حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ . أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَهُ ، قَالَ : وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ : حَتَّى يَأْذَنَ ، أَوْ يَتْرُكَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا : فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي ، قَالَتْ : فَلَمَّا حَلَلْتُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، قَالَتْ : فَكَرِهْتُهُ ، فَقَالَ : انْكِحِي أُسَامَةَ ، فَنَكَحْتُهُ ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا ، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ . . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّا حَفِظْتُ جُمْلَةٌ عَامَّةٌ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَا يَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فِي حَالٍ يَخْطُبُ هُوَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَكِنَّ نَهْيَهُ عَنْهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَيُّ حَالٍ نَهَى عَنِ الْخِطْبَةِ فِيهَا ؟ قِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ : أَمَّا الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ ، فَإِنَّ نَهْيَهُ عَنْ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِذَا أَذِنَتِ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بْنَتِ خِذَامٍ ، وَكَانَتْ ثَيِّبًا ، فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بِلَا رِضَاهَا ، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا زَوَّجَ قَبْلَ إِذْنِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَوَّجَ بَعْدَ رِضَاهَا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا ، وَتِلْكَ الْحَالُ الَّتِي إِذَا زَوَّجَهَا فِيهَا الْوَلِيُّ ثَبَتَ عَلَيْهَا فِيهَا النِّكَاحُ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ غَيْرُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَيْنِ لَهَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا فِي النِّكَاحِ فِيهِمَا غَيْرَهُمَا ، وَفَاطِمَةُ لَمْ تُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ إِذْنَهَا فِي أَنْ تَزَوَّجَ مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ ، وَلَا أَحْسَبُهُمَا خَطَبَاهَا إِلَّا مُفْتَرِقَيْنِ ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ، قَالَ : فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا ، وَأَمَةً يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا ، فَخُطِبَتْ ، فَلَا نَنْهَى أَحَدًا أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ حَتَّى يَعِدَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهُ ؛ لِأَنَّ رِضَا الْأَبِّ وَالسَّيِّدِ فِيهِمَا كَرِضَاهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا ، قَالَ : فَقَالَ لِي قَائِلٌ : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنْ قَالَ : إِنَّمَا نُهِيَ عَنِ الْخِطْبَةِ إِذَا رَكَنَتِ الْمَرْأَةُ ، فَقُلْتُ : هَذَا كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا إِذَا رَكَنَتْ أَشْبَهُ بِالنِّكَاحِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَرَكْنَ ، فَقِيلَ لَهُ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ خَطَبَهَا رَجُلٌ فَشَتَمَتْهُ وَآذَتْهُ ، ثُمَّ عَادَ فَتَرَكَتْ شَتْمَهُ وَسَكَتَتْ ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَتْ : أَنْظُرُ ، أَلَيْسَتْ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَقْرَبَ إِلَى أَنْ تَكُونَ رَضِيَتْ بِنِكَاحِهِ مِنْهَا فِي الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّهَا إِذَا تَرَكَتِ الشَّتْمَ فَكَأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الرِّضَا ، وَإِذَا قَالَتْ : أَنْظُرُ ، فَهِيَ أَقْرَبُ مِنَ الرِّضَا مِنْهَا إِذَا تَرَكْتِ الشَّتْمَ وَلَمْ تَقُلْ : أَنْظُرُ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ : إِذَا كَانَ بَعْضُ هَذَا لَمْ يَسَعْ غَيْرَهُ الْخِطْبَةُ ، هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ : هِيَ رَاكِنٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ الرِّضَا ، وَمُسْتَدَلٌّ عَلَى هَوَاهَا ، لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا ، وَإِذَا لَمْ يُجَزْ إِنْكَاحُهَا فَلَا حُكْمَ يُخَالِفُ هَذَا مِنْهَا ، إِلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا ، وَإِذَا لَمْ تَأْذَنْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ، وَإِنْ زَوَّجَهَا رُدَّ النِّكَاحُ ، وَهِيَ إِذَا أَذِنَتْ بِالنِّكَاحِ فَعَلَى وَلِيِّهَا تَزْوِيجُهَا ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ ، وَإِذَا زُوِّجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ جَازَ النِّكَاحُ ، وَلَا افْتِرَاقَ لِحَالِهَا أَبَدًا إِلَّا الْإِذْنُ ، وَمَا خَالَفَ مَنْ تَرَكَ الْإِذْنَ ، وَمَنْ قَالَ : إِذَا رَكَنَتْ ، خَالَفَ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا ، فَلَمْ يَجُزِ الْخِطْبَةُ لِكُلِّ حَالٍ ؛ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ ، وَلَمْ يَرُدَّهَا بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِجُمْلَةِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْتِي بِمَعْنًى يُعْرَفُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ مَنْ زَادَ فِي الْحَدِيثِ : حَتَّى يَأْذَنَ ، أَوْ يَتْرُكَ ، لَا يُحِيلُ مِنَ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا ، وَإِذَا خَطَبَهَا رَجُلٌ فَأَذِنَتْ فِي إِنْكَاحِهِ ثُمَّ تَرَكَ نِكَاحَهَا وَأَذِنَ لِخَاطِبِهَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا ، وَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمِنْ أَيْنَ تَرَى هَذَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ هَكَذَا ؟ قِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحَدِّثٌ حَضَرَ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَذِنَتْ فِيهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، يَعْنِي فِي الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ ، فَسَمِعَ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ وَلَمْ يَحْكِ مَا قَالَ السَّائِلُ ، أَوْ سَبَقَتْهُ الْمَسْأَلَةُ ، وَسَمِعَ جَوَابَ النَّبِيِّ فَاكْتَفَى بِهِ وَأَدَّاهُ ، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ : لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، إِذَا أَذِنَتْ وَكَانَ حَالُ كَذَا ، فَأَدَّى بَعْضَ الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يُؤَدِّ بَعْضًا ، أَوْ حَفِظَ بَعْضًا وَأَدَّى مَا يَحْفَظُهُ ، وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا ، فَأَدَّى مَا أَحَاطَ بِحِفْظِهِ ، وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا فَسَكَتَ عَمَّا لَمْ يَحْفَظْ ، أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ مَا سَمِعَ فَأَدَّى مَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ ، وَسَكَتَ عَمَّا شَكَّ فِيهِ مِنْهُ ، أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ دَوَّنَهُ مِمَّنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْهُ ، وَقَدِ اعْتَبَرْنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ أَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يُسْأَلُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ حَدِيثٌ فِيهَا ، فَيَأْتِي مِنَ الْحَدِيثِ بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ يَكُونُ فِيهِمَا عِنْدَهُ جَوَابٌ لِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ ، وَيَتْرُكُ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَآخِرَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ فِي أَوَّلِهِ تَرَكَ مَا بَقِيَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ جَوَابُ السَّائِلِ لَهُ فِي آخِرِهِ تَرَكَ أَوَّلَهُ ، وَرُبَّمَا نَشِطَ الْمُحَدِّثُ فَأَتَى بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا ، وَلَا يَخْلُو مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي