حديث رقم: 39

أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَالِكِيُّ , قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ , قَالَ : فَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ : إِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ , فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ لَا يُحَصِّلُ عِلْمَ هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يَكُونَ عِلْمًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بِظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ , إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَعْلُومُهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ قَالَ : وَتَعَلُّقُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ }} بَعِيدٌ , لِأَنَّهُ أَرَادَ تَعَالَى _ وَهُوَ أَعْلَمُ _ : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ فِي إِظْهَارِهِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ وَنُطْقِهِنَّ بِهِمَا , وَظُهُورُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ مَعْلُومٌ يُدْرَكُ إِذَا وَقَعَ , وَإِنَّمَا سُمِّيَ النُّطْقُ بِهَا إِيمَانًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ , وَعَلَمٌ فِي اللِّسَانِ عَلَى إِخْلَاصِ الِاعْتِقَادِ وَمَعْرِفَةِ الْقَلْبِ مَجَازًا وَاتِّسَاعًا , وَلِذَلِكَ نَفَى تَعَالَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لَهُ , فِي قَوْلِهِ : {{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا }} , أَيْ : قُولُوا : اسْتَسْلَمْنَا فَزَعًا مِنْ أَسْيَافِهِمْ . قَالَ : وَأَمَّا التَّعَلُّقُ فِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعِلْمَ , فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ وَجَبَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }} , وَقَوْلِهِ {{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }} فَإِنَّهُ أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى تَعَالَى بِذَلِكَ أَنْ لَا تَقُولُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ إِيجَابَهُ , وَالْقَوْلُ وَالْحُكْمُ بِهِ عَلَيْكُمْ , وَلَا تَقُولُوا سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا وَشَهِدْنَا , وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا وَتَرَوْا وَتُشَاهِدُوا , وَقَدْ ثَبَتَ إِيجَابُهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَحْرِيمِ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَ أَوْ كَذَبَ , فَالْحُكْمُ بِهِ مَعْلُومٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ , وَشَهَادَةٌ بِمَا يَعْلَمُ وَيَقْطَعُ بِهِ , وَلَوْ كَانَ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ صِدْقِ يَمِينِ الطَّالِبِ لِلْحَقِّ , وَأَوْجَبَ الْقَطْعَ بِإِيمَانِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي , إِذْ لَزِمَنَا الْمَصِيرُ إِلَى أَحْكَامِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَهَذَا عَجْزٌ مِمَّنْ تَعَلَّقَ بِهِ , فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ