حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا يَمُوتٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِمَكَّةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : لَمْ نَجِدْ فِيهِنَّ إِلَّا مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي سُورَةِ الْقَصَصِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْو أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }} لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا فَأَبَاحَ السَّلَامَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : إِنَّ هَذَا قَوْلٌ جَمِيلٌ وَمُخَاطَبَةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ السَّلَامِ وَلَا نَسْخَ فِيهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَحْتَجُّ قَائِلُهُ بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْكُفَّارِ لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ قَالَ فَفِي هَذَا نَسْخٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الكفار لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمُتَارَكَةِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ دَعْنِي بِسَلَامٍ تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ لِلْمُتَارَكَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }} وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ مَنْ أَبَاحَ السَّلَامَ عَلَى الْكُفَّارِ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَامِ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ التَّسَلُّمِ وَالْمُتَارَكَةِ ، وَحَظْرُ السَّلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ وَاجِبٌ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : {{ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى }} وَكَذَا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى قَيْصَرَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : إِنَّهَا مُخَاطَبَةٌ حَسَنَةٌ قَوْلٌ حَسَنٌ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَسْلَمُوا فَكَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ شَيْئًا قَدْ بَدَّلُوهُ مِنَ التَّوْرَاةِ قَدْ وَقَفُوا هُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيُعْرِضُونَ عَنْهُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَسْلَمَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُمْ وَكَانُوا يَصْفَحُونَ عَنْهُمْ وَيَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَصْلُ اللَّغْوِ فِي اللُّغَةِ الْبَاطِلُ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُلْغَى وَيُطْرَحَ وَمَعْنَى أَعْرِضُوا عَنْهُ لَمْ يَصْغُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَمِعُوا وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ أَنَّ بَعْدَهُ {{ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ }} أَيْ قَدْ رَضِينَا بِأَعْمَالِنَا لِأَنْفُسِنَا وَرَضِيتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ {{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ }} أَيْ أَمَنَةٌ لَكُمْ مِنَّا أَنَّا لَا نُحَاوِرَكُمْ وَلَا نُسَابِّكُمْ {{ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }} لَا نَطْلُبُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُحْكَمٌ يُرَادُ بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُحْكَمٌ يُرَادُ بِهِ ذَوُو الْعَهْدِ مِنْهُمْ فَمَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ احْتَجَّ بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ فَنَسَخَ هَذَا بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }} قَالَ : نَسَخَتْهَا : {{ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ }} وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ : لَا يُجَادِلُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا لَعَلَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ كَمَا قَالُوا : {{ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }} مَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ يُجَادِلُ وَيُقَالُ لَهُ الشَّرُّ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ {{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }} مَنْ قَاتَلَ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَمَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ احْتَجَّ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ حَسَنٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهَا إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَوْ حُجَّةٍ مِنْ مَعْقُولٍ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالْقَوْلِ الْجَمِيلِ أَيْ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى حُجَجِهِ وَإِذَا حَدَّثُوكُمْ بِحَدِيثٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالُوا فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فَهَذَا الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ عُثْمَانَ هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَيَكُونُ الَّذِينَ ظَلَمُوا كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ أَهْلَ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ هَاهُنَا إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنَ الْقُرْآنِ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ أَيْ مَعْبُودُنَا وَاحِدٌ لَا مَا اتَّخَذْتُمُوهُ إِلَهًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أَيْ خَاضِعُونَ مُتَذَلِّلُونَ لِمَا أَمَرَنَا بِهِ وَنَهَانَا عَنْهُ