حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ قَالَ : ثنا أَسَدٌ قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ : ثنا قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ , عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ , فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمَعَكَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ مَاءٌ ؟ قَالَ : مَعِي نَبِيذٌ فِي إِدَاوَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَصْبِبْ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ بِهِ , وَقَالَ : شَرَابٌ وَطَهُورٌ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ ، قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، مَوْلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ احْتَاجَ إِلَى مَاءٍ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا النَّبِيذُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ , وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ فِي سَفَرِهِ تَوَضَّأَ بِهِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ . وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَقَالُوا : لَا يُتَوَضَّأُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ , وَمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ , تَيَمَّمَ , وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ . وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو يُوسُفَ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِنَّمَا رُوِيَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي وَصَفْنَا , وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ , طُرُقًا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ , وَلَمْ يَجِئْ , أَيْضًا الْمَجِيءَ الظَّاهِرَ . فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَعْمِلُ الْخَبَرَ إِذَا تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِهِ . فَهَذَا مِمَّا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ , لِمَا ذَكَرْنَا , عَلَى مَذْهَبِ الْفَرِيقَيْنِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا . وَلَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ , لَمْ يَكُنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَتئِذٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : ثنا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ : أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ : لَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : ثنا وَهْبٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ فَلَمَّا انْتَفَى عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَتئِذٍ , وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى مِثْلِهِ , بَطَلَ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ مِمَّا يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَعَلَ لَيْلَتئِذٍ , إِذْ كَانَ مَعَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : الْآثَارُ الْأُوَلُ أَوْلَى مِنْ هَذَا لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ , وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ , لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا . قِيلَ لَهُ : لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ احْتَجَجْنَا بِكَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ , إِنَّمَا احْتَجَجْنَا بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ , عَلَى تَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ , وَمَوْضِعِهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ , وَخُلْطَتِهِ لِخَاصَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ أُمُورِهِ . فَجَعَلْنَا قَوْلَهُ ذَلِكَ حُجَّةً فِيمَا ذَكَرْنَاهُ , لَا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي وُضِعَتْ . وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِهِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ , مَا قَدْ وَافَقَ مَا قَالَ : أَبُو عُبَيْدَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، قَالَ : ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمْ أَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ , وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ
حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ , قَالَ : ثنا أَسَدٌ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ : ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ , عَنْ عَلْقَمَةَ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَلْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ أَحَدٌ ؟ فَقَالَ : لَمْ يَصْحَبْهُ مِنَّا أَحَدٌ , وَلَكِنْ فَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ , فَقُلْنَا : اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ فَتَفَرَّقْنَا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ نَلْتَمِسُهُ , وَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ نَقُولُ : اسْتُطِيرَ , أَمِ اغْتِيلَ . فَقَالَ : إِنَّهُ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ , فَذَهَبْتُ أُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ أُنْكِرَ أَنْ يَكُونَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ . فَهَذَا الْبَابُ إِنْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ طَرِيقِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ , فَهَذَا الْحَدِيثُ , الَّذِي فِيهِ الْإِنْكَارُ أَوْلَى , لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقِهِ وَمَتْنِهِ , وَثَبْتِ رُوَاتِهِ . وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ , أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ , وَلَا بِالْخَلِّ , فَكَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نَبِيذُ التَّمْرِ أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ . فَلَمَّا كَانَ خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الْمِيَاهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , كَانَ كَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ . وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِهِ , وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُهُمْ , فَقِيلَ إِنَّهُ تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ , وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ , لِأَنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ , فَهُوَ أَيْضًا فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ ذَلِكَ النَّبِيذَ هُنَالِكَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ إِيَّاهُ بِمَكَّةَ . فَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيذَ مِمَّا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي , ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ لَا بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ , وَفِي حَالِ عَدَمِهِ . فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ , وَالْعَمَلِ بِضِدِّهِ , فَلَمْ يُجِيزُوا التَّوَضُّؤَ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ , وَلَا فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْصَارِ , ثَبَتَ بِذَلِكَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ , وَخَرَجَ حُكْمُ ذَلِكَ النَّبِيذِ , مِنْ حُكْمِ سَائِرِ الْمِيَاهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ