حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَمُوتٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَسُورَةُ النُّورِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ }} وَأَنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {{ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ }} الْآيَتَيْنِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَوَجَدْنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ آيَاتٍ سِوَى هَذِهِ فَأُولَاهُنَّ قَوْلُهُ : {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }} لِلْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النِّكَاحُ هَاهُنَا الْوَطْءُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الزَّانِي هَاهُنَا الْمَجْلُودُ فِي الزِّنَا لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً فِي الزِّنَا أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذَا الزَّانِيَةُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ الزَّانِيَةُ الَّتِي تَتَكَسَّبُ بِزِنَاهَا وَتُنْفِقُ عَلَى زَوْجِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ فَمَنْ قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
كَمَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }} قَالَ : يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا {{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ }} فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الْفُتْيَا يَقُولُونَ : إِنَّ مَنْ زَنَا بِامْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَسَالِمٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا ، قَالَ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ مِنْ وَطْئِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْآيَةِ الْقَوْلُ فِيهَا كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي : إِنَّ النِّكَاحَ هَاهُنَا الْوَطْءُ ابْنُ عَبَّاسٍ
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً }} الْآيَةَ ، قَالَ : الزَّانِي مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْلِهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ مِثْلِهَا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُشْرِكٍ وَحُرِّمَ الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَاخْتَارَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ وَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّهُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الزَّانِيَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مُشْرِكًا بِحَالٍ وَأَنَّ الزَّانِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُشْرِكَةً وَثَنِيَّةً بِحَالٍ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الزَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ لَا تَسْتَحِلُّ الزِّنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْرِكَةً تَسْتَحِلُّ الزِّنَا وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ مُشْرِكٍ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا ، وَحُرِّمَ ذَلِكَ الزِّنَا وَهُوَ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ هَذَا وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : إِنَّ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذَا الزَّانِيَةُ قَوْلُ الْحَسَنِ
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزِيِّ ، عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : الزَّانِيُ الْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً مِثْلَهُ أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ الْمَجْلُودَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ مَجْلُودٌ مِثْلُهَا أَوْ مُشْرِكٌ
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : قَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَالَ : أَلَا تَعْجَبُ مِنَ الْحَسَنِ يَزْعُمُ أَنَّ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا مِثْلَهُ وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً }} فَقَالَ مَا يُعْجِبُكَ مِنْ هَذَا حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الزَّانِيُ الْمَجْلُودُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا كَمَا نُسِخَتِ الْآيَةُ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا كَانَ فِي نِسْوَةٍ كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِمَّا تَكْسِبُهُ مِنَ الزِّنَا فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى نِكَاحَهُنَّ ، قَوْلُ مُجَاهِدٍ
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً }} قَالَ : كُنَّ نِسَاءٌ بَغَايَا وَكَانَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ تُدْعَى أُمَّ مِهْزَمٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهَا فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ يَعْنِي ابْنَ لَاحِقٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَهْزُولٍ وَكَانَتْ بِأَجْيَادٍ وَكَانَتْ تُسَافِحُ فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {{ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذُكِرَ فِيهِ السَّبَبُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ فَإِذَا صَحَّ جَازَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ النَاسِخَةُ بَعْدَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ