا مُخْزِيَةً قَالُوا : أَمَّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا السِّلْمُ الْمُخْزِيَةُ ، قَالَ : تَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : قَتْلَانَا قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُودَوْنَ ، وَنَنْزِعُ عَنْكُمُ الْحَلْقَةَ وَالْكُرَاعَ ، يَعْنِي السِّلَاحَ وَالْخَيْلَ ، قَالَ ابْنُ مَاهَانَ قَالَ : وَتَلْزَمُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَا شَاءَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبيِ دُلَيْمٍ ، ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، ثنا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ ، ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثنا الْحُمَيْدِيُّ ، ثنا سُفْيَانُ ، ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَقَالَ : أَنْتَ تَقُولُ : صَلَّى فِيهِ يَا أَصْلَعُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْقُرْآنُ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : هَاتِ مَنِ احْتَجَّ بِالْقُرْآنِ فَقَدْ أَفْلَحَ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى }} فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَيْنَ تَجِدُهُ صَلَّى مِنْهُ ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَنَاظَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَوَارِجَ حَتَّى انْصَرَفُوا وَنَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا بِمَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ مِنْ نَحْوِ كَلَامِ عَلِيٍّ وَلَوْلَا شُهْرَةُ ذَلِكَ وَخَشْيَةُ طُولِ الْكِتَابِ بِهِ لَاجْتَلَبْتُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ حُمَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ ، قَالَا : نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، ثنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحَرُورِيَّةُ يَخْرُجُونَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَعَلَ يَأْتِيهِ الرَّجُلُ يَقُولُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَوْمُ خَارِجُونَ عَلَيْكَ ، قَالَ : دَعْهُمْ حَتَّى يَخْرُجُوا ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَفُتْنِي حَتَّى آتِيَ الْقَوْمَ قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِلُونَ فَإِذَا هُمْ مُسْهَمَةٌ وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ ، قَدْ أَثَّرَ السُّجُودُ فِي جِبَاهِهِمْ كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ ثَفِنُ الْإِبِلِ عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مَا تَعِيبُونَ مِنِّي فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِيَّةِ ، قَالَ : ثُمَّ قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ {{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لَعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }} فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِكَ ؟ قُلْتُ : جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ جِئْتُ لِأُبَلِّغَكُمْ عَنْهُمْ وَأُبَلِّغَهُمْ عَنْكُمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : {{ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }} فَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلَى فَلَنُكَلِّمَنَّهُ قَالَ : فَكَلَّمَنِي مِنْهُمْ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ قَالَ : قُلْتُ : مَاذَا نَقَمْتُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالُوا : ثَلَاثًا فَقُلْتُ : مَا هُنَّ ؟ قَالُوا : حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ }} قَالَ : قُلْتُ : هَذِهِ وَاحِدَةٌ وَمَاذَا أَيْضًا ؟ قَالَ : فَإِنَّهُ قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ ، فَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ قِتَالُهُمْ وَلَئِنْ كَانُوا كَافِرِينَ لَقَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ وَسِبَاهُمْ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَاذَا أَيْضًا ؟ قَالُوا : وَمَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ ، قَالَ : قُلْتُ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا يَنْقُضُ قَوْلَكُمْ هَذَا ، أَتَرْجِعُونَ ؟ قَالُوا : وَمَا لَنَا لَا نَرْجِعُ ؟ قُلْتُ : أَمَّا قَوْلُكُمْ : حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ }} وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا }} فَصَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِلَى حُكْمِ الرِّجَالِ فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ حُكْمَ الرِّجَالِ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي إِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَفْضَلَ أَوْ فِي دَمِ أَرْنَبٍ ثَمَنُ رُبْعِ دِرْهَمٍ ، وَفِي بُضْعِ امْرَأَةٍ ؟ قَالُوا : بَلَى هَذَا أَفْضَلُ ، قَالَ : أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ ، أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ ؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَإِنْ قُلْتُمْ : نَسْبِيهَا فَنَسْتَحِلَّ مِنْهَا مَا نَسْتَحِلُّ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ : لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ فَأَنْتُمْ تَرَدَّدُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ ، إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ أَبَا سُفْيَانَ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اكْتُبْ يَا عَلِيُّ : هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . . . . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أنِّي رَسُولُكَ ، امْحُ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ : هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سُفْيَانَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ فَخَرَجُوا فَقُتِلُوا أَجْمَعِينَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَصْحَابِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ جَعَلَ لَهُمْ مَا فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ مِنَ السِّلَاحِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالُوا : كَيْفَ تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لَنَا أَمْوَالُهُمْ وَلَا نِسَاؤُهُمْ ؟ قَالَ : هَاتُوا سِهَامَكُمْ وَأَقْرِعُوا عَلَى عَائِشَةَ ، فَقَالُوا : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحِلَّ لَمْ يَحِلَّ بَنُوهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ إِلَّا أَنَّ السِّلَاحَ أَمَرَ بِنَزْعِهَا مِنْهُمْ وَنَقْلِهَا
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : نا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانَيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجَتْ عَلَيَّ الْحَرُورِيَّةُ بِالْمَوْصِلِ فَكَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِمَخْرَجِهِمْ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ يَأْمُرُنِي بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَأَنْ أَدْعُوَ رِجَالًا مِنْهُمْ فَأَجْعَلَهُمْ عَلَى مَرَاكِبَ مِنَ الْبَرِيدِ حَتَّى يَقْدَمُوا عَلَى عُمَرَ فَيُجَادِلَهُمْ فَإِنْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ اتَّبَعَهُمْ وَإِنْ يَكُنْ عُمَرُ عَلَى الْحَقِّ اتَّبَعُوهُ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَرْتَهِنَ مِنْهُمْ رِجَالًا وَأَنْ أُعْطِيَهُمْ رَهْنًا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأُمُورُ ، وَأَجَلُهُمْ فِي سَيْرِهِمْ وَمُقَامِهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ أَمَرَ بِنُزُولِهِمْ ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ فَجَادَلَهُمْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً رَجَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَنَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ وَأَجَابُوا عُمَرَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : لَسْنَا نُجِيبُكَ حَتَّى تُكَفِّرَ أَهْلَ بَيْتِكَ وَتَلْعَنَهُمْ وَتَبْرَأَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ عُمَرُ ، إِنَّهُ لَا يَسَعُكُمْ فِيمَا خَرَجْتُمْ لَهُ إِلَّا الصِّدْقُ ، أَعْلِمُونِي هَلْ تَبَرَّأْتُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَلَعَنْتُمُوهُ أَوْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِكِمْ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكَيْفَ وَسِعَكُمْ تَرْكُهُ ، وَلَمْ يَصِفِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا بِأَخْبَثَ مِنْ صِفَتِهِ إِيَّاهُ ، وَلَا يَسَعُنِي تَرْكُ أَهْلِ بَيْتِي وَمِنْهُمُ الْمُحْسِنُ وَالْمِسِيءُ وَالْمُخْطِئُ وَالْمُصِيبُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، ثنا نُعَيْمٌ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : بَعَثَنِي وَعَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، إِلَى خَوَارِجَ خَرَجَتْ بِالْجَزِيرَةِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ فِي مُنَاظَرَةِ عُمَرَ الْخَوَارِجَ ، وَفِيهِ قَالُوا : خَالَفْتَ أَهْلَ بَيْتِكَ وَسَمَّيْتَهُمُ الظَّلَمَةَ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْحَقِّ أَوْ يَكُونُوا عَلَى الْبَاطِلِ ، فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّكَ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَالْعَنْهُمْ وَتَبْرَأْ مِنْهُمْ ، فَإِنْ فَعَلْتَ فَنَحْنُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْكَ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ لَمْ تَتْرُكُوا الْأَهْلَ وَالْعَشَائِرَ وَتَعَرَّضْتُمُ لِلْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَّا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُصِيبُونَ ، وَلَكِنَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ وَضَلَلْتُمْ وَتَرَكْتُمُ الْحَقَّ ، أَخْبِرُونِي عَنِ الدِّينِ أَوَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ ؟ قَالُوا : بَلْ وَاحِدٌ ، قَالَ : فَيَسَعُكُمْ فِي دِينِكُمْ شَيْءٌ يَعْجِزُ عَنِّي ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَا حَالُهُمَا عِنْدَكُمْ ؟ قَالُوا : أَفْضَلُ أَسْلَافِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَقَامَ عُمَرُ رَدَّ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ عَلَى عَشَائِرِهِمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ عُمَرُ : فَهَلْ تَبَرَّأَ عُمَرُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَعَنَهُ بِخِلَافِهِ إِيَّاهُ ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَتَتَوَلَّوْنَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ عُمَرُ : فَمَا تَقُولُونَ فِي بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ ؟ قَالُوا : مِنْ خَيْرِ أَسْلَافِنَا بِلَالُ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالَ : أَفْلَسْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافًّا عَنِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدْ لَطَّخَ أَصْحَابُهُ أَيْدِيَهُمْ فِي الدِّمَاءِ والْأَمْوَالِ فَهَلْ تَبَرَّأَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ لَعَنَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ؟ قَالُوا : لَا قَالَ : فَتَتَوَلَّوْنَهُمَا جَمِيعًا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ عُمَرُ : فَأَخْبِرُونِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُونَ أَصْحَابَكُمْ بِالْكُوفَةِ فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَقَتَلُوهُ وَبَقَرُوا بَطْنَ جَارِيَتِهِ ، ثُمَّ عَدَوْا عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي قَطِيعَةَ فَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَغَلُّوا الْأَطْفَالَ فِي الْمَرَاجِلِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }} ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُمْ كَافُّونَ عَنِ الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ والْأَمْوَالِ فَهَلْ تَبَرَّأَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى أَوْ لَعَنَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ عُمَرُ : فَتَتَوَلَوْنَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ عُمَرُ : فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فِي السِّيرَةِ وَالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَبَرَّأْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ سِيرَتِهِمْ وَوَسِعَهُمْ وَوَسِعَكُمْ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُنِي حِينَ خَالَفْتُ أَهْلَ بَيْتِي فِي الْأَحْكَامِ وَالسِّيرَةِ حَتَّى أَلْعَنَهُمْ وَأَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ، أَخْبِرُونِي عَنِ اللَّعْنِ أَفَرْضٌ هُوَ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ عُمَرُ لِأَحَدِهِمَا مَتَى عَهْدُكَ بِلَعْنِ فِرْعَوْنَ ؟ قَالَ : مَا لِي بِذَلِكَ عَهْدٌ مُنْذُ زَمَانٍ فَقَالَ عُمَرُ : هَذَا رَأْسٌ مِنْ رُءُوسِ الْكُفْرِ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ بِلَعْنِهِ مُنْذُ زَمَانٍ ، وَأَنَا لَا يَسَعُنِي أَنْ لَا أَلْعَنَ مَنْ خَالَفْتُهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ مِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّغْلِيظُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْقَائِلُ : مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ ، فَلَمَّا اضْطُرَّ وَعَرَفَ الْفَلَحَ فِي قَوْلِهِ وَرَجَا أَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهِ لَزِمَهُ الْبَيَانُ فَبَيَّنَ وَجَادَلَ ، وَكَانَ أَحَدَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : كُلُّ مُجَادِلٍ عَالِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ عَالِمٍ مُجَادِلًا ، يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَالِمٍ تَتَأَتَّى لَهُ الْحُجَّةُ وَيَحْضُرُهُ الْجَوَابُ وَيُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ بِمَقْطَعِ الْحُجَّةِ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ خِصَالُهُ فَهُوَ أَرْفَعُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْفَعُهُمْ مُجَالَسَةً وَمُذَاكَرَةً ، وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ لِبَعْضِ مُخَالِفِيهِ فِي الْفِقْهِ : مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، وَلِمَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : قَدْ عَلِمْتَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ أَنَّا لَسْنَا لِمِّيَّةً ، فَقَالَ الْمُزَنِيُّ : إِنْ لَمْ تَكُونُوا لِمِّيَّةً فَأَنْتُمْ أَذِنْ فِي عِمِّيَّةٍ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ إِجَازَةً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَتَّابِ بْنِ الْمُرَبَّعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيَّ أَخْبَرَنِي ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ ، قَالَ : فَتَنَاظَرَا فِي الشَّهَادَةِ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى خِفْتُ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا جَفَاءٌ وَكَانَ أَحْمَدُ يَرَى الشَّهَادَةَ وَعَلِيٌّ يَأْبَى وَيَدْفَعُ ، فَلَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ الِانْصِرَافَ قَامَ أَحْمَدُ فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسُ يَقُولُ : لَا تَنْظُرْ بَيْنَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَنَكِلُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ حَاطِبٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ : كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى الشِّهَادَةَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا أَوِ الْحُدَيْبِيَةَ أَوْ لِمَنْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يَأْبَى ذَلِكَ وَلَا يُصَحِّحُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا وَأَمَّا تَنَاظُرُ الْعُلَمَاءِ وَتَجَادُلُهُمْ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْأَحْكَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، وَسَنَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا يُسْتَدَلُّ بِهِ ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُكَاتَبِ : أَكُنْتَ رَاجِمَهُ لَوْ زَنَى ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَكُنْتَ تُجِيزُ شَهَادَتَهُ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَقَدْ ذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ : يُوَرَّثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُجْلَدُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى ، وَيُعْتَقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى ، وَيَكُونُ دَيْنُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى . وَاحْتَجَّ زَيْدٌ أَيْضًا عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذْ خَاصَمُوهُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبِينَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ ، وَبِقَوْلِ زَيْدٍ : يَقُولُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ ، وَنَاظَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَبَاهُ فِي الْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ هُوَ وَأَخَاهُ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : لَوْ تَلَفَ الْمَالُ ضَمَنَّاهُ فَلَنَا رِبْحُهُ بِالضَّمَانِ ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فِي الْحَامِلِ تَلِدُ وَلَدًا وَيَبْقَى فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ : إِنَّ لِزَوْجِهَا الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ : لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّها قَدْ وَضَعَتْ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : أَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : خَصِمَ الْعَبْدُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِيَتَّقِ اللَّهَ زَيْدٌ أَيَجْعَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ؟ إِنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ مِنَ الْأَمَةِ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ مِنْ نِسَائِهِمْ }} . وَقِيلَ لِمُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ }} أَفَلَيْسَ الْأَمَةُ مِنَ النِّسَاءِ ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ : قَدْ قَالَ اللَّهُ {{ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ }} أَفَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنَ الرِّجَالِ ؟ أَفَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ؟ يَقُولُ : كَمَا كَانَ الْعَبْدُ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرَ الْمُرَادِ بِالشَّهَادَةِ ، فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِالظِّهَارِ ، وَهَذَا عَيْنُ الْقِيَاسِ وَنَاظَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ ، وَنَاظَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَبِيعَةَ فِي أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ ، وَنَاظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ فِي حَدِيثِ الطَّاعُونِ ، قَوْلَهُ : أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ هَبَطْتَ بِهَا وَادِيًا ، الْحَدِيثَ ، وَهُو أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ }} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْعِلْمِ مُبَاحٌ شَائِعٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ ، وَمِنَ مَلِيحِ الِاحْتِجَاجِ وَالْكَرِّ عَلَى الْخَصِمِ مَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا بَحْرٍ لِمَ لَا تُصَلِّي فِي الْمَقْصُورَةِ ؟ قَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ : وَأَنْتَ لِمَ تُصَلِّي فِيهَا ؟ قَالَ : لَا أَتْرُكُ ، قَالَ الْأَحْنَفُ : فَكَذَلِكَ لَا أَصَلِّي فِيهَا وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ وَإِلْزَامِ الْخَصِمِ بَدِيعٌ ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ : لَا تَعْدُو الْمُنَاظَرَةُ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا تَثْبِيتٌ لِمَا فِي يَدِهِ أَوِ انْتِقَالٌ مِنْ خَطَأٍ كَانَ عَلَيْهِ أَوِ ارْتِيَابٌ فَلَا يُقَدَّمُ مِنَ الدِّينِ عَلَى شَكٍّ ، قَالَ : وَكَيْفَ يُنْكِرُ الْمُنَاظَرَةَ مَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِيمَا لَهُ بِرَدِّهَا قَالَ ؟ وَحَقُّ الْمُنَاظَرَةِ أَنْ يُرَادَ بِهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا مَا يَتَبَيَّنُ ، وَقَالُوا : لَا تَصِحُّ الْمُنَاظَرَةُ وَيَظْهَرُ الْحَقُّ بَيْنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ حَتَّى يَكُونَا مُتَقَارِبَيْنِ أَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الدِّينِ وَالْفَهْمِ وَالْعَقْلِ وَالْإِنْصَافِ وَإِلَّا فَهُوَ مِرَاءٌ وَمُكَابَرَةٌ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عِمْرَانَ ، سَمِعْتُ أَسَدَ بْنَ الْفُرَاتِ ، يَقُولُ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَتَنَاظَرُونَ بِالْعِرَاقِ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ قَائِلٌ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : قَوْمٌ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
وَذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، رَأَيْتُ مُلَاحَاةَ الرِّجَالِ تَلْقِيحًا لِأَلْبَابِهِمْ
قَالَ مَالِكٌ ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا لَاحَى الرِّجَالَ إِلَّا أَخَذَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ : يُرِيدُ بِالْمُلَاحَاةِ هَا هُنَا الْمُخَاوَضَةَ وَالْمُرَاجَعَةَ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ وَالتَّفَهُّمِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَالْمُدَارَسَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ سَعِيدٍ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ بُلَيْلٍ الزَّعْفَرَانِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ يَقُولُ : مَا نَاظَرْتُ قَطُّ رَجُلًا مُفَنِّنًا فِي الْعُلُومِ إِلَّا غَلَبْتُهُ ، وَلَا نَاظَرَنِي رَجُلٌ ذُو فَنٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا غَلَبَنِي فِيهِ
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَمَضَانَ بْنِ شَاكِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُنَاظِرُ الشَّافِعِيَّ إِلَّا رَحِمْتُهُ ، لِمَا أَرَى مِنْ مَقَامِهِ بَيْنَ يَدَيِ الشَّافِعِيِّ
أَخْبَرَنَا خَلَفٌ ، ثنا عِيسَى ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ : لَوْ رَأَيْتَ الشَّافِعِيَّ يُنَاظِرُ لَظَنَنْتَ أَنَّهُ سَبُعٌ يَأْكُلُكَ
حَدَّثَنَا خَلَفٌ ، ثنا الْحَسَنُ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : الشَّافِعِيُّ عَلَّمَ النَّاسَ الْحُجَجَ . قَالَ : وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ : رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ ، لَوْلَاهُ مَا عَرَفْتُ مَا الْقِيَاسُ . قَالَ : وَالرَّدُّ عَلَى غَيْرِ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ حَاوَلَهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ صَعْبٌ مَرَامُهُ