حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَمُوتُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، : أَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }} نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ }} وَأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِيهِ نَسْخٌ وَلَمْ نَذْكُرْ مَعْنَى {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ }} عَلَى اسْتِقْصَاءٍ وَهَذَا مَوْضِعُهُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُعْنَى بِهَذَا : فَتْحَ مَكَّةَ وَذَلِكَ غَلَطٌ وَالَّذِي عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ غَيْرُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ
كَمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، {{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }} قَالَ : تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَإِنَّمَا نَعُدُّهُ فَتْحَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ
وَكَذَا رَوَى الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنِ جَابِرٍ ، قَالَ : تَعُدُّونَ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ الْحُدَيْبِيَةُ وَكَذَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ، وَقَالَهُ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ وَفِي تَسْمِيَةِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ بَيِّنَةٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ {{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ }} بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُ الْمَغْفِرَةَ لَهُ ، ثُمَّ لَمْ يُنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ سُخْطًا عَلَى مَنْ رَضِيَ عَنْهُ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُدَيْبِيَةَ بِئْرٌ وَرَدَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ غَاضَ مَاؤُهَا فَتَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا فَجَاءَ الْمَاءُ حَتَّى عَمَّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ إِلَّا تَرَامٍ حَتَّى كَانَ الْفَتْحُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَتَأَوَّلُ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لِيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ : الْفَتْحُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَفَتْحِ مَكَّةَ وَجَعَلَهُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ : قَدْ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَارَبْنَا دُخُولَهَا وَأَبْيَنُ مَا فِي هَذَا
مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، بِإِسْنَادِهِ ، قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمُ مِنْهُ كَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَجَزَتْ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ فَلَمَّا كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ وَالصُّلْحُ وُضِعَتِ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النَّاسُ فَتَلَاقَوْا فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِلْكَ السِّنِينِ مِثْلُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ بَيِّنٌ ، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا }} كَانَ هَذَا فِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا جَاءَ بِذَلِكَ التَّوْقِيفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ وَفِي الْحَدِيثِ : لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ . وَهَذَا لِلَّذِينَ أَنْفَقُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَاتَلُوا