حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ . فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا ، فَقَامَ رَجُلٌ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ ؟ فَقَالَ : مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا . فَقَالَ : مَا أَجِدُ . فَقَالَ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمَ حَدِيدٍ . فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : قَدْ زَوَّجْتُكَهَا . فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ قَبُولُ هَذَا فِي تَزْوِيجِهِ امْرَأَةً وَهَبَتْ لَهُ نَفْسَهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ لَمْ يَسْأَلْهُ تَزْوِيجَهَا إِيَّاهُ ذَلِكَ الرَّجُلَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لَا زِيَادَةَ فِيهِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ شَيْخِ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزْوِيجَهَا الرَّجُلَ الَّذِي زَوَّجَهَا إِيَّاهُ بِلَا اسْتِئْمَارٍ مِنْهُ إِيَّاهَا فِي ذَلِكَ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنِّي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : أَنْكِحْنِيهَا ، فَسَكَتَ ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَقَالَ : عِنْدَكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : اذْهَبْ فَاطْلُبْ . فَذَهَبَ فَطَلَبَ ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : لَمْ أَجِدْ شَيْئًا . فَقَالَ : اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ فَطَلَبَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : لَمْ أَجِدْ شَيْئًا . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سُورَةُ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَ مَعَ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : إِنَّا فِي الْقَوْمِ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةٌ : إِنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَرَ فِيَّ رَأْيَكَ . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : زَوِّجْنِيهَا . فَقَالَ : اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِئْ بِشَيْءٍ وَلَا بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَعَكَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَزَوَّجَهُ بِمَا مَعَهُ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ . وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ : إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ ، فَسَكَتَ فَلَمْ يُجِبْهَا بِشَيْءٍ ، حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ . فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا خَاطَبَتْ بِهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِطْلَاقُهَا لَهُ أَنْ يَرَى فِيهَا رَأْيَهُ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا انْطَلَقَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ ، فَزَوَّجَهَا الرَّجُلَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِيَّاهُ . وَمِثْلُ هَذَا مَا قَدِ اسْتَعْمَلَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمُضَارِبِ الْمَمْنُوعِ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ لِلْمُضَارَبَةِ الَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ دَافِعُهُ إِلَيْهِ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ , فَيَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ دَفْعُهُ إِلَى مَنْ يَرَى لِيَحِلَّ بِهِ مَحَلَّهُ ، وَلِيَعْمَلَ فِيهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَعْمَلُ فِيهِ لَوْ عَمِلَ فِيهِ ، وَلِيَكُونَ لَهُ مِنْ رِبْحِهِ مَا يَجْعَلُهُ لَهُ مِنْهُ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَمْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَمَّا جَعَلَتْ لَهُ فِي هِبَتِهَا لَهُ نَفْسَهَا أَنْ يَرَى فِيهَا رَأْيَهُ . وَاللَّهَ تَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الْبَلْخِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جِئْتُ لِأَهَبَ نَفْسِي لَكَ . فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ , فَقَالَ : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا . فَقَالَ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا . قَالَ : انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ . فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ . قَالَ : فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُوَلِّيًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ , فَقَالَ : مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا فَقَالَ : أَتَقْرَأُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ . وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ . فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورَ فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَا أُصْدِقُهَا نِصْفَ إِزَارِي ، وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ : مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ جَرَى بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْإِزَارِ كَذَلِكَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لُبْسَهُ بِكَمَالِهِ فِي حَالٍ مَا يَحِقُّ مِلْكُهُ نِصْفَهُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ ، كَمَا لَمْ يَقُلْ لَهُ : إِنْ لَبِسَهُ سِوَاكَ أَوْ سِوَاهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ وَلَا عَلَيْهَا ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ وَمِمَّا سِوَاهَا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا إِنْ قُسِمَ انْقَسَمَ ، أَنْ يُسْتَعْمَلَ كَذَلِكَ وَأَنْ ، تَجْرِيَ فِيهِ الْمُهَايَأَةُ ، فَيَسْتَعْمِلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكِيهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ فِيهِ وَقْتًا مَعْلُومًا حَتَّى يَعْتَدِلَا فِي مَنَافِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْطَلِقًا فِيهِ التَّجْزِئَةُ جُزِّئَ بَيْنَهُمَا ، فَجُعِلَ جُزْءٌ مِنْهُ يَفِي بِحَقِّ أَحَدِهِمَا فِي يَدِهِ لِمُدَّةٍ مَا ، وَجُعِلَ جُزْءٌ مِنْهُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْهُمَا تِلْكَ الْمُدَّةَ يَسْتَعْمِلُهُ بِحَقِّ مِلْكِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ فِيمَا هُوَ مِنْهُ , وَهَذَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي الدَّارِ تَكُونُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَيَطْلُبُ أَحَدُهُمَا سُكْنَى نَصِيبِهِ مِنْهَا وَيَأْبَاهُ الْآخَرُ : إِنَّ الْمُهَايَأَةَ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا ، وَمِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يَقُولُ : إِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا بِإِطْلَاقِ صَاحِبِهِ ذَلِكَ لَهُ . وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ، فَقُلْتُ : أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ؟ قَالَ : أَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ ؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَنَزَلَتْ : {{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ }} . وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , فَقُلْتُ : أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ ؟ فَقَالَ : أَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَبِيهِ ؟ قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : {{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ }} . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْكَارُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اسْتِغْفَارَهُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ , وَذِكْرُ عَلِيٍّ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَنُزُولُ مَا ذُكِرَ نُزُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ، أَوْ تِلَاوَتُهُ عَلَيْهِ مَا تَلَاهُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَوَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَا حَيَّيْنِ أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا مَيِّتَيْنِ عِنْدَ اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا ، غَيْرَ أَنَّ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيهِ مَعْنًى يُوجِبُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي نَهَى بِهِ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ : {{ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }} ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَفِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ مَا كَانَ الْإِيمَانُ مَرْجُوًّا مِنْهُمْ ، وَمُحَرَّمًا عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ يُؤْيَسَ مِنْهُمْ مِنْهُ , وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : كَذَا فِي كِتَابِي ، وَالصَّوَابُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْحَضْرَمِيُّ ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }} ، فَكَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَمْسَكُوا عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِأَمْوَاتِهِمْ ، وَلَمْ يَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْأَحْيَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }} ، يَعْنِي اسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا ، فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِمَّا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ شَدَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : {{ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ }} ، وَاحْتَمَلْنَا حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ إِنَّمَا أَخَذَ الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ مَا تَلَوْنَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا نُزُولَ مَا قَدْ كَانَ مِنْ أَجْلِهِ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ : أَيْ عَمِّ ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمَا وَاللَّهِ لِأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى }} ، وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ : {{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }} . وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَعُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ . وَكَمَا حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ ، لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ . فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَنْزَلَ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ لِسَبَبِ مَا كَانَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كَانَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَقَابِرِ ، فَأَمَرَنَا فَجَلَسْنَا ، ثُمَّ تَخَطَّى الْقُبُورَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا ، فَجَلَسَ فَنَاجَاهُ طَوِيلًا ، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَاكِيًا ، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْنَا ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : مَا الَّذِي أَبْكَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَدْ أَبْكَانَا وَأَفْزَعَنَا ؟ فَأَخَذَ بِيَدِ عُمَرَ , ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَأَتَيْنَاهُ , فَقَالَ : أَفْزَعَكُمْ بُكَائِي ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : إِنَّ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِي قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَنَزَلَ عَلَيَّ : {{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ }} حَتَّى تَنْقَضِيَ الْآيَةُ ، {{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ }} ، فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَيْنِ مِنَ الرِّقَّةِ ، فَذَلِكَ الَّذِي أَبْكَانِي . فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ فِيهِ نُزُولُ مَا قَدْ تَلَوْنَا ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ مَا قَدْ تَلَوْنَا بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَبَبِ أَبِي طَالِبٍ ، وَمِنْ سَبَبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا كَانَ سَمِعَهُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِ لِأَبَوَيْهِ ، وَمِنْ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ , وَمِنْ سُؤَالِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ الْإِذْنَ لَهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا ، فَكَانَ نُزُولُ مَا تَلَوْنَا جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي إِبَاحَةِ الِاسْتِغْفَارِ لِأَحْيَائِهِمْ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِغْفَارُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِوَالِدَتِي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي . وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَقَبْلَ الْمَائِدَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَائِدَةِ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا مَسَحَ بَعْدَ الْمَائِدَةِ , وَلَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عِيرٍ بِالْفَلَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَيْهِمَا . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى خُفَّيْهِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا بَعْدَ نُزُولِهَا عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَلَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عِيرٍ بِالْفَلَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ، فَتَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَوْمٌ ، فَمَنَعُوا بِهِ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ . فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ هَلْ يُوجِبُ مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ فَوَجَدْنَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّاسِ بَعْدَ نُزُولِهَا عَلَيْهِ : لَا تَمْسَحُوا عَلَيْهِمَا فَإِنَّ الَّذِي نَزَلَ عَلَيَّ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَتِ الْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ بِنَسْخِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ ، وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا , وَرَآهُ غَيْرُهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَنْ رَآهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ نُزُولِهَا أَوْلَى بِمَا رُوِيَ مِمَّنْ رَوَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ نُزُولِهَا . وَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَلَأَنْ أَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ عِيرٍ بِالْفَلَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ، فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ قَدِ اخْتَصَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ فِيهِمْ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَا اخْتَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ إِلَّا بِثَلَاثَةٍ : إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ ، وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ ، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ . وَكَانَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ هُوَ الْمُبَالَغَةَ فِيهِ ، وَتَبْلِيغَهُ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ ، وَفِي ذَلِكَ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ لَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَيْهِمَا , وَيَكُونُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ , وَيَكُونُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَمَا يَمْسَحُ غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ ، وَإِنْ كَانَ لُزُومُ مَا اخْتَصَّهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ . ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ فَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ
وَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقَالَ : لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ . فَكَانَ تَصْحِيحُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِيَارَهُ لِنَفْسِهِ مَا اخْتَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِهِ ، وَإِعْلَامَهُ النَّاسَ الَّذِينَ هُمْ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَبِخِلَافِ بَنِي هَاشِمٍ سِوَاهُ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى خِفَافِهِمْ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْهُ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا تَوَجَّهَ لَنَا فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ احْتِمَالِنَا فِيهِ حَدِيثَ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْهُ ، وَهُوَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ فِي حَالِ التَّغَيُّرِ وَقَبْلَ حَالِ التَّغَيُّرِ ، فَلَمْ يُدْرَ أَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا أَخَذَهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ أَوْ بَعْدَ التَّغَيُّرِ ، وَإِنَّمَا حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا مِمَّنْ سِوَاهُمْ ، وَهُمْ شُعْبَةُ ، وَالثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ أَمْ لَا ؟
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ جَرِيرًا تَوَضَّأَ مِنَ الْمَطْهَرَةِ ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْكَ ؟ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ . كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ يُعْجِبُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ
وَوَجَدْنَا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ الرَّقِّيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامٍ ، قَالَ : بَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ بُلْتَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَالَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ . قَالَ الْأَعْمَشُ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ : كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ
وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَضَى حَاجَةً مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، فَضَحِكَ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ : إِنْ تَعْجَبْ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ
حَدَّثَنَا يُوسُفُ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْجَبًا بِحَدِيثِ جَرِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَثْبِيتُ جَرِيرٍ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ . فَقَالَ قَائِلٌ : إِنَّمَا الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ مِنْهُمْ إِيَّاهُ عَنْ جَرِيرٍ ؛ فَكَانَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا . وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَرِيرٍ مُتَّصِلًا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، قَالَ : بَالَ جَرِيرٌ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَوْمٌ , وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ , فَقَالَ : مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ , وَمَا رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ إِلَّا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ ، وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ . فَقَالُوا : بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ؟ فَقَالَ جَرِيرٌ : إِنَّمَا أَسْلَمْتُ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ . فَهَذَانِ حَدِيثَانِ مُتَّصِلَانِ عَنْ جَرِيرٍ ، فِيهِمَا إِثْبَاتُهُ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ . وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ . وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ هَذَا
مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : لَمْ أَسْمَعْ فِي الْمَسْحِ حَدِيثًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، وَفِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ