حديث رقم: 66

حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ حَاطِبٍ حَدَّثَهُ قَالَ : تُوُفِّيَ حَاطِبٌ فَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ ، وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ ، وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ ، فَلَمْ تَرُعْهُ إِلَّا بِحَمْلِهَا ، وَكَانَتْ ثَيِّبًا ، فَذَهَبَ إِلَى عُمَرَ فَحَدَّثَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لَأَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا عُمَرُ فَقَالَ : أَحَبِلْتِ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ، مَنْ مَرَّ عَرَّسَ بِدِرْهَمَيْنِ ، فَإِذَا هِيَ تُسَهِّلُ بِذَلِكَ وَلَا تَكْتُمُهُ ، قَالَ : وَصَادَفَ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ ، قَالَ : وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا فَاضْطَجَعَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ : قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ، فَقَالَ : أَشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ ، فَقَالَ : قَدْ أَشَارَ عَلَيْكَ أَخَوَاكَ ، فَقَالَ : أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ ، قَالَ : أُرَاهَا تُسَهِّلُ بِهِ ، كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : صَدَقْتَ صَدَقْتَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ ، فَجَلَدَهَا عُمَرُ مِائَةً ، وَغَرَّبَهَا عَامًا . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَخَالَفَ عَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ ، فَلَمْ يَحُدَّهَا حَدَّهَا عِنْدَهُمَا ، وَهُوَ الرَّجْمُ ، وَخَالَفَ عُثْمَانَ أَنْ لَا يَحُدَّهَا بِحَالٍ ، وَجَلَدَهَا مِائَةً وَغَرَّبَهَا عَامًا ، فَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ خِلَافِهِ بَعْدَ حَدِّهِ إِيَّاهَا حَرْفٌ ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافَهُمْ لَهُ إِلَّا بِقَوْلِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ فِعْلِهِ . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ إِذْ قِيلَ : حَدَّ عُمَرُ مَوْلَاةَ حَاطِبٍ كَذَا : لَمْ يَكُنْ لِيَجْلِدَهَا إِلَّا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، جَهَالَةً بِالْعِلْمِ ، وَجُرْأَةً عَلَى قَوْلِ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى أَنْ يَقُولَ : إِنَّ قَوْلَ رَجُلٍ أَوْ عَمَلَهُ فِي خَاصٍّ مِنَ الْأَحْكَامِ ، مَا لَمْ يُحْكَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ ، قَالَ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَضَى عُمَرُ أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ، وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ . وَقَضَى عُمَرُ فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَجَعَلَ الضِّرْسَ سِنًّا فِيهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ . وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ : لِلرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالَ : إِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدِ انْقَطَعَتْ رَجْعَتُهُ عَنْهَا ، مَعَ أَشْيَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْتُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَائِلَ السَّلَفِ يَقُولُ بِرَأْيِهِ ، وَيُخَالِفُهُ غَيْرُهُ وَيَقُولُ بِرَأْيِهِ ، وَلَا يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِ فِيمَا قَالَ بِهِ شَيْءٌ ، فَلَا يُنْسَبُ الَّذِي لَمْ يُرْوَ عَنْهُ شَيْءٌ إِلَى خِلَافِهِ ، وَلَا مُوَافَقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُلْ لَمْ يُعْلَمْ قَوْلُهُ ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى خِلَافِهِ ، وَلَكِنَّ كُلًّا كَذَبَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ قَوْلًا وَلَا الصِّدْقَ فِيهِ ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ مَا يُعْرَفُ ، إِذْ لَمْ يَقُلْ قَوْلًا . وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرَى قَوْلَ بَعْضٍ حُجَّةً تَلْزَمُهُ ، إِذْ رَأَى خِلَافَهَا ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ اللَّازِمَ إِلَّا الْكِتَابَ أَوِ السُّنَّةَ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا قَطُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ خَاصُّ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إِجْمَاعًا كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجُمَلِ الْفَرَائِضِ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا وَجَدُوا كِتَابًا أَوْ سُنَّةً اتَّبَعُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِذَا تَأَوَّلُوا مَا يُحْتَمَلُ فَقَدْ يَخْتَلِفُونَ ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا فِيهِ سُنَّةً اخْتَلَفُوا . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَكَفَى حُجَّةً عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ لَيْسَ كُلَّمَا ادَّعَى مَنِ ادَّعَى مَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا وَنَظَائِرَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْإِجْمَاعَ ، فِيمَا سِوَى جُمَلِ الْفَرَائِضِ الَّتِي كُلِّفَتْهَا الْعَامَّةُ ، أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا التَّابِعِينَ ، وَلَا الْقَرْنُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَلَا الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، وَلَا عَالِمٌ عَلِمْتُهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، وَلَا أَحَدٌ نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ إِلَى عِلْمٍ إِلَّا حِينًا مِنَ الزَّمَانِ ، فَإِنَّ قَائِلًا قَالَ فِيهِ بِمَعْنًى لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَرَفَهُ ، وَقَدْ حَفِظْتُ عَنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ إِبْطَالَهُ ، وَمَتَى كَانَتْ عَامَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي دَهْرٍ بِالْبُلْدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَعَامَّةُ قَبْلِهِمْ ، قِيلَ : يُحْفَظُ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ كَذَا ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفًا وَنَأْخُذُ بِهِ ، وَلَا نَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ النَّاسِ كُلِّهِمْ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَنْ قَالَهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ أَوْ عَنْهُ ، قَالَ : وَمَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالْعِلْمُ مِنْ وَجْهَيْنِ : اتِّبَاعٍ ، وَاسْتِنْبَاطٍ ، وَالِاتِّبَاعُ اتِّبَاعُ كِتَابٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسُنَّةٌ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَقَوْلُ عَامَّةِ مَنْ سَلَفَنَا ، لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ سَلَفِنَا ، لَا مُخَالِفَ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ إِلَّا بِالْقِيَاسِ ، وَإِذَا قَاسَ مَنْ لَهُ الْقِيَاسُ فَاخْتَلَفُوا ، وَسِعَ كُلًّا أَنْ يَقُولَ بِمَبْلَغِ اجْتِهَادِهِ ، وَلَمْ يَسَعْهُ اتِّبَاعُ غَيْرِهِ فِيمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ بِخِلَافِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ