حديث رقم: 2758

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِيِّ أَبِي عُتْبَةَ ، قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، اعْقِلُوا ، وَالْعَقْلُ نِعْمَةٌ ، فَرُبَّ ذِي عَقْلٍ ، قَدْ شُغِلَ قَلْبُهُ ، بِالتَّعَمُّقِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ ، عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى صَارَ عَنْ ذَلِكَ سَاهِيًا ، وَمِنْ فَضْلِ عَقْلِ الْمَرْءِ ، تَرْكُ النَّظَرِ فِيمَا لَا نَظَرَ فِيهِ ، حَتَّى لَا يَكُونَ فَضْلُ عَقْلِهِ ، وَبَالًا عَلَيْهِ فِي تَرْكِ مُنَافَسَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، أَوْ رَجُلٍ شُغِلَ قَلْبُهُ بِبِدْعَةٍ ، قَلَّدَ فِيهَا دِينَهُ ، رِجَالًا دُونَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . أَوِ اكْتَفَى بِرَأْيِهِ فِيمَا لَا يَرَى الْهُدَى إِلَّا فِيهَا ، وَلَا يَرَى الضَّلَالَةَ إِلَّا بِتَرْكِهَا ، يَزْعُمُ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنَ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى فِرَاقِ الْقُرْآنِ . أَفَمَا كَانَ لِلْقُرْآنِ حَمَلَةٌ قَبْلَهُ ، وَقَبْلَ أَصْحَابِهِ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ ؟ وَكَانُوا مِنْهُ عَلَى مَنَارٍ لِوَضَحِ الطَّرِيقِ ، وَكَانَ الْقُرْآنُ إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِمَامًا لِأَصْحَابِهِ ، وكانَ أَصْحَابُهُ أَئِمَّةً ، لِمَنْ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ مَنْسُوبُونَ فِي الْبُلْدَانِ ، مُتَّفِقُونَ فِي الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ ، مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، وَتَسَكَّعَ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ بِرَأْيِهِمْ فِي سُبُلٍ مُخْتَلِفَةٍ جَائِرَةٍ عَنِ الْقَصْدِ ، مُفَارِقَةٍ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَتَوَّهَتْ بِهِمْ أَدِلَّاؤُهُمْ فِي مَهَامِهَ مُضِلَّةٍ ، فَأَمْعَنُوا فِيهَا مُتَعَسِّفِينَ فِي تِيهِهِمْ . كُلَّمَا أَحْدَثَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِدْعَةً فِي ضَلَالَتِهِمْ ، انْتَقَلُوا مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا أَثَرَ السَّابقينَ ، وَلَمْ يَقْتَدُوا بِالْمُهَاجِرِينَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِزِيَادٍ : هَلْ تَدْرِي مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ ؟ زَلَّةُ عَالِمٍ ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ ، اتَّقُوا اللَّهَ وَمَا حَدَثَ فِي قُرَّائِكُمْ ، وَأَهْلِ مَسَاجِدِكُمْ ، مِنَ الْغِيبَةِ ، وَالنَّمِيمَةِ ، وَالْمَشْيِ بَيْنَ النَّاسِ بِوَجْهَيْنِ ، وَلِسَانَيْنِ ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا ، كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي النَّارِ ، يَلْقَاكَ صَاحِبُ الْغِيبَةِ ، فَيَغْتَابُ عِنْدَكَ مَنْ يَرَى أَنَّكَ تُحِبُّ غِيبَتَهُ ، وَيُخَالِفُكَ إِلَى صَاحِبِكَ ، فَيَأْتِيهِ عَنْكَ بِمِثْلِهِ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَصَابَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا حَاجَتَهُ ، وَخَفِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا مَا أُتِى بِهِ عِنْدَ صَاحِبِهِ ، حُضُورُهُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ حُضُورُ الْإِخْوَانِ ، وَغَيْبَتُهُ عَنْ مِنْ غَابَ عَنْهُ غَيْبَةُ الْأَعْدَاءِ ، مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ الْأَثَرَةُ ، وَمَنْ غَابَ مِنْهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ ، يَفْتِنُ مَنْ حَضَرَهُ بِالتَّزْكِيَةِ ، وَيَغْتَابُ مَنْ غَابَ عَنْهُ بِالْغِيبَةِ ، فَيَا لَعِبَادَ اللَّهِ أَمَا فِي الْقَوْمِ مَنْ رَشِيدٍ ، وَلَا مُصْلِحٍ بِهِ يَقْمَعُ هَذَا عَنْ مَكِيدَتِهِ ، وَيَرُدُّهُ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ؟ بَلْ عَرَفَ هَوَاهُمْ فِيمَا مَشَى بِهِ إِلَيْهِمْ ، فَاسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ وَأَمْكَنُوهُ مِنْ حَاجَتِهِ ، فَأَكَلَ بِدِينِهِ مَعَ أَدْيَانِهِمْ ، فَاللَّهَ اللَّهَ ، ذُبُّوا عَنْ حُرَمِ أعْيانكمْ ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ ، إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ، وَنَاصِحُوا اللَّهَ فِي أُمَّتِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ حَمَلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَإِنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْطَقَ حَتَّى يَنْطِقُ بِهِ ، وَإِنَّ السُّنَّةَ لَا تَعْمَلُ حَتَّى يُعْمَلَ بِهَا ، فَمَتَى يَتَعَلَّمُ الْجَاهِلُ إِذَا سَكَتَ الْعَالِمُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ مَا ظَهَرَ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَا تُرِكَ ؟ وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ . اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ رَقَّ فِيهِ الْوَرَعُ ، وَقَلَّ فِيهِ الْخُشُوعُ ، وَحَمَلَ الْعِلْمَ مُفْسِدُوهُ ، فَأَحَبُّوا أَنْ يُعْرَفُوا بِحَمْلِهِ ، وَكَرِهُوا أَنْ يُعْرَفُوا بِإِضَاعَتِهِ ، فَنَطَقُوا فِيهِ بِالْهَوَى ، لَمَّا أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ الْخَطَإ ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَمَّا تَرَكُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَى مَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ بَاطِلٍ ، فَذُنُوبُهُمْ ذُنُوبٌ لَا يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا ، وَتَقْصِيرُهُمْ تَقْصِيرٌ لَا يُعْتَرَفُ بِهِ ، كَيْفَ يَهْتَدِي الْمُسْتَدِلُّ الْمُسْتَرْشِدُ إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ حَائِرًا ؟ أَحَبُّوا الدُّنْيَا ، وَكَرِهُوا مَنْزِلَةَ أَهْلِهَا ، فَشَارَكُوهُمْ فِي الْعَيْشِ ، وَزَايَلُوهُمْ بِالْقَوْلِ ، وَدَافَعُوا بِالْقَوْلِ عَنْ أَنْفُسَهُمْ أَنَّ يُنْسَبُوا إِلَى عَمَلِهِمْ ، فَلَمْ يَتَبَرَّءُوا مِمَّا انْتَفَوْا مِنْهُ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا نَسَبُوا إِلَيْهِ أَنْفُسِهِمْ ، لِأَنَّ الْعَامِلَ بِالْحَقِّ مُتَكَلِّمٌ وَإِنْ سَكَتَ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : إِنِّي لَسْتُ كُلَّ كَلَامِ الْحَكِيمِ أَتَقَبَّلُ ، وَلَكِنِّي أَنْظُرُ إِلَى هَمِّهِ وَهَوَاهُ ، فَإِنْ كَانَ هَمُّهُ وَهَوَاهُ لِي ، جَعَلْتُ صَمْتَهُ حَمْدًا وَوَقَارًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ، كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا }} . كتبا . وَقَالَ : {{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ }} قَالَ : الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ ، وَلَا تَكْتَفُوا مِنَ السُّنَّةِ ، بِانْتِحَالِهَا بِالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا ، فَإِنَّ انْتِحَالَ السُّنَّةِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا ، كَذِبٌ بِالْقَوْلِ مَعَ إِضَاعَةِ الْعَلِم ، وَلَا تَعِيبُوا بِالْبِدَعِ تَزَيُّنًا بِعَيْبِهَا ، فَإِنَّ فَسَادَ أَهْلِ الْبِدَعِ ، لَيْسَ بِزَائِدٍ فِي صَلَاحِكُمْ ، وَلَا تَعِيبُوهَا بَغْيًا عَلَى أَهْلِهَا ، فَإِنَّ الْبَغْيَ مِنْ فَسَادِ أَنْفُسِكُمْ ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُدَاوِيَ الْمَرْضَى بِمَا يُبَرِّئُهُمْ وَيُمْرِضُهُ ، فَإِنَّهُ إِذَا مَرِضَ ، اشْتَغَلَ بِمَرَضِهِ عَنْ مُدَاوَاتِهِمْ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ لِنَفْسِهِ الصِّحَّةَ ، لِيَقْوَى بِهِ عَلَى عِلَاجِ الْمَرْضَى . فَلْيَكُنْ أَمْرُكُمْ فِيمَا تُنْكِرُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ نَظَرًا مِنْكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَنَصِيحَةً مِنْكُمْ لِرَبِّكُمْ ، وَشَفَقَةً مِنْكُمْ عَلَى إِخْوَانِكُمْ ، وَأَنْ تَكُونُوا مَعَ ذَلِكَ بِعُيُوبِ أَنْفُسِكُمْ ، أَعْنَى مِنْكُمْ بِعُيُوبِ غَيْرِكُمْ ، وَأَنْ يَسْتَفْطِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا النَّصِيحَةَ ، وَأَنْ يَحْظَى عِنْدَكُمْ مَنْ بَذَلَهَا لَكُمْ وَقَبِلَهَا مِنْكُمْ ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي ، تُحِبُّونَ أَنْ تَقُولُوا فَيُحْتَمَلَ لَكُمْ ، وَإِنْ قِيلَ مِثْلُ الَّذِي قُلْتُمْ ، غَضِبْتُمْ . تَجِدُونَ عَلَى النَّاسِ فِيمَا تُنْكِرُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ ، وَتَأْتُونَ مِثْلَ ذَلِكَ أفَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يؤخذَ عَلَيْكُمْ ؟ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ وَرَأْيَ أَهْلِ زَمَانِكُمْ ، وَتَثَبَّتُوا قَبْلَ أَنْ تَكَلَّمُوا ، وَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ تَعْمَلُوا ، فَإِنَّهُ يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ ، وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفًا ، فَكَمْ مِنْ مُقترِّبٍ إِلَى اللَّهِ بِمَا يُبَاعِدُهُ ، وَمُتَحَبِّبٍ إِلَيْهِ بِمَا يبغْضهُ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا }} ، الْآيَةَ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ ، حَتَّى يَبْرُزَ لَكُمْ وَاضِحُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الدَّاخِلَ فِيما لَا يَعْلَمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ آثِمٌ ، وَمَنْ نَظَرَ لِلَّهِ ، نَظَرَ اللَّهُ لَهُ . عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَأْتَمُّوا بِهِ ، وَأُمُّوا بِهِ ، وَعَلَيْكُمْ بِطَلَبِ أَثَرِ الْمَاضِينَ ، فِيهِ ، وَلَوْ أَنَّ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ لَمْ يَتَّقُوا زَوَالَ مَرَاتِبِهِمْ ، وَفَسَادَ مَنْزِلَتِهِمْ ، بِإِقَامَةِ الْكِتَابِ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَتِبْيَانِهِ مَا حَرَّفُوهُ وَلَا كَتَمُوهُ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الْكِتَابَ بِأعْمالهمْ ، الْتَمَسُوا أَنْ يَخْدَعُوا قَوْمَهُمْ عَمَّا صَنَعُوا ، مَخَافَةَ أَنْ يفْسدواَ مَنَازِلُهُمْ ، وَأَنْ يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ فَسَادُهُمْ ، فَحَرَّفُوا الْكِتَابَ بِالتَّفْسِيرِ ، وَمَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَحْرِيفَهُ ، كَتَمُوهُ ، فَسَكَتُوا عنْ صَنِيعِ أَنْفُسِهِمْ إِبْقَاءً عَلَى مَنَازِلِهِمْ ، وَسَكَتُوا عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُمْ مُصَانَعَةً لَهُمْ ، وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ، لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ، بَلْ مَالَئُوا عَلَيْهِ ، وَرَفَّقُوا لَهُمْ فِيهِ