وَقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {{ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسَكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ }} فَقَالَ : هَذَا فِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْخَمْسَةُ يَقْرَبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فَقَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ وَإِنَّهَا عَامَّةٌ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ مِقْسَمٌ إِنَّهَا فِي الشَّهَادَةِ يَصِحُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَتِهَا وَقَوْلُ عَائِشَةَ إِنَّهَا مَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عَامَّةً أَيْضًا فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً فَيَصِحُّ مِنْ جِهَةٍ وَيَبْطُلُ مِنْ جِهَةٍ فَأَمَّا الْجِهَةُ الَّتِي تَبْطُلُ مِنْهَا فَإِنَّ الْأَخْبَارَ لَا يَكُونُ فِيهَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِيَ الْأَخْبَارِ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا فَقَدْ أَلْحَدَ أَوْ جَهِلَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُحَاسِبُ مَنْ أَبْدَى شَيْئًا أَوْ أَخْفَاهُ فَمُحَالٌ أَنْ يُخْبِرَ بِضِدِّهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُكْمَ إِذَا كَانَ مَنْسُوخًا فَإِنَّمَا يُنْسَخُ بِنَفْيِهِ وَبِآخَرَ نَاسِخٌ لَهُ نَافٍ لَهُ مِنْ كُلِّ جِهَاتِهِ فَلَوْ كَانَ {{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }} نَاسِخًا لَنَسَخَ تَكْلِيفَ مَا لَا طَاقَةَ بِهِ وَهَذَا مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَتَعَبَّدَ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا }} وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ كَانَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ إِذَا بَايَعُوا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ فَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُتَبَيَّنَ وَيُوقَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُعَانِدَ رُبَّمَا عَارَضَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي أَشْيَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ نَاسِخَةٌ وَمَنْسُوخَةٌ فَالْجَاهِلُ بِاللُّغَةِ إِمَّا أَنْ يُحَيَّرَ فِيهَا وَإِمَّا أَنْ يُلْحِدَ فَيَقُولُ فِي الْأَخْبَارِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَالَ قَامَ فُلَانٌ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا فَقَالَ لَمْ يَقُمْ فَقَدْ كَذَبَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَبْيِينُ مَا أَرَادَ
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَنْبَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ زِيَادٍ الرَّقِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، تَلَا {{ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسَكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ }} فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَبَلَغَ صَنِيعُهُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ وَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا {{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }} مَعْنَى نَسَخَتْهَا نَزَلَتْ بِنُسْخَتِهَا سَوَاءً وَلَيْسَ هَذَا مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَيْءٍ
قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّقْرِ بْنِ نَصْرٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ {{ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ }} لَحِقَتْهُمْ مِنْهَا شِدَّةٌ حَتَّى نَسَخَهَا مَا بَعْدَهَا وَفِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى نَسَخَتْهَا نَسَخَتِ الشِّدَّةَ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ أَيْ أَزَالَتْهَا كَمَا يُقَالُ نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ أَيْ أَزَالَتْهُ وَمِنْ حُسْنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَأَشْبَهَهُ بِالظَّاهِرِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهَا عَامَّةٌ يَدُلُّكُ عَلَى ذَلِكَ
مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ وَهُوَ ابْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهو ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٍ وَهوَ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ : كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : يُدْنِي الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّ أَعْرِفُ ، قَالَ : فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ ، فَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْآيَةِ وَأَنَّهُ لَا نَسْخَ فِيهَا وَإِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ لَا يَدْخُلُ الْقَلْبَ مِنْهُ لَبْسٌ وَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ