حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ ، هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَخِلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا الصِّيَامَ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَجِدْهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعُبِّدَ النَّاسُ بِهَا ، مِنْهَا : الصَّلَاةُ ، فَقَدْ يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيُرِي النَّاسَ صَلَاتَهُ ، وَيُخْفِي عَنْهُمْ عَيْبَهُ ، فَكَذَلِكَ هُوَ فِي صَدَقَتِهِ ، وَفِي حَجِّهِ ، وَكَانَ الصِّيَامُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرَاهُ مِنْهُ كَمَا يَرَى تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَإِنَّمَا يَنْفَرِدُ بِعِلْمِهِ مِنْهُ وَوُقُوفِهِ عَلَيْهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ مَنْ سِوَاهُ ، فَكَانَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ هُوَ الَّذِي لَهُ ، وَمَا يَكُونُ هُوَ يَعْلَمُهُ ، ثُمَّ يَعْلَمُهُ خَلْقُهُ ، مِمَّنْ يَكُونُ مِنْهُ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِمَّا قَدْ كَانَ لَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ جَلَّ وَتَعَالَى ، وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الصِّيَامِ مَا يَنَالُهُ وَخَارِجًا عَنْهُ ، فَأُضِيفَ الصِّيَامُ فِيمَا ذَكَرْنَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ يُضَفْ مَا سِوَاهُ مِمَّا وَصَفْنَا إِلَيْهِ ، إِذْ كَانَ قَدْ يَأْتِيهِ ، وَخَالَفَهُ فِيمَا يَنْفَرِدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَمَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ سِوَاهُ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ ، فَبَدَأَ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ خَالِي ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنِّي ذَبَحْتُ ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ ، فَقَالَ : اذْبَحْهَا وَلَا تُجْزِئُ أَوْ لَا تُوُفِّي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ ، وَوَهْبَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَغْدَادِيَّانِ قَالَا : حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ ، وَمَنْصُورٌ ، وَدَاوُدُ ، وَابْنُ عَوْنٍ وَمُجَالِدٌ , عَنِ الشَّعْبِيِّ ، وَهَذَا حَدِيثُ زُبَيْدٍ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ ، هَاهُنَا يُحَدِّثُ عَنِ الْبَرَاءِ ، عِنْدَ سَارِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْهَا ، لَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَوْضِعِهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ , عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَامَ يَوْمَ النَّحْرِ خَطِيبًا ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ فَقَامَ خَالِي ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَذَا يَوْمٌ ، اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ ، وَإِنِّي ذَبَحْتُ نَسِيكَتِي ، فَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : قَدْ فَعَلْتَ ، فَأَعِدْ ذَبْحًا آخَرَ , فَقَالَ : عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ ، فَقَالَ : هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ ، لَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنِ الْبَرَاءِ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالِ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ , عَنِ الْبَرَاءِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , عَنْ فِرَاسٍ , عَنْ عَامِرٍ , عَنِ الْبَرَاءِ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ , عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالِانِيِّ , عَنْ عَامِرٍ , عَنِ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَتِ الْجَذَعَةُ الْمُرَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْجَذَعَةُ مِنَ الْمَعْزِ لَا الْجَذَعَةُ مِنَ الضَّأْنِ ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ ، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ : إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْوَاجِدِينَ لَهَا ، مِنْهُمْ : أَبُو حَنِيفَةَ ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُ إِلَى أَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا ، مَحْضُوضٌ عَلَيْهَا ، غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَكَانَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِهَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَبِي بُرْدَةَ : لَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ , فَقَالَ : لَا يَكُونُ إِجْزَاءٌ إِلَّا عَنْ وَاجِبٍ ، وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مُخَالِفِهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ ، لَمَّا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ الَّتِي كَانَ أَوْجَبَهَا قَبْلَ أَوَاَنِ ذَبْحَهَا مُسْتَهْلِكًا لَهَا فِيمَا قَدْ كَانَتْ صَارَتْ لَهُ ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ مِنْهَا ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا قَالَ لَهُ مِنْ أَجْلِ اسْتِهْلَاكِهِ وَاجِبًا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِإِيجَابِهِ إِيَّاهُ فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ لِنَقِفَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَوَجَدْنَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَجِبُ بِإِيجَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا إِذَا أَوْجَبَهَا الْعِبَادُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَكُنْ إِيجَابُهُمْ إِيَّاهُمْ إِيجَابًا لَهُ مَعْنًى ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ السَّبِيلَ إِلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ ، وَكَانَتِ الْأُضْحِيَّةُ إِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا كَانَ إِيجَابُ الْعِبَادِ إِيَّاهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا كَانَ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِإِيجَابِهِ إِيَّاهَا ، غَيْرَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَهَا ، فَلَمْ يُوجِبْهَا فِي شَاةٍ وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا بَدَنَةٍ بِعَيْنِهَا ، فَإِذَا جَعَلَ الرَّجُلُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ ، احْتُمِلَ أَنْ يَجِبَ كَمَا أَوْجَبَهُ ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ، فَرَأَيْنَا مَا أَوْجَبَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَوْ هَلَكَ بِمَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ، لَمْ يَسْقُطْ مَا كَانَ اللَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ ، فِيمَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، عَقَلْنَا أَنَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ ، إِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْجَبَ الْأُضْحِيَّةَ هُوَ غَيْرُ الَّذِي أَوْجَبَ ، فَكَانَ هَلَاكُهُ وَبَقَاؤُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، هَذَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ إِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَهَا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حُكْمِهَا إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا ، فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ مَنِ اسْتَهْلَكَهَا ، قَبْلَ أَنْ يُنْفِذَهَا فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا حَتَّى يَصْرِفَهَا فِيمَا يَجِبُ صَرْفُهَا فِيهِ مِمَّا هُوَ بَدَلٌ مِنْهَا ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، لَمْ يَنْظُرْ إِلَى قِيمَةِ مَا ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ ، فَلَزِمَهُ إِيَّاهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ لِمَا أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ لَهُ هُوَ لِغَيْرِ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجَوبُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى وَاجِدِيهَا ، وَكَانَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِهِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ ، فَقَالُوا : إِنَّكَ قَدْ نَزَلَتْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نُأَمِّنَكَ ، وَتُأَمِّنَنَا ، فَأَوْثَقَ لَهُمْ لَوْ لَمْ يُسْلِمُوا ، فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي رَجَبٍ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ ، فَكَانُوا كَثِيرًا ، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ ، فَمَنَعُونَا ، وَقَالُوا : لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ؟ فَقُلْنَا : إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنْ أَخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : مَا تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : نَأْتِي النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَنُخْبِرُهُ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لَا ، بَلْ نُقِيمُ هَاهُنَا ، وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي : لَا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ ، فَنَقْتَطِعُهَا ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ ، وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ، وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَامَ غَضْبَانَ ، مُحْمَرَّ الْوَجْهِ ، فَقَالَ : ذَهَبْتُمْ جَمِيعًا ، وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ ؟ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ ، لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ ، فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَمِيرٌ ، فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا ، وَقَدْ رُوِّيتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ فَذَكَرَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فِي سَفَرٍ ، فَأَمِّرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدَكُمْ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ كَانَ مُتَقَدِّمًا ، وَكَانَ مِنَ الْمَبْعُوثِينَ فِيمَا بُعِثُوا لَهُ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ ، فَكَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ لِكَرَاهَتِهِ الِاخْتِلَافَ مَا قَدْ أَجْرَى أُمُورَ نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ عَلَى خِلَافِهِ مِنَ التَّأْمِيرِ عَلَى جُيُوشِهِ لِتَرْجِعَ الْأُمُورُ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ مَعَهُ طَاعَتُهُ ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَنْ قَوْلِهِ ، وَشَدَّ ذَلِكَ مَا أَنْزَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ : {{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }} ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ