حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَبْرِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ , وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالُوا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي طُفَيْلٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لَهُ : يَا عَلِيُّ , إِنَّ لَكَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ , وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا , فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ , فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ . فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ : وَإِنَّكَ ذُو قَرْنَيِ الْجَنَّةِ , يُرِيدُ طَرَفَيْهَا إِذْ كَانَ ذِكْرُهُ ذَلِكَ بَعَقِبُ ذِكْرَهُ الْجَنَّةَ . وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ : إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْ هَذِهِ الْأُمَّةِ , فَأَضْمَرَ الْأُمَّةَ كَمِثْلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ }} , وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : {{ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ }} يُرِيدُ الْأَرْضَ , وَلَمْ يَذْكُرْهَا قَبْلَ ذَلِكَ , وَكَمِثْلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ }} وَهُوَ يُرِيدُ الشَّمْسَ فَأَضْمَرَهَا , ثُمَّ مِثْلُ قَوْلِ النَّاسِ : مَا بِهَا - يُرِيدُونَ الْقَرْيَةَ أَوِ الْمَدِينَةَ - أَعْلَمُ مِنْ فُلَانٍ . وَذَهَبَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى سِوَى هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَذِي الْقَرْنَيْنِ فِي أُمَّتِهِ فِي دُعَائِهِ إِيَّاهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقِيلَ لَهُ : لِذَلِكَ إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِهِ . وَشَدُّوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ
بِمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ , عَنْ بِسَامٍّ الصَّيْرَفِيِّ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ : قَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : سَلُونِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلُونِي , وَلَنْ تَسْأَلُوا بَعْدِي مِثْلِي فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ : مَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ , أَمَلَكٌ كَانَ أَوْ نَبِيٌّ ؟ قَالَ : لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ , وَنَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ , ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَمَاتَ , ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ , وَفِيكُمْ مِثْلُهُ . وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ , وَابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيَّ يَعْنِيَانِ ابْنَ عَائِشَةَ , وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ : إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا فَقَالَ : أَرَادَ إِنَّكَ كَبْشُهَا وَفَارِسُهَا . فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَيْتَهُ : وَفِيكُمْ مِثْلُهُ فَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ مِمَّا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مِثْلًا لِذِي الْقَرْنَيْنِ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مِثْلٌ لِذِي الْقَرْنَيْنِ فِي دُعَائِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَفِي قِيَامِهِ بِالْحَقِّ , دُعَاءً وَقِيَامًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , كَمَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ , وَفِيمَا قَامَ بِهِ قَائِمًا وَدَاعِيًا بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالْأَشْيَاءُ قَدْ تُشَبَّهُ بِالْأَشْيَاءِ لِشَبَهِهَا إِيَّاهَا فِي مَعْنًى وَإِنْ كَانَتْ لَا تُشْبِهُهَا فِي خِلَافِهِ , كَمِثْلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ }} لَيْسَ أَنَّهُنَّ مِثْلُهُنَّ فِي أَنَّهُنَّ سَمَاوَاتٌ , وَلَكِنَّهُنَّ أَرْضُونَ عَدَدُهُنَّ كَعَدَدِ السَّمَاوَاتِ , فَكُنَّ مِثْلًا لَهُنَّ فِي الْعَدَدِ لَا فِيمَا سِوَاهُ , فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَفِيكُمْ مِثْلُهُ أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ , كَمِثْلِ الَّذِي كَانَ مِنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي أُمَّتِهِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَعْثَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ بَعْدَمَا ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَمَاتَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ , فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأُولَى تَفْجَؤُهُ بِلَا اخْتِيَارٍ لَهُ فِيهَا , فَلَا يَكُونُ مَأْخُوذًا بِهِ , وَلَا تَكُونُ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ , فَهِيَ لَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ فَإِنَّ الْآخِرَةَ تَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ لَهَا , فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِ , وَمَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ . وَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ يَذْكُرُهُ عَنْ بُرَيْدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَبَعْضُهُمْ لَا يَذْكُرُ فِيهِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَيْنَ بُرَيْدَةَ أَحَدًا
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ , عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ , الْأُولَى لَكَ وَالْآخِرَةُ عَلَيْكَ وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ , عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ , عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , رَفَعَهُ مِثْلَهُ , وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيًّا , وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَكَمَا حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ , عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ , فَقَالَ : اصْرِفْ بَصَرَكَ وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ . وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ , وَأَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ . وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ فِي النَّظْرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيهَا ابْتِدَاءً , وَفِي النَّظْرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهَا بِمَا يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : يَمِينُكَ عَلَى مَا صَدَّقَكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ هَذَا الْوَجْهِ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ هِشَامٍ التَّمَّارُ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : يَمِينُكَ عَلَى مَا صَدَّقَكَ فِيهَا صَاحِبُكَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَكَانَ أَحْسَنَ مَا حَضَرَ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُرَادَةَ فِيهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ , يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِيهَا مَنْ يَسَعُهُ جُحُودُهُ إِيَّاهَا وَدَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ , وَحَلِفُهُ عَلَيْهَا . فَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الشَّيْءُ فَيَنْقَلِبُ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي نَوْمِهِ فَيُتْلِفُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنَ النَّائِمِ بِذَلِكَ , وَبِمُعَايَنَةٍ مِنْ صَاحِبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِذَلِكَ مِنْهُ فِي شَيْئِهِ , فَيَكُونُ صَاحِبُ الشَّيْءِ فِي سَعَةٍ مِنْ دَعْوَاهُ الْوَاجِبَ لَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ النَّائِمِ , وَيَكُونُ النَّائِمُ فِي سَعَةٍ مِنْ دَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَفِي سَعَةٍ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ نَفْسِهِ , وَكَانَ مِنْ حَقِّ مَنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُهُ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ وَاجِبًا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ , وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي سَعَةٍ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى ذَلِكَ , إِذْ كَانَ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ , غَيْرَ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ فِي الظَّاهِرِ كَهِيَ فِي الْبَاطِنِ , لَا تَوْرِيكَ مِنْهُ فِيهَا , وَكَانَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا يَعْلَمُ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ مَظْلُومٌ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ , وَيَكُونُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَوْرِيكِ يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى ذَلِكَ إِثْمٌ . كَمِثْلِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ مِمَّا كَانَ مِنْهُ فِي وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيِّ فِي حَلِفِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ لَمَّا طَلَبَهُ عَدُوُّهُ لِيَقْتُلَهُ , وَمِنْ تَنَاهِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِ سُوَيْدًا عَلَى حَلِفِهِ كَانَ عَلَى ذَلِكَ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّائِيُّ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , عَنْ جَدَّتِهِ , عَنْ أَبِيهَا سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ : خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَمَعَنْا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ , فَتَحَرَّجَ النَّاسُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ إِنَّهُ أَخِي , فَخَلَّى عَنْهُ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ وَقُلْتُ : إِنَّهُمْ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا فَحَلَفْتُ إِنَّهُ أَخِي , فَخَلَّى عَنْهُ , فَقَالَ : صَدَقْتَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَفَلَا تَرَى أَنَّ سُوَيْدًا كَانَ يَمِينُهُ لِعَدُوِّ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِيُخَلِّيَ عَنْهُ , وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَدُوِّ وَائِلٍ ظُلْمًا مِنْهُ لِوَائِلٍ فَوَسِعَ سُوَيْدًا الْحَلِفُ عَلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ وَائِلٍ مَا أَرَادَ مِنْهُ عَدُوُّهُ , حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ خَلَاصِهِ مِنْ يَدِهِ , وَحَتَّى حَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُوَيْدًا عَلَيْهِ , فَكَانَ تَصْحِيحُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ سُوَيْدٍ مَا قَدْ حَمَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ , وَتَأَوَّلْنَا فِيهِ حَتَّى خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِلَا تَضَادٍّ , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ لَقِيتُ رَجُلًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ سُرَّقُ , فَقُلْتُ لَهُ : مَا هَذَا الِاسْمُ ؟ قَالَ : سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّهُ يَقْدُمُ لِي مَالٌ فَبَايَعُونِي , فَاسْتَهْلَكْتُ أَمْوَالَهُمْ , فَأَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّهُ سُرَّقٌ فَبَايَعَنْي بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ , فَقَالَ لَهُ غُرَمَاؤُهُ : مَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ : أُعْتِقُهُ قَالُوا : مَا نَحْنُ بِأَزْهَدَ فِي الْآخِرَةِ مِنْكَ فَأَعْتَقُونِي . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَأَدْخَلَ فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَبَيْنَ سُرَّقٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ
كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ : كُنْتُ بِمِصْرَ فَقَالَ لِي رَجُلٌ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ فَقُلْتُ : بَلَى . فَأَشَارَ إِلَى رَجُلٍ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ : أَنَا سُرَّقٌ , فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , مَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ وَأَنْتَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَقَالَ : رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَمَّانِي سُرَّقًا فَلَنْ أَدَعَ ذَلِكَ أَبَدًا , قُلْتُ : وَلِمَ سَمَّاكَ سُرَّقًا ؟ قَالَ : لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِبَعِيرَيْنِ لَهُ يَبِيعُهُمَا , فَابْتَعْتُهُمَا مِنْهُ وَقُلْتُ : انْطَلِقْ مَعِي حَتَّى أُعْطِيَكَ , فَدَخَلْتُ بَيْتِي ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ خَلْفٍ لِي , وَقَضَيْتُ بِثَمَنِ الْبَعِيرَيْنِ حَاجَتِي وَتَغَيَّبْتُ , حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ قَدْ خَرَجَ فَخَرَجْتُ وَالْأَعْرَابِيُّ مُقِيمٌ , فَأَخَذَنِي وَقَدَّمَنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ فَقُلْتُ : قَضَيْتُ بِثَمَنِهِمَا حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : فَاقْضِهِ قُلْتُ : لَيْسَ عَنْدِي . قَالَ : أَنْتَ سُرَّقٌ , اذْهَبْ يَا أَعْرَابِيُّ فَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ حَقَّكَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسُومُونَهُ بِي وَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ فَيَقُولُ : مَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : نُرِيدُ أَنْ نَبْتَاعَهُ مِنْكَ , قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي , اذْهَبْ فَقَدْ أَعْتَقْتُكَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ قَائِلٌ : فَمَا يَخْلُو مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , أَوْ يَكُونَ غَيْرَ ثَابِتٍ عَنْهُ , فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَنْهُ فَقَدْ أَضَفْتُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَكُمْ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ . فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , إِذْ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِمْ , وَقَدْ كَانَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ أَيْضًا مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا كَانَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ الْخَضِرِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ مِنْ إِرْقَاقِهِ إِيَّاهَا , وَتَمْلِيكِهِ غَيْرَهُ لَهَا , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ , عَنِ الْخَضِرِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَمْشِي فِي سُوقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْصَرَهُ رَجُلٌ مُكَاتَبٌ فَقَالَ : تَصَدَّقْ عَلَيَّ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ , قَالَ الْخَضِرُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ , مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرٍ يَكُنْ مَا عَنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ , فَقَالَ الْمِسْكِينُ : أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمَا تَصَدَّقْتَ عَلَيَّ , إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى سِيمَاءِ الْخَيْرِ فِي وَجْهِكَ , وَرَجَوْتُ الْبَرَكَةَ عَنْدَكَ . قَالَ الْخَضِرُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ , مَا عَنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ إِلَّا أَنْ تَأْخُذَنِي فَتَبِيعَنِي . فَقَالَ الْمِسْكِينُ : وَهَلْ يَسْتَقِيمُ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ , لَقَدْ سَأَلْتَنِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ , أَمَا إِنِّي مَا أُخَيِّبُكَ بِوَجْهِ رَبِّي فَبِعَنْي , فَقَدَّمَهُ إِلَى السُّوقِ , فَبَاعَهُ بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ , فَمَكَثَ عَنْدَ الْمُشْتَرِي زَمَانًا لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي شَيْءٍ , فَقَالَ الْخَضِرُ : أَمَا إِنَّكَ إِنَّمَا ابْتَعْتَنِي ابْتِغَاءَ خَيْرِي فَأَوْصِنِي بِعَمَلٍ . فَقَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ , إِنَّكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ . قَالَ : لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ . قَالَ : فَقُمْ فَانْقُلْ هَذِهِ الْحِجَارَةَ , وَكَانَ لَا يَنْقُلُهَا دُونَ سِتَّةِ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ , فَخَرَجَ الرَّجُلُ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ , ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ نَقَلَ الْحِجَارَةَ فِي سَاعَتِهِ . فَقَالَ : لَهُ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ , وَأَطَقْتَ مَا لَمْ أَرَكَ تُطِيقُهُ , ثُمَّ عَرَضَ لِلرَّجُلِ سَفَرٌ , فَقَالَ : إِنِّي أَحْسِبُكَ أَمِينًا , فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي خِلَافَةً حَسَنَةً . قَالَ : أَوْصِنِي بِعَمَلٍ , قَالَ : إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ , قَالَ : لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ , قَالَ : فَاضْرِبْ مِنَ اللَّبِنِ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَيْكَ , فَمَضَى الرَّجُلُ لِسَفَرِهِ , فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَقَدْ شَيَّدَ بِنَاءَهُ , فَقَالَ الرَّجُلُ : أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا جِنْسُكَ ؟ وَمَا أَمْرُكَ ؟ قَالَ : سَأَلْتَنِي بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَالسُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْقَعَنِي فِي الْعُبُودِيَّةِ , فَقَالَ : سَأُخْبِرُكَ مَنْ أَنَا ؟ أَنَا الْخَضِرُ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ , سَأَلَنِي مِسْكِينٌ صَدَقَةً فَلَمْ يَكُنْ عَنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِ , سَأَلَنِي بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَمْكَنْتُهُ مِنْ رَقَبَتِي فَبَاعَنْي , وَأُخْبِرُكَ أَنَّهُ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَرَدَّ سَائِلَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ لِوَجْهِهِ جِلْدٌ , وَلَا لَحْمٌ , وَلَا دَمٌ , وَلَا عَظْمٌ يَتَقَعْقَعُ قَالَ : آمَنْتُ بِذَلِكَ , شَقَقْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , احْكُمْ فِي أَهْلِي وَمَالِي بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ أُخَيِّرُكَ فَأُخَلِّي سَبِيلَكَ ؟ قَالَ : أُحِبُّ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلِي , فَأَعْبُدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , فَخَلَّى سَبِيلَهُ , فَقَالَ الْخَضِرُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْقَعَنْي فِي الْعُبُودِيَّةِ وَنَجَّانِي مِنْهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنَ الْأُمَمِ إِرْقَاقُ أَنْفُسِهِمْ وَتَمْلِيكُهَا غَيْرَهُمْ , وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ مِنْهُمْ تَقَرُّبًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ , كَانَ اسْتِرْقَاقُهُمْ بِالدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِمُ الَّتِي قَدْ يَكُونُ أَخْذُهُمْ إِيَّاهَا مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ طَاعَةً , فَقَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً أُخْرَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِمْ وَمَحْكُومًا بِهِ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامُ فَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذْ كَانَ مِنْ شَرِيعَتِهِ اتِّبَاعُ شَرَائِعِ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِمْ , حَتَّى يُحْدِثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَرِيعَتِهِ مَا نَسَخُ ذَلِكَ , كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : {{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }} فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مَا نَسَخَ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الرِّبَا {{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }} فَعَادَ الْحُكْمُ إِلَى أَخْذِ الدُّيُونِ لِمَنْ هِيَ لَهُ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ إِذْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عَنْدَهُ , وَإِمْهَالُهُ بِهَا إِذْ كَانَتْ مَعْدُومَةً عَنْدَهُ , حَتَّى يُوجَدَ عَنْدَهُ فَيُؤْخَذَ مِنْهُ فَيُدْفَعَ قَضَاءً عَنْهُ إِلَى مَنْ هِيَ لَهُ عَلَيْهِ , فَكَانَ فِي ذَلِكَ نَسْخُ إِرْقَاقِ الْأَحْرَارِ أَنْفُسَهُمْ وَتَمْلِيكِهِمْ إِيَّاهَا سِوَاهُمْ , حَتَّى يَعُودُوا بِذَلِكَ مَمْلُوكِينَ لِمَنْ مَلَّكُوهَا إِيَّاهُ وَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَتَوَاعَدَ مَنْ فَعَلَهُ وَعِيدًا شَدِيدًا
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ , وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ , وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَحْرِيمُ أَثْمَانِ الْأَحْرَارِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا , وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا إِقَامَةُ الْحُجَّةِ لَنَا فِي تَرْكِنَا مَا رَوَيْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَا نَسَخَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , مِمَّا أَنْزَلَهُ فِيهِ مِمَّا تَلَوْنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا رَوَيْنَا , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ